بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 ديسمبر 2012

الإبداع لا شبيه له

أفق
الإبداع لا شبيه لهآخر تحديث:السبت ,29/12/2012
محمد ولد محمد سالم
كان الفتح الذي جاء به الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في الرواية العالمية أنه فتح أعين العالم على حياة كانت مجهولة له إلى ذلك الوقت، هي حياة سكان القرى في المستنقعات الكبرى في كولومبيا وما تأسست عليه من معتقدات وخرافات، جعلت الناس يعيشون تلك الخرافات كأنها حقائق ويؤثر في حياتهم اليومية بشكل مباشر، وكان ماركيز أميناً في رسم تلك المعتقدات، فلم يسع إلى دحضها أو تأويلها، أو البحث لإنسان كولومبيا أو أمريكا اللاتينية عموماً عن مبررات عقلية تغطي تلك التصورات الخرافية، ومن هنا جاءت رواياته، وخاصة “مئة عام من العزلة” تحمل حرارة الطبع الإنساني بكل مظاهره، فتقدمه كما هو من غير إضافات أو تشذيبات، وتلك هي الميزة الكبرى لهذه الرواية، فقد وفق في قنص ما يميّز مجتمعه، وما يميّز الإنسان في تلك البقعة من العالم، وأصبحت كتاباته عنواناً على اتجاه معين في الكتابة سمي “الواقعية السحرية”، وقد عبر مرات عن مدى المفاجأة التي أخذته من عظم نجاح روايته تلك، فلم يكن يتوقعه .

قد يكون أحد العوامل الحاسمة في نجاح رواية ماركيز هو أنها جاءت في فترة كان العالم، وخاصة الغرب الذي ابتكر الرواية، قد شبع حتى ملّ من الواقعية الميكانيكية التي لا تعدو أن تكون محاكاة فجة للواقع، وملّ مشاهد الحياة المكررة فيها، تحت تأثير فلسفات لا تؤمن إلا بالتجربة، ولا تقيم وزناً للخيال، وهو لايزال حديث عهد بحروب دمرته وقتلت روحه، فكان أن جاءت الواقعية السحرية لماركيز لتسدّ تلك الحاجة النفسية لتلك المجتمعات، ولتخرج الرواية من أزمتها، وتفتح لها أفقاً جديداً بإطلاقها للخيال إلى آفاق لا يحدها الواقع، ولا نهاية لها .

تجربة الرواية لدى ماركيز وغيره من الكتاب المبدعين تعلمنا أن الإبداع ليس شيئاً نستورده من غيرنا، ولا يوصل إليه بإزهاق النفس في التقليد الأعمى للمبدعين، فلن يستطيع أي كاتب أو فنان أن يبدع ما دام يفصّل عباءة أعماله على مقاييس الآخرين، ويضع نصب عينيه أن يحاكيهم في ما أنجزوه خطوة بخطوة، ليس هذا هو سبيل الإبداع، بل هو مختلف، يبدأ من الذات المبدعة، ومن واقع هذه الذات، بالبحث عن خصائصها وما يميزها وما يمكن أن تقدمه للآخرين، مما لا يعرفونه، ويكون جديداً عليهم، فتاريخ الثقافة والإبداع هو تاريخ الإضافة والاختلاف، وليس التكرار والتشابه .

إن أهم درس يتعلمه الكاتب أو الفنان هو أن يكتب عما يعرفه، وما خالطت خبرته العقلية فيه خبرته الوجدانية واندغمتا حتى صارتا سبيكة واحدة، لأن تلك المعرفة هي التي ستنجده لتقديم صيغ من الإبداع لا شبيه لها، يعلن بها عن نفسه وعن هويته كذات متميزة وكمجتمع وسياق تاريخي وحضاري له خصوصيته وفرادته
dah_tah@yahoo.fr

http://www.alkhaleej.ae/portal/57b56399-8556-441e-a5a6-8ae135a80daf.aspx