بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

سارة الجروان تدون حكايات التراث من أجل المستقبل


في كتابها "بنت نارنج الترنج"
سارة الجروان تدوّن حكايات التراث من أجل المستقبل
آخر تحديث:السبت ,25/12/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تقدم سارة الجروان في كتابها “بنت نارنج الترنج” الصادر عن دار الآداب2010 اثنتي عشرة حكاية شعبية إماراتية أو “حزاية” كما تسمى شعبيا استقتها شفاها من الرواة، وصاغتها بطريقتين الأولى بالعامية على طريقة الرواة مع تصرف كما صرحت بذلك، والثانية بالفصحى فكأن الثانية ترجمة للأولى .
تدور كل هذه الحكايات في بيئة تشابه البيئة الإماراتية التقليدية من حيث بنية المجتمع وطبيعة المكان، ففي ما يتعلق ببنية المجتمع تتواتر في النص أوصاف “الشيخ، والشيوخ، ولد الشيخ، والجماعة” فهناك من جهة الشيخ وهناك من جهة أخرى الجماعة ويدل هذا على أن البنية الهرمية للمجتمع كانت تتألف من الشيخ والجماعة وهي “القبيلة”، وهي البنية التقليدية للمجتمع الخليجي، وهناك فئة ثالثة تعيش على هامش هذه البنية الثنائية ويتردد ذكرها في الحكايات وهي “الخادمة، البشكارة، الخادم” وهم الخدام الذين كانوا يتولون العمل اليدوي في المجتمع التقليدي .
على مستوى طبيعة المكان نصادف كلمات، مثل: وادي، وشريعة، ونخيل، وبحر، وأرض خلاء، حارة لا إنس ولا أنيس فيها، وكلها تمثل ملامح البيئة الإماراتية المقسمة بين البحر والصحراء، ويسود فيها اقتصاد الصيد والرعي وزراعة النخيل والتجارة .
هذه البنية التقليدية والمعروفة واقعياً لمجتمع الحكاية تخترقها وتتشابك معها بنية أسطورية أخرى تقدم شخوصاً وأماكن مفارقة وخارقة، لا مثيل لها في الواقع، ولا تكاد تخلو أي من تلك الحكايات من ذلك، فكل حكاية تحمل بعدين أحدهما واقعي يحكي عن بشر يعيشون حياتهم العادية ثم لا يلبث أن تقتحم عليهم حياتهم شخصيات وعوالم أسطورية نتيجة لاستماعهم لحكايات كثيرة .
في حكاية جزائر “واق واق” تبدأ الحكاية بشاب ابن لتاجر له مزرعة تحيطها ترعة ويعيش حياة عادية مع أمه التي تحبه وتدلّله، ثم ما يلبث أن يتحول السرد بدخول عنصر خارق تمثل في الجنيات الطائرات اللواتي حططن عند الترعة وخلعن أجنحتهن وريشهن، واغتسلن في ماء الترعة، وهنا يدخل السرد في باب الأسطورة وعوالمها، ففي كل مرة يأتين كان الشاب يكمن لهن عند الترعة يراقبهن وقد شغف بالصغرى حتى استحكم حبها في نفسه، فدبر حيلة للإمساك بها، وبحث عن ثوبها الذي تطير به فاختطفه، ولما خرجت الجنيات لم تجد الصغيرة ثوبها وباغتها الشاب فأمسك بها وفرت أختاها، وعاد بها إلى بيته ليتزوجها، لكنها بعد مدة تحتال على أمه لتعطيها ثوب الريش فتطير به، ويدخل الشاب في رحلة إلى جزر “الواق واق” الأسطورية بعوالمها وشخوصها الغريبين، وبعد كثير من المغامرات يخلص فتاته من الجن الذين كانوا يحبسونها ليخرجوا منها طبائع الإنس التي تركها فيها سكناه معه .
وهناك حكاية العجوز التي ألقاها ابنها في الخلاء بعد أن ادعت زوجته عليها الخرف وأغرته بذلك، حيث يمر عليها ثلاثة من الملائكة ويدعون لها أن ترزق قصراً ومالاً وحشماً، وتعود بنت عشرين وتتزوج، فيحدث ذلك في الحال، وحتى في الحالة الوحيدة التي لم تخرج منها الحكاية عن عالم الإنس “مؤنس العذارى” فإنها عمدت إلى أسطرة الواقع فالفتاة التي تركها أبوها في واد خلاء عند سدرة كبيرة وغدير ماء بعد مكيدة من زوجته، ستعيش سنين طويلة في ذلك المكان تشرب من الغدير وتأكل من نبق السدرة، وتنام على فروع السدرة من دون أن يصيبها مكروه إلى أن يأتيها فارس الأحلام فجأة متمثلاً في الأمير الذي أخذها معه مكرمة وتزوجها، فهذه القصة وإن كانت عناصرها واقعية إلا أن بنيتها الحدثية أسطورية، فليس من المعقول أن تعيش فتاة صغيرة في أرض قفر ليس فيها غير الوحوش الكاسرة كل هذه السنين من دون أن تتأثر بشيء أو تمرض، وتطرح هذه المواشجة بين الواقع والأسطورة في الحكايات الشعبية الواردة في الكتاب سؤالاً عن دلالتها، وما هي الغايات من ورائها؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن ننظر في أهداف الحكاية الشعبية نفسها، فهل تحمل تلك القصص أهدافاً تختلف عن الأهداف العامة للحكاية والتي تتمثل في التسلية عن طريق التشويق والإثارة من خلال الغرائب، الجواب عن ذلك يأتي قطعياً من المؤلفة نفسها في مقدمتها للحكايات بقولها: “حكايات السرد الشفاهي في كل حضارة تشكل ركيزة مهمة إذ تضطلع بإرساء مفاهيم من شأنها أن تشكل البنية التأسيسية للفرد الذي ينخرط في مجتمعه بوتيرة سوية ذات نسق معرفي جماعي”، ونتيجة لذلك نجد الحكايات التي تقدمها الجروان هنا موظفة معرفياً لإرساء أسس أخلاقية للمجتمع الإماراتي أو الخليجي عموماً .
إن البنت يتيمة الأم في الحكاية الأولى “مونس العذارى” التي تكيد لها زوجة أبيها تنتهي حكايتها بانتصارها على من خانوها بدءاً بزوجة أبيها وانتهاء بالوزير الذي قتل أولادها أمام عينيها لترضخ لرغبته فيها، وذلك لتقول إن الشرف لا بد أن ينتصر على المكيدة والخيانة، والمنظور نفسه نجده في حكاية “وادي كيدا” و”محيريق” و”البديحة” و”عصا الوالدة” و”بيض الحمري” وغيرها .
وتأسيساً لمبدأ أخلاقي آخر تأتي حكاية “ولد حميد البادي” الذي تعلقت نفسه ببنت الشيخ وعزم أن يتزوجها واجتهد لذلك حتى كان له ما أراد، حكاية الطموح والإنسان الذي يفعل من دون كلام كثير، في مقابل الرجل الذي يتكلم ويدعي وهو غير قادر على الفعل ويمثله “ابن عم” بنت الشيخ، دعوة إلى الطموح والفعل في الحياة، وفي السياق نفسه تصب قصة “جزر الواق واق” “بنت نارنج الترنج” التي اتخذت المجموعة اسمها، وهناك أمثلة كثيرة لمبادئ أخلاقية يضيق المقام عن تتبعها، والجامع لكل ذلك هو سعي السرد إلى تأصيل فكرة انتصار الخير على الشر .
تقدم الحكايات النماذج الخيرية في صورة أشخاص ضعفاء لا سند لهم، كالنساء اليتيمات والأطفال المدللين الذين لا تجربة لهم في الحياة والأشخاص الوحيدين الذين لا ظهر لهم، ولكي تنتصر هذه الشخصيات العزّل فإنها تحتاج إلى قوة خارقة، أسطورة من خارج الواقع، ومن قوى الطبيعة، كامتلاك الأجنحة أو وجود سند من الملائكة أو الجن أو الغيلان أو غيرها، وهذا هو ما استدعى البعد الأسطوري في النص، ففي مجتمع تقليدي، تلعب القوة الدور الأكبر في حل المشكلات، ولأن الأشرار إذا امتلكوا تلك القوة فسيطغون على الضعفاء فقد كان لا بد على المجتمع أن يبتدع تلك الحكايات القائمة على هذا البعد الخارق لقوة الخير والتي تصوره على أنه سينتصر لا محالة وعلى أن الظالم لا بد أن ينال عقابه يوماً ما، فالشاب الذي رمى أمه العجوز في قفار لتموت وحيدة ولم يكن لها من الأبناء غيره، سيلقى ذلك الشاب بعد أن يشيب ويضعف المصير نفسه على يد ولده، ومن المؤكد أن أي صبي صغير في ذلك المجتمع البدوي يسمع هذه القصة لا بد أن يرتعد قلبه، ويظل يتذكرها لتشكل ميزانا في علاقته مع أبويه ورادعاً له عن الإقدام على سوء في معاملتهما .
من هنا تبرز أهمية تدوين تلك الحكايات وإبرازها للناس في كتاب لكي تتمكن الأجيال اللاحقة من قراءتها، ولعل جدات المستقبل يعدن إلى روايتها، أو لعلها تحول إلى قصص كرتونية نابعة من حاجات وتراث مجتمعها لتحل محل القصص الكرتونية الغربية التي تملأ فضاءنا
الخليج

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

رواية الصحراء ومواجهة المجهول


أفق
آخر تحديث:الجمعة ,17/12/2010
محمد ولد محمد سالم
يأتي فوز الكاتب الليبي إبراهيم الكوني بجائزة ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي الخامس ليلفت الانتباه إلى إحدى أهم التجارب العربية في مجال ما عرف ب”رواية الصحراء”، ويميط اللثام عن خصائص هذا اللون من الرواية داخل الأدب العربي، والذي اعتبر إضافة نوعية إلى الرواية العربية وميزة من ميزات الإبداع العربي الحديث التي تخصه دون سائر الآداب العالمية باعتبار أن الصحراء الكبرى تقع في بلاد العرب، وهي بيئة إن تمثلها الكاتب العربي الذي خبرها تستطيع أن تلون أدبه بلون خاص، وتؤكد هذه الحقيقة القيمة الجمالية للمحلي حين يسم العالمي بطوابعه فيغدو الانتاج عالميا مع خصوصية مشهودة، ذلك هو ما صنعته رواية الصحراء التي أخذت الخصائص العالمية للرواية ومزجتها بطوابع الصحراء وناسها، فأنتجت أدبا متميزا، وهذا أيضا ما فعله الكوني الذي سخر قلمه لكتابة السيرة الروائية لإنسان الصحراء خصوصا قبائل الطوارق التي ينحدر منها .
وغاص الكوني بعمق على الموروث الحكائي لقبائل الطوارق، وتراثها الأسطوري الذي يشكل المرجعية الروحية والذهنية لتفكير أفرادها، فلمّ شتات تلك الأساطير في سرد يجمع بين واقعية الإنسان وأسطورية التاريخ، بين محدودية الكائن البشري وانفتاح الفضاء المكاني على آفاق لا نهائية تحمل له المجهول الذي هو مخيف وفي نفس الوقت باعث على البحث عن شروط النجاة في مواجهته، لا يعرف الصحراوي ماذا تخبئه له مجاهل الأرض وفيافيها الممتدة إلى ما لا نهاية، وبذلك غدت حياته أسطورية لأنها مواجهة مع المجهول وفي مواجهة المجهول لا بد من أسطورة للنجاة، لا بد من أسطرة الواقع والبحث عن القوة الخارقة التي تهزم المجهول لأن البقاء هو الهدف الأول للإنسان، وربما يكون هو دافع الإبداع لديه .
من هنا كان التقاط الكوني لأسطورة حياة سكان الصحراء، بحكايتها المشتتة التي تصب في هدف واحد هو صناعة البقاء التقاطا إبداعيا ترك تضاريسه على الرواية العربية كنص مفتوح لا نهائي متعدد الحكايات والاتجاهات السردية، في الوقت الذي هو مجموع بأفق الأسطورة الكلية، فثنائية الانفتاح والانغلاق هي إحدى أهم ميزات رواية الصحراء .
ورغم أن إبراهيم الكوني معروف منذ فترة طويلة لدى الأوساط الأدبية العربية بما حازه من جوائر عربية وغربية، إلا أن رواية الصحراء كممارسة إبداعية، ومفهوم نقدي غير شائعة كثيرا في الأوساط الأدبية العربية، ومع ذلك فهناك ممارسات أدبية عربية تصب في إطار تلك الرواية وتستفيد من الميزات البيئية التي توفرها الصحراء للكتاب، ومنها بعض أعمال عبدالرحمن منيف وميرال طحاوي، وكثير من الأعمال الروائية في المغرب العربي .
وقد بدأت بعض الدراسات النقدية تتنبه إلى تلك الرواية وتحاول استجلاء خصائصها الإبداعية، مما يتوقع أن يكون له أثر كبير في بلورة خصائص الرواية العربية، ولعل هذه اللّفتة من ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي - كما أسلفنا - تسرع وتيرة الاهتمام بهذا اللون الروائي العربي .
dah_tah@yahoo.fr

الخميس، 16 ديسمبر 2010

إنها معركة حضارية

بقلم: محمد ولد محمد سالم
Dah_tah@yahoo.fr
المتتبع للمشهد الإعلامي الموريتاني يدهش لحالة الضعف التي تسود هذا القطاع بمختلف تجلياته وخاصة العربي منه ففي حين يتمتع الإعلام المفرنس بنسبة ولو ضئيلة من المهنية والمصداقية فإن الإعلام العربي الموريتاني ما زال عاجزا عن تكوين تلك المهنية والمصداقية والاستثناءات قليلة جدا, وهذا ما جعل دوره باهتا وغائبا في كل ما يجري على الساحة الوطنية من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية, وقد يجادل البعض بأنه ما من شيء من تلك الأحداث يند عن وسائل الإعلام فهي تتناول كل شيء, وهذا صحيح ولكن هل يخدم هذا التناول الأهداف التي من أجلها وجد الإعلام,إن الإعلام في كل العالم هو وسيلة تنمية حضارية لا غنى عنها, إذ يناط به الدور الأكبر في توعية الشعب وتثقيفه والدفاع عن ثوابته الحضارية وتنمية روح الوطنية فيه وتعزيز عوامل الوحدة لديه وتحفيز همته للبناء, ومحاربة كل نهج لا يخدم التنمية أويقف في وجهها. وإن الإعلام العربي الموريتاني ما زال قاصرا عن بلوغ تلك المهمة لأن تناوله للأحداث والقضايا لا يرقى إلى المستوى المطلوب والمقنع فعلى سبيل المثال من القضايا المهمة التي تشغل بال المواطن الموريتاني اليوم قضية عودة اللاجئين الموريتانيين إلى الوطن فهذه القضية ظلت إلى اليوم غائبة لا يتناولها إلا كخبر عارض ومن حق المواطن الموريتاني أن يعرف تفاصيل هذه العودة بدءا بمعايير فرز المواطنين ممن ليسوا مواطنين مرورا بمسالك العودة ونقاط التثبيت وسياسات دمجهم وتمويلها وانتهاء بدور كل مواطن في تلك العملية ومظاهر التضامن التي ينبغي أن يظهرها لإخوانه العائدين.وكذالك من القضايا المهمة والتي أثارت ضجة في البرلمان عند التصويت عليها قضية قانون المالية لسنة 2008 فما هو الجيد في هذا القانون وما هو الرديء وهل يخدم البرنامج السياسي الذي أعلنه الرئيس في حملته الانتخابية وعينت الحكومة لتنفيذه, وبعيدا عن السياسي في المسألة ماهو رأي الخبراء والمحللين الاقتصاديين, من حق المواطن أن يعرف التفاصيل الدقيقة لتلك الميزانية ومردوديتها على المحاور التنموية الكبرى التي تهمه. وكل ذالك ممكن لو وجد من لديهم الاستعداد للقيام به ولا يمكن هنا التعلل بتكتم الحكومة فالبرامج والقوانين منشورة والبرلمانيون بمختلف مشاربهم موجودون وكذالك المحللون ولا يبقى سوى استعداد الصحافي للتضيحية بشيء من الوقت للاطلاع على الحقيقة.وحتى إذا كانت هذه القضايا الكبرى تحتاج إلى بحث مضن قد لا يكون لدى الصحافي مصروف المواصلات اللازم للقيام به, فهنالك قضايا صغيرة وقريبة ومؤرقة جدا للمواطن يمكن تناولها, ولنأخذ مثلا ظاهرة انعدام المجاري الصحية في مدينة انواكشوط. تاريخ الشبكة والمراحل التي مرت بها وحالتها اليوم, ما هي انعكاسات هذه الظاهرة على حياة المواطن وصحته, رأي الخبراء, من المسؤول عن هذه الظاهرة هل هناك خطوات عملية للقضاء عليها وآفاق تلك الخطوات وتقييمها, أين دور منظمات البيئة وهيئات المجتمع المدني في هذه الظاهرة لماذا لا تتحرك للتوعية بخطورتها وبضرورة القضاء عليها. على الصحافي أن يتناول الظاهرة من كل تلك الجوانب وأن يحفز الرأي العام ويبصره بالخطر. بدل أن يكتفي بكتابة ما يعرفه رجل الشارع عن الظاهرة. وقس على تلك الظاهرة ظواهر أخرى كثيرة مثل تلوث المياه وظاهرة عربات الحمير وظاهرة اطفال الشوارع, وكل قضايا الصحة والدواء إلى غير ذالك مما هو كبير أوصغيرفي حياة المواطن. ومن مظاهر قصور التناول لجوء الصحافيين خاصة في الإذاعة والتلفزيون إلى البرامج الحوارية ظنا منهم أن ذالك يحط عن الصحافي عناء البحث والاستقصاء إذ يكتفي بأخذ المعلومات بالحوار ولكن حتى هذه لم ينجح أصحابها في تقديمها بالشكل الملائم ذالك أن الحوار يتطلب إلماما تاما بموضوع الحوار وبحياة الشخصية المحاورة على غرار ما يفعله سامي حداد أو أحمد منصور في قناة الجزيزة حين يستضيف أحدهما شخصية لحوارها. وقد أشاعت تلك البرامج ظاهرة جديدة هي التداخل بين العربية والفرنسية في الحوار فيتكلم كل متدخل باللغة التي يشاء, وهذا طبيعي لكن ما ليس طبيعيا أن لا يعمد معد البرنامج إلى تقديم ترجمة لكلام المتدخل بلغة الحصة البرمجية فيبقى المستمع أوالمشاهد حائرا يسمع نصف الكلام ويفوته نصفه. وهذا لا شك أنه من أكبر أسباب فشل تلك البرامج. ويمكن أن يضاف إلى طريقة التناول القاصرة لدى صحافتنا العربية اعتبارهم ضمنا أن الخبر الجدير بالإهتمام وحده هو الخبر السياسي وما يتعلق به, في حين أن الإهتمام ينبغي أن ينصب على كل ما يمت بصلة لحياة المواطن, فقرار صغيرفي وزارة الصيد أوالمعادن أو المياه أوغيرها قد يكون خبرا مهما جدا وذا انعكاس كبير على حياة المواطن. إن على الصحافة أن لا تكون غائبة عن كواليس الإدارة وأن ترصد كل ما يجري وتفرز منه المعلومة الصحيحية والتحليل الموضوعي. وقد يكون هذا الحضور متعذرا في ظل حكومات موريتانية ظلت على الدوام تهمش الصحافة وتتكتم على كل المعلومات وتصادر الصحف التي تنشر أخبارا قد تزعجها, وتسجن أصحابها و تنكل بهم, لكن مهما يكن فإن الصحافي الناجح هو الصحافي ذو الشخصية الدينامكية القادرة على نسج علاقات متعددة مع مختلف دوائر المجتمع بما يجعله قادرا على الوصول إلى المعلومات بأسرع وقت ومن مصادرمتعددة وبروايات مختلفة تتيح له معرفة الحقائق بصورة موضوعية, وهو إن يكن كذالك يضمن لنفسه النفاذ إلى المكتومات وتعرية الحقائق, ويساهم في تكوين رأي وطني جماعي في ما يجري.إن التحدي كبير والعوائق جمة ليس أسهلها وجود إدارة مفرنسة لا ترحب بصحافة العربية ولا تتعاون معهم و كذالك وجود نظام تعليمي يطبق سياسة فرنكفونية عمياء لم يستشر عليها الشعب الموريتاني ولم يصادق عليها, ولكن لو اقتنع صحافتنا بأن هذه معركة حضارية كبيرة واستعدوا لخوضها فإن الهمم العالية تحطم الجبال.
وجالة الأخبار المستقلة:

لهم ذلك.. لكن لنا..!

محمد ولد محمد سالم
1لرابطة الأئمة الذين يحملون في لا شعورهم مفهوم المداراة الموروث من عصر السيبة الحق في إعلان مساندتهم لمجلس الدولة ودعوة أمريكا وأوروبا والعالم بعد ذلك إلى الحذو حذوهم حتى يستتب الأمر ونستطيع مواجهة الإرهاب، ولهم الحق أكثر من ذلك انسجاما مع الأحكام السلطانية في الفقه الإسلامي، فإمام الغلبة يحكم له بحكم إمام البيعة حقنا لدماء المسلمين وتجب طاعته، والخروج عليه فسوق وفاعله مفارق لجماعة المسلمين، ولإمام الجامع الكبير الحق في أن ينحاز تبعا لتلك الأسباب إلى المجلس ويدعو له على المنبر ويعتبر المخالفين له مارقين عن الملة السوية يوشك إن لم يتوبوا أن يصيبهم سخط من الله، وما من شك في أن الرابطة ليس لها هدف سوى النصيحة للمسلمين وأخذ الناس في طريق الخير وذلك هو هدف إمام الجامع الكبير أيضا، وليس من شك كذلك في أن أعضاء مكتب الرابطة هم أوجه جديدة ليست من تلك الأوجه القديمة التي كانت شاهدة على أيام الفساد، وأن إمام الجامع الكبير لم يؤثر عنه تقربه من السلطة على الأقل قبل أن ينشب بينه وبين نائبه خلاف على الإمامة والاستئثار بخلافة وحظوة إمام القطر(بداه بن البوصيري شفاه الله) 2لأعضاء البرلمان من الجيل الثاني من عصر ديمقراطية الجيش، أولئك الذين ظلوا يحاولون صعود الدرجات بحثا عن موطئ قدم في عصر الاستبداد والفساد الذي خيم على البلاد ولم يستطيعوا حجز تلك المواقع بشكل تام بسبب استئثار الرؤوس الكبيرة في الفساد بها، وحيلولتها دون صعود أي شخص إلا أن يكون خارجا من عباءتها، لهم ولفلول البعثيين المغضوب عليهم أيام معاوية أن يناصروا حركة التصحيح الجديدة بلا قيد أو شرط ويدافعوا عنها ويقدموا خارطة طريق- وعسى أن لا يلحقها شؤم الاسم- لبرنامج عمل مستقبلي لا يملكون تقريره، وأن يشكلوا في البرلمان محكمة سامية لمحاكمة هيئة ختو الهامشية أو للنظر في تجاوزات أمباري المسكين وكأن ليس في موريتانيا من الفساد سوى هذين للنظر فيهما بصورة عاجلة ولا حديث عن الفساد في قطاعات الدولة الرسمية من مالية مصرفية واقتصادية وصناعية وخدمية، ليس شيئا من ذلك سوى هيئة أهلية تملكها امرأة لها حصانة قانونية وعرفية وربما إنسانية بحكم قاعدة (ارحموا عزيز قوم ذل).3لمجلس الدولة أن يصم أذانه عن الدعوات في الداخل والخارج التي تطالبه بالتنحي عن السلطة و إعادة العمل بالدستور وله أن لا يأبه بالمقاطعات الخارجية وتجميد القروض والمعونات وسحب الاستثمارات وكل تلك الإجراءات الخطيرة على نظام هش ودولة ضعيفة كنظامنا ودولتنا، وله أن يشكل حكومة من الدرجة الثالثة من الموظفين الحكوميين ومن بعض السياسيين الهامشيين، وأن يعزل رئيس هيئة حيوية مقبول ويستبدل به آخر معروف السوابق، وأن يعين على الولاء في مناصب الدولة الحساسة، وأن يعزل مفتش الدولة لأنه فتح ملفات فساد خطيرة تطال رجال أعمال مؤيدين لمجلس الدولة، وله أن يحتكر الإعلام الرسمي ويوصد أبوابه في وجه المعارضين الذين يريدون العودة إلى الشرعية، وكل ذلك في إطار التمهيد لخطته التي أعلن عنها رئيسه في خطابه الأول والتي في أولوياتها محاربة الفساد والرشوة وإقامة العدل والتنمية الدائمة وجعل المواطن يتمتع بحقوقه كاملة.4لهم جميعا ذلك...ولكن للفقه المعاصر المستنير بفهم الواقع ومعطياته أن يقرر أن المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي لا تعد خروجا عن الإمام ولا شقا لعصا الطاعة المحرم في الإسلام؛ إذ لا تؤدي إلى حمل السلاح والقتال و لا تمنع اعتراف المعارض بحكم المعارض (بالفتح) ولا تخرج عن أن تكون مناصحة لولي الأمر وقد دعا أبو بكر رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة الناس إلى تقويمه إن رأوه قد اعوج وحاشا أبي بكر من الاعوجاج. ولله على الأئمة الخطباء أن ينصحوا له وينصحوا لعباده هذا إذا تصدوا لمخالطة السلطان والاختلاف إلى بابه أما إذا عزفوا بأنفسهم عن ذلك ولزموا مساجدهم وصلاتهم فقد أعذروا لا لهم ولا عليهم.وللشعب على برلمانييه الذين انتخبهم أن يتحملوا مسؤولياتهم ويخلصوا لشعبهم ويعرفوا أن سبيل النفاق و المحاباة والمداهنة هي التي أوصلت البلاد إلى ما أوصلتها إليه قبيل الثالث من أغسطس، فليحذروا أن يعيدوا الكرة مرة أخرى ولينصحوا للناخبين الذين أسلموا إليهم قيادتهم، وإنما عزة المسؤول وشرفه بمقدار انحيازه لمصلحة شعبه لا بمقتطعات الرئيس وأعطياته. فالسباق في الإنجاز الباقي والذكر الحميد. وللمعارضة الديمقراطية الحرة أن تدافع عن ديمقراطية ناضلت من أجلها طويلا ودفعت في سبيلها الغالي والنفيس وعن دستور أقرته ورضيته لحكمها وشرعية اكتسبتها بعد طول عناء، فمن حقها ذلك وأن لا تقبل بغير رحيل العسكريين، وللمجتمع الدولي أن ينصر الحق ويطمئن على أن من سيسلمهم تمويلاته سيوصلها للشعب الذي هو وجهتها. وللمستثمرين أن يستوثقوا من الاستقرار في البلاد التي سيستثمرون فيها.6ولي أنا أن أهمس في أذن رئيس المجلس الأعلى للدولة أن قد كنت مرافقا لمعاوية وقائدا لأركانه وشاهدت ما شاهدت من تعنته وفساد حكمه وابتعاده عن مصلحة الشعب وإرادته، فلا تعد الكرة وأصغ إلى صيحات المطالبين بالعودة للديمقراطية واخرج منها بسلام وأرحنا وأرح نفسك قبل أن يخرج الأمر من يدك فلا تستطيع له تداركا، وأعلم أنه قد فات الأوان فقد كان يمكن أن نتحملك لو كان ذلك قبل الثالث من أغسطس 2005 أما وقد كان هذا التاريخ وصرنا إلى ما صرنا إليه فلن نستطيع أن نتحملك، يمكن أن تكون مخلصا في نواياك صادقا في دعواك، لكننا سئمنا الأحكام العسكرية الاستبدادية وقررنا أن نقطع الصلة بها تماما، فسلم الراية وفز بشرف التنحي و غادر مشكورا.محمد ولد محمد سالمdah_tah@yahoo.fr
وكالة الأخبار الرابط: http://www.mmandc.com/3269-0-FF---FF---.html

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

نص ينفتح على دلالات متعددة


نص ينفتح على دلالات متعددة
قراءة في "فنجان قهوة" للقاصة سارة النواف
آخر تحديث:السبت ,20/11/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تقدم سارة النواف في قصتها القصيرة “فنجان قهوة” تجربة فريدة في القص تقوم على بناء تقابل بين لحظة حاضرة ولحظة ماضية تخترقها، عبر عملية “استرجاع” تم فيها تنشيط خيال الشخصية الرئيسة “الزوج” لينتقل من الشاهد إلى الغائب، ومن الواقع إلى الذكريات، وقد يسّرت ذلك الانتقال بالتقاط ذكي للتشابه بين مشهد الحاضر وصورة الماضي الماثلة في الذكرى، ما فتح الذاكرة والتفكير لتداعٍ سردي محكم البناء مكتنز اللغة، فيه الكثير من التكثيف وفيه لعب على التقابلات، يشي باحتراف متمكن، وهي كاتبة لها موقعها المميز بين كتاب
القصة القصيرة في الإمارات، وقد صقلت موهبتها في هذا اللون الأدبي عبر مسيرة بدأت في الثمانينات وأنتجت “نسمات من الخليج” و”بحر لا يغيب أبدا”، ولها تجارب مسرحية منها “ابتدأ الدرس يا خالد” و”الأميرة والنَاي السحري”، وقد حصلت على جائزة الشيخ راشد بن حميد للعلوم والثقافة في عجمان عام 1996 عن قصتها “طاخ . . طاخ . . طاخ”، كما دأبت النواف على تطوير أدواتها الكتابية والبحث عن بنيات جديدة لقصصها ونجحت في تقديم بنى فنية ورؤى لافتة تنم عن حس أدبي راق، وقد عالجت قضايا المرأة والحرية والعدالة والمجتمع .
في “فنجان قهوة” يمثل الحاضرَ مشهد الزوج وهو يتناول قهوة الصباح من زوجته قبل أن يغادر البيت إلى عمله، وتمثل الماضيَ صورةُ أبيه وهو يتلقى من يد زوجته القهوة الصباحية قبل أن يغادر البيت إلى البحر، وصورةُ البحر المائج ترتسم من خلال سطح القهوة حين تتحرك تحت نظرات الزوج، فيخترق المشهدُ بكل أبعاده عالمَه ويخرجه من واقعه ليعيش للحظات في ذلك العالم السحري الجميل .
على مستوى البناء تقوم الأحداث والشخصيات والزمان والمكان واللغة ببناء نوعين من التقابل، تقابل تماثل وتقابل تضاد، ففي ما يخص الشخصيات يقابل الأب الزوج، فتأتي صورة الأب بشكل مقتضب، وفي إشارات خاطفة لكنها كاشفة عن نوعيته من الرجال وطبيعة عمله، فهو بحار وأغلب الظن أنه تاجر لؤلؤ، لأن البحارة في ذلك الزمان الماضي لم يكن يذهب الواحد منهم إلى الهند إلا لتجارة اللؤلؤ، وهو هادئ ساكت متأمل، يجد حلاوة في حياته ويتمتع بما يصيبه منها “يحتسي القهوة بهدوء ولذة تامة”، أما الزوج بطل القصة فلا نجد أي شيء من ملامحه سوى أنه يعيش اللحظة الحاضرة، وهي مقابل الماضي تعني الحياة العصرية، وهو يحب القهوة ويحاول على الدوام التمتع بها كما كان والده يتمتع بها، وهنا يترأى لنا أنه ينظر إلى والده كمثل أعلى يسعى لأن يبلغه، فهذا تقابل تماثل، وثانيها هما الزوجة والأم، فالأم كما رسمها خيال ابنها، مثال للمرأة التقليدية المطيعة المؤدبة في حضرة زوجها المستميتة في خدمته بصمت، فهي تقدم له القهوة وتظل تنتظر في هدوء تام حتى يفرغ فنجانه فتصب له إلى أن يرتوي، وغاية ما تريده هو أن تراه يتلذذ بارتشاف تلك القهوة وأن تسمع منه ثناء على جودتها، أما الزوجة فهي إذ تقدم القهوة لا تعطي لزوجها فرصة التمتع باحتسائها، فتقطع عليه متعته في كل حين بأحاديث لا تهمه، حتى يمل من ثرثرتها ومقاطعتها لأفكاره، فيهُمّ هو بصب القهوة لنفسه حتى يتخلص منها، لكنها تصر على أن تصب هي وتتابع تساؤلاتها وأحاديثها الصباحية المزعجة له، وحين يشتد انزعاجه، يمد لها الفنجان ويغادر البيت، وهذا تقابل تضاد، أما على مستوى الأحداث فيمكن رصد أمثلة عديد للتماثل كتقديم الزوجة للقهوة وعملية شرب الزوج لها ومغادرة البيت، لكن هناك تضادا بين ثرثرة زوجته وحديثها عن جيرانها، والأحداث التي تقع في حيها، وبين سكوت زوجة الأب ومتابعتها بسكون تام لارتشاف زوجها لقهوته، وانتظارها لكلمات الثناء، وعلى مستوى الزمان فالوقت في كلتا الحالتين هو الصباح الباكر حيث ينطلق الناس إلى أعمالهم، لكن هذا الوقت ينفتح على زمن آخر لا محدود ولا نهائي هو زمن البحارة وسفنهم، وقسوة البحر ولياليه الموحشة يخففها غناء “النهام” وأحلامهم وآمالهم بصيد من اللؤلؤ يسطع بريقه تحت أعينهم، في مقابل هذا الزمن الممتد لا ينفتح الصباح الحاضر على المستقبل، ولا نشهد آمالاً كتلك الماثلة في الماضي، وهنا أيضا تضاد من نوع آخر، والصيغة نفسها نجدها في المكان، فجلسة الصباح هي نفسها بين اللحظتين لكن البحر وعالمه لا يقابله مكان واقعي حاضر أو صوري في المستقبل، فهناك تشابه واختلاف من وجه آخر .
وعلى مستوى التفاصيل الدقيقة للمشهدين يشكل فنجان القهوة البؤرة المولدة للأحداث والناظمة لخيوط المشهد، وحوله نسجت كثير من أوجه التشابه جعلت الزوج حين يمعن النظر فيها يقول في نفسه “كأنها بحيرة” حركتها في الفنجان ومرارتها الحلوة كحركة أمواج البحر، وحولها كانت المقابلة بين المشهدين السابقين، وحولها كانت تلك الجلسة الصباحية التي يكشف السرد عن اختلاف فيها، فالزوج يتذكر جلسة والديه ومناولة القهوة وكأنها مناجاة صامتة رامزة لعلاقة حب رومانسي جميل، وهذه الرمزية والسكون هي ما يتوق إليه الزوج ولا يجده، وهنا وجه الاختلاف، قهوة الأب وقهوة ابنه، فقهوة الأب تختار بعناية من أجود أنواع القهوة وتستجلب من بعيد، أما قهوة الابن فلا يبدو أنها تُخصّ بتلك العناية .
أما على مستوى اللغة فلا حصر للمفردات المتماثلة والمتضادة، وهو شيء طبيعي بالنظر إلى التقابل بين المشاهد والعناصر السردية، فاللغة تبع لذلك أو هي صانعته، فتتكرر بين المشهدين كلمات “تقدم القهوة تصب يتناول يشرب، يرتشف، الصباح، يغادر، يتلذذ تنظر، إليه إلخ . .” وتستخدم متضادات تتركه ولا تعطيه، يتلذذ بالشرب، وشرب دفعة واحدة، غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المبثوثة في ثنايا النص .
ما الذي وّلد هذه البنية التقابلية بوجهيها؟
تشير عناصر التماثل في البناء إلى أن اللحظتين بينهما نوع من الانسجام وهو الغالب، على الأقل من زاوية نظر الشخصية الرئيسة “الزوج الذي هو الصوت الطاغي في النص والأكثر حضوراً، وهو الذي يتم سرد الأحداث من وجهة نظره، فيبدو كل شيء متطابقاً حتى استماتة زوجته في خدمته “تقديم القهوة وإصرارها على صبها له، رشه بالمسك” يطابق استماتة أمه في خدمة أبيه، والاختلاف الوحيد هو كلام زوجته ومحاولتها المتكررة لجره للحديث، وصرفه عن التفكير في القهوة، وهو ما يراه هو شيئاً مزعجاً، ومستكرهاً في حضرة القهوة وإيحاءاتها التي تحتاج إلى هدوء وسكون من قبيل ما كان بين أبويه، ومن هنا يأتي التوتر وينبعث العنصر الدرامي في الأحداث، وتتولد السلسلة السردية .
وما الدلالة العميقة لهذا الصراع بين عناصر الانسجام والاختلاف؟
هناك مستويات كثيرة للتأويل يمكن عند كل منها وضع مقاربة لهذه الدلالة، المستوى الأول وهو منطوق كلام الشخصية الرئيسية، وما توحي به وجهة نظره في القصة، وهو انعدام اللمسة الرومانسية في العلاقة بين الرجل والمرأة في الوقت الحاضر، وفقدان الأفعال والأشياء قيمتها الرمزية في تلك العلاقة، وتحولها إلى “شيء” مادي ميت، ففي مقابل انزعاجه من ثرثرة زوجته، وعدم احترامها للحظة احتساء الشاي بوصفها طقساً مقدساً، مقابل ذلك تبدو اللحظة مشبعة بالقداسة والجمال عند الأبوين “لأنها تذكره بتلك الجلسة الحميمة كل صباح . . والده ووالدته . . تواصل فريد بين الحبيبين تحكيه الدلة والقهوة حين يحتويها . . يحمل كل الحب . . يغني عن ألوف الكلمات العاشقة وعن رسائل الحب”، وهذه دلالة تجد لها مؤيدات من شواهد الواقع المعيش، المستوى الثاني إقامة تقابل بين الواقع الراكد الباهت، واقع العرب الذي لا يبعث على الحلم ولا يحفز على المغامرة وبين ذلك الماضي الجميل الذي كان مملوءاً بالأحلام والمغامرات والتحدي والذي يجد الإنسان في قسوته ومرارته حلاوة “لذة القهوة وطرب أغاني النهام”، لا يجدها في واقعه الرتيب المتكرر كما تتكرر ثرثرة الزوجة كل صباح .
المستوى الثالث وهو مغاير للمستويين السابقين، فقد تكون الكاتبة أرادت أن تكشف عن نظرة الرجل للمرأة التي يبدو أنها لم تتغير، فهو ما زال ينظر إليها كما كان أبوه ينظر إلى أمه، مجرد خادمة تقوم بواجباتها في خنوع وسكون، وتنتشي لأدنى إطراء من سيدها، ولا يحق لها أن تتكلم في حضرته، أو أن تهتم بشيء آخر سواه، والحال أن هذه المرأة اليوم قد خرجت إلى الحياة العامة واطلعت على الواقع وامتلكت المعرفة كما يمتلكها الرجل وأصبح من حقها أن تقاسمه آراءه وتناقشه، فالزوجة على اطلاع على ما يدور في حيها “احتراق غرفة نوم آل بوحمد، وأخبار جارتهم صفية”، لكن ما يعيق هذا التفسير كون الزوج يتوق إلى علاقة حب بمستوى رفيع كذلك الذي عرفه بين أبويه، أو توهمه، ولم يجده في حياته، وهو ما يدل على أن نظرته إلى المرأة ليست سلبية على الأقل في هذا المستوى الذي يطالبها بالارتقاء إلى انسجام لا يحتاج معه إلى تكلف في الأفعال والأقوال .
تدل تلك المستويات التأويلية، على فاعلية البنية في خلق المعنى، خصوصاً إذا حملت تلك البنية طابع الجدة، وهو ما تحقق في هذا النص، فالنوّاف استغلت الطابع المرن للقصة القصيرة الذي يعطي للكاتب حرية الحركة ولا يلزمه بأي نسق بنائي، سوى تحقق عنصر الدرامية في الحدث الذي تمر به الشخصية، فلم تلتزم بالبنية التقليدية من مقدمة وعقدة ونهاية، بل عمدت إلى التقاط مشهد أو حدث واحد، وصنعت من خلال اختراقه إلى مشهد من الذكرى سلسلةً من ردود الفعل النفسية والتذكرية . . كان للخيال فيها دور كبير، وكشف التقابل بين المشهدين صراعاً درامياً داخلياً كان له فاعلية حاسمة في خلق الدهشة والتوتر الباعثين على التفكير والتساؤل، ولم تكن اللغة بمنأى عن ذلك التوتر، فقد وفقت الكاتبة في أحيان كثيرة في اختيار المفردة المناسبة، وبلغت مستوى من الشاعرية في بعض مواقع من النص تلك غاية من غايات النص الأدبي، كما تدل على أن الإبداع ليس شيئا آخر سوى القدرة على التقاط الومضة الكاشفة للحظة الدرامية، التي تعمق الإحساس بالتجربة الإنسانية وتستقصي أبعادها، وتأليف بناء بديع حول تلك اللحظة من خلال لغة قادرة على التعبير عن تلك الدرامية .
رغم تلك المظاهر الجمالية فلا بد من الإشارة إلى بعض الأخطاء اللغوية الواردة في هذا النص، وهي وإن كانت قليلة إلا أن جمالية النص لا تقبل نقصاً، وعلى الكاتبة أن تجتهد في تلافي مثل تلك الأخطاء، فقد استخدمت عبارة تحيد بينه وبين، والصواب تحول بينه وبين، وأما حاد فيتعدى بالباء “يحيد به عن الطريق”، كذلك: “هي نعم القهوة” فالأصح “نعم القهوة هي” “تواصل بين المحبين” فالأصوب “تواصل بين الحبيبين”.
الخليج

سيبقى الأدب كلمة


أفق
سيبقى الأدب للكلمة
آخر تحديث:الجمعة ,24/09/2010
محمد ولد محمد سالم
شهدت بعض جلسات “ملتقى الشارقة للسرد العربي” الذي اختتم أعماله يوم الاثنين الماضي معالجات ركزت على القصة التفاعلية والأدب الترابطي بشكل عام، وقدم الروائي محمد سناجلة تصوره للأدب الترابطي، وسناجله كاتب أردني رائد في مجال الأدب التفاعلي، فهو أول من كتب رواية تفاعلية أو ترابطية كما يحب أن يسميها، وكانت بعنوان “شات” ثم أتبعها برواية “صقيع” وكانت تلك هي الانطلاقة لكتابات متعددة تنحو هذا النحو في مجال الرواية والقصة القصيرة والشعر .
وقد عرّف سناجله الأدب الترابطي بأنه الأدب القائم على تقنيات الكمبيوتر والإنترنت في بناء نص أدبي، أي استخدام الوسائط المتعددة من صورة وصوت وفيديو وغرافيك وروابط ألكترونية لصناعة خطاب تشكلّ الكلمة جزءاً منه، وليس كله، وهذا الخطاب أو “النص” إذا جاز التعبير مزيج من جميع الأجناس الأدبية، يستعصي على التصنيف، فلا يمكن إخضاعه لجنس أدبي واحد . وكاتب هذا النص لا بد له أن يكون مطلعاً على طرق استخدام تلك الوسائط المتعددة، فيعرف كيف ينقل الصورة ويتصرف فيها وكيف يسجل الصوت ويؤلف مشهد فيديو، وكيف يقيم ارتباطات تشعبية بين مختلف تلك الوسائط، كما يفترض أيضاً أن يكون له حس في مجال التصوير وكتابة السيناريو وصناعة مشاهد الفيديو ومهارات في فن التصميم، وتأليف المقاطع الموسيقية .
كم هو حجم المعارف التي ينبغي لهذا الكاتب المسكين أن يعرفها، إضافة إلى المعارف الأدبية المتشعبة التي يقضي الأدباء العاديون أعمارهم في تعلمها، وهل يقف عند مجرد محو الأمية التقنية، وتعلم ما يلزم عامة الناس من معرفة الكمبيوتر والإنترنت مما يخولهم الاستفادة منهما في مختلف أعمالهم، أم يتعلم البرمجة والتطبيقات والتقنيات الجديدة التي يحتاج إليها المبرمجون والمحاسبون والمهندسون وغيرهم .
وما هي حدود ذلك التعلم حين تصبح تلك التقنيات جزءاً من الإبداع ومكونا أصيلا من مكوناته، أليس عليه أن يجمع دبلومات كثيرة ويغوص في أعماق هذا العلم كي يستطيع أن يبدع فيه .
إن تحويل الكاتب إلى مبرمج كومبيوتر ومتخصص شبكات إنما هو ضرب من الرَّهَق، وتكليف ما لا لزوم له ولا يخدم الأدب في شيء، كما أن هناك حقيقة راسخة في كل تاريخ البشرية وهي أن الأدب “كلمة” قبل أن يكون أي شيء آخر، فإذا كان لكل علم أو فن “مادة” خامٌ هي التي يتأسس عليها فإن خامة الأدب هي الكلام، وكل محاولة لإدخال مادة أخرى في الأدب هي خروج بالأدب عن طبيعته إلى طبيعة جديدة مغايرة له، كما تخرج المواد الكيميائية عن طبيعتها عند مزجها، وليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها الأدب استقلال فنون بعدما امتزجت الكلمة فيها بمكونات أخرى مثل الغناء والمسرح والسينما، فلن تعدو هذه المحاولة الجديدة - إذا كتب لها النجاح- أن تكون من هذا القبيل وتستقل بنفسها ويبقى الأدب للكلمة .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج

للقراءة وقت واجب


أفق
للقراءة وقت واجب
آخر تحديث:الأربعاء ,29/09/2010
محمد ولد محمد سالم
عندما تزور إحدى المكتبات العامة في الإمارات، سيبهرك ما يبذل من جهود لجعلها مكاناً مثالياً للمطالعة، من ناحية توفر الكتب في جميع مجالات العلوم والإنسانيات، وترتيبها على أحدث معايير البرمجة والتبويب المكتبية، وسهولة الوصول إليها، وتوفر قاعات للقراءة بإضاءة مناسبة، وكذلك من ناحية توفر الكمبيوترات والإنترنت وأقراص مدمجة فيها برامج فيديو ونصوص رقمية، وماكينات تصوير الأوراق، وموظفين بشوشين متهيئين لمساعدتك، وقاعات للأطفال وأخرى للرجال وثالثة للنساء، لكنك تصاب بالإحباط حين تجد أن عدد الزوار لهذه المكتبات يتناقص باستمرار، وفي بعض الأحيان لا يتعدى زائروها الاثنين أو الثلاثة في اليوم الواحد، وهذا واقع يؤكد صدق ما يرتفع من حين لآخر من أصوات تنذر بتضاؤل الزاد المعرفي المؤصل لدى الأجيال الجديدة من الشباب، وعزوفهم عن أخذ العلم من مصادره الصحيحة، وفي أحسن الأحوال إن كان لأحدهم ميل للمعرفة فإنه يكتفي بالسماع وأخذ الشائع والعمومي الذي يتلقاه من الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف أو السينما أو المسرح أو حلقات النقاش العامة وغيرها من وسائل التعلم، وما يؤخذ من هذه المصادر على أهميته ضئيل ومبتور، وما ينتج عنها هو ما يدرج اليوم ضمن “الثقافة العامة”، وهذه عادة ثقافة ضئيلة مفككة، فتلك المصادر لا تعد مصادر أصيلة للمعرفة بقدر ما هي مساعدات للمعرفة، ولا يمكن أن تقوم مقام المصدر الأول للمعرفة الذي هو الكتاب (سواء كان ورقياً أم رقمياً) ووسيلتها الأساسية هي المطالعة المستمرة المثابرة .
إن عزوف الفئات الجديدة عن المطالعة وتلقي المعرفة من مصادرها حقيقة ومشكلة مطروحة تحتاج إلى التفكير في طرق مواجهتها، ومن البدهي أن البداية تنطلق من الأهل والمدرسة، فعلى مستوى الأهل ينبغي أن يتعرفوا إلى الميول العلمية والمواهب الخاصة بأبنائهم، ويسعوا لتغذيتها بالكتب، فيكبر الطفل، وقد تعود على القراءة في ذلك الميدان، فيكون كلما تفتقت موهبته ازداد نهماً للقراءة وتعلم الجديد، وعلى مستوى المدرسة ينبغي أن تحتوي برامج التعليم على مزيد من الأنشطة الهادفة إلى معرفة ميول التلميذ، والبحث حتى يتم العمل على تنميتها بالقراءة، والجمع بين مختلف الطلاب ذوي الميول المتماثلة في أنشطة لا صفية، ليقرأوا خلالها عن ميولهم، ويتنافسوا في المعارف المتعلقة بتلك الميول، وحجر الزاوية في كل ذلك هو أن يتعلم الطالب أن للمطالعة وقتاً خاصاً واجباً، يماثل وقت النوم والأكل واللعب ومشاهدة التلفزيون، إن لم يكن يفوق بعضها، وأنه ما ميدان من ميادين الحياة اليوم يستغني عن القراءة والمعرفة .
أما على مستوى الهيئات الثقافية الأهلية والتجمعات، فيمكن اتباع الخطة نفسها بجمع الشباب مجموعات، كل منها ذات اهتمام مشترك، وإقامة أنشطة تثقيفية لها وبرامج تنافسية بين أفراد كل مجموعة، ويمكن استثمار ما توفره المجالس الشعبية من تجمع طوعي للشباب في هذا المجال، كما يمكن الاستفادة من خطط البرامج الناجحة للتثقيف عن طريق القراءة في البلدان الأخرى كخطة “حلقة القراءة” الشائعة في كثير من البلدان والتي تتكون من أشخاص من الحي نفسه، يقرأون كل أسبوع كتاباً، فيأخذ كل واحد منهم نسخة منه ليقرأها، وفي نهاية الأسبوع يجتمعون لمناقشته، وقد سهلت المنتديات الإلكترونية اليوم هذه الصيغة، فأصبح النقاش يتم على صفحات الإنترنت.
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:

بين الكاتب والمجتمع


أفق
آخر تحديث:الجمعة ,15/10/2010
محمد ولد محمد سالم
سبقت الدورة الخامسة والثلاثين من معرض الكويت الدولي للكتاب التي بدأت في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري نداءات كثيرة لرفع الرقابة عن الكتب، وترك الحرية لدور النشر في عرض ما تراه من منشوراتها، وللناس في اقتناء ما يرغبون في اقتنائه، وجاءت الدعوة في شكل مطالبة لمجلس الأمة بالتدخل وسن قانون يمنع الرقابة على الكتب .
تطرح قضية الرقابة إشكالية كبيرة على الفكر العربي وذلك لما تحمله من أوجه متناقضة، فتمشياً مع مبدأ الحرية الشخصية وحرية الرأي والفكر، فليس مقبولاً أن يحجر على الكاتب فيحدد له ما يكتبه، وتمنع كتبه إذا هو خرج عن تلك الحدود، ومن جهة أخرى، فإن لكل مجتمع أسسه وحدوده التي ينبغي أن تبقى محصّنة ويشكل الاعتداء عليها نقضاً لعراه، وتنطلق تلك الأسس من الهوية والأمن والتكوين الاجتماعي والثقافي للمجتمع .
كما أن كل البلدان على حد سواء لن تقبل بأية كتابة تمس أمنها أو تفشي أسراره الخاصة، ما قامت به البنتاغون الأمريكية في الأسابيع الماضية من سحب لكتاب عميلها الذي أفشى بعض أسرارها دليل على هذا التناقض بين مفهوم الحرية الفردية وحدود المجتمع، وفي فرنسا حدث منذ أسابيع أن منع تداول أغنية وسحبت أشرطتها وألبوماتها من المكتبات بفعل دعوات نسائية رأت فيها اعتداء على حقوق المرأة، لأن نص الأغنية كان على لسان رجل يسب ويتهمها في عرضها، ومنع المغني نفسه من مهرجان فني لاحق، والأمثلة على تلك الحالات التي يمنع فيها المبدعون والمفكرون والكتاب من ممارسة حريتهم كثيرة في الغرب، رغم ادعاءاته ضمان الحرية الشخصية للفرد، واعتبارها حقاً مقدساً لا يمكن المساس به .
القاعدة، إذن، هي أنه إذا تعارضت ثوابت المجتمع ومبادئ هويته مع حرية الكاتب فلا بد من منع الكاتب من ممارسة حريته، لكنه لكي يكون له الحق في ذلك المنع ينبغي أن يتحلى بالحكمة في ممارسة حقه في الحفاظ على هويته وألا يخلط أوراق الحق بأوراق الباطل، فيمنع لأسباب لا تمت بهويته ولا لأمنه بصلة، فيضطهد بذلك كتابه وأدباءه ويمنع نور الكتابة من أن ينير الطريق للناس .
من جهة أخرى، فإن على الكتّاب أن يتحلوا بالحنكة ويعرفوا كيف يقولون كل شيء من دون أن يخدشوا حياء المجتمع أو ينالوا من هويته وأمنه، فيستخدموا الرمز والتلميح وغيرها من الأساليب التي تقبل التأويل على أوجه متعددة، كما أن من واجبهم أيضاً أن يكونوا مدافعين حقيقيين عن الأسس الحضارية لمجتمعهم قبل أن يكونوا هادمين لها .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:

مشروع الشارقة الثقافي


آخر تحديث:الأربعاء ,27/10/2010
محمد ولد محمد سالم
الذين تابعوا كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في افتتاح الدورة التاسعة والعشرين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، وحديثه عن رؤيته للتنمية الثقافية والخطة التي تتبناها الإمارة في ما وصفه بعبارة “مشروع الشارقة الثقافي” التي كررها سموه مراراً، لا بد أنهم تعرفوا عن قرب إلى جوهر هذا المشروع وسماته العامة فهو “مشروع وطني إماراتي عربي” جوهره تفعيل الحركة الثقافية العربية في الإمارات والوطن العربي وخطاب الآخر من خلال هذه الثقافة وبآلياتها هي ومفاهيمها وليس بآليات ومفاهيم ثقافات الآخرين، وتلك نقطة مهمة تدل على وعي بحدود الأصالة وضروراتها، ومعرفة مخاطر الاستلاب وسبل التحصن منه .
وهو مشروع “للمثقفين والمبدعين” يهتم بتوفير الظروف المناسبة لهم للعطاء والإبداع، وقد ضرب سموه مثالاً دالاً على ذلك، وهو أنه يوم دعي لإلقاء كلمة “رسالة المسرح” في يوم المسرح العالمي الذي تنظمه اليونسكو في باريس اختار أن يكون وفده مكوناً فقط من مسرحيين عرب من المشرق والمغرب اعتزازاً بهم ورفعاً لشأنهم كما قال سموه، ويتمثل هذا الدعم في أوجه كثيرة منها جوائز التكريم في المعرض وفي مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان الإمارات لمسرح الطفل ومهرجان الشعر العربي والبيناليات الفنية، وكل صنوف التكريم الأخرى وأهمها دعمه بنشر مؤلفاته في إطار إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة .
وهو مشروع متنوع يتكامل فيه الأدب مع الفكر مع المسرح مع الفنون التشكيلية ولا يحتاج المرء لضرب أمثلة لذلك فهي عديدة .
وهو أيضاً مشروع مفتوح على الآخر مهتم به يسعى للتواصل معه، وتوصيل صوت الثقافة العربية إليه، بعد أن ظلت غائبة عن المحافل الدولية نادرة الحضور فيها، وضرب مثلاً على ذلك الغياب بتجربة عاشها سموه شخصياً حين دخل أحد المتاحف الكثيرة في لندن فوجد العالم كله حاضراً إلا العرب فلم يجد لهم أثراً، مع أن الآخر مستعد لتفهم هذا المشروع والتفاعل معه إذا قدم له على أصالته وهو ما ظهر في تفاعل الجمهور الياباني بقوة مع أيام الشارقة الثقافية هناك .
وهو كذلك مشروع يقوم على العمل الدؤوب المتواصل “العمل الثقافي” وليس التنظير مع ما للتنظير من أهمية كما قال سموه، العمل المتمثل في إقامة المؤسسات الثقافية وتنظيم المهرجانات الدائمة التي تتربى الأجيال في كنفها وتخرج مثقفين، وأهمية هذه المؤسسات والمشاريع أنها لا تسعى إلى البهرجة، بل تتأسس على فعل ثقافي حقيقي ومتطور، والمعرض أكبر مثال على ذلك .
يمكن إذن وصف رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة لمشروع الشارقة الثقافي بأنه “عمل ثقافي إماراتي عربي متكامل منفتح على الآخر”، وتلك رؤية أصيلة تجعل كل من له أدنى انتماء لهذه الثقافة العربية يسعد بهذا المشروع ويعتز به أيما اعتزاز .
dah_tah@yahoo.fr
جريدة الخليج

الكتاب والاستهلاك


آخر تحديث:السبت ,06/11/2010
محمد ولد محمد سالم
كيف تفكر المجتمعات العربية اليوم، وهل يمكن اعتبار اقتناء الكتاب دليلاً على نوعية التفكير؟ إن نظرة فاحصة إلى ما يشتريه زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب تكشف أن كتب الأطفال والكتب الدينية وكتب الطبخ تستقطب اهتمام المشترين أكثر من غيرها، في حين أن الكتب المتخصصة في العلوم المختلفة وكتب الفكر والإنسانيات والشعر والنقد لا تجد إقبالاً كبيراً . وإذا كان مفهوماً أن يقبل الناس على كتب الأطفال لشراء برامج التعليم المدرسية وتعليم أطفالهم عادة القراءة، ومفهوماً كذلك أن يقبلوا في مجتمع مسلم على الكتب الدينية، فإن الإقبال على كتب الطبخ وحدها من دون سائر أنواع الكتب الأخرى يطرح التساؤل حول طبيعة التفكير والثقافة التي تسود المجتمع، وحول وضع المطالعة فيه، فهل ضاع جهد ما يقارب مئة وخمسين سنة من سعي الكتاب والمؤلفين لإحداث نهضة حضارية عن طريق إقامة تقاليد للقراءة، وذلك منذ أن كتب رفاعة الطهطاوي كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، الذي تحدث فيه عن مظاهر التطور والحضارة التي تعيشها فرنسا إبان زيارته لها في حدود منتصف القرن التاسع عشر، وأعجب بما رآه فيها من مكتبات عمومية ومظاهر للقراءة وعزا نهضتهم إلى ذلك؟
وهل أضعنا في جهد العقاد في “ساعات بين الكتب” التي كان يخصصصها أسبوعياً لمراجعة الكتب والتعليق عليها، ويرشد فيها إلى الكتب الثمينة وإلى قيمة المطالعة، وهل أضعنا من قبل هذين بقرون ما كتبه الجاحظ في تمجيد الكتاب، ليستحث الناس على القراءة: “الكتاب وعاء مملوء علماً، وظرف حشي ظرفاً، وبستان يحمل في ردن، وروضة تقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحياء، ولا أعلم نتاجاً في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده يجمع من التدابير الحسنة والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة ومحمود الأخبار عن القرون الماضية والأمثال السائرة، والأمم البائدة ما يجمع الكتاب”؟
هناك خلل في التعامل مع الكتاب وفي تقدير قيمته، يدل على أن الأجيال الحاضرة ليست أجيال قراءة، وأن الفكر في سمائنا العربية معطل، وربما يبرر هذا الفشل الذي نشاهده في كثير من مناحي الحياة، لم نستنر بنور الكتاب فاتجه تفكيرنا إلى الهامشي والثانوي حتى أصبح مركزياً وتراجع ما كان مركزياً ليكون هامشياً، ومع أن كل قراءة تعد مفيدة مهما كانت فإن التهافت على كتب الطبخ والموضة ليس مؤشراً لفكر سليم، وإنما يؤكد أن النزعة الاستهلاكية تحكمت في النفوس ولم يعد الاهتمام يتجه إلا إلى ما يؤكدها، وعسى ألا يكون ما نشاهده من إقبال على شراء كتب الأطفال داخلاً في باب النزعة الاستهلاكية وحب المظاهر، فتتكدس الكتب لدى الطفل من دون أن يلقى توجيهاً مدروساً ومنظماً يرسخ في نفسه فضيلة قراءتها، فلا تلبث أن تتلف، بل نرجو أن يكون مقدمة لصناعة أجيال قارئة قادمة .
dah_tah@yahoo.fr
جريدة الخليج:

صدور "دروب عبدالبركة" لمحمد ولد محمد سالم


صدور "دروب عبدالبركة" لمحمد ولد محمد سالم
آخر تحديث:الأحد ,31/10/2010


1/1

صدر مؤخراً عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في المعرض رواية “دروب عبدالبركة” للزميل محمد ولد محمد سالم، وهي الرواية الثالثة له بعد روايتيه “أشياء من عالم قديم” و”ذاكرة الرمل” .
تدور أحداث الرواية حول حياة علي بن عبدالبركة وهو شاب حديث العهد بالتخرج والتوظيف يكرس إجازته السنوية الأولى للبحث عن أبيه الذي لا يعرف عنه إلا اسمه وأوصافاً قليلة استقاها من أمه وخالته، وخلال البحث تتكشف له معالم حياة والده، ابتداء من هروب أمه به خوفاً عليه من إخوته لأبيه أن يقتلوه حتى لا يعترف أبوه به فيكون له نصيب في الميراث، ثم تسكن به أمه في قرية من قرى منطقة “البراكنة” بعد أن آواها أهل القرية وأحسنوا جوارها، وبعد وفاتها، ينطلق عبد البركة في الآفاق، راعي غنم ثم سائق “أجلاب”، وخلال تنقلاته بين المناطق الموريتانية يتزوج زيجات كثيرة ويخلف أولاداً مشتتين لا يعرف أيّ منهم الآخر، وفي إحدى المرات يكتشف أن إحدى زوجاته التي تزوجها حديثاً تخونه فيقتلها ويفر إلى السنغال، وبعد سنوات طويلة هناك يعود متخفياً، لكنه لا يفلح في الوصول إلى أولاده، ويموت في ظروف غامضة في قرية “كرمسين” . وترصد الرواية عبر مقاطع مونولوجية واسترجاعية جوانب من حياة علي بن عبد البركة والصراعات النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه لأبيه الذي لم تره عيناه، وتحديه للألم والفقر وإصراره على النجاح، وعلى الوصول إلى والده الذي حمل عنه صورة هي مزيج من القوة والكرم والإيمان، ورغم أن علياً لم يحقق هدفه في الوصول إلى أبيه حياً، إلا أنه استطاع التعرف إلى جميع إخوته وجمعهم .
تنقسم الرواية إلى ستة فصول هي: درب الطفولة، درب مارية، درب الفلاني، درب حمزة، درب مسعودة، نهاية الدرب .
جريدة الخليج

حلقة نقدية لرواية “دروب عبد البركة” في نواكشوط


آخر تحديث:السبت ,04/12/2010
نواكشوط - “الخليج”:


1/1

نظم نادي القصة الموريتاني الأربعاء الماضي في مقر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين أمسية سردية حول رواية “دروب عبد البركة” للروائي الموريتاني الزميل محمد ولد محمد سالم، والصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وهي الرواية الثالثة للمؤلف وتأتي بعد صدور روايتيه السابقتين: “أشياء من عالم قديم” و”ذاكرة الرمل”” .
الأمسية شكلت لقاء بين الروائي ولد محمد سالم وعشرات الشعراء والأساتذة الجامعيين والكتاب الروائيين والقصاصين والنقاد والصحفيين الذين جاؤوا للاحتفاء بهذا الروائي المتميز .
الروائي محمد ولد محمد سالم أعرب عن شكره لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة التي بادرت بطباعة الرواية والتي مافتئت تبادر بتبني كل إبداع ثقافي عربي وتسعى لتنشيط الثقافة العربية .
وتحدث بإيجاز عن فضاء رواياته الثلاث مقدما عرضا عن شخصياتها الرئيسية، واعتبر أن الكتابة بالنسبة له عملية إبداعية ذاتية مفاجئة، تأتي نتيجة للحظة انكشاف أو انقداح لرؤية معينة، وهو ما يصعب معه اتخاذ قرارات مسبقة أو احتساب مواقف معينة أو خلاصات مقصودة .
وتحدث د . محمد الحسن ولد محمد المصطفى، أستاذ النقد في جامعة نواكشوط، في مداخلته عن الأجواء التي ترسمها الرواية من خلال أحداثها وشخوصها، لافتاً إلى أنها تعالج واقع الظلم الاجتماعي الذي عايشته شرائح اجتماعية موريتانية وذلك بأسلوب أدبي روائي عالي التقنية . وأضاف أن الروائي ولد محمد سالم في “دروب عبد البركة” مزج على نحو بالغ الدقة بين المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحداثية التي تستخدم مختلف تقنيات السرد والتكثيف والرمزية، وغيرها .
وقال أستاذ اللسانيات الدكتور يحيى ولد البراء عن الرواية: “لقد استهوتني دروبك، ولم أكن أظن أن فن السرد عندنا قد وصل إلى هذا المستوى”، فيما قال عنها الناقد والشاعر الدكتور محمد ولد عبدي: “إنها تتسم بالعمق في الطرح” .
وتدور الرواية حول حياة علي بن عبد البركة وهو شاب حديث العهد بالتخرج والتوظيف يكرس إجازته السنوية الأولى للبحث عن أبيه الذي لا يعرف عنه إلا اسمه وأوصافا قليلة استقاها من أمه وخالته، وخلال البحث تتشكف له معالم حياة والده، ابتداء من هروب أمه به خوفا عليه من إخوته لأبيه أن يقتلوه حتى لا يعترف أبوه به فيكون له نصيب في المال والملك، ثم تسكن به أمه في قرية من قرى منطقة “البراكنه” بعد أن آواها أهل القرية وأحسنوا جوارها، وبعد وفاتها، ينطلق عبد البركة في الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، راعي غنم ثم سائق “أجلاب”، وخلال تنقلاته بين المناطق الموريتانية يتزوج زيجات كثيرة ويخلف أولادا مشتتين لا يعرف أي منهم الآخر، وفي إحدى المرات يكتشف أن إحدى زوجاته التي تزوجها حديثاً تخونه فيقتلها ويفر إلى السنغال، وبعد سنوات طويلة هناك يعود متخفياً، لكنه لا يفلح في الوصول إلى أولاده، ويموت في ظروف غامضة في قرية “كرمسين” . وترصد الرواية عبر مقاطع مونولوجية واسترجاعية جوانب من حياة علي بن عبد البركة والصراعات النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه لأبيه الذي لم تره عيناه، وتحديه للألم والفقر وإصراره على النجاح، وعلى الوصول إلى والده الذي حمل عنه صورة هي مزيج من القوة والكرم والإيمان، ورغم أن عليا لم يحقق هدفه في الوصول إلى أبيه حيا، إلا أنه استطاع التعرف إلى جميع إخوته وجمعهم .
جريدة الخليج

الخميس، 23 سبتمبر 2010

حراك


أفق
حراك مسرحي
آخر تحديث:الخميس ,09/09/2010
محمد ولد محمد سالم
تعيش الساحة المسرحية الإماراتية هذه الأيام أجواء عرس مسرحي، ففي أغلب مدن الدولة تحركت الجمعيات والفرق المسرحية لتقديم عروض مسرحية، بدءاً بالشارقة التي ستشهد أيام العيد على مسرح قصر الثقافة عرضاً لمسرحية “عجيب غريب” وهي مأخوذة عن المسلسل الكوميدي الاجتماعي الذي عرض في رمضان، وهو بالاسم نفسه، ومن إخراج الفنان أحمد الجسمي . وفي دبي سيتم عرض مسرحية “أنا وزوجتي وأوباما” التي ألفها مرعي الحليان وإخراج أحمد الأنصاري على خشبة مسرح ندوة الثقافة العلوم، ومسرحية “حريج وفريج” على مسرح المركز الثقافي في رأس الخيمة، وهي من تأليف وإخراج إبراهيم خليف، وفي الفجيرة أعلنت جمعية الفجيرة للفنون والمسرح عن إقامة عرض مسرحية “فاصل ونواصل”، وهي من تأليف خالد الظنحاني، وفي معهد الشارقة للفنون المسرحية تتواصل منذ أيام التدريبات على مسرحيتين هما “سلوقي” و”حرب النعل”، وهما من تأليف إسماعيل عبدالله، ومن المعروف أن كثيراً من الجمعيات الأهلية الأخرى تحافظ باستمرار على إقامة عروض واسكتشات مسرحية لجمهورها خلال احتفالاتها بالأعياد .
الطابع الغالب على هذه العروض الجماهيرية، حيث تحاول توصيل أفكارها في ثوب كوميدي، وهي مناسبة لأجواء العيد وحالة الفرح التي يعيشها الناس، وفي تأكيد رمزي على ما ذهب إليه د . علي عقلة عرسان في كتابه “الظواهر المسرحية عند العرب” من ارتباط الأشكال القديمة للمسرح العربي بالأعياد، ويدل حضور العروض بهذا الكم على رجوع قوي إلى المسرح وتجدد الاهتمام بالجمهور، خاصة بعدما ظلت تلك العروض قليلة الحضور في المهرجانات المسرحية، واستبعدت في أغلب الأحيان من التنافس على الجوائز، ولعل ذلك يكون فاتحة لإعادة الاعتبار إليها، بعدما ثبت أنها ضرورية للمتفرج، وقادرة على أن تقول ما تقوله العروض الجادة، إذا صدرت عن نص جيد، وتوافر لها الإخراج الجيد والممثلون المقتدرون .
ولعل تلك الكثافة في العروض الجماهيرية أيضاً تصل ما كان منقطعاً وتعيد للجمهور ثقته بالمسرح، هذه الثقة التي كان قد افتقدها، في ما قبل، لأسباب عديدة .
ولعلها أخيراً وتعيد للمسرح نفسه نشاطه وحضوره بشكل دائم، وخارج المهرجانات التي كان وجوده مقتصراً عليها، فالمسرح لم يخلق للمهرجانات بل خلق للمتفرج ليشاهده باستمرار، ويتلقى ما يطرحه من قضايا، ويعيش بعمق التجارب الإنسانية التي يعالجها وتسمو بنفسه وإحساسه إلى ما هو نبيل وإنساني وجمالي .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج

الأدب ولغة الحقيقة

أفق
الأدب ولغة الحقيقة
آخر تحديث:الجمعة ,17/09/2010
محمد ولد محمد سالم
اجتاحت الأدب العربي في السنين الأخيرة موجة من الكتابة الأدبية اتخذت من التصريح منهجاً، واعتمدت لغة الحقيقة أسلوباً، وجردت معانيها من كل مجاز يمكن أن يتوهّمه القارئ، فحين تستخدم المطر فإنما تعني الماء النازل من السماء على حقيقته الأصلية من دون الاستعمالات الاستعارية التي يمكن أن يتخذ لها بوصفه رمزاً للخصوبة والنماء والتجدد والحياة وغير ذلك مما يقفز من صور ودلالات إلى خيال الأديب المبدع، وهكذا كل الكلمات كما هي، بلا مسوح دلالية ولا تلوينات خيالية، وليس على القارئ إلا أن يتقبلها كما تواضع عليها أهل اللغة الذين يتكلمونها، ولا يتعب خياله في البحث عن إشباع جمالي غير موجود ولم يخطط له الكاتب .
مثل هذه الكتابة هو ما سمي في الأدبيات النقدية “درجة الصفر” في الكتابة حيث اللغة المشتركة المحايدة المجردة من كل خصوصية، وبالتالي من كل إمكانات إبداعية، وحيث العتبة الأولى في كل كلام بشري، ويرى أصحاب هذه النزعة أن الصدق يقتضي أن نقدم الحقيقة مجردة، وأن الحرية تعني أن نقول كل شيء بلا مواربة، وأن تحقيق الإنسانية هو بالعودة إلى اللغة الأولى حيث حرارة الوجود الأول، وحيث كل شيء مكشوف وواضح وبريء .
لكن هذا الاتجاه يسقط في مزالق عدة، أولها أنه يسلب الأدب كل خصوصية ويجعله باهتاً ويساوي بين كل الخطابات مهما اختلف أصحابها ومهما تباينت قدراتهم التخيلية، وثانيها أن الجميل هو المدهش الخارق الذي يخرج عن طور العادة، ويرتفع بالفكر إلى مستوى تخييلي وتفكيري يجد فيه مساحة للحركة والتأمل، وهو ما عرف في علوم البلاغة قديماً بالمجاز، واصطلح عليه حديثاً باصطلاحات كثيرة منها الانزياح والانحراف والتجاوز والمستوى الثاني وغيرها، ومثّله قديماً المجاز المرسل والاستعارة، وأضيف إليهما حديثاً المعادل الموضوعي والصورة وغيرها من الاصطلاحات التي تدخل في هذا الباب، وثالثها أن قول الحقيقة ليس مستطاعاً في كل مرة، وقد لا يكون أيضاً مطلوباً في كل مرة، فهو محاصر بقيود نفسية واجتماعية وسياسية ودينية وبنظم حياة قد لا تكون من مصلحتها تقديم الحقيقة مكشوفة، فتصبح المباشرة هدماً لتلك النظم، وفي مثل هذا الجو لا يبقى للأديب سوى هذا المستوى الثاني من القول ليقول فيه وعن طريقه ما يريد، وهنا امتحان موهبته ومحك عبقريته، وهنا أيضاً مجال التميز الذي يجعل البعض فناناً وأديباً عظيماً ويردّ الآخر إلى الحضيض حين تعجز قريحته فلا يستطيع أن يتجاوز عتبة القول الأولى .
ويرى الكاتب بهاء طاهر أن مثل تلك الكتابة تفتقر في أحيان كثيرة إلى “اللياقة واللباقة” ويقول “التلميح في الكتابة أفضل مئة مرة من التصريح، حتى في الحياة العامة، ومهما كانت درجة علاقتك بأصدقائك، فإنك إذا تطرقت لبعض الموضوعات تلمح تلميحاً ولا تصرح تصريحاً، فما بالك بالكتابة التي توجه لعامة الناس”.
dah_tah@yahoo.fr
الخليج
الرابط: http://www.alkhaleej.ae/portal/32de8f23-7c17-42f4-81a6-c141f3e37ebf.aspx

الخميس، 22 يوليو 2010

تحت مسمى الحرية الثقافية


أفق
تحت مسمى الحرية الثقافية
آخر تحديث:الأربعاء ,14/07/2010
محمد ولد محمد سالم
يستضيف مهرجان فني كبير في إحدى الدول العربية مطرباً غربياً معروفاً بدعواته اللا أخلاقية، وتظهر إحدى الممثلات العربيات في أحد المشاهد بصورة غير لائقة وتقول إن ذلك مجرد فن، فضلاً عن كم هائل من الروايات التي تتخذ من وصف العلاقة الحميمة بين الجنسين مركز اهتمامها وتقف عند كل صغيرة وكبيرة بشكل مقرف ويدعو للسخط .
كل تلك الظواهر تبرز اليوم تحت مسمى الحرية الثقافية، والحق في إبداء الرأي، فمن حق الكاتب والفنان أن يعبر عن رأيه وأن يطرح كل ما يريده من أفكار أياً كان تطرف تلك الأفكار، ومن واجب الآخرين أن يراعوا حقه ذلك ويعترفوا له به، وألا يقفوا في وجهه إن هو عبر عنه، ويجد هذا الموقف نصيراً من قطاع معتبر من المنظرين ودعاة حقوق الإنسان في الوطن العربي، ظاهراً وباطناً .
إن مثل هذه المواقف تبعث على التساؤل عن مفهوم الثقافة العربية التي يتبناها هؤلاء، ومفهوم الهوية العربية الذي ينطلقون منه، وما هي خصوصية تلك الهوية بالمقارنة مع الهويات الأخرى؟ فهل لا تزال الأخلاق مكوناً رئيسياً من مكونات تلك الهوية؟
اهتدى العرب الجاهليون برغم أميّتهم إلى أخلاق عظيمة، وعرفوا قيمتها في توازن الفرد وانسجامه الذاتي وفي استقرار المجتمع واستتباب علاقات التعاون والوحدة بين أبنائه، فكان احترام الصغير للكبير ورأفة الكبير بالصغير، وكان الكرم والعفة والحِلْم وإباء الضيم ونجدة المظلوم وصون العرض وحفظ السمعة من أن تشاب بشائبة مشينة، وغير ذلك مما تحفل به دواوين الشعر الجاهلي .
وقد تكرست تلك الثقافة الأخلاقية وتعمقت في العصور العربية اللاحقة عندما زكاها الإسلام وأتمها .
وفي العصر الحديث نصادف ذلك الكم الهائل من الكتب والمعالجات التي تنطلق من تلك المكونات الثقافية، باعتبارها جوهر كيان الإنسان العربي وهي أخص ما يميزه عن غيره من الأجناس البشرية، نجد صدى ذلك في ما كتبه محمد عبده وشكيب أرسلان وسلامة موسى، وفي ثلاثية نجيب محفوظ، كما نجد الجابري في تنظيراته حول العقل العربي يخصص جانباً منها ل “العقل الأخلاقي” باعتباره أحد مكونات العقل العربي، ولا يزال بيت أمير الشعراء أحمد شوقي يرنّ في أذان الناس إلى اليوم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فهل تلك الدعوات دلالة على امحاء الأخلاق كمكون ذاتي وثقافي للهوية العربية؟ وما شكل تلك الهوية في المستقبل إذا قُبِلتْ تلك الدعوات المنحرفة التي ترتفع من حين لآخر وكثر المدافعون عنها؟، لعله من الأجدر للعرب إذ ذاك أن يحرقوا أشعارهم وتاريخهم، وربما أن يخرجوا من أرضهم إلى أرض جديدة وثقافة جديدة وهوية جديدة .
dah_tah@yahoo .fr
الخليج

لماذا الرواية ليست مزدهرة في الإمارات


رغم مرور أكثر من 30 عاماً على ظهورها
لماذا فن الرواية ليس مزدهراً في الإمارات؟
آخر تحديث:السبت ,10/07/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تكاد أغلب الدراسات حول الثقافة الإماراتية تجمع على أن النهضة الثقافية بدأت مع تكوين دولة الاتحاد مطلع السبعينات، فبحكم وضع المجتمع الإماراتي كمجتمع تقليدي، ظلت الثقافة المسيطرة فيه هي الثقافة التقليدية السائدة والمكونة من علوم الدين واللغة العربية والشعر بفصيحه وعاميه، إلى جانب الثقافة الشعبية المتمثلة في المرويات الشفهية، من قصص وأساطير راكمها الخيال الاجتماعي على مدى العصور، ومع بداية نشوء الدولة وعودة الشباب من أبناء الوطن الذين درسوا في جامعات عربية وأجنبية وتضلعوا من المعارف الحديثة، بدأت الثقافة الحديثة تنتشر، وبدأت تعطي أكلها في شكل إنتاج هنا وهناك، وكان لا بد للأدب أن يكون أحد المحاور المهمة في تلك الثقافة الحديثة والتعبير الإبداعي الأول عنها، فنشأت أجيال متتابعة من الشعراء والكتّاب،
اقتحمت عوالم الكتابة الحديثة متأثرة بالأجواء السائدة في الوطن العربي خصوصاً في مصر وسوريا ولبنان والعراق، وإذا كان الشعر أسرع في استقطاب اهتمام أولئك الشباب بحكم مركزيته في ثقافتهم، وأقدر على تحمل الأفكار التجديدية بفعل ما كان يروج فيه على المستوى العربي من اتجاهات، ويحتدم فيه من صراعات، وكانت القصة القصيرة أقل عناء للمبدع وأسرع الأنواع السردية استجابة لأفكاره وشجونه، ما عجل بظهورها في الساحة الإماراتية، فإن الرواية تأخرت عنهما، ولم تشهد تراكماً كمياً كذلك الذي شهداه في السبعينات والثمانينينات من القرن العشرين، وكان على رواد الكتابة الروائية أن يحفروا في واقعهم بحثا عن شيء من خصوصية ولو في ناحية المضمون، إن كانت الخصوصية الفنية متعذرة مع دبيب البدايات .
يقول الكاتب د . محمد عبيد غباش متحدثاً عن وضع البدايات في الكتابة الروائية الإماراتية: “حين بدأنا الكتابة كأدباء شبان في منتصف السبعينات لم يكن لدينا تراث روائي محلي نراكم فوقه، والذي امتلكناه لم يكن شيئاً سوى بعض الحكايات الشعبية القصيرة بما في ذلك الخرافة والتي غلب عليها طابع الحكاية الطفولية، أما بالنسبة الى الكبار فكانت الحكايات أساساً ميراثاً تاريخياً لوقائع الحروب والغزوات التي تمتلك صلة قربى بالتاريخ أكثر منها بأعمال الرواية الخيالية . . لذلك فوضْعنا ككتاب رواية محلية فرض علينا أن نكون روّاداً في جانب رصد بيئتنا الخاصة، حتى وإن غرفنا من ثقافتنا العربية والعالمية في أساليب السرد الكتابي وتقنيات الرواية . . وكرواد أُرغمنا على شق طريقنا بأنفسنا من الصفر وعلى إعادة اختراع العجلة باستمرار” .
على هذا الإيقاع الذي يفرض على أصحابه الريادة ويدفعهم الى البحث عن “بيئة خاصة” كانت الرواية الأولى هي رواية “شاهندة” لراشد عبد الله النعيمي الصادرة سنة ،1971 وتتناول حياة “شاهندة” تلك الفتاة التي حباها الله بجمال فاتن وفي عمر السابعة عشرة اختطفها هي ووالديها نخاس وباعهم فتلقفتها أيد جائعة ذهبت ببراءتها، وحين تكبر تعزم على الانتقام من كل أولئك الذين أهدروا براءتها من دون استثناء ويكون انتقامها شديداً حتى أصبحت “مخربة البيوت”، فكانت تنتقم لمجرد الانتقام من مجتمع ترى أنها ضحية له لأنه عقها قبل أن تعقه .
مع “شاهندة” تعلن الرواية الإماراتية مبكراً عن الاتجاه الأول في اهتماماتها وانشغالها بالواقع الاجتماعي بما فيه من تجليات “استغلال” بعض الناس بعضاً، وامتهان للمرأة، وهذا الانشغال سيصبح إحدى ركائز الاهتمامات لها مع الروايات اللاحقة، ولا تخلو المعالجة هنا من نواقص البدايات التي طالت الحبكة الفنية، غير أنه يكفي الرواية أنها حازت قصب الريادة في هذا الفن وامتلكت شرف تمهيد الأرض للكتابات اللاحقة .
ثم يصدر عبد الله الناوري رواية “عنق يبحث عن عقد” سنة 1978 وهي رواية بوليسية استوحاها الناوري من قراءاته وعمله في سلك الشرطة، وفيها ما في القصص البوليسية من تشويق ومفاجآت تحث القارئ على المضي في قراءتها حتى النهاية، وتبدو هذه الرواية خارجة عن نسق الاهتمام الذي حددناه سابقة، وربما ستبقى إلى وقت طويل حالة خاصة في سياق مسيرة الرواية الإماراتية نظراً لخصوصية موضوعها الذي يبرزها وكأنها تمرين مهني لرجل من الشرطة على فك ألغاز الجرائم .
حضر
وستواصل رواية “الاعتراف” سنة 1982 لعلي أبو الريش المسيرة التي بدأتها “شاهندة” بالتركيز على قضايا اجتماعية، فهي تروي حياة شابين فتيين هما “صارم” و”محمد” يتمكن الحب من قلبيهما ويستسلمان له في براءة ساذجة واندفاع طفولي ويظلان يعيشانها حتى حين يتزوجان من الفتاتين اللتين أحباهما، فصارم الذي قتل أبوه وهو صغير يقع في حب أخت محمد ويظل يهيم بها ويشكو لوعته دون أن يحرك ساكناً لمواجهة صعاب الحياة والكفاح في سبيل حبه، ورغم سلبيته فإن الكاتب يتبع طريقة حلول الصدفة ليحل له مشكلاته ويجعله يفوز بتلك الفتاة ويتزوجها من غير كد ولا جهد ولا مواجهة للحياة، ويسلك صديقه محمد السلوك نفسه، وتشاء الصدف أن يتزوج هو الآخر ب “رحاب” الفتاة التي أحبها، ورغم هذه المآلات السعيدة فإن صارماً يعيش بقية حياته وعقدة الذنب تلاحقه لعجزه عن الأخذ بالثأر بعد أن عرف أن والد أحمد هو من قتل أباه، وكذلك يظل محمد يعيش الذل والقهر الذي زرعه فيه أبوه القاسي إلى أن يموت .
رواية “الاعتراف” كما سلف هي مواصلة للنبش في الواقع الاجتماعي الذي بدأته رواية شاهندة، وإن كان التركيز هنا على فئة الشباب ومعاناتها، والنظرة الرومانسية التي تنظر بها للحياة، وقد أسرفت الرواية في ترسيخ تلك النظرة بسلبيتها من دون أن تكلف نفسها عناء إقحام شخصيتيها في مواجهة حقيقية مع الحياة وهو ما أفقد الرواية في بعض جوانبها الإقناع الفني المطلوب، ويشفع لها أنها باكورة العمل الروائي لأبي الريش الذي سيرسخ قدمه كأحد أهم كتاب الرواية في الإمارات وفي الوطن العربي من خلال رواياته اللاحقة “السيف والزهرة” و”رماد الدم” و”نافذة الجنون” و”تل الصنم” و”ثنائية مجبل بن شهوان” و”ثنائية الروح والحجر” و”التمثال” التي عمق من خلالها معالجته لقضايا المجتمع بوعي أكبر ورؤية أوسع مما كان عليه الحال في الرواية الأولى .
تعلن الرواية الثالثة في اتجاه المعالجة الاجتماعية وهي رواية “دائماً يحدث في الليل” لمحمد عبيد غباش الصادرة 1985 عن اكتمال البناء الفني وتماسك الحبكة الروائية، ووضوح في الرؤية، فهي تتناول جانباً من حياة عصبة مثقفة لها اجتماع منتظم يومياً تناقش فيه وضعية الاغتراب التي تعيشها داخل المجتمع وعجزها عن التغيير والتأثير في المجتمع مع وعيها بمشاكل هذا المجتمع، لكن الفردانية والانغلاق على الذات يدفع هذه الشخصيات إلى هذا الانسحاب . . ذلك الانسحاب الذي يتعاظم في نفوس أصحابه يؤازره الوعي بالواقع وبالعجز التام عن تغييره حتى يصل إلى ذروته في شكل هروب “خالد” بطل الرواية خارج الوطن، بحثا عن عالم جديد يمكنه أن يستعيد فيه إنسانيته بتفاعله مع الواقع من حوله .
وأياً كان الموقف الذي سيتخذه القارئ من وجهة النظر التي يتبناها الكاتب في “دائماً يحدث في الليل” إلا أنه لا مراء في أنه استطاع أن يصور بعمق وعبر أحداث محبوكة ورؤية متنامية بمنطقية أزمة شريحة كبيرة من المثقفين الإماراتيين والعرب وجدوا أنفسهم غداة الاستقلالات العربية يعيشون انفصاماً بين رؤاهم للتقدم والتغيير وبين الواقع الذي يعيشونه، فأحدث ذلك في نفوسهم شرخاً كبيراً وَلدَه عجزهم عن التغيير لأسباب كثيرة منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي، فآثروا الانسحاب والعيش على الهامش، وإن كان الانسحاب لم يفلح في رأب الصدع في نفوسهم بل أذكاه أكثر فأكثر .
وفي الاتجاه الاجتماعي نفسه سيكون للانقلاب الكبير الذي حدث في حياة المجتمع الإماراتي بعد ظهور الثروة النفطية حضور في جل الروايات كرواية “السيف والزهرة” لعلي أبو الريش و”عندما تستيقظ الاشجان” لعلي راشد و”الديزل” لثاني السويدي و”رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش، وقد رسمت سارة الجروان في روايتها “طروس إلى مولاي السلطان” صورة لهذا التحول وتأثيراته السلبية والإيجابية على المجتمع من خلال رسم حياة “أسرة جمعة البادي” التي كانت تعيش في أحد الوديان الخضر بين الإمارات وعُمان، لكن معالجة تلك الظاهرة بتشابكاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لم تكن بالعمق الذي ينبغي لها أن تكون عليه، ويعزو ثابت ملكاوي في كتابه “القصة والرواية في الإمارات” أن الكاتب الروائي لم يتفاعل وجدانياً مع النفط كإشكالية فكرية واجتماعية، وأن الوعي الاجتماعي لم ينضج بدرجة كافية تجاه المتغيرات المادية الاجتماعية الناجمة عن النفط .
الاتجاه الثاني في الرواية الإماراتية سيكون الرواية التاريخية، وتمثلها رواية “ساحل الأبطال” لعلي محمد راشد، وروايتا: “الأمير الثائر” و”الشيخ الأبيض” لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وروايتا “ابن مولاي السلطان” و”الرجل الذي اشترى اسمه” لمنصور عبدالرحمن، فهذه الرواية انبنت مادتها الحكائية على أحداث وشخصيات حقيقية، ولم تسع إلى تكوين كون متخيل خارج تلك الحقائق التاريخية، قاصدة في المقام الأول التسجيل التاريخي لتلك الأحداث، ففي رواية “ساحل الأبطال” يحكي لنا الكاتب عن شخصيات تاريخية لعبت دوراً في تاريخ إمارة رأس الخيمة في بداية القرن التاسع عشر، انطلاقاً من تاريخ موثق لفترة زمنية عن رأس الخيمة .
وأما الاتجاه الثالث وهو المعالجة السياسية فلم تتمخض عنه رواية بعينها وإن كان للشأن السياسي حضور كبير في كثير من الروايات الإماراتية مثل روايات علي أبو الريش، ورواية “دائما يحدث في الليل” لمحمد عبيد غباش، وتبدو رواية “ريحانة” لميسون صقر أكثر الروايات تناولاً للشأن السياسي في بعده القومي، فالشخصية الرئيسية فيها “شمسة” فتاة جامعية مسكونة بالهموم السياسية التي تعيشها الأمة العربية خلال فترة جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهي قلقة بسبب تلك التقلبات وانتكاسة الحلم الذي راود الأمة العربية في تلك السنين، والمسار نفسه تسلكه رواية “رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش مع بطلتها الرئيسية علياء “التي ستذهب هي الأخرى للدراسة الجامعية في القاهرة وتتأثر بما تعيشه الأمة العربية من أحداث، بعد أن كانت تلك الأحداث قد تركت جرحاً غائراً في نفسها أيام المدرسة الابتدائية حين أفاق التلاميذ على الصدمة التي عاشتها معلماتهم في 6 يونيو/ حزيران 1967 يوم النكسة والإجازة المدرسية التي حصلوا عليها بسبب ذلك .
وإذا أفردنا “قضية المرأة” كاتجاه رابع وموضوع فكري روائي له تميزه عن بقية الموضوعات الاجتماعية فقد حظي بالتناول المكثف، ورأينا كيف أن رواية “شاهندة” جعلت من بطلتها الأنثى موضوعها الرئيسي، ثم جاءت الروايات النسوية التي كانت فاتحتها رواية “شجن بنت القدر” 1992 لسارة الجروان، وتبعتها روايات نسوية كثيرة تبوأت بها الروائية الإماراتية مكانة تضاهي مكانة الكاتب الرجل مثل “ملائكة وشياطين” لباسمة يونس و”رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش و”الجسد الراحل” لأسماء الزرعوني و”ريحانة” لمسيون القاسمي و”حلم كزرقة البحر” لأمنيات سالم و”تثاؤب الأنامل” لرحاب الكيلاني و”لعله أنت” لباسمة يونس، وحملت أغلب تلك الروايات موضوع المرأة وما تعانيه من مشكلات اجتماعية فاقمها أن التحولات الاجتماعية العميقة التي أصابت المجتمع لم تسفر عن معالجة لمشكلات المرأة ووضع حلول جذرية لها، رغم نضج المرأة ووعيها بواقعها وحقوقها، ذلك الوعي الذي أصبح شقياً في ظل واقع لا يستجيب له .
أما في ما يتعلق بالبناء الفني والوعي بأدوات الكتابة الروائية، فما زالت الرواية الإماراتية تعاني من نقص كبير في هذا المجال، رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على ظهورها، وهناك ظاهرة لافتة في المشهد الروائي الإماراتي ربما تكون وراء ذلك النقص، فجل من كتبوا روايات لم يتعد محصولهم الروائي رواية أو روايتين باستثناء علي أبو الريش الذي ظل يواصل مسيرته الروائية ويطورها منذ روايته الأولى إلى اليوم، فكوّن لنفسه بذلك رصيداً كمياً وفنياً متميزاً، وهذه الظاهرة تجعل الإنتاج الروائي لا يتعدى عتبة البدايات بما تحمله من عثرات ونواقص، فلا غرابة أن نصادف في بعضها اختلالات فنية من قبيل: عدم الإقناع الفني للأحداث والشخصيات، والحلول الفجائية، والسطحية في تناول الظواهر، والتناقض في الحكاية، وغير ذلك مما لا تسلم منه بدايات الكتّاب، فلو أن الذين بدأوا منذ السبعينات والثمانينات واصلوا الكتابة لكانوا اليوم كتاباً كباراً متميزين على شاكلة أولئك الموجودين في السعودية والكويت مثلاً، ولما كان أبو الريش الاستثناء الوحيد في هذا الباب، ويمكن التماس العذر لأولئك الكتاب في تحملهم مسؤوليات مهمة في الدولة التي كانت تحتاج آنذاك إلى كل من يحمل شهادة من أبنائها لتحميله مهمة من مهام دولة تريد أن تشق طريق التنمية والتطوير بأسرع ما يمكن، ولم تترك لهم تلك المسؤوليات الوقت للانصراف إلى النشاط الأدبي والكتابة، وربما يكون حظ الأجيال الجديدة من الكتاب أوفر في الحصول على الوقت الكافي لإنضاج تجاربهم الروائية والبلوغ بها مداها عبر تطوير مستمر وتجارب مكثفة، وهم مربط الأمل لمستقبل الرواية الإماراتية .
من الأسباب الأخرى التي يمكن بها تفسير هذا النقص، غياب النقد الأدبي الذي يواكب النتاج الأدبي ويقيّمه ويوجه الكتاب ويعرفهم إلى تقنيات الكتابة، فالنقد يربي الإبداع ويطوّره، وهو سند للمبدع الحقيقي وللكاتب الذي يحمل هم الكتابة ويسعى إلى تطويرها .
قال الناقد د . صالح هويدي: “ربما لا يخلو الرأي القائل بتخلف الرواية الإماراتية عن ركب مسيرة الرواية الخليجية من بعض إجحاف، ولعل مصدر هذا الإجحاف يعود إلى عدم إلمام أصحاب هذا الرأي بمعالم المشهد الروائي الإماراتي ومفرداته إلمام إحاطة، ومن هنا فنحن نرى في هذا الرأي انطباعاً عاماً وجزئياً أكثر منه حكماً تفصيلياً دقيقاً، فأية قراءة منصفة للمشهد الروائي لا بد من أن تتوقف عند ظاهرة روائية خصبة ولافتة كظاهرة علي أبو الريش . إلى جانب روايات أخرى لافتة كرواية ناصر جبران (سيح المهب) ورواية (حلم كزرقة البحر) لأمنيات سالم، ورواية (الديزل) لثاني السويدي ورواية (ريحانة) لميسون صقر، وسواها من الروايات المميزة . لكننا مع ذلك نود أن نسجل هنا رأينا الذي يرى أن الرواية الإماراتية لم تصل بعد المستوى الذي بلغته القصة القصيرة الإماراتية أو المستوى الذي بلغه الشعر الإماراتي الحديث، كما ينبغي لي أن أضيف ما يمكن أن يستكمل الصورة بالقول إن الرواية الإماراتية على الرغم من تميزها بين المسيرة الروائية الخليجية، لكنها لا تتبوأ الصدارة بينها، من حيث التنوع والجرأة والتقنيات الحديثة” .
الخليج

"لعله أنت" جديد باسمة يونس


أفق
جماليات التداعي الحر للسرد
آخر تحديث:السبت ,03/07/2010
محمد ولد محمد سالم
من جديد تؤكد الكاتبة الإماراتية باسمة يونس رسوخ قدمها ككاتبة دؤوب مشغولة بهم الكتابة، وقلم لا يفتأ يتحف القارئ بنصوص جميلة طافحة بهموم الإنسان، فقد صدرت لها حديثاً عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع رواية “لعله أنت” وهي الرواية الثانية لها بعد رواية “ملائكة وشياطين” 1990 .
توزعت كتابات باسمة يونس في معظمها بين القصة القصيرة والمسرحية منذ سنة ،1987 وهي عشر مجموعات قصصية وتسع مسرحيات ونالت العديد من الجوائز المحلية والعربية .
تتبوأ قضية الكبت والحواجز الاجتماعية التي تمنع المرأة من الاعتراف بحبها، ليس لمن تحبه فحسب، بل لنفسها هي الصدارة في “لعله أنت”، وكأن هذا الاعتراف جريمة وخرق لحدود المسموح به، فبطلة القصة “مريم” ظلت تنكر على نفسها ميلها إلى “خالد”، وظل حبه يتعاظم في نفسها حتى بعد أن تركها وسافر إلى ألمانيا في منحة دراسية من دون أن يكون قد اعترف لها بحبه، لكن خالداً لا يلبث يتملك قلبه الحنين إليها وتملأ عليه ذكراها حياته فلا يجد مناصاً من أن يبعث إليها برسالة مستفيضة في وصف وجده، تلك الرسالة قلبت حياة مريم وحولتها إلى عذاب مستمر من الشوق والرهبة، وصراع لا يتوقف بين نوازع الاعتراف لخالد بحبها له وزواجر نكرانه، وعبر مجموعة كبيرة من الرسائل المتبادلة بينهما ستظل مريم تداري أن تعترف له بحبها وتطالبه بالتوقف عن مراسلتها، ولم ينته ذلك الصراع الداخلي لمريم حتى حين قررت من جانب واحد أن تتوقف عن تلك المراسلة والعلاقة التي بدت لها مستحيلة بحكم أن الويل ينتظرها إن اطلع أهلها عليها، لكن انقطاعها عن مراسلته لم يحل أزمتها بل ضاعفها وظل ألمه يعتصرها حتى قضى عليها وهي في ليلة زفافها، فترنحت وسقطت مغشياً عليها لتموت في المستشفى .
تتميز رواية “لعله أنت” بميزتين واضحتين أولاهما القدرة على الغوص في أعماق الشخصية الروائية واستظهار دواخلها عبر لغة مرهفة، تعتمد أسلوب التداعي الحر الذي يسمح بالانسيابية الجميلة، والثانية اتخاذ أسلوب الرواية كصيغة سردية فيها جدة وطرافة استطاعت الكاتبة من خلالها تحريك الأحداث ودفعها إلى النهاية من دون عناء، فأخرجها ذلك من برودة السرد التقليدي وحافظ لها على حرارة اللغة والدهشة السردية .
ومع تلك الجماليات الواضحة في الرواية يمكن إبداء ملاحظة متعلقة بإقناعية الأحداث، فبعض الأحداث لا تبدو مبررة بما فيه الكفاية، أو لا تستجيب لأفق التوقع عند القارئ، من ذلك أن الشاب خالد لم يبح لمريم بحبه أيام كان معها في البنك، ولا حتى حين جاء ليودعها وهو ذاهب في منحة، ولا شيء يمنعه من ذلك، والثاني تصادف موت البطلين في الليلة نفسها حين عاد خالد بحثاً عن مريم فمات في حادث في أحد شوارع دبي قبل أن تلفظ هي النفس الأخير في المستشفى بلحظات، على أن ذلك لا ينقض شيئاً من جمالية الرواية ومتعة قراءتها .
Dah_tah@yahoo.fr

الخليج

على هامش الاحتفاء بساراماغو


أفق
على هامش الاحتفاء بساراماغو
آخر تحديث:الثلاثاء ,29/06/2010
محمد ولد محمد سالم

شهد الأسبوع الماضي في الصحافة العربية تسابقاً محموماً إلى تسجيل سبق صحافي حول الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو الفائز بنوبل للآداب 1998 والذي توفي في 18 يونيو/ حزيران الجاري في منفاه الاختياري في إسبانيا عن 87 عاماً، ولم تكتف تلك الصحافة بمجرد نقل الخبر وإضاءته بمعلومات عن سيرته الذاتية وأعماله الروائية ومواقفه السياسية، بل راح كتابها على مدى أيام يكتبون مقالات رأي واستخلاصات وتقييمات لأدبه، وخصصت ملاحق الصحف مساحات واسعة للتقييم والتعليق تثميناً لتاريخ وعمل هذا الكاتب الذي لا شك أنه يستحق ذلك وأكثر، خصوصاً بالنسبة إلى العرب الذين لن ينسوا مواقفه من الكيان الصهيوني الغاصب، وزيارته لفلسطين عام 2002 تضامناً مع الشعب الفلسطيني .
اللافت أنه في خضم تلك الجلبة الكبيرة مرت الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل شاعر عربي مهم، ومن أكثر الشعراء العرب المحدثين تأثيراً في عصره بما أنتجه من قصائد لامست الوتر الحساس في الجرح العربي، فصورت آلام وآمال أجيال النكسة العربية، وكان أكثر الشعراء جرأة وقدرة على مواجهة الظلم وأسرعهم إلى التعبير عن مشاعر جيله بأسلوب شعري بديع، ذلك هو الشاعر أمل دنقل (1940- 1983) ذلك الشاب القادم من محافظة “قنا” في جنوب مصر معتداً بجذوة البراءة والصراحة وإباء الظلم والزيف التي يتمتع بها الصعيدي المصري، ولم تخب تلك الجذوة في نفسه بقية عمره، بل زادها واقع الحياة في القاهرة وتواتر الهزائم العربية والصراع العربي “الإسرائيلي” الذي كانت القاهرة آنذاك بؤرة له، تأججاً فأثمر ذلك حين اختلط بإحساس الشاعر المرهف، تلك القصائد البديعة، بدءاً بقصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” التي أصبحت عنواناً لديوانه الأول ،1969 والذي تغلغل فيه إلى أحاسيس الجماهير وعكس بفنية عالية مشاعر الحيرة والتساؤل والإحباط والاحتجاج والرفض للممارسات التي أدت إلى تلك الهزيمة الشنيعة .
قال الناقد الدكتور جابر عصفور عن “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” “كان نشره بمثابة علامة فاصلة في تاريخ الشعر السياسي الذي وصل به أمل دنقل إلى الذروة التي لم يسبقه أحد في الوصول إليها، وكان ذلك لصدقه وقدرته على أن يكون المفرد الإبداعي الذي يصوغ مشاعر الجمع”، ولم يقف دنقل عند ذلك بل واصل نهجه الاحتجاجي المسائل للمرحلة في ديوانه الثاني “تعليق على ما حدث” 1971 وكذلك في كل مجموعاته اللاحقة، وسيبلغ دنقل ذروة الرفض مع قصيدته “لا تصالح” التي كتبها غداة توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، رفضاً لتلك الاتفاقية، وتمسكاً بالحق العربي في كامل الأرض الفلسطينية .
فكيف تمر ذكرى شاعر بهذا القدر من دون اهتمام يذكر في الوقت الذي تقام فيه للروائي الأجنبي زفة؟ أليس الأقربون أولى بالمعروف، وإذا كان هؤلاء الأقربون نذروا حياتهم للأمة والدفاع عن ثوابتها ألا يكون واجب ذكرهم وإطلاع الأجيال على تاريخهم وفاء لهم ولتلك الثوابت التي دافعوا عنها؟ . . عسى ألا يكون ذلك التجاهل علامة من علامات انعدام الثقة في الذات، ومظهراً من مظاهر الاستلاب الكثيرة في وطننا العربي .

dah_tah@yahoo.fr
الخليج
الرابط:

الأربعاء، 21 يوليو 2010

ضرورة الهوية قبل ضرورة السوق


أفق
ضرورة الهوية قبل “ضرورة السوق”
آخر تحديث:الجمعة ,25/06/2010
محمد ولد محمد سالم

في مقابلة مع د . سعيد حارب الفائز بجائزة تريم عمران لرواد العمل الثقافي والإعلامي منشورة يوم أمس في “الخليج”، يقول حارب رداً على سؤال عن طغيان لغات أجنبية في سوق العمل على حساب اللغة العربية: “للأسف هذا واقع خلقناه لأنفسنا، فنحن وإن كنا لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية إلا أنه لا ينبغي لأية لغة أن تطغى على لغتنا التي تمثل لنا الهوية والتراث والجذور، وأقول لمن يحتجون بسوق العمل إن هناك العديد من الدول التي تفرض على من يعملون فيها التحدث بلغة أهلها مثل ألمانيا واليابان البوسنة وكوريا، وهي بلاد متقدمة، نعم نحتاج إلى خبرات متقدمة، ولكن ليس على حساب عقولنا” .
يقدم هذا الرد حجة دامغة على أن مقولة “سوق العمل” لا تبرر التخلي عن اللغة الأم صنو الهوية والحضارة، فشواهد الواقع تدل على أن الكثيرين حافظوا على لغاتهم ولم يوقف ذلك وتيرة التقدم لديهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن عند طرح مبرر “ضرورة سوق العمل” هو: ما الذي يريده العرب من التنمية والتقدم؟ هل هو مجرد تطوير مادي، وتمكين للأفراد من أن يعيشوا حياة مرفهة، أم هو تطوير حضاري شامل يعنى بتطوير وتعزيز هوية الفرد وقيم الأمة الحضارية كما يعنى بالتطوير المادي، ويسعى لجعل العرب مساهمين فاعلين في صناعة القيم الإنسانية للحضارة الحديثة وتعزيز جوهرها الروحي والأخلاقي قبل طفراتها المادية، انطلاقا من أن البنية الأخلاقية والروحية للأمة العربية، بما فيها من قيم الأخوة والتعاون والتسامح والإيثار والكرم والبر والرحمة، وبما قامت عليه من اعتبار أن “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلْق”، كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه؟
فإن كان الهدف هو مجرد الكسب المادي فقد لا يكون الاعتداد بالقيم والتراث والحضارة والهوية شيئاً ذا قيمة، ولا فرق في أن ينتمي شعب ما إلى الوطن العربي أو إلى غيره من الأوطان والأمم، ولا فرق بين أن تحكم “إسرائيل” أرض فلسطين وأمريكا أرض العراق، أو أن تستقل تلك البلاد تحت حكم أبنائها، فإذا انتفت الهوية والثقافة فلا فرق بين أن يعيش الإنسان في شرق الأرض أو غربها، صينياً أو “إسرائيلياً” أوروبياً أو أمريكياً أو عربياً .
وأما إن كان الهدف من التنمية شاملاً فحري بالبلدان العربية أن تضع نصب أعينها تطوير الإنسان العربي وتعزيز ثقافته وهويته الحضارية وفاعلية تلك الهوية في حياته اليومية، مع ما يلزم من ضرورات التطور المادي، وحين تنطلق هذه البلدان من تلك النظرة تصبح مقولة “ضرورات سوق العمل” لاغية، في هذا الإطار، لأن ضرورة الهوية والإنسان العربي أهم من ضرورة سوق العمل، فهي التي تحدد ضرورات السوق وهي التي توجه تلك الضرورات، وساعتها ستصبح اللغة العربية ضرورة من ضرورات سوق العمل، لأنها هي الحامل الثقافي الذي يستمد منه العربي هويته .

dah_tah@yahoo.fr
الخليج

إنهم يفسدون العربية


أفق
إنهم يفسدون العربية
آخر تحديث:السبت ,19/06/2010
محمد ولد محمد سالم

ماذا يمكن أن يقول القارئ الذي يقرأ كتاباً أو مقالاً مترجماً إلى العربية متعلقاً بموضوع من ميدان هو من صميم اهتماماته أو تخصصه ثم لا يفهم شيئاً من تلك الترجمة؟ هل يتهم نفسه بالجهل والغباء أم يتهم المترجم بعدم الدقة أم الكاتب بالغموض؟ لكن هذا القارئ في الغالب قرأ كتباً كثيرة ومقالات في الموضوع نفسه وفهمها، وقد يكون الكتاب المترجم ذائع الصيت ولكاتب مشهورة أراؤه، فلا يبقى إلا أن يلقي باللّوم على المترجم، وهو لوم في محله فأغلب ما ينشر اليوم من ترجمات عربية للإنتاج الأجنبي، على الأقل في ميادين العلوم الإنسانية، يفتقر إلى الدقة ويكتنف عباراته وجمله غموض كبير يجعله مستغلقاً على القارئ العربي، ما يعني أن الكثير ممن يمتهنون الترجمة ليسوا محترفين وفي أغلب الأحيان ليسوا على دراية بمعظم الميادين التي يترجمون فيها، خصوصاً الميادين الفكرية والأدبية .
لقد كان من نتائج البرامج المتخصصة في تعليم الترجمة وتسهيلها، وانتشار الأجهزة الإلكترونية ومواقع الإنترنت التي تقدم خدمة الترجمة من لغة إلى أخرى أو إلى عدة لغات، أن أصبح من السهل على كل شخص أن يكتب نصاً بلغته ويضغط على سهم الاختبار ليختار اللغة التي يريد الترجمة إليها ثم يضغط على زر الإرسال ليظهر النص على شاشته مترجماً بتلك اللغة، ولا شك إن هذه الخدمات أتاحت للكثيرين فرصة عظيمة للتواصل مع من يريدون من أبناء اللغات الأخرى، حتى ولو كانت معرفتهم بلغات مخاطبيهم ضئيلة لا تتعدى فك الخط، وقد أصبحت برامج الترجمة الإلكترونية رائجة لدى موظفي الشركات الخصوصية وسكرتاريي الإدارات المختلفة يستعينون بها في مراسلاتهم الخاصة وفي اختيار كلمات أحاديث المجاملات كالسلام والترحيب والدعوة وغيرها، ولم يقتصر دور الترجمة الإلكترونية على مجرد التواصل بين الناس، ولكنها أصبحت تقدم خدمات للمتخصصين في شتى الميادين، وقد شجعت هذه الوفرة الكثيرين من أدعياء التخصص في الترجمة على استخدام تلك البرامج لترجمة الكتب والمقالات ثم ينشرون ما ترجموه على أنه ترجمة جيدة ومتخصصة، ويوقعون القراء في متاهات لا أول لها ولا آخر .
ومن سمات تلك الترجمات عدم الدقة في اختيار الكلمة وفساد التركيب النحوي وغموض المعنى، وإذا كانت الترجمة في الأصل من أجل خدمة اللغة التي يترجم إليها، فإن مثل هذه الترجمة مدمرة للّغة العربية مشيعة للفساد فيها .
إن اللغة تجربة إنسانية خاصة ذات عوالق اجتماعية ونفسية، وهي تعبير عن مشاعر وأفكار فيها الظاهر والمضمر، ودلالتها رهينة بسياقات عديدة متغيرة، ولا بد للمترجم الذي يتصدى لها أن يكون قادراً على أن يفهم بعمق تلك التجربة في كلتا اللغتين اللتين يترجم بينهما، وفوق ذلك يحتاج المترجم المتخصص إلى الإلمام بالميدان الذي يتناوله النص المرادة ترجمته والاطلاع على المصطلحات والتعبيرات الرائجة فيه، كذلك وبالنظر إلى تلك التجربة فمن الطبيعي أن تعجز برامج الترجمة التلقائية مهما كانت فاعليتها عن تقديم ترجمة محترفة وصادقة من لغة إلى أخرى، وسيبقى دورها هو مجرد المساعد للمترجم .
إن من المؤسف ألا تجد على طول وعرض الوطن العربي الذي تمنع فيه الكتب لأتفه الأسباب من يمنع كتاباً مترجماً لفساد لغته وغموض أفكاره، أليس الأمن اللغوي جزءاً من الأمن القومي العربي؟ فلماذا لا توضع معايير لترجمة احترافية ويدعى المترجمون لاحترامها؟
الخليج

حتى لا يضيع وقت الكاتب


أفق
حتى لا يضيع وقت الأديب
آخر تحديث:الثلاثاء ,15/06/2010
محمد ولد محمد سالم
يحدثك صديق كاتب أن له على “الفيس بوك” مئات الأصدقاء، وأنه على اتصال دائم بهؤلاء الأصدقاء يقرأ تعليقاتهم ويرد عليها ويزور صفحاتهم فيقرأ ما فيها من تعليقات وردود، فتفكر في أنه لا محالة سيكون له بريد إلكتروني يتلقى عليه رسائل من أصدقاء آخرين لا يستطيع إلا أن يرد عليهم، وقد يكون مشاركاً في منتدى واحد أو عدة منتديات تفاعلية أخرى ذات طابع عام أو متخصص في ميدان يهمه، ولا بد بعد ذلك أن لهذا الصديق زملاء وأصدقاء وأقارب تدعوه دواعي الحياة الكثيرة إلى التواصل معهم وتخصيص جزء من وقته لهم، وربما يكون من الذين تحلو لهم جلسة القهوة ويواظبون عليها، فكم بقي لهذا الصديق من الوقت إذا طرحنا وقت النوم والعمل؟ بالحساب البسيط: لا شيء! بل ربما سيستلف من وقت نومه وعمله، فمتى سيجد هذا الصديق الوقت للتأمل والإنتاج؟ ومتى سيجد الوقت للقراءة المثمرة المحفزة على الإبداع؟
يبدو أن مواقع التفاعل الاجتماعي التي تستقطب اليوم عدداً متزايداً من الأدباء يجدون فيها طريقاً للتواصل مع قرائهم ومعرفة آرائهم في ما يكتبونه، ويسمعون منهم إطراء لكتاباتهم، أصبحت تملك على هؤلاء الأدباء وقتهم، وتجعلهم يغرقون في سيل من التعليقات التي تظهر أمامهم فيجدون أنفسهم مضطرين إلى قراءتها والرد عليها حفاظاً على الصداقة ومجاملة لعزيز لا يمكن تجاهل ما يكتبه، مهما كانت ضحالته، وهنا يخطئ الكثير من هؤلاء الأدباء في تقدير دورهم الثقافي فيظنون أنه محصور في مجرد التعاطي مع معجبين، في حين أن أهم ما ينبغي على الكاتب أن يخاطب به الناس هو ما ينتجه من أدب، وما يصدره من روايات أو دواوين أو قصص أو مسرحيات أو دراسات أو غير ذلك، ليس مهماً أن يتلقى الواحد على صفحته آلاف التعليقات، ولا أن تصله مئات الرسائل الإلكترونية، بل المهم هو أن يصرف جل اهتمامه لإنتاجه فيجوده ويطوره، وأن يعطي الحيز الأكبر من ذلك الاهتمام للمطالعة الواعية الهادفة التي توسع مداركه وترسخ معارفه.
إن المواقع التفاعلية مفيدة ومهمة في ربط الصلة بالأصدقاء والقراء وفي الترويج للكاتب، لكن الوقت المخصص لها ينبغي أن يكون مقتطعاً من وقت الأنشطة الاجتماعية في الحياة الواقعية وليس من وقت التنمية الذاتية والإنتاج الإبداعي للأديب، لأنها إن لم تكن كذلك ستكون مدمرة لهذا الأديب قاضية على عطائه، فلا يعني وهج الصداقة وصخب التفاعل بالضرورة قيمة إبداعية بل في كثير من الأحيان تكون له دواع أخرى، وسيضمحل هذا الوهج باضمحلال تلك الدواعي، أما الإبداع فهو باق مستمر قبل ذلك وبعده، وهو ما يتركه المرء للأجيال اللاحقة، وما يسهم به مساهمة حقيقية في تنمية وبناء وطنه وتعزيز هويته.

dah_tah@yahoo.fr
الخليج

الرواية النسائية في عمان


من الأسطوري إلى الواقعي
قراءة في الروايةالعُمانية
آخر تحديث:السبت ,12/06/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

لا ينفصل تاريخ الثقافة في سلطنة عمان في شيء عن تاريخها عن بقية بلدان الخليج العربي، فقد بدأت كلها تقريبا نهضتها الثقافية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، مع استقلال تلك البلدان وعودة أبنائها المهاجرين إلى أوطانهم وقد نهلوا من ثقافات عربية وأجنبية وتعرفوا إلى فنون وآداب حديثة، فكان لا بد أن يظهر تأثير تلك الثقافات في إنتاجهم الثقافي والأدبي، فبدأت العلوم الإنسانية الحديثة والفنون الأدبية تنتشر ويتسع نطاق تعاطيها، ويعود ظهور أول رواية عمانية إلى سنة 1963 وهي رواية “ملائكة الجبل الأخضر” لعبد الله الطائي “1924 1973” الذي درس في العراق، وتنقل بين عمان والبحرين والكويت والإمارات مشاركاً في تأسيس منابر ثقافية وتربوية فيها، فكان أحد رواد النهضة الثقافية الحديثة في الخليج، وقد أتبع روايته تلك برواية “الشراع الكبير” التي نشرت سنة 1981 ثم أصدر سعود المظفر رواية “رجال وجليد” ،1988 وسيف السعدي روايتين في عام 1988 هما “خريف الزمن” و”جراح السنين” واليوم يقارب الإنتاج الروائي العماني 40 رواية .
ولم يكن حظ المرأة العمانية في هذه البداية بالكبير بحكم القيود الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي، والتي لم تكن تعطيها فرصة كبيرة للتعلم ولا هامشا كافيا من الحرية، فأخر ذلك إنتاجها الثقافي والأدبي عن إنتاج الرجل، وأول رواية لكاتبة امرأة هي “الطواف حيث الجمر” الصادرة 1999 لبدرية الشحي، قصة كفاح امرأة للوصول إلى حبيبها الذي هاجر من عُمان إلى زنجبار، وبلغها أنه تزوج من إفريقية، وبدافع من الغيرة والتحدي للغريمة تكسر البطلة الأعراف العربية التقليدية وتسافر إلى تلك البلاد الغربية بحثا عن حبيبها، لكنها تفشل في العثور عليه، وتضطر للإقامة هناك والكفاح لإقامة حياتها الخاصة، وتحقيق ذاتها، وتريد الكاتبة من ذلك أن تقول لنا إن بحث البطلة عن الحبيب الرجل ليس سوى بحث عن سراب، واقتفاء لمفاهيم وهمية شحنت بها المرأة بفعل الموروث الثقافي لتقتنع بأن كينونتها لا تتحقق إلا بوجود الرجل في حياتها، بينما الحقيقة التي تكتشفها البطلة بعد استقرارها في زنجبار وامتلاكها وإدارتها لمزرعة كبيرة بعمالها، هي أن قوة المرأة تنبع من داخلها، من اكتشافها لقوتها الذاتية وإرادتها في الكفاح والفعل، وقد غلب على السرد الروائي في “الطواف حيث الجمر” الطابع الرومانسي .
وبهذه البداية التأسيسية في السرد الروائي العماني تعلن المرأة العمانية الكاتبة عن مشغل أساسي من مشاغلها الروائية ستدور في حوله الكثير من رواياتها، وهو كفاح المرأة لتغيير موقعها الاجتماعي وامتلاك زمام المبادرة في الفعل والانتقال من مرتبة التابع إلى مرتبة الشريك والند . وهو ما سنجد له أثرا في ثاني رواية نسائية وهي “منامات” لخوجة الحارثي الصادرة سنة ،2004 وهي تستعير حال “المنامات” الصوفية كتقنية سردية لتجعل البطلة ترى أحلاماً متكررة بعضها غريب والبعض الآخر يلامس واقع الحياة عن قرب، وقد أنتج ذلك بناء روائيا ذا جدة ولغة خاصة تميل للصوفية، وهي كما تقول خوجة تحاول أن تقرأ شيئا من الواقع العماني خاصة عبر رؤية فتاة تمر بتحولات نفسية، تختبر الحب كما تختبر الكراهية وتشتبك مع الشخصيات الأخرى بعلاقات جدلية، وتفتح نافذة للتأمل في مشاعر النفس الإنسانية وتحولات المجتمع وتفاعل البشر مع هذه التحولات، ولعلها تقول شيئا عن واقع المرأة خاصة وأحلامها بطريقة لا تسقط في فخ التسطيح والمباشرة والصوت العالي للحركات النسوية .
خوجة وإن كانت لا تريد من روايتها أن تكون صوتا حركيا نسائيا عاليا وتكرارا مسطحا ومباشرا لبعض تلك الآراء، إلا أنها تنسل من موضوع المرأة نهائيا، بل تعبر عن موقفها وأحلامها بطريقة خاصة وتأملية، وقد صنف بعض النقاد هذه الرواية في خانة السيرة الذاتية .
وعلى عكس اتجاه بدرية الشحي في جعل بطلتها تنجح في التمرد تجعل الكاتبة فاطمة بنت فهر بن تيمور آل سعيد بطلتها في “صابرة وأصيلة” 2007 تذهب ضحية هذا التمرد، فهي تعيدنا إلى أجواء الماضي وحكاية تسلط الرجل والقيود المفروضة على المرأة من خلال حكاية الفتاتين الصديقتين صابرة وأصيلة اللتين يفرض عليهما ترك المدرسة مبكراً، ولزوم البيت قبل أن ترويا نهمهما للمعرفة، فتبقى أحلام المعرفة والخروج لذلك العالم السحري الذي يؤدي إليه ترافقهما، وترافق بشكل خاص صابرة التي تلجأ على الكتابة وتحاول التعويض بها لكنها تقع فريسة سذاجتها وقلة خبرتها فيوقع بها شاب أحبته، ويؤول أمرها إلى أن تحمل بولد وتهرب، وفي النهاية يقتلها أخوها، ورغم أن السرد هنا كلاسيكي جداً، إلا أن الكاتبة تضع نفسها في العمق من مسألة المرأة والتضييق عليها، وتدين السيطرة المطلقة للرجل، ويلجؤها وعيها بالحدود المتاحة لتمرد المرأة في مجتمع تقليدي إلى أن توصل بطلتها إلى تلك النهاية المأساوية، وهي في ذلك أقل راديكالية من بدرية الشحي في “الطواف حيث الجمر” التي قفزت على التقاليد والواقع لتجعل بطلتها تنجح في غربتها .
وقد سبق لفاطمة آل سعيد وعلى مسرح آخر أن دانت الرؤية الدونية والاستغلالية للمرأة، وذلك في روايتها “أيام في الجنة” الصادرة ،2005 والتي تناولت حياة شاب عماني مهاجر إلى لندن عاطل عن العمل لا هم له سوى إشباع ملذاته يتخفى وراء مظهر الشاب الأرستقراطي الأنيق، ويستخدم بإتقان مهاراته وجاذبيته الرجولية الخادعة لإغواء النساء واستدراجهن ليقعن في حبه، ثم يستغل ذلك الحب ليجعلهن ينفقن عليه من جيوبهن .
وقد تزوج بأربع نساء ما بين شرقية وأوربية وأمريكية، بعضن يعلم بالآخر لكنهن واقعات في الحب، وأخر غافلات لا يعلمن عن ذلك شيئا، وهو يلهو بذلك ويأتي متعه كما يحلو له، لا يكترث بإخلاص أي منهن له ولا يرحمها، كأنهن إماء لديه .
رواية “أيام في الجنة” وإن كانت تدور في مسرح غير عربي وتضم شخصيات نسائية غير عربية، إلا أنها بمنظور معين تدين تصرف الرجل العربي ممثلا في البطل وقساوته في التعامل المرأة، ونظرته السلبية لها التي تجردها من كل القيم الإنسانية وتختزلها في قيم مادية زائلة، وتسمح له بحشدهن تحت سيطرته كأنهن جوارٍ لديه، وتوحي بثورة على منطق تعدد الزوجات .
مفاهيم
وعلى غرار “أيام في الجنة” تعود الكاتبة مع رواية “أشياء مبعثرة” 2008 لتروي قصة تدور في بريطانيا تحكي عن رجل عربي الأصل بريطاني بالتبني يتفوق في علمه وعمله، لكن عقدة النقص تدفعه إلى التعويض بالشراب والنساء وتجعله يضيع في ذلك العالم الأسود، ويهرب من حب سكرتيرته سليلة الأسرة الأرستقراطية البريطانية التي تسيطر عليها هي الأخرى مفاهيم المجتمع الكلاسيكي عن الرجل والخوف منه الذي يدفعها إلى التفاني في خدمته لإيقاعه في حبها، ويجرها ذلك إلى أن تنتقل من رجل إلى آخر إرضاء لغريزة دفينة في السيطرة على هذا الكائن المخيف .
ورغم أن الرواية تدور خارج المجتمع العماني وفي مجتمع غربي وتخضع لمنطق وحياة هذا المجتمع، إلا أن فيها صدى لقضية العلاقة بين الرجل والمرأة، وسيطرة المفاهيم التقليدية على كل منهما، فكلا البطلين لم يستطع أن يتحدى واقعه ويواجه حبه بشجاعة ومسؤولية، وتوحي غرابة منطق الرواية في مجتمع غربي متحرر، لم يعد فيه لمثل تلك القيود الاجتماعية وجود أو اعتبار بكون الكاتبة أرادت أن تهجّر رؤيتها لواقع مجتمعها إلى مجتمع آخر وتطبقها عليه، وهو قناع إيحائي استخدمته آل سعيد في هذه الرواية، وفي “أيام في الجنة” لتطرح من خلاله قضايا المجتمع والمرأة في مجتمعها، ولإدانة ما هو سلبي، وذلك اتقاء لأسهم كثيرة قد تصوب نحوها، ورغم أن القناع قد يؤدي دوره الذي أرادته له الكاتبة، إلا أنه أضعف البنية الروائية لديها في كلا الروايتين، وأفقدها الإقناع في كثير من الأحيان .
تعود بنا رواية “حفلة الموت” للكاتبة فاطمة الشيدي الصادرة 2008 إلى الراديكالية التحررية التي بدأتها بدرية الشحي، لكن الفرق هو أن رواية الشيدي حادة في تمردها وموجعة في هجائها، فالبطلة الشابة “أمل” تلاحقها لعنة الأساطير الاجتماعية التي تعتبرها “مغيّبة” متلبسة بشيطان يسكنها ويسيطر عليها، فلا يحق لها أن تحب أو تتزوج رجلا، لذلك، حين تلتقي الشاب البحريني النبيل الذي تعرفت إليه أثناء دراستها للفنون الجميلة في جامعة البحرين وأحبته، تخفي عنه سرها وتسافر إلى لندن بحجة إكمال دراستها فيلحق بها وحين تبوح له بسرها تمرض وتدخل في غيبوبة مدة ستة أشهر ثم تنجو بأعجوبة لا يقوى الأطباء على تفسيرها، وتعود إلى الحياة وقد زال ثقل الشيطان الذي يتلبسها وتحررت من سيطرته .
طوال الرواية وعن طريق مونولوجي متدفق لا تتوقف البطلة عن كيل اللعنات والسباب لمجتمعها ورجاله ونسائه الخاضعات للمذلة، ولأبيها الذي تكرهه كرهاً شديداً، فقد كان سببا في كل شقائها حين اغتصب أمها الأمَة التي اشتراها من زنجبار، ثم اضطر أن يلحقها هي بأبنائه، فعاشت هي وأمها الدونية والقهر، صفات بذيئة من السب والسخط على ذلك المجتمع لا تتوقف إلا بتوقف الرواية، ونبرة تدميرية طافحة لو ملكت صاحبتها القدرة لسحقت المجتمع بكامله .
منظور الرواية تحرري تدميري لا يرى في المجتمع التقليدي أية قيمة إيجابية ويعتبر تدميره وإلغاءه هما السبيل إلى التحرر والثورة، وهما طريق المرأة إلى تحقيق ذاتها، وقد نجحت الكاتبة إلى حد كبير في إقامة توليفة بين الأسطوري والواقعي، والاستفادة من أسلوب التداعي في التنقل بين الأحداث والمشاهد .
يمكن بناء على ما تقدم القول إن الرواية النسائية العمانية، على حداثة نشأتها ومحدودية عددها، قد ولدت وهي مشغولة بقضية المرأة، بل يمكن اعتبار تلك القضية كانت أحد أسباب ظهور هذه الرواية، وقد ترددت في الرواية في هذه القضية بين خيار التحرر التام وإلغاء المجتمع والوصول بالثورة إلى أقصى مدى لها كما عند بدرية الشحي، وفاطمة الشيدي، وبين القبول الاضطراري بمنطق المجتمع عن طريق تقديم نهاية مأساوية لكل محاولات التمرد “خوجة الحارثي وفاطمة آل سعيد”، وهو تردد يعكس بعمق حيرة المرأة العمانية المعاصرة، بل المرأة العربية عموما في التحرر التام الذي يلغي المجتمع ويثور على كل قيمه، أو الإذعان لقوانينه وأعرافه، وهي حيرة مزمنة باعتبار أن المجتمع العربي ورغم مرور عقود وعقود على انخراطه في دورة النهضة والتحديث لم يستطع أن يحسم الكثير من قضاياه الأساسية المتعلقة بالهوية والمرأة والوطنية والأمة والحداثة .
الخليج

صناعة الصورة الثقافية


أفق
صناعة الصورة الثقافية
آخر تحديث:الثلاثاء ,08/06/2010
محمد ولد محمد سالم
أوردت “الخليج” في عددها ليوم أمس تقريراً عن اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب في القاهرة لمناقشة عريضة المقترحات والمشاريع الثقافية التي ستعرض على القمة الثقافية العربية المقبلة، وكان من المقترحات التي طرحت في هذا الاجتماع “ضرورة العمل على تصحيح الصورة المشوهة للعرب في الغرب بعد أحداث 11 من سبتمبر، والعمل على تفعيل حوار الثقافات والحوار مع الآخر مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية العربية”، وهذا مطلب يتردد على كل المنابر الثقافية والإعلامية العربية وهو مطلب على كل حال مشروع ومرغوب لأن الصورة المشوهة لا تخدم التواصل ولا تترك للأمم مساحة مشتركة للحوار، وتنذر دائما بالخلاف والنزاع، لكن المشكلة هي في إيجاد بداية الخيط في هذه العملية، فمن أين يبدأ العرب حين يريدون أن يغيروا يصححوا صورتهم الثقافية؟
ظلت الثقافة الاستعمارية الفرنسية تصور الجزائري على أنه ذلك “الرجل القذر ذو الجلباب الوسخ الذي يدس تحته خنجراً يتربص به أبناء فرنسا المتمدنين”، لكن ذلك لم يمنع الجزائر من أن تناضل وتقاوم حتى تنتزع استقلالها من فرنسا، وتنتزع منها الاعتراف بثقافتها، فتكرم الكثير من الأدباء الجزائريين الذين دافعوا بكتاباتهم الفرانكفونية عن الجزائر وثورة الجزائر من أمثال محمد ديب ومولود فرعون وكاتب ياسين وغيرهم .
واليوم ليست الصين ولا اليابان بحاجة إلى أن تصححا صورتيها لدى الغرب، رغم الحروب التي كانت بين أمريكا واليابان ورغم الخلاف العقائدي والسياسي بين الصين المحافظة على ثقافاتها وتقاليدها البعيدة الغور في التاريخ والمتمسكة إلى حد الإيمان بالشيوعية عدو الرأسمالية الأوروبية اللدود، لا تحتاج الصين إلى هذا ولا تحس أن صورتها مشوهة لدى الغرب أو هي لا تقيم اعتبارا لجمال أو قبح صورتها الثقافية لدى الآخر، ما دامت مصالحها مصانة وهيبتها لا يمكن لأحد أن يخدشها .
إن الصورة الحضارية لأية أمة أو شعب أيا كانت قبيحة أو جميلة رهينة بعوامل القوة الحضارية والقدرة على الفعل والتأثير، وقد كان اليهود في أوروبا رمزاً للذل والحقد والخديعة، ولكن حين انتصر الحلفاء بزعامة أمريكا على هتلر، وبتدبير من اللوبي الصهيوني المسيطر في أمريكا، سادت ثقافة الإيمان بالهولوكوست كرمز لهذا النصر، وكل محاولة لتشويهه أو تعديل تلك الصورة هي نوع من الردة التي يدان صاحبها بجريمة معاداة السامية، وتظل تلك اللعنة تطارده إلى قبره، ولم تستطع ستون سنة من ممارسة العنصرية والقتل والتهجير والإذلال للعرب الفلسطينيين أن تغير تلك الصورة . . صورة اليهودي المسالم في أذهان الغرب .
ليست الصورة الثقافية لأية أمة شيئاً يمكن أن يغير بقصيدة أو رواية أو كتاب أو فن مهما كان انتشار تلك الفنون ووصولها إلى الآخر، لكنها شيء يفرضه واقع الاحترام لتلك الأمة، ذلك الاحترام الذي يأتي من القوة الذاتية لها، وحضورها في ساحة الفعل الدولي .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:
الرابط

الجمعة، 4 يونيو 2010

استقالة مرفوضة


تخل مرفوض
آخر تحديث:الجمعة ,14/05/2010
محمد ولد محمد سالم
لا شيء يقتل الكاتب مثل تركه للكتابة، ومن المؤسف أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل كبير في أيامنا هذه، فلا يكاد يظهر قلم مبدع وكاتب جاد حتى يختفي بأسرع من ظهوره، فيحرم نفسه من خدمة ثقافته ويحرم أمته من التمتع بقلمه الجميل وتجربته الأصيلة .
كان عبدالرحمن شكري (1886- 1958) شاعرًا فذاً وناقداً بصيراً، فإلى جانب ثقافته العربية الأصيلة، ومعرفته العميقة بتاريخ الشعر العربي رفدته معرفته بالإنجليزية واطلاعه على الأدب الإنجليزي بعناصر شعرية جديدة ورؤى نقدية ثاقبة، لكن انسحابه السريع من الساحة الأدبية بعد الخصومة التي نشأت بينه وبين إبراهيم عبدالقادر المازني، أمات سمعته وترك الساحة لزميليه في حركة الديوان المازني وعباس محمود العقاد، رغم أنهما باعترافهما كانا تلميذين له في مذهبهما الأدبي .
وقبل شكري بقرون كان أبو ذؤيب الهذلي ت27 هجرية، شاعراً فذاً عاش في الجاهلية والإسلام، لكنه لم يشتهر شهرة غيره من الشعراء المخضرمين مثل لبيد بن ربيعة العامري أو كعب بن زهير المزني أو حسان بن ثابت الأنصاري، رغم أنه كان شاعراً مجيداً تشهد له بذلك عينيته . حيث بلغ فيها من جمال التصوير وقوة السبك وعمق التجربة وصادق الحكمة مبلغاً لم يبلغه أحد من جيله، ومع ذلك لم يشتهر شهرتهم لقلة شعره وانزوائه عن الناس في باديته .
ومن هنا فإن أكبر جناية يجنيها الأديب أو الكاتب على نفسه أو أدبه، أن يتخلّى عن الكتابة، فيحكم على نفسه بالموت وهو حي، وهذا للأسف هو حال كثير من الكتّاب في الوطن العربي، يبدأ الواحد منهم بداية قوية، ثم لا يلبث أن يترك الكتابة وينشغل بأعمال أخرى، قد تكون وظائف إدارية خارج نطاق الكتابة يمنحها كل وقته، وفي بعض الحالات وبمجرد أن يحصل هذا الكاتب على وظيفة مرموقة نجده يهجر الكتابة، وكأنما كان يسعى من ورائها إلى مثل ذلك المنصب، أليس في هذا السلوك نوع من الخيانة لتلك المهنة الجميلة؟
صحيح أن بعض المهام والمسؤوليات قد لا تترك لصاحبها وقتاً كافياً للكتابة، وصحيح أن الكاتب المسرحي الكبير توفيق الحكيم عانى كما يروي في سيرته الذاتية من مشاغل وظيفته حين كان نائباً في المحاكم، فقد كانت تبعده عن الكتابة وتشغل الكثير من وقته، ولم يهنأ له بال حتى استقال من تلك الوظيفة لينذر نفسه للكتابة نهائياً، وقد عانى الروائي الفذ نجيب محفوظ من الوضع نفسه حيث استحوذت ملفات دائرة الأوقاف التي كان يعمل فيها ساعات طويلة من يومه، وأخذت عليه جلّ وقته حتى تقاعد منها .
فواجب على كل أديب أو كاتب يقرأ سير هؤلاء ويحرص على قلمه، أن يكون مصباحاً ينير للسالكين عتمة الطريق وأن يضحي في سبيل بقاء تلك الشعلة متقدة حتى النهاية، وهو واجب يتأكد في ظرفنا الحاضر خدمة للثقافة العربية وأدبها من أن تستبد بهما أقلام صغيرة ومواهب ضعيفة، لهذا نقول لأصحاب الأقلام البديعة الأحياء الذين تخلّوا عن الكتابة أو ينوون التخلي عنها، إن استقالتهم مرفوضة .
dah_tah@yahoo.fr

اهتمامات الرواية العربية المعاصرة


فازت بجائزة البوكر العربية
3 روايات تحمل هموماً كبيرة
آخر تحديث:السبت ,22/05/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

يمكن اتخاذ الروايات الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية في دوراتها الثلاث وهي: “واحة الغروب” لبهاء طاهر 2008 و”عزازيل” ليوسف زيدان ،2009 و”ترمي بشرر” لعبده خال 2010 معياراً لرصد اهتمامات الرواية العربية المعاصرة، وعلاقة تلك الاهتمامات بواقع المجتمع الذي أنتجت فيه وله تلك الروايات، فهي بحكم القيمة التي حظيت بها تصلح لتكون مؤشراً لمشاغل الرواية العربية في حوارها مع الواقع، وأول ملاحظة يخرج بها قارئ تلك الروايات هي أنها جميعاً تدين الظلم والاضطهاد كل واحدة بالتركيز على جانب من جوانبه، وتلقي تلك الجوانب الضوء على أهم القضايا المطروحة في المجتمع العربي أو التي تؤرق الإنسان العربي في الوقت الراهن .
تدور أحداث رواية “واحة الغروب” في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتتناول ظاهرة “الاستعمار” في أهم جوانبها وهو القهر النفسي الذي يحدثه المستعمر في نفوس من يستعمرهم، حين تصطرع الضغائن في أنفسهم وتتوالى عليهم الضغوط المادية والمعنوية، ويحبسهم الخوف من العقاب الأليم من التعبير عن الثورة أو الرفض أو حتى إبداء وجهة نظر ولو بسيطة في واقعهم، فيعيشون مع هواجسهم ومكبوتاتهم ويلجئهم ذلك في النهاية إلى اتخاذ قرار عبثي قد يصل إلى حد الانتحار، تلك هي حال المأمور محمود عبد الغفور الذي كتب عليه أن يغادر القاهرة التي عاش فيها كل سني حياته إلى واحة “سيوه” النائية في الصحراء المصرية، ليكون مأموراً عليها مكلفاً بجباية الضرائب من سكانها الفقراء، ولم يكن محمود متحمساً لهذه المهمة، خصوصاً أن تعيينه كان عقاباً له على مساندته لثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز وإن كان في الواقعٍ هو لم يساند عملياً تلك الانتفاضة، بل كانت تلك تهمة لم تبرئه منها شهادته ضد من قادوا تلك الانتفاضة .
لم تكن حياة محمود لتؤدي به إلى الثورة أو إلى الانتفاضة ضد الإنجليز، فهو تربى لاهياً لا هم له سوى الإقبال على الملذات وإشباع الرغبات، لكن إفلاس تجارة والده المفاجئ دفع به إلى أن ينخرط في سلك الشرطة، وتشاء الصدف أن يكون حاضراً في الميدان الكبير الذي شهد ثورة عرابي وأصحابه ومطالبتهم بعزل الخديوي والتصدي للإنجليز الذين كانوا بدأوا حملتهم لاحتلال مصر، وقد أثرت في نفسه تلك الخطب الوطنية والمواقف الشجاعة لقادة الثورة والوطنيين الذين أسهموا فيها، وستبقى تلك المواقف البطولية ماثلة في نفسه تؤرقه لتكون شاهداً على مذلته حين خان أولئك الرجال وشهد ضدهم، وتكون كذلك عامل كراهة متجذرة للإنجليز، وظلمهم يتجدد ويزداد كلما وقع عليه شيء من ظلمهم، بدءاً باتهامه بالتآمر ضد الإنجليز والتحقيق معه وإرغامه على الشهادة ضد الوطنيين ثم إرساله إلى واحة “الموت” التي إن نجا المسافر إليها من الموت في الصحراء، فقد لا ينجو من القتل على يد أهلها الذين تعودوا قتل المأمورين الذين يسومونهم الظلم، ويبتزونهم رغم ما يعانونه من بؤس مزمن، ثم رسائل الإدارة المتكررة له بأن يعجل بمحصول الضرائب، ثم رجل المخابرات الذي بعث به الإنجليز ليعمل تحت إمرته ويكون في الوقت ذاته رقيباً عليه، وما قام به ذلك الرجل من مكائد ضد المأمور، كتأليب أهل الواحة عليه وإرسال برقيات ضده إلى رؤسائه، كل تلك المسائل إلى جانب العلاقة المتوترة مع أهل الواحة الذين لا يرتاحون للمأمورين .
ومما يزيد الأمور سوءاً الزيارات المتكررة التي تقوم بها زوجته الإيرلندية التي تبحث في الآثار لمعبدهم بحثاً عن قبر الإسكندر الأكبر الذي افترضت أنه مدفون هناك، ورغم أنها تشترك مع محمود في العداء للإنجليز الذين يحتلون بلادها، فإن بحثها المضني عن قبر الإسكندر وإصرارها على وجوده هناك سيؤدي إلى تدهور العلاقة بينهما، ويستشعر فيه محمود نوعاً من البحث عن أمجاد الماضي الأوروبي واعتزاز باحتلال قديم لبلاده، وكان أهل القرية يرتابون في زيارة تلك المرأة لمعبدهم ويعتقدون أنها تعمل سحراً لهم، وأنها تبحث عن كنزهم المدفون هناك والذي سيستخرجونه يوماً ما حين يؤذن لهم بذلك، فأخذوا يتربصون بها وبالمأمور، وزاده أيضاً أن تعليمات الإدارة الاستعمارية تقضي بأن لا يتدخل في شؤون الواحة الداخلية ويكتفي بجني الضرائب فقط، فلم يستطع أن يرد الظلم عن المظلومين أو يقيم العدل بين أهلها، وألجأته كل تلك العوامل إلى أن يفجر ذلك المعبد ويموت بحجارته، انتقاماً من زوجته ومن أهل الواحة ومن رجل المخابرات رمز المستعمر، وتخلصاً لنفسه من ذلك الذل الذي أرقه .
وهذه الاستعادة التاريخية تصلح لقياسها على الواقع الذي يعيشه كثير من بلدان الوطن العربي، فالاستعمار ما زال رابضاً على أرضه، يسوم أبناءه سوء العذاب والهيمنة الغربية ما تزال تذل الكثيرين والضغوط النفسية المتولدة عنها جلية .
ويبقى أن ما قام به محمود في النهاية حتى وإن كان يبدو عملاً عبثياً إلا أنه في بعده الرمزي هو تعبير عن رفض للهيمنة والقهر، وتكفير عن خيانة قديمة قام بها حين أرغم على الشهادة ضد الوطنيين، وبذلك فإن الرواية تؤسس لمبدأ مقاومة الظلم وتجعل ما سواه غلطة سيظل صاحبها يدفع ثمنها .
أما رواية “عزازيل” فتدور أحداثها في منتصف القرن الخامس الميلادي، وتروي مشاهد من حياة راهب مصري عاش في عصر مضطرب، شهد فيه وهو فتى صغير مقتل أبيه الوثني على يد مجموعة من أتباع المسيحية التي كانت يومها آخذة في الانتشار في مصر، ثم شهد أيضاً قتل الفيلسوفة هيبتا التي كانت تحمل أفكاراً تنويرية تأثر بها وهو شاب حين كان يتابع محاضراتها في الاسكندرية، كما تأثر بها الكثير من المسيحيين وكانت تلك الأفكار تشكل رؤية مستنيرة للمسيحية أثارت غضب الكنيسة الأرثوذوكسية فنكلت بأولئك “المهرطقين”، كما عاصر مقتل الراهب نسطور الذي كان من أتباع التنوير، وكان لقي نسطور عند زيارته إلى القدس وهو يومئذ يقيم فيها .
كل تلك الأحداث والتنكيل الذي عاش الراهب مشاهده فترة طويلة من حياته، أورثه قلقاً دائماً وزعزع إيمانه، وجعل أفكاره وقناعاته الدينية مضطربة وأغرت به عزازيل “الشيطان” ليزين له الغواية والانسلاخ من الرهبنة، ليستعيد إنسانيته كبشر يعيش حياته بسيئاتها وحسناتها، ويزين له أن يدون مشاهد حياته لتكون عبرة لمن يأتي بعده، فيفعل .
إدانة
وتشكل هذه الرواية في أحد أبعادها إدانة للتشدد الديني والتضييق على المخالفين في المعتقد وتكفيرهم والتنكيل بهم، وهي دعوة صريحة إلى احترام الأديان والمعتقدات .
والتشدد هو أحد مدارات الصراعات في الوطن العربي اليوم، فهو موجود على مستوى الأديان والمذاهب والعقائد، وهو صراع عصف بالوطن العربي والعالم في العقود الأخيرة وزعزع أركانه في أماكن كثيرة، وأدى إلى مآس غائرة .
وأما رواية “ترمي بشرر . .” فتعالج الفساد الاجتماعي والسياسي في المجتمع العربي واستغلال الأغنياء للفقراء إلى حد الاستعباد، وسلب المستغَل كل قيمة إنسانية، ورميه في بحر الدناءات، تروي القصة على لسان بطلها “طارق” حكاية حي فقير قذر يسكنه الصيادون يفاجأ أهله بتشييد قصر كبير بجانبه، ويشاهد أبناء الحي كل ليلة الأنوار الباهرة المنبعثة منه والسيارات الفخمة الكثيرة التي تدخله، فتشرئب نفوسهم له ويصبح دخوله حلم كل واحد منهم، ثم يتحقق ذلك الحلم فيدخلون إليه واحداً واحداً، ليرغموا على ممارسة المهن القذرة والرذائل الخبيثة، التي لم يكونوا يتصورون أنهم سيمارسونها، ويعيشون في سجن كبير لا يستطيعون الخلاص منه لأن يد صاحبه ستصلهم أينما ذهبوا، فسلطته تتجاوز كل الأعراف والقوانين، وقد أصبح بقوة المال أحد صناع السياسة يسخرها لمصلحته الخاصة، وقد شاهد أولئك المساكين أساليب سيدهم المنكرة في التنكيل بمن يخالفه، وعاشوا جحيم ذلك السجن ودناءة تلك المهن عبيداً كأسوأ ما تكون العبودية، محطمة نفوسهم، مسلوبة إرادتهم، مستسلمين إلى مصائرهم كالبهائم، وأصبح حلم النعيم الذي حلموا به خطأ حياتهم الذي لا يغفرونه لأنفسهم، وقد أسلمهم هذا الحال إلى الجنون أو الهروب والاختفاء إلى الأبد أو الاستسلام والانخذال التام .
وبذلك تكشف رواية “ترمي بشرر” عن فساد القيم وانحلال المجتمع وتحكم المادة في نفوس الناس بشكل يفوق التصور، ويصاب القارئ بالدوار وهو يتابع صفحات الرواية لشدة غرابة ما يمكن أن تصل إليه النفس البشرية من الشر حين تمتلك القوة وتتحرر من كل قيمة، ولا يبقى لديها سوى قيمة واحدة هي حب الذات وحب إشباع الرغبات .
تلك هي صورة المجتمع التي ترسمها لنا هذه الرواية، ورغم المبالغة الكبيرة التي اتسمت بها والسوداوية التي غلفتها، فإنها عالجت مظاهر حقيقية في الواقع الذي نعيشه اليوم من تحكم المادة وهجوم الرأسمالية .
من خلال هذا الاستعراض الموجز لأجواء الروايات والمنظور العام لكل منها، يمكن القول إنها كانت مهمومة بالقضايا الكبرى التي تؤرق المجتمع العربي، وهي الاستعمار والصراع الديني والقهر الاجتماعي، فقد فككت المجتمع وأعادت تركيبه من منظورات تكشف الخلل وتنذر بالمصائر الفاجعة التي يمكن أن تكون إذا لم تتحرك أيدي الإصلاح إلى رأب ذلك الخلل وتوجيه دفة المجتمع توجيهاً مبرمجاً على مبادئ وقيم واضحة وصحيحة، وتلك هي الغاية القصوى للرواية، أن تنذر وتحرك الراكد في النفوس وتبعث الأمل، والتزام تلك الروايات الرائدة بهذه المهمة يعني أن الرواية العربية بخير، وأنها على الطريق الصحيح .
الخليج الثقافي