بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أبريل 2014

هل يسهم ازدهار الرواية في إنعاش اللغة العربية؟



تاريخ النشر: 13/04/2014
محمد ولد محمد سالم

شهدت الرواية العربية في العقدين الأخيرين صعوداً كبيراً ورواجاً على حساب فنون الأدب الأخرى، حتى أدى ذلك ببعض الشعراء المرموقين إلى الانتقال إلى الرواية، فإبراهيم نصر الله الذي بدأ حياته شاعراً مجيداً هو اليوم روائي كبير، وقد حمل رواج الرواية معه جدلاً كبيراً، حول انعكاسه سلباً أو إيجاباً على اللغة العربية الفصحى، فهل تسهم الرواية في تدهور اللغة وانتشار أساليب غير فصيحة أم أنها أداة للارتقاء بها وتطوير لأساليبها؟
انتهى منذ زمن طويل الجدل الذي دار حول مسألة العامية في الرواية العربية، بفضل إبداعات كتاب كبار أمثال طه حسين ونجيب محفوظ والطيب صالح وعبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وجمال الغيطاني الذين فرضوا بفضل قوة أساليبهم الفنية وفصاحة لغتهم أن تكتب الرواية بالفصحى بعد أن كانت في بداياتها الأولى حكايات تكتب بالعامية، فعاشت الرواية في الثلث الأخير من القرن الماضي قمة ارتقائها الأدبي بوصفها فرعاً من فروع الأدب الفصيح، وتراجعت العامية إلى الخلف، ولم تظهر في روايات تلك الأجيال إلا بشكل طفيف وفي الحوارات، أما في أساليب السرد والوصف والتداعي الحر والرسائل والمذكرات والخطب وغيرها من الخطابات التي تدخل في نسيج الرواية، فبقيت حكراً على الفصحى ولم تدخلها العامية على الأقل في الإبداعات التي اشتهرت وكان لها تأثير كبير، وقد أسهم هذا الارتقاء بأساليب الرواية في تلك الفترة في تطوير اللغة الفصحى نفسها، وتنقية أساليبها من التكلف والتصنع ومن المحسنات اللفظية الثقيلة الموروثة عن أساليب عصور الضعف، فقد فرضت فنون السرد ومقتضيات التنوع الأسلوبي داخل الرواية، وتفاوت الوعي لدى الشخصيات على الكتاب التخفف من الحشو والتوشية والتأنق الذي كان سائداً، والذي يظهر أثره بارزاً في المحاولات الروائية الأولى، فبين رواية مثل "حديث عيسى بن هشام" في عام 1907 لمحمد المويلحي أو "زينب" في عام 1914 لمحمد حسنين هيكل أو روايات جرجي زيدان المتوفى عام ،1914 وبين روايات مثل الثلاثية (1956 و1957) لنجيب محفوظ، أو "موسم الهجرة إلى الشمال" 1966 للطيب صالح، قطعت الرواية العربية مسيرة طويلة من التطور الأسلوبي، الذي جعل لغتها بسيطة قريبة، قادرة على الانتقال الرشيق من أعمق الأحاسيس النفسية إلى أصعب القضايا الفلسفية أو العلمية، ووصف كل ذلك بوضوح من دون أن تفقد فصاحتها، كما كان لهذا الارتقاء الأسلوبي الفضل في تعميم التعاطي مع الفصحى لدى جمهور القراء وتوسع استخدامها في مجالات أخرى .
لكن هذا المجد الذي عرفته الفصحى في عالم الرواية العربية لم يدم طويلا، فلا نكاد نصل إلى القرن الحادي والعشرين وموجة الإنترنت وما صاحبها من رواج لاستخدام العامية في مواقع التواصل الاجتماعي حتى بدأت مكانة الفصحى في الرواية تتزعزع بسبب غزو الأساليب غير الفصيحة للرواية، فقد وجد الكتاب الجدد في الإنترنت وسيلة سهلة لنشر رواياتهم وإتاحتها للقراء، وفضلوا تحت تأثير قلة الخبرة اللغوية تارة أو حب الوصول إلى أكبر جمهور ممكن تارة أخرى أن ينشروا كتاباتهم بالعاميات أو حتى بلغات تكون خليطاً من الفصحى والعامية والأجنبية، ومن النماذج الروائية التي اعتمدت هذا الخط ولقيت نجاحاً كبيراً رواية "بنات الرياض" 2005 للكاتبة السعودية رجاء عبدالله الصانع، فقد بدأت رجاء عبدالله روايتها على شكل رسائل أسبوعية تنشرها في أحد المنتديات، وكانت تكتب على سجيتها تماماً، كما يكتب أصحاب المنتديات فتخلط بين الفصحى والعامية والإنجليزية، ولقيت متابعة منقطعة النظير من طرف رواد المنتدى، ولما اكتملت الرواية نشرتها بنفس صيغتها من دون تنقيح، وظلت طباعتها تعاد وتعاد، وعدت في سنواتها الأولى من أكثر الروايات العربية مبيعاً، ولا شك أن هذا الرواج كان له أثر في أساليب الكثير من الكتاب الجدد ودفع بهم إلى محاكاة رجاء الصانع في أسلوبها الكتابي، مما كان له تأثير سلبي في نوعية الكتابات الروائية اللاحقة، ومن النماذج أيضاً رواية "عايزه أتجوز" لغادة عبدالعال المكتوبة بالعامية المصرية والتي نشرتها أولاً على شكل تدوينات يومية في مدونتها، ولقيت بدورها إقبالاً هائلاً من طرف الجمهور ثم طبعت مرات عدة وحولت إلى مسلسل، ولا شك أنها أصبحت نموذجاً للنجاح يحتذيه كثيرون .
صعود الرواية وإن كنا لا نستطيع رده فقط إلى تحوّل الكتاب الجدد الذين لا يمتلكون ناصية الفصحى، بسبب عوامل كثيرة منها رداءة التعليم، إلى الكتابة بالعامية أو بخليط لغوي، فإن من المؤكد أن هذا التحول هو أحد عناصر صعودها، ويمكن الاستدلال لهذه الفرضية بتراجع الشعر، فذلك التراجع مظهر مؤكد من مظاهر الضعف اللغوي الذي نعيشه، لأن مادة الشعر هي اللغة، بلفظتها وجملتها وصورتها وإيقاعها، ومن لا يمتلك تلك اللغة فلا سبيل له إلى الشعر .
هل يسهم صعود الرواية في تدهور اللغة الفصحى؟، لا يمكن تقديم جواب قاطع بنعم أو لا على هذا السؤال، لأن مجرد رواج كتابات بالعامية وتلقي الجمهور لها لا يعني أن الأساليب الأدبية العالية ستختفي، فسيظل هذا الأدب الجماهيري الخارج عن الرقابة الأدبية، والمعمم عبر الدعاية أو عبر الإنترنت أدباً جماهيرياً، سيبقى أدباً ثانوياً لا يعتد به عند الحديث عن النموذج الأدبي الصحيح، ومساهمة الرواية سلباً أو إيجاباً في المسألة اللغوية العربية اليوم رهينة بقرارات لجان التحكيم في الجوائز الأدبية الكبرى، لأنه في ظل غياب النقد الأدبي الذي يقدم تقييماً صحيحاً لما يكتب، أصبحت قرارات لجان التحكيم معياراً للجيد الأدبي، فإذا كانت تلك اللجان تضع في معاييرها تحقيق الرواية لمستوى معين سلامة وجودة اللغة فإن الرواية العربية ستسهم كما أسهمت من قبل في الارتقاء باللغة العربية، وإذا أغفلت اللجان ذلك المستوى فإن الرواية ستكون حينها أداة فعالة لإفساد اللغة
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/bd61d7de-21a5-488f-a8c3-ebb0511bb96e#sthash.nWWw3Vxt.dpuf

"تشريقة" لحبيبي

أفق
"تشريقة" لحبيبي
تاريخ النشر: 21/04/2014
تحكي رواية "تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية" للكاتب المغربي عبد الرحيم لحبيبي، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية ،2014 قصة "العبدي" أحد طلبة العلم بجامع القرويين بفاس والذي خرج حاجاً في أواسط القرن التاسع عشر، وقادته رحلته إلى تمبكتو في مالي، ثم رحل شرقاً، ولقي من الأهوال والمهالك في الصحراء وبلاد السودان ما قربه في مرات كثيرة من الموت، وسكن بين وثنيين ومارس الطب والشعوذة، ولقي قوماً من المسلمين فأنشأ لهم زاوية تبث العلم وتربي على الدين الصحيح، لكنهم طغوا، فتركهم، ومر بالسودان وأسوان في مصر ووصل إلى مكة .
كان من جملة دوافع العبدي إلى الحج أنه رأى ما وصلت إليه بلاد المغرب من ضعف وفساد في الدين والأخلاق، وتسلُّطٍ للدول الأوروبية عليها، فأراد أن يأتي إلى مكة لعله يعرف السر الذي خرج منها، وانتشر نوره في العالم، فينقذ به بلاده، وبعد أن حج وزار المدينة المنورة، وصحب أهل الصلاح من العلماء والمتصوفين، واطلع على حال الجزيرة العربية وسمع بحال الشام اقتنع أن أوضاع المشرق ليس بأفضل من أوضاع المغرب، فقد أصابه ما أصابه، وأشد، فيمم شطر القاهرة لعله يجد فيها النور، لكنه لم يجد في الأفكار المطروحة والممارسات الجارية ما يقنعه، وتأكد له أن السبيل الوحيد لإنقاذ الأمة هو الأخذ بعلوم الغرب، وهو ما لا يلوح في الأفق أنه سيحدث قريبا، وتملكته الخيبة، فقرر العودة إلى المغرب، وفي طريقه اجتاح المنطقة وباء، فرست بهم السفينة في جبل طارق واحتجزوا في محجر صحي إسباني أربعين يوماً خرج بعدها أصحابه، أما هو فأصيب بالحمى ومات هناك .
اتبع لحبيبي في روايته تقنية أدب الرحلات، مدعيا أنها في الأصل جزء من مخطوط مجهول الكاتب عثر عليه في سوق شعبي، وقد كان ينوي أن يحققه تحقيقاً أكاديمياً لكن ذلك تعذر عليه، فجعله رواية، وقد جاءت لغته في معظمها أصيلة جزلة، واستطاع الكاتب أن يسيطر على حكايته ويسير بها نحو النهاية من دون أن يدخل في قصص جانبية تعيق السرد، وربما يكون الاعتماد على صوت المتكلم خدمه في ذلك، كما أنه قدم رؤيته بشكل واضح، بل مباشر في بعض الأحيان، واستفاد من فنيات أدب الرحلة في الربط بين مفاصل وأجزاء روايته "رجع ، تذكير، عود إلى موضوعنا)، لكنّ الرواية عانت عدة مشاكل، أولها أن الكاتب اتبع التسلسل الزمني ما اضطره إلى الإتيان بتفاصيل كان يمكن الاستغناء عنها، وما جعل السرد مملاً وثقيلاً، كما أن الكاتب أثقل روايته بمئات الإحالات اللغوية والتاريخية التي لا تستقيم وفن الرواية، فالقارئ لا يعنيه صحة المعلومة التاريخية بقدر ما يعنيه تماسك الحكاية، وكذلك كانت المقدمة طويلة جداً ولا ضرورة لها، وقد كان الأولى أن تسمى الرواية "تشريقة" وليس "تغريبة" لأن البطل شرّق ولم يغّرب .

محمد ولد محمدسالم
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/c48fb76e-ce0d-4104-8a88-428e8d8f2c68#sthash.VX25KPw4.dpuf

الخميس، 10 أبريل 2014

"سكاكين" في جسم متفسخ


أفق
"سكاكين" في جسم متفسخ
تاريخ النشر: 09/04/2014
كثير من الهجاء المقذع للواقع وكثير من النقد الذي يأخذ شكل خطاب مباشر على لسان الراوي، وكثير من التفكك والتحلل في شخصيات الرواية يصل لحد الخرافة، تلك هي العناصر البارزة في رواية "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" لخالد خليفة التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، وقد سبق لخليفة أن وصلت روايته "مديح الكراهية" إلى هذه القائمة في سنة 2010 .
يحكي خالد خليفة في روايته الجديدة عن أسرة حلبية تعيش تداعيات الحياة في ظل نظام قمعي تسلط على الدولة منذ الستينات وقلب حياة الناس إلى رعب دائم، صنعه عن طريق أجهزته الأمنية والعسكرية التي سلبت الإنسان شرف إنسانيته، وأحالته إلى شخصية خاوية خالية من أي طموح، يعيش حياة موازية للحياة الطبيعية كأنه بهيمة .
تبدأ الرواية بحكاية الأم المدرّسة وأولادها بعد أن هجرها أبوهم الذي هاجر مع أمريكية، تبدو الأم حذرة خائفة على أبنائها، توصيهم بألا يختلطوا بغيرهم من الأطفال، وألا يجلبوا أياً منهم إلى المنزل، معتبرة أن الناس الجدد الذين بدأوا يغزون المدينة بعد انقلاب 1963 هم من أهل الريف المتخلفين الذين سيدنسون بسلوكهم وعاداتهم وجه المدينة الأصيل، في المقابل تبذل كل جهدها في تأثيث منزلها على الطراز العثماني التقليدي الذي كان سائداً في حلب، لكنّ الفساد السياسي والخوف جعل القادمين الجدد المرتبطين بالحزب والأمن يحتلون المدينة ويغيّرون طابعها، ما جعل الأم تصاب بالصدمة، وهي ترى كل ما أحبته يتداعى من حولها، ويؤول بها الأمر إلى حالة من الجنون والهذيان الدائم .
يتتبع الكاتب حياة أبناء هذه المرأة خاصة سوسن وسعيد، سوسن تعمل مخبرة للحزب وتضطرب حياتها، وتنحرف وتسافر إلى الخارج ثم تعود محبطة، لتمارس حياة الانحراف من جديد، وسعيد يعمل عازفاً في ملهى ليلي، ويضطرب هو الآخر ويلتحق بالجهاديين في العراق، ثم يعود ليعيش فترة اضطراب أخرى تسلمه إلى الانتحار، أما الابن الثالث وهو الراوي فهو كما يقول عن نفسه شخصية بلا طموح ولا مآرب يعيش موازيا للحياة التي اختطفها الزعيم وأعوانه، وتتبع الرواية أيضاً شخصيات ثانوية كخالهم نزار المنحرف، وجان المسيحي وأمه، وعمتهم ابتهال .
كانت بداية الرواية شيقة، وكان يمكن أن تؤدي إلى رؤية معينة لو أن الكاتب تتبع حالة الأم في مواجهتها للواقع، وطورها في أفق حكائي يصل إلى نهاية واضحة، لكنه فكك روايته عندما تحول إلى تتبع سير ذاتية متفرقة لكل فرد من أفراد الأسرة والأفراد المرتبطين بهم، فغاب عن الرواية في ثلثيها تقريباً نسق عام يجمع شتاتها، وتحولت إلى تداع محبط لحياة شخصيات منحرفة، يغتنم الكاتب من خلاله كل فرصة يجدها لهجاء سياسي مباشر، وبذلك فوت على نفسه فرصة أن يكتب رواية ممتعة، ومع ذلك فقد أفلح الكاتب في غرز سكاكينه في الجسم المتفسخ لنظام قمعي رهيب .
محمد ولد محمد سالم
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/558f732a-2d34-4669-ac9e-b3a8217bbf6d#sthash.LbsVy1P9.dpuf