بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 11 يناير 2010

الأدب العربي المعاصر في قطر


الأبرز فيه صوت الشعر
مقطع من المشهد الإبداعي القطري
آخر تحديث:السبت ,12/12/2009
محمد ولد محمد سالم


1/1

تطرح الدراسات المتعلقة بالشعر في دولة قطر وفي مختلف البلدان الخليجية إشكالات كبيرة تتعلق بأولية هذا الشعر والحدود الجغرافية له ونسبة الشعراء إلى هذه الإمارة أو تلك كما هو حال الشاعر عبد الرحمن المعاودة الذي عاش بين البحرين وقطر، وتفسير ذلك أن القبائل ظلت إلى عهد قريب تعيش حياة بداوة وتنقل بين المناطق على طول الساحل، وعاشت صراعات تبادلت فيها أدوار السيطرة على مختلف مناطق الساحل ونتج عن هذا تداخل في التاريخ القديم للبلدان الخليجية التي نشأت بعد فترة الاستعمار، ومن هنا فإن التاريخ السابق على هذه البلدان هو تاريخ مشترك، لا يمكن النظر إليه إلا بوصفه كتلة واحدة اللهم إلا في حالات نادرة، لكن خارج ذلك لا يمكن تمييز تاريخ لقطر أو الكويت أو الإمارات أو البحرين أو عمان منفصلاً بعضه عن بعض، والأمر في الثقافة والأدب أصعب منه في غيرهما ذلك أن حوادثهما في العادة مجردة عن الزمان والمكان، ومن هنا فمن الصعب أن نتحدث عن تاريخ للشعر في قطر، لأن الكيان الجغرافي والسياسي لهذه الإمارة لم يتحدد قبل 1868 حين أبرمت بريطانيا معاهدة مع الشيخ محمد بن ثاني تعترف بموجبها بسيادته على شبه الجزيرة القطرية وقبائلها، ومنذ ذلك التاريخ بدأ تكون ما يعرف بإمارة قطر، ولا تشكل هذه البداية السياسية بالضرورة البداية الفعلية للأدب العربي الحديث في قطر، ذلك أنه ونتيجة لانعدام مراكز حضارية مستقرة فقد انعدم التعليم أو كاد، وظل الموجود منه مقتصرا على محو الأمية وتحفيظ بعض سور القرآن، فتراجعت العلوم المرتبطة بالتعليم، ومنها الشعر، واستغنى الناس بشعر النبط، فأصبح هو الشكلَ الشعري السائد لديهم، والعنصر المؤسس للثقافة ضمن القيم المتداولة والمعايير الجمالية المشتركة التي تواضع عليها المجتمع، فحمل أفراحهم وأتراحهم وفلسفتهم في الحياة وقيمهم وعاداتهم، وقد شاكل النبط القصيدة الجاهلية في أبنيتها وصورها ومعانيها، كما شاكلت حياة البدو حياة الجاهليين في كثير من جوانبها قبل أن تدخلها الحضارة الحديثة.
ويذهب محمد عبد الرحيم كافود إلى أن التعليم في المجتمع لم يظهر إلا متأخراً.. يقول: “بالنسبة للمجتمع الخليجي فإن التعليم لم يظهر حتى أربعينات القرن المنصرم وفي دول بعينها، ومعه بدأت حركة التوثيق، أما سابقا فلم يكن هناك إلا الروايات الشفوية التي اعتُمِدَ عليها لحفظ الأدب، فيما كانت الأمية سائدة واقتصر التعليم وقتها على حفظ القرآن وبعض قواعد اللغة العربية، والتعاطي مع بعض الكتب القديمة”.
على أنه ورغم هذا الواقع فقد حفظ التاريخ أسماء بعض من الشعراء القطريين الذين ظهروا في بداية القرن العشرين، وليس من المستبعد أن يكون سبق هؤلاء أمثالهم في القرون الماضية، لكن أشعارهم وذكرهم ضاع بسبب غياب التدوين، يمكن إذن أن نتلمس أثراً لشعراء قطريين ظهروا في أوائل القرن العشرين وتركوا بعضاً من الأشعار مخطوطة أو مروية، ومن هؤلاء الشاعر ماجد بن صالح الخليفي (1873-1907) فقد ترك تراثاً شعرياً مدوناً، وقد هيأت له تجارته وأسفاره الكثيرة في الجزيرة العربية واتصاله بالعلماء والشعراء في الحجاز اطلاعاً على أشعار العرب وخبرة بنظم الشعر، وقد نظم الفصيح والنبط، وتم جمع ديوانه ،1963 وهو يحوي 67 قصيدة ما بين فصيحة ونبطية، وتناولت أشعاره جميع الأغراض التقليدية تقريبا من فخر وغزل ووصف ورثاء، وجاءت لغته بسيطة ما يدل على أنه كان يمثل البداية الشعرية في عصره وترسم طريقة الأقدمين في التصوير، بل كانت جل أوصافه استنساخا لمعاني القدماء في الوصف يقول في رثاء زوجته:
يا عين جودي بدمع منك مدرار
واحك السماء إذا هلت بأمطار
يا دهر مالك قد كدرت عيشتنا
بعد الصفاء فقد شيبت بأكدار
أبقيتني واحدا في الدار منفردا
من بعد أنسي بها يا طول إحساري
إن كنت أسقيتها كأس الردى فلقد
أسقيتني بعدها كاسات إمرار
ومن هؤلاء أيضاً محمد بن عبد الله بن عثيمين “1854- 1944” وهو في الأصل نجدي، نشأ وتفقه وتأدب في نجد، وتنقل بين البحرين وقطر وعمان، ولكنة سكن قطر وحمل راية الأمير قاسم بن ثاني في بعض حروبه، واشتغل بتجارة اللؤلؤ، وكان شاعراً قوي السبك غزير اللغة جزل اللفظ، دائراً في أغراض الأقدمين ومعانيهم وتصاويرهم.. يقول في مقدمة غزلية:
قِفوا بي على الرَبعِ المُحيلِ أُسائِلُه
وَإِن كانَ أَقوى بَعدَ ما خَف آهِلُه
وَما في سُؤالِ الدارِ إِطفاءُ غُلةٍ
لِقلبٍ مِنَ التَذكارِ جَم بَلابِلُه
تَعَللُ مُشتاقٍ وَلَوعَةُ ذاكِرٍ
لِعَهدِ سُرورٍ غابَ عَنهُ عَواذِلُه
فَإِن أَسلُ لا أَسلو هَواهُم تَجَلداً
وَلكِن يَأساً أَخلَقتني أَوائِلُه
خَليلَي لَو أَبصَرتُما يَومَ حاجِرٍ
مُقامي وَكَفّي فَوقَ قَلبي اُبادِلُه
عَشِيةَ لا صَبري يُثيبٌ وَلا الهَوى
قَريبٌ وَلا دَمعي تَفيضُ جَداوِلُه
لَأَيقَنتُما أَن الأَسى يَغلِبُ العَزا
وَأَنّ غَرامي لا غَرامَ يُماثِلُه
ولا شك أنه كان للإقامة الطويلة لهذا الشاعر المُجيد في قطر أثر في الشعر العربي فيه بحيث شكل رافدا مهما من روافده.
ومنهم الشاعر أحمد بن يوسف الجابر “1903-1992” وقد ولد في الدوحة وفيها توفي، وهو شاعر ضليع في اللغة وعلوم الدين له اطلاع واسع على التراث الشعري العربي، يتسم شعره بنزعة دينية وتوجيهية، وكثيراً ما كان ينظمه في المناسبات الدينية والوطنية، يمتاز بسلامة اللغة وقرب المعاني والبعد عن التكلف والميل إلى الحكمة وله ديوان طبع سنة 1983.. يقول في استنهاض همة المسلمين لنجدة فلسطين:
لا ترجعوها إلى رأيٍ ومحكمةٍ
فآية السيف تمحو ما بنى القلم
أمجلس الأمن يُرجى أن يثيب لكم
من ليس يعطفُه إل ولا رَحِم
يشكو الجريح نزيفاً وسط معركةٍ
فهل ترق له العِقبان والرخَم
شاموا به العجز فاستشرى عنادُهم
وشايعَتْهم طغاة الكفر فاحتدموا
شدّوا الخناق عليها أمةً لُعنتْ
من عهد داودَ لعناً ليس ينفصم
لعناً تسلسل في الأصلاب واشتملت
شر البطون عليه، صابها العقم
تلك كانت مجرد بدايات شعرية فردية وبصمات أولية تركها شعراء على فترات متباعدة، أما النقلة النوعية في هذا الشعر والتي تمثل حركة شاملة، فكان لا بد لها من سياق اجتماعي ومناخ ثقافي يستمد منه الشاعر رؤاه وينفعل بتوجهاته وتتجاوب فيه أصداء شعراء ومثقفين متعددين، وهذا المناخ هو ما بدأ يتشكل في قطر في النصف الثاني من القرن العشرين حين بدأ استغلال النفط وتكونت الدولة وأخذت الحياة تزدهر والمدارس تنتشر وجذبت البلاد إليها المثقفين والأساتذة من الوطن العربي، ونشأت الصحافة القطرية بظهور “مجلة العروبة” و”جريدة العرب” ثم “العهد” ثم “مجلة الدوحة”، فصاحب ذلك نشوء حركة أدبية أخذت في التطور، ويجمع الدارسون على أن عقدي الثمانينات والتسعينات كانا قمة هذا التطور، حيث نضجت في هذه الفترة التجربة الشعرية القطرية، وعكست كامل التوجهات والاختيارات الأسلوبية والإيقاعية للشعر العربي الحديث في اتجاهاته الثلاثة.. القصيدة الخليلية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وسيصادفنا في بداية هذه المرحلة الشاعر الشيخ علي بن سعود آل ثاني “1932-1999”، الذي تلقى تعليما تقليديا وحفظ القرآن، ثم التحق بالتعليم النظامي في سنة 1950 لكنه لم يطل فيه كثيرا، وامتهن التجارة، وكان ميله للشعر طاغيا فظل يقرضه إلى آخر أيامه، وله خمسة دواوين هي “في غدير الذكريات” 1986 و”حمامة ورقاء” 1994 و”فلسطين المجاهدة” 1994 و”مسرح الأوهام” 1994 و”سراب الحالمات”،1999 وقد شكّل بداية التحرر من المحاكاة العمياء للأقدمين والتخفف من المحسنات البلاغية، وسلك سبيل معالجة همومه الحاضرة وابتداع الهموم المناسبة لذلك، واقترب وطبع أسلوبه بطابع رومانسي شفاف.
ويشكّل الشاعر الشيخ مبارك بن سيف آل ثاني المولود 1950 قمة هذا الاتجاه، وذلك عبر دواوينه المنشورة حتى الآن “الليل والضاف” 1983 و”أنشودة الخليج” 1984 و”ليال صيفية”1990 و”الفجر الآتي” 1992 وهي مسرحية شعرية، وقد عكست تلك الدواوين اتجاهاً رومانسياً ناضجاً يبحث عن شروط إبداعه من خلال حياته وتجاربه الوجدانية، ويتخفف من ضغط الماضي الشعري رغم وفائه للأوزان الخليلية، لكن ذلك الوفاء لم يمنعه من استلهام تجربة الشعر الحديث في رؤاها وبناء أخيلتها، أو من كتابة شعر التفعيلة حتى عُد من رواده في قطر.. يقول على هذا النسق:
تعاليْ نُرددُ أغنيةً.. تذكرُنا بليالي الطفولة
تعالي لنلعب تحت المطر..
ونمحو عن سدرة في الفناء بقايا غبار
لنجلوَ حرفين كنا كتبناهما
تحتها في الظهيرة.
وفي الاتجاه نفسه الساعي إلى التحرر وتعميق تجربة الحداثة الشعرية، سار مجموعة من الشعراء رسخوا قصيدة الشعر الحر في قرارة التجربة الشعرية القطرية منهم علي ميرزا محمود، ومحمد خليفة العطية، ومحمد قطبة، وسعاد الكواري وزكية مال الله، وهذه الأخيرة من أهم من رسخ التجربة الحداثية في الشعر القطري، نظرا لغزارة إنتاجها الشعري وكثرة ما أصدرته حتى الآن من دواوين التزمت فيها بخط حداثي يفتش دائما عن لغته الخاصة وجمالياته التصويرية المستقاة من كونه المعرفي والإنساني، ومن خلال أهم دواوينها “معبد الأشواق” سنة 1985 و”ألوان من الحب” 1987 و”في عينيك يورق البنفسج”1990 و”من أسفار الذات” 1991 و”مواسم العقيق” 2007 و”حرث الطين” 2008 ونصوص أخرى كثيرة مزجت بين قصيدة النثر وقصيدة التفعيلة استطاعت مال الله أن تجترح لنفسها تجريبا جماليا خاصا يتلاقى وأفق التجريب في الشعر العربي والشعر العالمي بعيدا عن الانصياع لأية أطر جمالية قبلية.. تقول في ديوان “في عينيك يورق البنفسج”:
“طريد بروحي
تسلقت أضلاع قلبي...
نفذت إلى سدرة الهاوية
ترقرقت... نهراً
نموت صنوبرة دانية
إليك... اقتطفنيَ
أمسك بوردك
وانفض غبار شتائك
في شمسيَ الحانية”
الهم العام
أما الأدب السردي فقد كان من الطبيعي أن يظهر متأخرا وأن يترافق ظهوره مع ظهور الصحافة التي فتحت صفحاتها، وقد كانت القصة القصيرة أسرع انتشارا من غيرها من ألوان السرد نظرا لملاءمتها للنشر الصحافي، وكانت البداية في السبعينات مترافقة مع مجلة “العروبة” القطرية التي احتضنت عدداً من المبدعين، ممن كان لهم شأنهم في تطوير القصة القصيرة في قطر، وقد تعرض الباحث د.عبد الله إبراهيم في دراسته “القصة القصيرة في قطر دراسة ومختارات” لمجموعة ضمت اثنتين وعشرين قصة قصيرة مختارة لاثنين وعشرين قصاصا وقد عكست سمات القصص المدروسة انشغالاً بالهموم العامة والهموم الشخصية وتنوعاً في أساليب السرد ما بين الوصف والتداعي الحر والمناجاة وتيار الوعي والتجريب والمونتاج، مما يعني أن هذه التجارب استطاعت أن تستوعب تاريخ القصة القصيرة وتتمثل اتجاهاتها في وقت وجيز، ويجيز الحكم بأن القصة القصيرة في قطر قد تجاوزت مرحلة التأسيس وأصبحت مهيأة للإبداع، ومن أهم من أسهموا في بناء صرح القصة القصيرة نذكر كلثم جبر وهدى النعيمي وخليفة هزاع ونورة آل سعد وحسن رشيد ووداد الكواري وزهرة المالكي وراشد الشيب.
أما الرواية فقد حملت لواءها الأختان دلال وشعاع وتعتبر رواية دلال خليفة “أسطورة الإنسان والبحيرة” الصادرة سنة 1993 أول عمل روائي قطري، وبعدها بوقت قصير أصدرت شعاع خليفة روايتيها “أحلام البحر القديمة” 1993 و”العبور إلى الحقيقة” ،1993 ثم روايتها “في انتظار الصافرة” ،1994 وعادت دلال لتصدر روايتين أخريين هما: “أشجار البراري البعيدة” 1994 و”مِنَ البحّار القديم إليك”،1995 وتميزت هذه الروايات بنضج فني وعمق في التجربة، وانشغال بالواقع بالإيغال في الهم السياسي والاجتماعي والتفاعل مع روح الحداثة، مع محاولة جادة لتوظيف عناصر القص والفلكلور في التراث الشعبي، وإلى جانب هاتين الأختين برز كل من أحمد عبد الملك في روايتيه “أحضان المنافي” و”القنبلة” ومريم آل سعد في روايتها “تداعي الفصول”، وهناك إرهاصات لكتاب جدد ما يدل على أن الرواية القطرية بدأت تخط طريقها بثبات في محيط الرواية العربية. وقد لاحظ كثير من الدارسين للسرديات في قطر طغيان الأدب النسوي عليه، وهي سمة ينفرد بها بين الآداب العربية المعاصرة، حيث إن أهم الأصوات في الرواية هي لنساء، وقد أدرج د. عبدالله إبراهيم في دراسته “القصة القصيرة في قطر دراسة ومختارات” اثنتي عشرة قصة لكاتبات في حين أن الكتّاب الرجال حظوا فقط بعشر قصص. وهي ظاهرة جديرة بالدراسة وربما تكون جديرة بها في الخليج عامة بالنظر إلى الكم الهائل من الأدب القصصي النسوي فيه.

الرواية النسائية الخليجة


بوصلة الاحتجاج فيها تتوجه نحو الرجل والمجتمع بعامة
تاريخ الرواية النسائية في الخليج
آخر تحديث:السبت ,19/12/2009
محمد ولد محمد سالم


1/1

يطرح مصطلح الأدب النسوي إشكاليات كثيرة، ويتوزع المهتمون بالأدب بين قبوله بحجة أن للنساء الحق في طرح قضاياهن والتعبير عن رفضهن للظلم والتمييز ضدهن وهن أقدر على التعبير عن واقعهن وأحاسيسهن من غيرهن، وبين رفضه بحجة أن الأدب فن أساسه اللغة وقوة التخيل فمن عرف كيف يتحكم فيهما ويصوغ منهما أبنية أدبية مبتكرة، استحق صفة الأديب أيا كان جنسه أو القضية التي يتناولها، أصبح إبداعه مشاعا للجميع وليس حكر فئة معينة، ومهما يكن الموقف النظري اليوم من هذه المسألة، فإن المصطلح قد شاع وأصبح له من واقع المؤلَّفات ومن قضايا المرأة الخاصة التي يتناولها ما يبرره، بل ما يفرض به نفسه على الدارسين، ولن يحول ذلك دون اعتباره أدبا رفيعا وإنسانيا عاما إذا توفرت له شروط الإبداع، وفي أدب غادة السمان وسميرة بنت الجزيرة ووداد سكاكيني وأحلام مستغانمي وميرال الطحاوي ما يشهد على ذلك .
على خلاف ما استقر عليه الرأي في الدراسات العربية الحديثة من أن رواية “أروى بنت الخطوب” لوداد سكاكيني الصادرة سنة 1949 هي أول رواية عربية نسائية، وأن رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل الصادرة سنة 1935 هي أول رواية عربية، على خلاف ذلك فإن د .بثينة شعبان في كتابها “مائة عام من الرواية النسائية 1989- 1999” ترى أن أول رواية عربية هي “حسن العواقب أو غادة الزهراء” سنة ،1899 وهي لكاتبة اسمها زينب فواز، وقد تلتها في غرة القرن العشرين روايات كثيرة لنساء قبل أن نصل إلى هيكل وروايته، وفي الخليج تعتبر الروائية السعودية سميرة خاشقجي “بنت الجزيرة” رائدة الرواية النسوية بروايتها الأولى “ودعتُ آمالي” 1958 والتي أتبعتها برواية “ذكريات دامعة” 1961 و”بريق عينيك” 1963 و”وراء الضباب”1971 و”قطرات من الدموع” 1973 و”مأتم الورد” 1973 .
وبعد بنت الجزيرة جاءت روائيات كثيرات منهن صفية عبد الحميد “عفواً يا آدم” 1968 وفاطمة العلي “وجوه في الزحام” 1971 وهند باغفار ورواية “البراءة المفقودة” 1972 وعائشة زاهر أحمد “بسمة من بحيرات الدموع” ،1979 ثم أخذت الظاهرة تتسع وتكبر في عقدي الثمانينينات والتسعينات وصولا إلى عقد الألفين الذي كان عقد انفجار الرواية النسوية الخليجية، لكثرة ما ظهر فيه من هذه الروايات، وأصبحت بعض العناوين الروائية النسوية تصيب من الذيوع ما لم يكن في الحسبان منذ سنوات قليلة مضت، ولا نبتعد إذا قلنا إن ما نشر في هذا العقد من هذه الروايات يقارب في عدده ما نشر في العقود الماضية، خصوصا في الرواية السعودية التي هيمن عليها الصوت النسوي، وهذه الهيمنة سمة ربما لا تقتصر على السعودية وحدها، بل تعم الأدب السردي الخليجي كله، ففي السعودية ظهرت رواية “حبي” 2000 و”موقد الطير” 2002 لرجاء عالم و”بنات الرياض” 2005 لرجاء الصانع و”جاهلية” 2007 لليلى الجهني و”البحريات” 2006 لأميمة خميس، وفي الكويت ظهرت “صمت الفراشات” 2007 لليلى العثمان و”سعاد” 2005 لبثينة العيسى، وفي الإمارات “الجسد الراحل” 2004 لأسماء الزرعوني و”أوجه المرايا الأخرى” 2006 لفاطمة السويدي و”طروس إلى مولاي السلطان” لسارة الجروان ،2008 وفي سلطنة عمان “منامات” 2004 لجوخة الحارثي، وفي قطر “مهرجان الأيام والليالي” 2001 لدلال خليفة .
ناصية الكتابة
تلك مجرد أمثلة من لائحة طويلة، ولا بد أن لهذه الطفرة علاقة بما حدث في الخليج من تطورات متسارعة منذ منتصف القرن العشرين مع بدء استغلال النفط ونشوء الدول الخليجية، وما انعكست به تلك التطورات على بنية المجتمع وأفراده، فعلى مستوى المجتمع انتقل من “الفريج” والبادية والغوص والبحر إلى المدينة بما فيها من صخب الحياة وازدحامها ومن فرص للاستغناء السريع وامتلاك المال، ومن مغريات للإنفاق وإشباع الرغبات، وانعكس هذا على كثير من أفراد المجتمع، فانشغل الآباء بأعمالهم عن أبنائهم، وتراجع دور الأمهات مسلمات أبناءهن إلى خادمات أجنبيات، وانغمس كثير من الشباب في الملذات والأسفار، وحدث شرخ كبير، وبدأت البنية الاجتماعية القديمة تتغير ومعها نسقها الفكري والسلوكي، ولم يواكب ذلك تطوير هذه القوى الاجتماعية الصاعدة لبنية فكرية تصاحب هذا التغير وتوجهه، لم يكن هناك تخطيط للشكل الذي ينبغي أن تسير عليه الأمور . وفي ما يتعلق بالمرأة - خاصة الفتيات اللواتي نشأن في هذه الفترة - فقد أتيح لهن التعليم ودخول ميدان العمل، واتسع هامش الحرية المتاح لهن بعد قرون من التضييق على أمهاتهن، فخرجن للعمل العام، وانفتحت آفاق تفكيرهن إلى شيء أرحب من غرف النساء والمطبخ والأولاد، وعاينَّ بفكر متقد هذا الشرخ الاجتماعي الكبير، فكان عليهن أن يعبرن عنه . . أن ينفثن على دفاترهن ندوب الماضي وأنات الحاضر وصيحات التحذير مما هو قادم، وكانت فنون السرد والرواية بشكل خاص أقدر على القيام بهذه المهمة، والمرأة جبلت على الحكاية، وعلى بث لواعجها لصويحباتها أو لنفسها إن لم تجد من تبثها إياها، فكيف بها وقد وجدت الورقة والقلم وامتلكت ناصية العبارة، وآنست من نفسها الشجاعة على رفع الصوت بحكايتها، لقد كان ذلك هو ما أنتج هذه الظاهرة الفريدة اللافتة التي نشاهدها اليوم، وعزز من هذه الصدارة كون الرجل المثقف في الخليج غالبا ما يتولى المسؤوليات الإدارية في الدولة أو ينخرط في عالم الأعمال فيدير مشروعه الخاص به وكل ذلك يستغرق وقته جميعا، أما المرأة فقد تركت مسؤوليات البيت إلى الخادمات فوفر لها ذلك فراغا كبيرا أمكنها استخدامه في الكتابة .
لم تأت هذه الظاهرة مرة واحدة بل تدرجت كما رأينا سابقا، عبر عقود وتغيرت خلال هذا التدرج نقاط التركيز في هذه الروايات واختلفت أوجه التعامل مع الواقع وأضرب التعبير عن قضايا المرأة، وقد قسم د .سمر روحي الفيصل في كتابه “الرواية النسوية الخليجية” أنماط تعبير الكاتبات عن قضايا المرأة إلى ثلاثة اتجاهات هي:
أولا “الاحتجاج النسوي التقليدي” وفيه عالجت الروايات قضايا المرأة من زاوية المقبول اجتماعيا ولم تحاول الصدام مع المواضعات الاجتماعية واكتفت بالاحتجاج الهادئ على الظّلم الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة ضمن معالجتها للظلم العام في المجتمع، وهذا شأن الغالبية من الروايات النسوية الخليجية، نجده في كل روايات سميرة خاشقجي رائدة الرواية الخليجية وفي مرحلة لاحقة عند دلال خليفة في روايتها “أسطورة الإنسان والبحيرة” التي عالجت قضية اغتصاب الحكم وظلم الشعب، وتعرضت خلال ذلك لمشاهد من ظلم المرأة، ونجده عند فاطمة يوسف العلي في “وجوه في الزحام” والتي تعرضت لمشكلة انبهار الشباب المغتربين بالغرب وزواجهم بالأجنبيات واحتقارهم لبنات جلدتهم وما ينشأ عن ذلك من انحراف وفشل لهؤلاء الشباب، وأكدت الرواية أن كرامة الفتاة وكبرياءها فوق كل اعتبار، ونجد مثل هذا الاحتجاج أيضا عند ليلى العثمان في “المرأة والقطة” وبدرية الشحي “الطواف حيث الجمر” وسارة الجروان في “شجن بنت القدر الحزين” .
ثانيا “الانقلاب الروائي النسوي” حسب مصطلح د . الفيصل حيث نزعت المرأة عنها رداء معالجة القضايا العامة الذي كانت تتستر به، وراحت تطرح قضاياها وتجاهر بثورتها متحدية المواضعات الاجتماعية، وكشفت العلاقات الجنسية والاجتماعية الشاذة التي تغلغلت في المجتمع، ومثلت هذا الاتجاه ليلى العثمان في “صمت الفراشات” وأميمة خميس في “البحريات” وليلى الجهني في “الفردوس اليباب” وزينب حفني في “ملامح” ورجاء الصانع في “بنات الرياض” وسارة الجروان في “طروس إلى مولاي السلطان” وقد طرحت معظم هذه الروايات سؤالا احتجاجيا هو: لماذا تواجه المرأة المذنبة العقاب والعار، بينما ينجو الرجل المذنب من كل ذلك؟ رغم اختلاف زوايا النظر التي نظرت منها هذه الروايات إلى قضية المرأة ورغم حضور الجنس فيها إلا أنها كانت كلها ترتد في النهاية على نوع من الحكم شبه المستقر بأن الثورة على المجتمع والتحرر والانحراف الذي تسلكه المرأة نشدانا لحريتها لا يمكن أن يسلمها إلا على النبذ والمحاصرة أو العقاب من طرف المجتمع، وكأن القصد كان إيقاظ المجتمع على مفاسده، الصراخ في وجه الظلم الذي تواجهه المرأة، وليس البحث عن حرية مطلقة قد لا تسلم المرأة إلى خير .
ثالثا: “الذات والسرد الذاتي” وهو اتجاه السيرة الذاتية للشخصية الحقيقية “الكاتب” أو المتخيلة “بطل الرواية” وتمثله في الرواية الخليجية رواية “حلم كزرقة البحر” لأمنيات سالم و”أوجه المرايا الأخرى” لفاطمة السويدي و”منامات” لجوخة الحارثي، وفي هذه الروايات يحس القارئ نبض الذات الأنثوية في نقد نظرة المجتمع الصغير وفي الوعي الشقي بنفسها في مجتمع ذكوري، وفيها كذلك تركيز على طبيعة المشاعر الأنثوية للفتيات في مرحلتي الطفولة والمراهقة، وفي استنتاج الفيصل للروايات النسوية الخليجية يلاحظ حضورا مركزيا للجدة وحكاياتها وغياب الأم التي أصبحت مشغولة في أمور أخرى وحنينا مستمرا إلى الأب الذي قد يكون ترك البيت ليتزوج بزوجة أخرى، وهي مظاهر سلبية للمجتمع الخليجي الحديث الذي غاب فيه الأبوان عن عالم أولادهما .
وفي ما يتعلق بتقنيات الكتابة فقد كرست الكتابة الروائية النسوية الخليجية تقاليد مميزة في الكتابة أبرزها الاتكاء على حكايات غرف الحريم الشبيهة بحكايات ألف ليلة وليلة وما تحمله في بعض الأحيان من أجواء أسطورية، وكذلك حضور قصص الجدات كتقنية سردية مساعدة في تعميق الأحداث وتجذير درامية موقف المجتمع من المرأة، ومنها أيضا الاستعانة بالحلم لسرد ما لا يمكن سرده مما هو ممنوع اجتماعيا، وكذلك الاعتماد على البوح الذاتي للشخصية للوصول إلى الجروح الغائرة في الذات الأنثوية، كما فتحت المواقع الاجتماعية الافتراضية وطرق الاتصال عبر الإنترنت الباب لأساليب جديدة من الاتصال مثل “المحادثة الإلكترونية والإيملات وتعليقات الزوار” استفادت منها هؤلاء الكاتبات كثيرا يظهر ذلك جليا في رواية “بنات الرياض” التي تقوم بنيتها الفنية على تقنية الرسائل الإلكترونية، وفي بعض الحالات تتجلى براعة الروائيات في استخدام المفردة بطريقة شاعرية تضفي لغة السرد حرارة قليلا ما تتأتى لها .
ويلاحظ الباحث صالح الحباشة في دراسة له بعنوان “الأدب النسائي في الخليج العربي” أن كثيرا من الروايات النسوية الصادرة في السنوات الأخيرة تفتقر إلى النضج الفني وإلى امتلاك ناصية التعبير السليم، فهي تعج بالأخطاء اللغوية، وقد تأتى ذلك من ضعف رصيد الكاتبات من الثقافة العميقة، التي تمتعت بها روائيات الرعيل الأول .
إن الرواية النسوية الخليجية استطاعت أن توجد لنفسها مكانتها، في عالم ثقافي ظل يطغى فيه صوت الرجولة، واستطاعت أن تعبر عما يجيش في نفس المرأة الخليجية، الشابة خاصة، من مشاعر مضطربة بين واقع لم تزده التغيرات الحديثة إلا حيفا في حقها واستغلالا لضعفها، وبين طموح إلى مستقبل عادل عامر بالحب والتقدير لشخصها، تكون هي نفسها طرفا في صناعته .

إلى أين سيأخذنا أدب الإنترنيت؟


أفق
أدب الإنترنت؟
آخر تحديث:السبت ,02/01/2010
محمد ولد محمد سالم
إلى أين سيأخذنا الأدب الإلكتروني أو أدب الإنترنت؟ . . هذه الظاهرة الأدبية الحديثة التي نشأت مع انتشار استخدام الإنترنت، وأصبح لها كتابها، والتي تختلف في تقنياتها وإيقاع كتابتها وأساليبها عن الأدب التقليدي بأجناسه المعروفة، كما يختلف كتابها أيضا عن كتاب ذلك الأدب، فإذا طرحنا ما يكتب من الشعر والرواية والقصة على الإنترنت جانبا، واعتبرنا الإنترنت مجرد ناقل لهذه الأجناس بعد أن ينتهي أصحابها من كتابتها وتمحيصها، فإن هناك أنواعا جديدة من الكتابة الأدبية تولدت مع الإنترنت ونمت في داخله، مثل أدب الحوارات الإلكترونية والإيميلات والمنتديات والتعليقات وغيرها من الظواهر التي أصبح يطلق عليها “الأدب التفاعلي”، ولا يلتزم هذا النوع من الأدب بالتقنيات التقليدية للأجناس الأدبية سواء على مستوى السرد أو الشعر، بل يتميز بأنه أدب المشاركة والجماهيرية فليس كاتبه واحدا وإنما هو نص مفتوح لكل زائر يضيف عليه ما يشاء، وهكذا ينمو النص إلى ما لا نهاية، وعادة ما تكون الإضافات في شكل تعليقات وانطباعات شخصية أو أسئلة موجهة للكاتب، وصارت رائجة بين مستخدمي الإنترنت خاصة من فئات الشباب الذين لم يعرفوا الأدب خارج الإنترنت، فاصطنعوا لأنفسهم أساليبهم الخاصة، واستخداماتهم المميزة ومزجوا بين الدارجة والفصحى واللغات الأجنبية، واستخدموا علامات الترقيم والصور والتوقيعات وغيرها من تقنيات المواقع الإلكترونية، وقد أنتجت هذه الظاهرة كتبا أدبية من أشهرها رواية “بنات الرياض” الذي جاء على شكل إيميلات أسبوعية تبعث بها كاتبتها كل أسبوع لمستخدمي الإنترنت في المملكة العربية السعودية، ثم جمعتها بعد ذلك في كتاب، وضمنته التعليقات التي كانت ترد إليها، وكذلك كتاب “نونيات” للكاتبة الإماراتية نادية المرزوقي التي كانت تكتب في أحد المواقع وتوقع باسم “نون” .
الظواهر من هذا القبيل كثيرة يمكن رصدها في ما صدر من كتب الشباب في عقد الألفين، وهي تطرح على النقاد والمهتمين بالأدب أسئلة حول الوجهة التي يمكن أن تتخذها الظاهرة مستقبلا وحول تأثيرها على الأدب التقليدي، فرغم أنه قد ينظر إليها في الأوساط الأدبية الراهنة على أنها مجرد ألعاب شبابية أو إرهاصات “ما قبل الأدب”، إلا أنها تلقى رواجاً كبيراً بين فئات كبيرة عارمة من الشباب لم تعرف الكتاب الأدبي ولم تقلب صفحاته، وأصبحت تتلقى ثقافتها من هذا البحر الذي لا ساحل له، والمسمى بالإنترنت .
والسؤال الملح هنا هو، كيف يمكن الارتقاء بهذه الظاهرة حتى تصل إلى مستوى الإبداع المطلوب؟، وكيف يمكن للنقد اختراق هذه الشبكة وتوجيهها الوجهة الصحيحة، وتنقيتها من شوائب الركاكة واللغات الدخيلة، ويحتفظ له بأهم خصائص الأدب وهي نقاء الأسلوب وصفاء المفردة اللغوية .
تحتاج هذه المهمة إلى جهود كثيرة خاصة إلى جهد منظم من اتحادات الكتاب في الوطن العربي، تقوم من خلاله هذه الاتحادات برصد الظاهرة ومتابعتها وتقديم النصائح والتوجيهات اللازمة لكتّابها وتشجيع المتميزين منهم والتنويه بالإضافات الأسلوبية التي قد يضيفونها، وكذلك فإن النقاد العرب مدعوون بصورة شخصية للتفاعل مع هذه المنتديات الأدبية والتعرف على ما أحدثته من أساليب وأجناس أدبية وتقييمها تقييما يحاول فهمها وتوجيهها من دون أن يكون عائقاً وقامعاً لها .

مستقبل القصة القصيرة


أفق
مستقبل القصة القصيرة
آخر تحديث:الثلاثاء ,05/01/2010
محمد ولد محمد سالم

في حديث للقاص العربي المصري سعيد الكفراوي مؤخراً ضمن برنامج “شهادات أدبية” الذي تنظمه دار الكتب والوثائق المصرية، اشتكى الكفراوي من أن معظم أبناء جيله من كتاب القصة القصيرة هجروها إلى أختها الكبرى الرواية، وتركوه في “عراء هذا الفن الصعب”، وقبل الكفراوي كان ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة الذي انعقد في نوفمبر 2009 قد تطرق إلى التحديات التي تواجهها القصة القصيرة وتساءل عن مستقبلها .
مثل هذه التصريحات والنقاشات جارية منذ فترة وتحديداً منذ وفاة د . يوسف إدريس الذي طرح رحيله سؤالاً حول مستقبل القصة القصيرة حيث كان يوسف إدريس من أهم من نذروا أنفسهم لهذا الفن وأبدعوا فيه وحققوا له رواجاً في الوطن العربي، وربما يكون الطرح المكثف لسؤال القصة في السنوات الأخيرة عائداً إلى أشياء خارج الفن تتمثل أساساً في اهتمام الأوساط الثقافية والإعلامية العربية بالرواية والشعر أكثر من اهتمامها بالقصة القصيرة، فلو أخذنا الجوائز الأدبية الكبرى والمهرجانات في الرواية والشعر فلن نجد لها موازيا في القصة، فجائزة البوكر للرواية العربية ومهرجان الشعر العربي في القاهرة ومسابقة أمير الشعراء في أبوظبي وجائزة نجيب محفوظ للرواية، وغيرها من الأنشطة الاحتفائية لا نجد ما يماثلها زخماً إعلامياً في مجال القصة القصيرة، ولذلك بدت وكأنها غائبة عن المشهد الثقافي العربي، فحكم الكثيرون بموتها، رغم أن الواقع يخالف ذلك فما ينشر في الصحف والمجلات من القصص القصيرة كثير وربما يفوق قصائد الشعر التي تنشر فيها، وتدل مشاركة أكثر من مئة قاص عربي في مهرجان القاهرة الدولي للقصة القصيرة على أن القصة القصيرة بخير وأنها تتمتع بمكانة راسخة في الأدب العربيِ، وأتوقع أن يكون الإنترنت أعطى دفعة قوية لهذا الفن الأدبي، لأن القارئ في عالم السرعة والتدفق الهادر للمعلومات يبحث عن السريع والمكتنز الذي لا يأخذ منه وقتاً كبيراً، ولذلك أغلب ما ينشر في الانترنت في مجال السرد هو القصص القصيرة .
وأما مسألة انصراف الكتّاب إلى الرواية، فهي ليست دليلاً على نفاد مجال الإبداع في القصة القصيرة، وقد تكون بسبب من الجاذبية الإعلامية للرواية والسعي وراء الحظوة، أو لنعد إلى الرأي القديم الذي يعتبر القصة القصيرة بما فيها من اكتناز وشاعرية وحرارة أنسب على مرحلة الشباب والحلم والشحنة العاطفية، والرواية بما فيها من اتساع وشمولية وتحليل أنسب لفترة الكهولة وثبات الرؤية، فيكون الانتقال بينهما إذّاك منطقياً، ومع ما في هذا القول من نسبية يؤكدها الواقع إلا أن له بعض الوجاهة، وفوق ذلك فإن القول بنظرية السرد التي لا تضع اعتباراً للفروق بين أقصوصة أو قصة قصيرة أو رواية وتعتبر كل ذلك نصاً سردياً ما يطمئن الخائفين على مستقبل القصة القصيرة ويؤكد استمراريتها سواء بهوية خاصة أو في إطار سردية عامة .
dah_tah@yahoo .fr