بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 22 يوليو 2010

تحت مسمى الحرية الثقافية


أفق
تحت مسمى الحرية الثقافية
آخر تحديث:الأربعاء ,14/07/2010
محمد ولد محمد سالم
يستضيف مهرجان فني كبير في إحدى الدول العربية مطرباً غربياً معروفاً بدعواته اللا أخلاقية، وتظهر إحدى الممثلات العربيات في أحد المشاهد بصورة غير لائقة وتقول إن ذلك مجرد فن، فضلاً عن كم هائل من الروايات التي تتخذ من وصف العلاقة الحميمة بين الجنسين مركز اهتمامها وتقف عند كل صغيرة وكبيرة بشكل مقرف ويدعو للسخط .
كل تلك الظواهر تبرز اليوم تحت مسمى الحرية الثقافية، والحق في إبداء الرأي، فمن حق الكاتب والفنان أن يعبر عن رأيه وأن يطرح كل ما يريده من أفكار أياً كان تطرف تلك الأفكار، ومن واجب الآخرين أن يراعوا حقه ذلك ويعترفوا له به، وألا يقفوا في وجهه إن هو عبر عنه، ويجد هذا الموقف نصيراً من قطاع معتبر من المنظرين ودعاة حقوق الإنسان في الوطن العربي، ظاهراً وباطناً .
إن مثل هذه المواقف تبعث على التساؤل عن مفهوم الثقافة العربية التي يتبناها هؤلاء، ومفهوم الهوية العربية الذي ينطلقون منه، وما هي خصوصية تلك الهوية بالمقارنة مع الهويات الأخرى؟ فهل لا تزال الأخلاق مكوناً رئيسياً من مكونات تلك الهوية؟
اهتدى العرب الجاهليون برغم أميّتهم إلى أخلاق عظيمة، وعرفوا قيمتها في توازن الفرد وانسجامه الذاتي وفي استقرار المجتمع واستتباب علاقات التعاون والوحدة بين أبنائه، فكان احترام الصغير للكبير ورأفة الكبير بالصغير، وكان الكرم والعفة والحِلْم وإباء الضيم ونجدة المظلوم وصون العرض وحفظ السمعة من أن تشاب بشائبة مشينة، وغير ذلك مما تحفل به دواوين الشعر الجاهلي .
وقد تكرست تلك الثقافة الأخلاقية وتعمقت في العصور العربية اللاحقة عندما زكاها الإسلام وأتمها .
وفي العصر الحديث نصادف ذلك الكم الهائل من الكتب والمعالجات التي تنطلق من تلك المكونات الثقافية، باعتبارها جوهر كيان الإنسان العربي وهي أخص ما يميزه عن غيره من الأجناس البشرية، نجد صدى ذلك في ما كتبه محمد عبده وشكيب أرسلان وسلامة موسى، وفي ثلاثية نجيب محفوظ، كما نجد الجابري في تنظيراته حول العقل العربي يخصص جانباً منها ل “العقل الأخلاقي” باعتباره أحد مكونات العقل العربي، ولا يزال بيت أمير الشعراء أحمد شوقي يرنّ في أذان الناس إلى اليوم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فهل تلك الدعوات دلالة على امحاء الأخلاق كمكون ذاتي وثقافي للهوية العربية؟ وما شكل تلك الهوية في المستقبل إذا قُبِلتْ تلك الدعوات المنحرفة التي ترتفع من حين لآخر وكثر المدافعون عنها؟، لعله من الأجدر للعرب إذ ذاك أن يحرقوا أشعارهم وتاريخهم، وربما أن يخرجوا من أرضهم إلى أرض جديدة وثقافة جديدة وهوية جديدة .
dah_tah@yahoo .fr
الخليج

لماذا الرواية ليست مزدهرة في الإمارات


رغم مرور أكثر من 30 عاماً على ظهورها
لماذا فن الرواية ليس مزدهراً في الإمارات؟
آخر تحديث:السبت ,10/07/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تكاد أغلب الدراسات حول الثقافة الإماراتية تجمع على أن النهضة الثقافية بدأت مع تكوين دولة الاتحاد مطلع السبعينات، فبحكم وضع المجتمع الإماراتي كمجتمع تقليدي، ظلت الثقافة المسيطرة فيه هي الثقافة التقليدية السائدة والمكونة من علوم الدين واللغة العربية والشعر بفصيحه وعاميه، إلى جانب الثقافة الشعبية المتمثلة في المرويات الشفهية، من قصص وأساطير راكمها الخيال الاجتماعي على مدى العصور، ومع بداية نشوء الدولة وعودة الشباب من أبناء الوطن الذين درسوا في جامعات عربية وأجنبية وتضلعوا من المعارف الحديثة، بدأت الثقافة الحديثة تنتشر، وبدأت تعطي أكلها في شكل إنتاج هنا وهناك، وكان لا بد للأدب أن يكون أحد المحاور المهمة في تلك الثقافة الحديثة والتعبير الإبداعي الأول عنها، فنشأت أجيال متتابعة من الشعراء والكتّاب،
اقتحمت عوالم الكتابة الحديثة متأثرة بالأجواء السائدة في الوطن العربي خصوصاً في مصر وسوريا ولبنان والعراق، وإذا كان الشعر أسرع في استقطاب اهتمام أولئك الشباب بحكم مركزيته في ثقافتهم، وأقدر على تحمل الأفكار التجديدية بفعل ما كان يروج فيه على المستوى العربي من اتجاهات، ويحتدم فيه من صراعات، وكانت القصة القصيرة أقل عناء للمبدع وأسرع الأنواع السردية استجابة لأفكاره وشجونه، ما عجل بظهورها في الساحة الإماراتية، فإن الرواية تأخرت عنهما، ولم تشهد تراكماً كمياً كذلك الذي شهداه في السبعينات والثمانينينات من القرن العشرين، وكان على رواد الكتابة الروائية أن يحفروا في واقعهم بحثا عن شيء من خصوصية ولو في ناحية المضمون، إن كانت الخصوصية الفنية متعذرة مع دبيب البدايات .
يقول الكاتب د . محمد عبيد غباش متحدثاً عن وضع البدايات في الكتابة الروائية الإماراتية: “حين بدأنا الكتابة كأدباء شبان في منتصف السبعينات لم يكن لدينا تراث روائي محلي نراكم فوقه، والذي امتلكناه لم يكن شيئاً سوى بعض الحكايات الشعبية القصيرة بما في ذلك الخرافة والتي غلب عليها طابع الحكاية الطفولية، أما بالنسبة الى الكبار فكانت الحكايات أساساً ميراثاً تاريخياً لوقائع الحروب والغزوات التي تمتلك صلة قربى بالتاريخ أكثر منها بأعمال الرواية الخيالية . . لذلك فوضْعنا ككتاب رواية محلية فرض علينا أن نكون روّاداً في جانب رصد بيئتنا الخاصة، حتى وإن غرفنا من ثقافتنا العربية والعالمية في أساليب السرد الكتابي وتقنيات الرواية . . وكرواد أُرغمنا على شق طريقنا بأنفسنا من الصفر وعلى إعادة اختراع العجلة باستمرار” .
على هذا الإيقاع الذي يفرض على أصحابه الريادة ويدفعهم الى البحث عن “بيئة خاصة” كانت الرواية الأولى هي رواية “شاهندة” لراشد عبد الله النعيمي الصادرة سنة ،1971 وتتناول حياة “شاهندة” تلك الفتاة التي حباها الله بجمال فاتن وفي عمر السابعة عشرة اختطفها هي ووالديها نخاس وباعهم فتلقفتها أيد جائعة ذهبت ببراءتها، وحين تكبر تعزم على الانتقام من كل أولئك الذين أهدروا براءتها من دون استثناء ويكون انتقامها شديداً حتى أصبحت “مخربة البيوت”، فكانت تنتقم لمجرد الانتقام من مجتمع ترى أنها ضحية له لأنه عقها قبل أن تعقه .
مع “شاهندة” تعلن الرواية الإماراتية مبكراً عن الاتجاه الأول في اهتماماتها وانشغالها بالواقع الاجتماعي بما فيه من تجليات “استغلال” بعض الناس بعضاً، وامتهان للمرأة، وهذا الانشغال سيصبح إحدى ركائز الاهتمامات لها مع الروايات اللاحقة، ولا تخلو المعالجة هنا من نواقص البدايات التي طالت الحبكة الفنية، غير أنه يكفي الرواية أنها حازت قصب الريادة في هذا الفن وامتلكت شرف تمهيد الأرض للكتابات اللاحقة .
ثم يصدر عبد الله الناوري رواية “عنق يبحث عن عقد” سنة 1978 وهي رواية بوليسية استوحاها الناوري من قراءاته وعمله في سلك الشرطة، وفيها ما في القصص البوليسية من تشويق ومفاجآت تحث القارئ على المضي في قراءتها حتى النهاية، وتبدو هذه الرواية خارجة عن نسق الاهتمام الذي حددناه سابقة، وربما ستبقى إلى وقت طويل حالة خاصة في سياق مسيرة الرواية الإماراتية نظراً لخصوصية موضوعها الذي يبرزها وكأنها تمرين مهني لرجل من الشرطة على فك ألغاز الجرائم .
حضر
وستواصل رواية “الاعتراف” سنة 1982 لعلي أبو الريش المسيرة التي بدأتها “شاهندة” بالتركيز على قضايا اجتماعية، فهي تروي حياة شابين فتيين هما “صارم” و”محمد” يتمكن الحب من قلبيهما ويستسلمان له في براءة ساذجة واندفاع طفولي ويظلان يعيشانها حتى حين يتزوجان من الفتاتين اللتين أحباهما، فصارم الذي قتل أبوه وهو صغير يقع في حب أخت محمد ويظل يهيم بها ويشكو لوعته دون أن يحرك ساكناً لمواجهة صعاب الحياة والكفاح في سبيل حبه، ورغم سلبيته فإن الكاتب يتبع طريقة حلول الصدفة ليحل له مشكلاته ويجعله يفوز بتلك الفتاة ويتزوجها من غير كد ولا جهد ولا مواجهة للحياة، ويسلك صديقه محمد السلوك نفسه، وتشاء الصدف أن يتزوج هو الآخر ب “رحاب” الفتاة التي أحبها، ورغم هذه المآلات السعيدة فإن صارماً يعيش بقية حياته وعقدة الذنب تلاحقه لعجزه عن الأخذ بالثأر بعد أن عرف أن والد أحمد هو من قتل أباه، وكذلك يظل محمد يعيش الذل والقهر الذي زرعه فيه أبوه القاسي إلى أن يموت .
رواية “الاعتراف” كما سلف هي مواصلة للنبش في الواقع الاجتماعي الذي بدأته رواية شاهندة، وإن كان التركيز هنا على فئة الشباب ومعاناتها، والنظرة الرومانسية التي تنظر بها للحياة، وقد أسرفت الرواية في ترسيخ تلك النظرة بسلبيتها من دون أن تكلف نفسها عناء إقحام شخصيتيها في مواجهة حقيقية مع الحياة وهو ما أفقد الرواية في بعض جوانبها الإقناع الفني المطلوب، ويشفع لها أنها باكورة العمل الروائي لأبي الريش الذي سيرسخ قدمه كأحد أهم كتاب الرواية في الإمارات وفي الوطن العربي من خلال رواياته اللاحقة “السيف والزهرة” و”رماد الدم” و”نافذة الجنون” و”تل الصنم” و”ثنائية مجبل بن شهوان” و”ثنائية الروح والحجر” و”التمثال” التي عمق من خلالها معالجته لقضايا المجتمع بوعي أكبر ورؤية أوسع مما كان عليه الحال في الرواية الأولى .
تعلن الرواية الثالثة في اتجاه المعالجة الاجتماعية وهي رواية “دائماً يحدث في الليل” لمحمد عبيد غباش الصادرة 1985 عن اكتمال البناء الفني وتماسك الحبكة الروائية، ووضوح في الرؤية، فهي تتناول جانباً من حياة عصبة مثقفة لها اجتماع منتظم يومياً تناقش فيه وضعية الاغتراب التي تعيشها داخل المجتمع وعجزها عن التغيير والتأثير في المجتمع مع وعيها بمشاكل هذا المجتمع، لكن الفردانية والانغلاق على الذات يدفع هذه الشخصيات إلى هذا الانسحاب . . ذلك الانسحاب الذي يتعاظم في نفوس أصحابه يؤازره الوعي بالواقع وبالعجز التام عن تغييره حتى يصل إلى ذروته في شكل هروب “خالد” بطل الرواية خارج الوطن، بحثا عن عالم جديد يمكنه أن يستعيد فيه إنسانيته بتفاعله مع الواقع من حوله .
وأياً كان الموقف الذي سيتخذه القارئ من وجهة النظر التي يتبناها الكاتب في “دائماً يحدث في الليل” إلا أنه لا مراء في أنه استطاع أن يصور بعمق وعبر أحداث محبوكة ورؤية متنامية بمنطقية أزمة شريحة كبيرة من المثقفين الإماراتيين والعرب وجدوا أنفسهم غداة الاستقلالات العربية يعيشون انفصاماً بين رؤاهم للتقدم والتغيير وبين الواقع الذي يعيشونه، فأحدث ذلك في نفوسهم شرخاً كبيراً وَلدَه عجزهم عن التغيير لأسباب كثيرة منها ما هو ذاتي وما هو موضوعي، فآثروا الانسحاب والعيش على الهامش، وإن كان الانسحاب لم يفلح في رأب الصدع في نفوسهم بل أذكاه أكثر فأكثر .
وفي الاتجاه الاجتماعي نفسه سيكون للانقلاب الكبير الذي حدث في حياة المجتمع الإماراتي بعد ظهور الثروة النفطية حضور في جل الروايات كرواية “السيف والزهرة” لعلي أبو الريش و”عندما تستيقظ الاشجان” لعلي راشد و”الديزل” لثاني السويدي و”رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش، وقد رسمت سارة الجروان في روايتها “طروس إلى مولاي السلطان” صورة لهذا التحول وتأثيراته السلبية والإيجابية على المجتمع من خلال رسم حياة “أسرة جمعة البادي” التي كانت تعيش في أحد الوديان الخضر بين الإمارات وعُمان، لكن معالجة تلك الظاهرة بتشابكاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لم تكن بالعمق الذي ينبغي لها أن تكون عليه، ويعزو ثابت ملكاوي في كتابه “القصة والرواية في الإمارات” أن الكاتب الروائي لم يتفاعل وجدانياً مع النفط كإشكالية فكرية واجتماعية، وأن الوعي الاجتماعي لم ينضج بدرجة كافية تجاه المتغيرات المادية الاجتماعية الناجمة عن النفط .
الاتجاه الثاني في الرواية الإماراتية سيكون الرواية التاريخية، وتمثلها رواية “ساحل الأبطال” لعلي محمد راشد، وروايتا: “الأمير الثائر” و”الشيخ الأبيض” لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وروايتا “ابن مولاي السلطان” و”الرجل الذي اشترى اسمه” لمنصور عبدالرحمن، فهذه الرواية انبنت مادتها الحكائية على أحداث وشخصيات حقيقية، ولم تسع إلى تكوين كون متخيل خارج تلك الحقائق التاريخية، قاصدة في المقام الأول التسجيل التاريخي لتلك الأحداث، ففي رواية “ساحل الأبطال” يحكي لنا الكاتب عن شخصيات تاريخية لعبت دوراً في تاريخ إمارة رأس الخيمة في بداية القرن التاسع عشر، انطلاقاً من تاريخ موثق لفترة زمنية عن رأس الخيمة .
وأما الاتجاه الثالث وهو المعالجة السياسية فلم تتمخض عنه رواية بعينها وإن كان للشأن السياسي حضور كبير في كثير من الروايات الإماراتية مثل روايات علي أبو الريش، ورواية “دائما يحدث في الليل” لمحمد عبيد غباش، وتبدو رواية “ريحانة” لميسون صقر أكثر الروايات تناولاً للشأن السياسي في بعده القومي، فالشخصية الرئيسية فيها “شمسة” فتاة جامعية مسكونة بالهموم السياسية التي تعيشها الأمة العربية خلال فترة جمال عبد الناصر وأنور السادات، وهي قلقة بسبب تلك التقلبات وانتكاسة الحلم الذي راود الأمة العربية في تلك السنين، والمسار نفسه تسلكه رواية “رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش مع بطلتها الرئيسية علياء “التي ستذهب هي الأخرى للدراسة الجامعية في القاهرة وتتأثر بما تعيشه الأمة العربية من أحداث، بعد أن كانت تلك الأحداث قد تركت جرحاً غائراً في نفسها أيام المدرسة الابتدائية حين أفاق التلاميذ على الصدمة التي عاشتها معلماتهم في 6 يونيو/ حزيران 1967 يوم النكسة والإجازة المدرسية التي حصلوا عليها بسبب ذلك .
وإذا أفردنا “قضية المرأة” كاتجاه رابع وموضوع فكري روائي له تميزه عن بقية الموضوعات الاجتماعية فقد حظي بالتناول المكثف، ورأينا كيف أن رواية “شاهندة” جعلت من بطلتها الأنثى موضوعها الرئيسي، ثم جاءت الروايات النسوية التي كانت فاتحتها رواية “شجن بنت القدر” 1992 لسارة الجروان، وتبعتها روايات نسوية كثيرة تبوأت بها الروائية الإماراتية مكانة تضاهي مكانة الكاتب الرجل مثل “ملائكة وشياطين” لباسمة يونس و”رائحة الزنجبيل” لصالحة غابش و”الجسد الراحل” لأسماء الزرعوني و”ريحانة” لمسيون القاسمي و”حلم كزرقة البحر” لأمنيات سالم و”تثاؤب الأنامل” لرحاب الكيلاني و”لعله أنت” لباسمة يونس، وحملت أغلب تلك الروايات موضوع المرأة وما تعانيه من مشكلات اجتماعية فاقمها أن التحولات الاجتماعية العميقة التي أصابت المجتمع لم تسفر عن معالجة لمشكلات المرأة ووضع حلول جذرية لها، رغم نضج المرأة ووعيها بواقعها وحقوقها، ذلك الوعي الذي أصبح شقياً في ظل واقع لا يستجيب له .
أما في ما يتعلق بالبناء الفني والوعي بأدوات الكتابة الروائية، فما زالت الرواية الإماراتية تعاني من نقص كبير في هذا المجال، رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة على ظهورها، وهناك ظاهرة لافتة في المشهد الروائي الإماراتي ربما تكون وراء ذلك النقص، فجل من كتبوا روايات لم يتعد محصولهم الروائي رواية أو روايتين باستثناء علي أبو الريش الذي ظل يواصل مسيرته الروائية ويطورها منذ روايته الأولى إلى اليوم، فكوّن لنفسه بذلك رصيداً كمياً وفنياً متميزاً، وهذه الظاهرة تجعل الإنتاج الروائي لا يتعدى عتبة البدايات بما تحمله من عثرات ونواقص، فلا غرابة أن نصادف في بعضها اختلالات فنية من قبيل: عدم الإقناع الفني للأحداث والشخصيات، والحلول الفجائية، والسطحية في تناول الظواهر، والتناقض في الحكاية، وغير ذلك مما لا تسلم منه بدايات الكتّاب، فلو أن الذين بدأوا منذ السبعينات والثمانينات واصلوا الكتابة لكانوا اليوم كتاباً كباراً متميزين على شاكلة أولئك الموجودين في السعودية والكويت مثلاً، ولما كان أبو الريش الاستثناء الوحيد في هذا الباب، ويمكن التماس العذر لأولئك الكتاب في تحملهم مسؤوليات مهمة في الدولة التي كانت تحتاج آنذاك إلى كل من يحمل شهادة من أبنائها لتحميله مهمة من مهام دولة تريد أن تشق طريق التنمية والتطوير بأسرع ما يمكن، ولم تترك لهم تلك المسؤوليات الوقت للانصراف إلى النشاط الأدبي والكتابة، وربما يكون حظ الأجيال الجديدة من الكتاب أوفر في الحصول على الوقت الكافي لإنضاج تجاربهم الروائية والبلوغ بها مداها عبر تطوير مستمر وتجارب مكثفة، وهم مربط الأمل لمستقبل الرواية الإماراتية .
من الأسباب الأخرى التي يمكن بها تفسير هذا النقص، غياب النقد الأدبي الذي يواكب النتاج الأدبي ويقيّمه ويوجه الكتاب ويعرفهم إلى تقنيات الكتابة، فالنقد يربي الإبداع ويطوّره، وهو سند للمبدع الحقيقي وللكاتب الذي يحمل هم الكتابة ويسعى إلى تطويرها .
قال الناقد د . صالح هويدي: “ربما لا يخلو الرأي القائل بتخلف الرواية الإماراتية عن ركب مسيرة الرواية الخليجية من بعض إجحاف، ولعل مصدر هذا الإجحاف يعود إلى عدم إلمام أصحاب هذا الرأي بمعالم المشهد الروائي الإماراتي ومفرداته إلمام إحاطة، ومن هنا فنحن نرى في هذا الرأي انطباعاً عاماً وجزئياً أكثر منه حكماً تفصيلياً دقيقاً، فأية قراءة منصفة للمشهد الروائي لا بد من أن تتوقف عند ظاهرة روائية خصبة ولافتة كظاهرة علي أبو الريش . إلى جانب روايات أخرى لافتة كرواية ناصر جبران (سيح المهب) ورواية (حلم كزرقة البحر) لأمنيات سالم، ورواية (الديزل) لثاني السويدي ورواية (ريحانة) لميسون صقر، وسواها من الروايات المميزة . لكننا مع ذلك نود أن نسجل هنا رأينا الذي يرى أن الرواية الإماراتية لم تصل بعد المستوى الذي بلغته القصة القصيرة الإماراتية أو المستوى الذي بلغه الشعر الإماراتي الحديث، كما ينبغي لي أن أضيف ما يمكن أن يستكمل الصورة بالقول إن الرواية الإماراتية على الرغم من تميزها بين المسيرة الروائية الخليجية، لكنها لا تتبوأ الصدارة بينها، من حيث التنوع والجرأة والتقنيات الحديثة” .
الخليج

"لعله أنت" جديد باسمة يونس


أفق
جماليات التداعي الحر للسرد
آخر تحديث:السبت ,03/07/2010
محمد ولد محمد سالم
من جديد تؤكد الكاتبة الإماراتية باسمة يونس رسوخ قدمها ككاتبة دؤوب مشغولة بهم الكتابة، وقلم لا يفتأ يتحف القارئ بنصوص جميلة طافحة بهموم الإنسان، فقد صدرت لها حديثاً عن اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع رواية “لعله أنت” وهي الرواية الثانية لها بعد رواية “ملائكة وشياطين” 1990 .
توزعت كتابات باسمة يونس في معظمها بين القصة القصيرة والمسرحية منذ سنة ،1987 وهي عشر مجموعات قصصية وتسع مسرحيات ونالت العديد من الجوائز المحلية والعربية .
تتبوأ قضية الكبت والحواجز الاجتماعية التي تمنع المرأة من الاعتراف بحبها، ليس لمن تحبه فحسب، بل لنفسها هي الصدارة في “لعله أنت”، وكأن هذا الاعتراف جريمة وخرق لحدود المسموح به، فبطلة القصة “مريم” ظلت تنكر على نفسها ميلها إلى “خالد”، وظل حبه يتعاظم في نفسها حتى بعد أن تركها وسافر إلى ألمانيا في منحة دراسية من دون أن يكون قد اعترف لها بحبه، لكن خالداً لا يلبث يتملك قلبه الحنين إليها وتملأ عليه ذكراها حياته فلا يجد مناصاً من أن يبعث إليها برسالة مستفيضة في وصف وجده، تلك الرسالة قلبت حياة مريم وحولتها إلى عذاب مستمر من الشوق والرهبة، وصراع لا يتوقف بين نوازع الاعتراف لخالد بحبها له وزواجر نكرانه، وعبر مجموعة كبيرة من الرسائل المتبادلة بينهما ستظل مريم تداري أن تعترف له بحبها وتطالبه بالتوقف عن مراسلتها، ولم ينته ذلك الصراع الداخلي لمريم حتى حين قررت من جانب واحد أن تتوقف عن تلك المراسلة والعلاقة التي بدت لها مستحيلة بحكم أن الويل ينتظرها إن اطلع أهلها عليها، لكن انقطاعها عن مراسلته لم يحل أزمتها بل ضاعفها وظل ألمه يعتصرها حتى قضى عليها وهي في ليلة زفافها، فترنحت وسقطت مغشياً عليها لتموت في المستشفى .
تتميز رواية “لعله أنت” بميزتين واضحتين أولاهما القدرة على الغوص في أعماق الشخصية الروائية واستظهار دواخلها عبر لغة مرهفة، تعتمد أسلوب التداعي الحر الذي يسمح بالانسيابية الجميلة، والثانية اتخاذ أسلوب الرواية كصيغة سردية فيها جدة وطرافة استطاعت الكاتبة من خلالها تحريك الأحداث ودفعها إلى النهاية من دون عناء، فأخرجها ذلك من برودة السرد التقليدي وحافظ لها على حرارة اللغة والدهشة السردية .
ومع تلك الجماليات الواضحة في الرواية يمكن إبداء ملاحظة متعلقة بإقناعية الأحداث، فبعض الأحداث لا تبدو مبررة بما فيه الكفاية، أو لا تستجيب لأفق التوقع عند القارئ، من ذلك أن الشاب خالد لم يبح لمريم بحبه أيام كان معها في البنك، ولا حتى حين جاء ليودعها وهو ذاهب في منحة، ولا شيء يمنعه من ذلك، والثاني تصادف موت البطلين في الليلة نفسها حين عاد خالد بحثاً عن مريم فمات في حادث في أحد شوارع دبي قبل أن تلفظ هي النفس الأخير في المستشفى بلحظات، على أن ذلك لا ينقض شيئاً من جمالية الرواية ومتعة قراءتها .
Dah_tah@yahoo.fr

الخليج

على هامش الاحتفاء بساراماغو


أفق
على هامش الاحتفاء بساراماغو
آخر تحديث:الثلاثاء ,29/06/2010
محمد ولد محمد سالم

شهد الأسبوع الماضي في الصحافة العربية تسابقاً محموماً إلى تسجيل سبق صحافي حول الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو الفائز بنوبل للآداب 1998 والذي توفي في 18 يونيو/ حزيران الجاري في منفاه الاختياري في إسبانيا عن 87 عاماً، ولم تكتف تلك الصحافة بمجرد نقل الخبر وإضاءته بمعلومات عن سيرته الذاتية وأعماله الروائية ومواقفه السياسية، بل راح كتابها على مدى أيام يكتبون مقالات رأي واستخلاصات وتقييمات لأدبه، وخصصت ملاحق الصحف مساحات واسعة للتقييم والتعليق تثميناً لتاريخ وعمل هذا الكاتب الذي لا شك أنه يستحق ذلك وأكثر، خصوصاً بالنسبة إلى العرب الذين لن ينسوا مواقفه من الكيان الصهيوني الغاصب، وزيارته لفلسطين عام 2002 تضامناً مع الشعب الفلسطيني .
اللافت أنه في خضم تلك الجلبة الكبيرة مرت الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل شاعر عربي مهم، ومن أكثر الشعراء العرب المحدثين تأثيراً في عصره بما أنتجه من قصائد لامست الوتر الحساس في الجرح العربي، فصورت آلام وآمال أجيال النكسة العربية، وكان أكثر الشعراء جرأة وقدرة على مواجهة الظلم وأسرعهم إلى التعبير عن مشاعر جيله بأسلوب شعري بديع، ذلك هو الشاعر أمل دنقل (1940- 1983) ذلك الشاب القادم من محافظة “قنا” في جنوب مصر معتداً بجذوة البراءة والصراحة وإباء الظلم والزيف التي يتمتع بها الصعيدي المصري، ولم تخب تلك الجذوة في نفسه بقية عمره، بل زادها واقع الحياة في القاهرة وتواتر الهزائم العربية والصراع العربي “الإسرائيلي” الذي كانت القاهرة آنذاك بؤرة له، تأججاً فأثمر ذلك حين اختلط بإحساس الشاعر المرهف، تلك القصائد البديعة، بدءاً بقصيدة “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” التي أصبحت عنواناً لديوانه الأول ،1969 والذي تغلغل فيه إلى أحاسيس الجماهير وعكس بفنية عالية مشاعر الحيرة والتساؤل والإحباط والاحتجاج والرفض للممارسات التي أدت إلى تلك الهزيمة الشنيعة .
قال الناقد الدكتور جابر عصفور عن “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة” “كان نشره بمثابة علامة فاصلة في تاريخ الشعر السياسي الذي وصل به أمل دنقل إلى الذروة التي لم يسبقه أحد في الوصول إليها، وكان ذلك لصدقه وقدرته على أن يكون المفرد الإبداعي الذي يصوغ مشاعر الجمع”، ولم يقف دنقل عند ذلك بل واصل نهجه الاحتجاجي المسائل للمرحلة في ديوانه الثاني “تعليق على ما حدث” 1971 وكذلك في كل مجموعاته اللاحقة، وسيبلغ دنقل ذروة الرفض مع قصيدته “لا تصالح” التي كتبها غداة توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، رفضاً لتلك الاتفاقية، وتمسكاً بالحق العربي في كامل الأرض الفلسطينية .
فكيف تمر ذكرى شاعر بهذا القدر من دون اهتمام يذكر في الوقت الذي تقام فيه للروائي الأجنبي زفة؟ أليس الأقربون أولى بالمعروف، وإذا كان هؤلاء الأقربون نذروا حياتهم للأمة والدفاع عن ثوابتها ألا يكون واجب ذكرهم وإطلاع الأجيال على تاريخهم وفاء لهم ولتلك الثوابت التي دافعوا عنها؟ . . عسى ألا يكون ذلك التجاهل علامة من علامات انعدام الثقة في الذات، ومظهراً من مظاهر الاستلاب الكثيرة في وطننا العربي .

dah_tah@yahoo.fr
الخليج
الرابط:

الأربعاء، 21 يوليو 2010

ضرورة الهوية قبل ضرورة السوق


أفق
ضرورة الهوية قبل “ضرورة السوق”
آخر تحديث:الجمعة ,25/06/2010
محمد ولد محمد سالم

في مقابلة مع د . سعيد حارب الفائز بجائزة تريم عمران لرواد العمل الثقافي والإعلامي منشورة يوم أمس في “الخليج”، يقول حارب رداً على سؤال عن طغيان لغات أجنبية في سوق العمل على حساب اللغة العربية: “للأسف هذا واقع خلقناه لأنفسنا، فنحن وإن كنا لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية إلا أنه لا ينبغي لأية لغة أن تطغى على لغتنا التي تمثل لنا الهوية والتراث والجذور، وأقول لمن يحتجون بسوق العمل إن هناك العديد من الدول التي تفرض على من يعملون فيها التحدث بلغة أهلها مثل ألمانيا واليابان البوسنة وكوريا، وهي بلاد متقدمة، نعم نحتاج إلى خبرات متقدمة، ولكن ليس على حساب عقولنا” .
يقدم هذا الرد حجة دامغة على أن مقولة “سوق العمل” لا تبرر التخلي عن اللغة الأم صنو الهوية والحضارة، فشواهد الواقع تدل على أن الكثيرين حافظوا على لغاتهم ولم يوقف ذلك وتيرة التقدم لديهم، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن عند طرح مبرر “ضرورة سوق العمل” هو: ما الذي يريده العرب من التنمية والتقدم؟ هل هو مجرد تطوير مادي، وتمكين للأفراد من أن يعيشوا حياة مرفهة، أم هو تطوير حضاري شامل يعنى بتطوير وتعزيز هوية الفرد وقيم الأمة الحضارية كما يعنى بالتطوير المادي، ويسعى لجعل العرب مساهمين فاعلين في صناعة القيم الإنسانية للحضارة الحديثة وتعزيز جوهرها الروحي والأخلاقي قبل طفراتها المادية، انطلاقا من أن البنية الأخلاقية والروحية للأمة العربية، بما فيها من قيم الأخوة والتعاون والتسامح والإيثار والكرم والبر والرحمة، وبما قامت عليه من اعتبار أن “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلْق”، كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه؟
فإن كان الهدف هو مجرد الكسب المادي فقد لا يكون الاعتداد بالقيم والتراث والحضارة والهوية شيئاً ذا قيمة، ولا فرق في أن ينتمي شعب ما إلى الوطن العربي أو إلى غيره من الأوطان والأمم، ولا فرق بين أن تحكم “إسرائيل” أرض فلسطين وأمريكا أرض العراق، أو أن تستقل تلك البلاد تحت حكم أبنائها، فإذا انتفت الهوية والثقافة فلا فرق بين أن يعيش الإنسان في شرق الأرض أو غربها، صينياً أو “إسرائيلياً” أوروبياً أو أمريكياً أو عربياً .
وأما إن كان الهدف من التنمية شاملاً فحري بالبلدان العربية أن تضع نصب أعينها تطوير الإنسان العربي وتعزيز ثقافته وهويته الحضارية وفاعلية تلك الهوية في حياته اليومية، مع ما يلزم من ضرورات التطور المادي، وحين تنطلق هذه البلدان من تلك النظرة تصبح مقولة “ضرورات سوق العمل” لاغية، في هذا الإطار، لأن ضرورة الهوية والإنسان العربي أهم من ضرورة سوق العمل، فهي التي تحدد ضرورات السوق وهي التي توجه تلك الضرورات، وساعتها ستصبح اللغة العربية ضرورة من ضرورات سوق العمل، لأنها هي الحامل الثقافي الذي يستمد منه العربي هويته .

dah_tah@yahoo.fr
الخليج

إنهم يفسدون العربية


أفق
إنهم يفسدون العربية
آخر تحديث:السبت ,19/06/2010
محمد ولد محمد سالم

ماذا يمكن أن يقول القارئ الذي يقرأ كتاباً أو مقالاً مترجماً إلى العربية متعلقاً بموضوع من ميدان هو من صميم اهتماماته أو تخصصه ثم لا يفهم شيئاً من تلك الترجمة؟ هل يتهم نفسه بالجهل والغباء أم يتهم المترجم بعدم الدقة أم الكاتب بالغموض؟ لكن هذا القارئ في الغالب قرأ كتباً كثيرة ومقالات في الموضوع نفسه وفهمها، وقد يكون الكتاب المترجم ذائع الصيت ولكاتب مشهورة أراؤه، فلا يبقى إلا أن يلقي باللّوم على المترجم، وهو لوم في محله فأغلب ما ينشر اليوم من ترجمات عربية للإنتاج الأجنبي، على الأقل في ميادين العلوم الإنسانية، يفتقر إلى الدقة ويكتنف عباراته وجمله غموض كبير يجعله مستغلقاً على القارئ العربي، ما يعني أن الكثير ممن يمتهنون الترجمة ليسوا محترفين وفي أغلب الأحيان ليسوا على دراية بمعظم الميادين التي يترجمون فيها، خصوصاً الميادين الفكرية والأدبية .
لقد كان من نتائج البرامج المتخصصة في تعليم الترجمة وتسهيلها، وانتشار الأجهزة الإلكترونية ومواقع الإنترنت التي تقدم خدمة الترجمة من لغة إلى أخرى أو إلى عدة لغات، أن أصبح من السهل على كل شخص أن يكتب نصاً بلغته ويضغط على سهم الاختبار ليختار اللغة التي يريد الترجمة إليها ثم يضغط على زر الإرسال ليظهر النص على شاشته مترجماً بتلك اللغة، ولا شك إن هذه الخدمات أتاحت للكثيرين فرصة عظيمة للتواصل مع من يريدون من أبناء اللغات الأخرى، حتى ولو كانت معرفتهم بلغات مخاطبيهم ضئيلة لا تتعدى فك الخط، وقد أصبحت برامج الترجمة الإلكترونية رائجة لدى موظفي الشركات الخصوصية وسكرتاريي الإدارات المختلفة يستعينون بها في مراسلاتهم الخاصة وفي اختيار كلمات أحاديث المجاملات كالسلام والترحيب والدعوة وغيرها، ولم يقتصر دور الترجمة الإلكترونية على مجرد التواصل بين الناس، ولكنها أصبحت تقدم خدمات للمتخصصين في شتى الميادين، وقد شجعت هذه الوفرة الكثيرين من أدعياء التخصص في الترجمة على استخدام تلك البرامج لترجمة الكتب والمقالات ثم ينشرون ما ترجموه على أنه ترجمة جيدة ومتخصصة، ويوقعون القراء في متاهات لا أول لها ولا آخر .
ومن سمات تلك الترجمات عدم الدقة في اختيار الكلمة وفساد التركيب النحوي وغموض المعنى، وإذا كانت الترجمة في الأصل من أجل خدمة اللغة التي يترجم إليها، فإن مثل هذه الترجمة مدمرة للّغة العربية مشيعة للفساد فيها .
إن اللغة تجربة إنسانية خاصة ذات عوالق اجتماعية ونفسية، وهي تعبير عن مشاعر وأفكار فيها الظاهر والمضمر، ودلالتها رهينة بسياقات عديدة متغيرة، ولا بد للمترجم الذي يتصدى لها أن يكون قادراً على أن يفهم بعمق تلك التجربة في كلتا اللغتين اللتين يترجم بينهما، وفوق ذلك يحتاج المترجم المتخصص إلى الإلمام بالميدان الذي يتناوله النص المرادة ترجمته والاطلاع على المصطلحات والتعبيرات الرائجة فيه، كذلك وبالنظر إلى تلك التجربة فمن الطبيعي أن تعجز برامج الترجمة التلقائية مهما كانت فاعليتها عن تقديم ترجمة محترفة وصادقة من لغة إلى أخرى، وسيبقى دورها هو مجرد المساعد للمترجم .
إن من المؤسف ألا تجد على طول وعرض الوطن العربي الذي تمنع فيه الكتب لأتفه الأسباب من يمنع كتاباً مترجماً لفساد لغته وغموض أفكاره، أليس الأمن اللغوي جزءاً من الأمن القومي العربي؟ فلماذا لا توضع معايير لترجمة احترافية ويدعى المترجمون لاحترامها؟
الخليج

حتى لا يضيع وقت الكاتب


أفق
حتى لا يضيع وقت الأديب
آخر تحديث:الثلاثاء ,15/06/2010
محمد ولد محمد سالم
يحدثك صديق كاتب أن له على “الفيس بوك” مئات الأصدقاء، وأنه على اتصال دائم بهؤلاء الأصدقاء يقرأ تعليقاتهم ويرد عليها ويزور صفحاتهم فيقرأ ما فيها من تعليقات وردود، فتفكر في أنه لا محالة سيكون له بريد إلكتروني يتلقى عليه رسائل من أصدقاء آخرين لا يستطيع إلا أن يرد عليهم، وقد يكون مشاركاً في منتدى واحد أو عدة منتديات تفاعلية أخرى ذات طابع عام أو متخصص في ميدان يهمه، ولا بد بعد ذلك أن لهذا الصديق زملاء وأصدقاء وأقارب تدعوه دواعي الحياة الكثيرة إلى التواصل معهم وتخصيص جزء من وقته لهم، وربما يكون من الذين تحلو لهم جلسة القهوة ويواظبون عليها، فكم بقي لهذا الصديق من الوقت إذا طرحنا وقت النوم والعمل؟ بالحساب البسيط: لا شيء! بل ربما سيستلف من وقت نومه وعمله، فمتى سيجد هذا الصديق الوقت للتأمل والإنتاج؟ ومتى سيجد الوقت للقراءة المثمرة المحفزة على الإبداع؟
يبدو أن مواقع التفاعل الاجتماعي التي تستقطب اليوم عدداً متزايداً من الأدباء يجدون فيها طريقاً للتواصل مع قرائهم ومعرفة آرائهم في ما يكتبونه، ويسمعون منهم إطراء لكتاباتهم، أصبحت تملك على هؤلاء الأدباء وقتهم، وتجعلهم يغرقون في سيل من التعليقات التي تظهر أمامهم فيجدون أنفسهم مضطرين إلى قراءتها والرد عليها حفاظاً على الصداقة ومجاملة لعزيز لا يمكن تجاهل ما يكتبه، مهما كانت ضحالته، وهنا يخطئ الكثير من هؤلاء الأدباء في تقدير دورهم الثقافي فيظنون أنه محصور في مجرد التعاطي مع معجبين، في حين أن أهم ما ينبغي على الكاتب أن يخاطب به الناس هو ما ينتجه من أدب، وما يصدره من روايات أو دواوين أو قصص أو مسرحيات أو دراسات أو غير ذلك، ليس مهماً أن يتلقى الواحد على صفحته آلاف التعليقات، ولا أن تصله مئات الرسائل الإلكترونية، بل المهم هو أن يصرف جل اهتمامه لإنتاجه فيجوده ويطوره، وأن يعطي الحيز الأكبر من ذلك الاهتمام للمطالعة الواعية الهادفة التي توسع مداركه وترسخ معارفه.
إن المواقع التفاعلية مفيدة ومهمة في ربط الصلة بالأصدقاء والقراء وفي الترويج للكاتب، لكن الوقت المخصص لها ينبغي أن يكون مقتطعاً من وقت الأنشطة الاجتماعية في الحياة الواقعية وليس من وقت التنمية الذاتية والإنتاج الإبداعي للأديب، لأنها إن لم تكن كذلك ستكون مدمرة لهذا الأديب قاضية على عطائه، فلا يعني وهج الصداقة وصخب التفاعل بالضرورة قيمة إبداعية بل في كثير من الأحيان تكون له دواع أخرى، وسيضمحل هذا الوهج باضمحلال تلك الدواعي، أما الإبداع فهو باق مستمر قبل ذلك وبعده، وهو ما يتركه المرء للأجيال اللاحقة، وما يسهم به مساهمة حقيقية في تنمية وبناء وطنه وتعزيز هويته.

dah_tah@yahoo.fr
الخليج

الرواية النسائية في عمان


من الأسطوري إلى الواقعي
قراءة في الروايةالعُمانية
آخر تحديث:السبت ,12/06/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

لا ينفصل تاريخ الثقافة في سلطنة عمان في شيء عن تاريخها عن بقية بلدان الخليج العربي، فقد بدأت كلها تقريبا نهضتها الثقافية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، مع استقلال تلك البلدان وعودة أبنائها المهاجرين إلى أوطانهم وقد نهلوا من ثقافات عربية وأجنبية وتعرفوا إلى فنون وآداب حديثة، فكان لا بد أن يظهر تأثير تلك الثقافات في إنتاجهم الثقافي والأدبي، فبدأت العلوم الإنسانية الحديثة والفنون الأدبية تنتشر ويتسع نطاق تعاطيها، ويعود ظهور أول رواية عمانية إلى سنة 1963 وهي رواية “ملائكة الجبل الأخضر” لعبد الله الطائي “1924 1973” الذي درس في العراق، وتنقل بين عمان والبحرين والكويت والإمارات مشاركاً في تأسيس منابر ثقافية وتربوية فيها، فكان أحد رواد النهضة الثقافية الحديثة في الخليج، وقد أتبع روايته تلك برواية “الشراع الكبير” التي نشرت سنة 1981 ثم أصدر سعود المظفر رواية “رجال وجليد” ،1988 وسيف السعدي روايتين في عام 1988 هما “خريف الزمن” و”جراح السنين” واليوم يقارب الإنتاج الروائي العماني 40 رواية .
ولم يكن حظ المرأة العمانية في هذه البداية بالكبير بحكم القيود الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي، والتي لم تكن تعطيها فرصة كبيرة للتعلم ولا هامشا كافيا من الحرية، فأخر ذلك إنتاجها الثقافي والأدبي عن إنتاج الرجل، وأول رواية لكاتبة امرأة هي “الطواف حيث الجمر” الصادرة 1999 لبدرية الشحي، قصة كفاح امرأة للوصول إلى حبيبها الذي هاجر من عُمان إلى زنجبار، وبلغها أنه تزوج من إفريقية، وبدافع من الغيرة والتحدي للغريمة تكسر البطلة الأعراف العربية التقليدية وتسافر إلى تلك البلاد الغربية بحثا عن حبيبها، لكنها تفشل في العثور عليه، وتضطر للإقامة هناك والكفاح لإقامة حياتها الخاصة، وتحقيق ذاتها، وتريد الكاتبة من ذلك أن تقول لنا إن بحث البطلة عن الحبيب الرجل ليس سوى بحث عن سراب، واقتفاء لمفاهيم وهمية شحنت بها المرأة بفعل الموروث الثقافي لتقتنع بأن كينونتها لا تتحقق إلا بوجود الرجل في حياتها، بينما الحقيقة التي تكتشفها البطلة بعد استقرارها في زنجبار وامتلاكها وإدارتها لمزرعة كبيرة بعمالها، هي أن قوة المرأة تنبع من داخلها، من اكتشافها لقوتها الذاتية وإرادتها في الكفاح والفعل، وقد غلب على السرد الروائي في “الطواف حيث الجمر” الطابع الرومانسي .
وبهذه البداية التأسيسية في السرد الروائي العماني تعلن المرأة العمانية الكاتبة عن مشغل أساسي من مشاغلها الروائية ستدور في حوله الكثير من رواياتها، وهو كفاح المرأة لتغيير موقعها الاجتماعي وامتلاك زمام المبادرة في الفعل والانتقال من مرتبة التابع إلى مرتبة الشريك والند . وهو ما سنجد له أثرا في ثاني رواية نسائية وهي “منامات” لخوجة الحارثي الصادرة سنة ،2004 وهي تستعير حال “المنامات” الصوفية كتقنية سردية لتجعل البطلة ترى أحلاماً متكررة بعضها غريب والبعض الآخر يلامس واقع الحياة عن قرب، وقد أنتج ذلك بناء روائيا ذا جدة ولغة خاصة تميل للصوفية، وهي كما تقول خوجة تحاول أن تقرأ شيئا من الواقع العماني خاصة عبر رؤية فتاة تمر بتحولات نفسية، تختبر الحب كما تختبر الكراهية وتشتبك مع الشخصيات الأخرى بعلاقات جدلية، وتفتح نافذة للتأمل في مشاعر النفس الإنسانية وتحولات المجتمع وتفاعل البشر مع هذه التحولات، ولعلها تقول شيئا عن واقع المرأة خاصة وأحلامها بطريقة لا تسقط في فخ التسطيح والمباشرة والصوت العالي للحركات النسوية .
خوجة وإن كانت لا تريد من روايتها أن تكون صوتا حركيا نسائيا عاليا وتكرارا مسطحا ومباشرا لبعض تلك الآراء، إلا أنها تنسل من موضوع المرأة نهائيا، بل تعبر عن موقفها وأحلامها بطريقة خاصة وتأملية، وقد صنف بعض النقاد هذه الرواية في خانة السيرة الذاتية .
وعلى عكس اتجاه بدرية الشحي في جعل بطلتها تنجح في التمرد تجعل الكاتبة فاطمة بنت فهر بن تيمور آل سعيد بطلتها في “صابرة وأصيلة” 2007 تذهب ضحية هذا التمرد، فهي تعيدنا إلى أجواء الماضي وحكاية تسلط الرجل والقيود المفروضة على المرأة من خلال حكاية الفتاتين الصديقتين صابرة وأصيلة اللتين يفرض عليهما ترك المدرسة مبكراً، ولزوم البيت قبل أن ترويا نهمهما للمعرفة، فتبقى أحلام المعرفة والخروج لذلك العالم السحري الذي يؤدي إليه ترافقهما، وترافق بشكل خاص صابرة التي تلجأ على الكتابة وتحاول التعويض بها لكنها تقع فريسة سذاجتها وقلة خبرتها فيوقع بها شاب أحبته، ويؤول أمرها إلى أن تحمل بولد وتهرب، وفي النهاية يقتلها أخوها، ورغم أن السرد هنا كلاسيكي جداً، إلا أن الكاتبة تضع نفسها في العمق من مسألة المرأة والتضييق عليها، وتدين السيطرة المطلقة للرجل، ويلجؤها وعيها بالحدود المتاحة لتمرد المرأة في مجتمع تقليدي إلى أن توصل بطلتها إلى تلك النهاية المأساوية، وهي في ذلك أقل راديكالية من بدرية الشحي في “الطواف حيث الجمر” التي قفزت على التقاليد والواقع لتجعل بطلتها تنجح في غربتها .
وقد سبق لفاطمة آل سعيد وعلى مسرح آخر أن دانت الرؤية الدونية والاستغلالية للمرأة، وذلك في روايتها “أيام في الجنة” الصادرة ،2005 والتي تناولت حياة شاب عماني مهاجر إلى لندن عاطل عن العمل لا هم له سوى إشباع ملذاته يتخفى وراء مظهر الشاب الأرستقراطي الأنيق، ويستخدم بإتقان مهاراته وجاذبيته الرجولية الخادعة لإغواء النساء واستدراجهن ليقعن في حبه، ثم يستغل ذلك الحب ليجعلهن ينفقن عليه من جيوبهن .
وقد تزوج بأربع نساء ما بين شرقية وأوربية وأمريكية، بعضن يعلم بالآخر لكنهن واقعات في الحب، وأخر غافلات لا يعلمن عن ذلك شيئا، وهو يلهو بذلك ويأتي متعه كما يحلو له، لا يكترث بإخلاص أي منهن له ولا يرحمها، كأنهن إماء لديه .
رواية “أيام في الجنة” وإن كانت تدور في مسرح غير عربي وتضم شخصيات نسائية غير عربية، إلا أنها بمنظور معين تدين تصرف الرجل العربي ممثلا في البطل وقساوته في التعامل المرأة، ونظرته السلبية لها التي تجردها من كل القيم الإنسانية وتختزلها في قيم مادية زائلة، وتسمح له بحشدهن تحت سيطرته كأنهن جوارٍ لديه، وتوحي بثورة على منطق تعدد الزوجات .
مفاهيم
وعلى غرار “أيام في الجنة” تعود الكاتبة مع رواية “أشياء مبعثرة” 2008 لتروي قصة تدور في بريطانيا تحكي عن رجل عربي الأصل بريطاني بالتبني يتفوق في علمه وعمله، لكن عقدة النقص تدفعه إلى التعويض بالشراب والنساء وتجعله يضيع في ذلك العالم الأسود، ويهرب من حب سكرتيرته سليلة الأسرة الأرستقراطية البريطانية التي تسيطر عليها هي الأخرى مفاهيم المجتمع الكلاسيكي عن الرجل والخوف منه الذي يدفعها إلى التفاني في خدمته لإيقاعه في حبها، ويجرها ذلك إلى أن تنتقل من رجل إلى آخر إرضاء لغريزة دفينة في السيطرة على هذا الكائن المخيف .
ورغم أن الرواية تدور خارج المجتمع العماني وفي مجتمع غربي وتخضع لمنطق وحياة هذا المجتمع، إلا أن فيها صدى لقضية العلاقة بين الرجل والمرأة، وسيطرة المفاهيم التقليدية على كل منهما، فكلا البطلين لم يستطع أن يتحدى واقعه ويواجه حبه بشجاعة ومسؤولية، وتوحي غرابة منطق الرواية في مجتمع غربي متحرر، لم يعد فيه لمثل تلك القيود الاجتماعية وجود أو اعتبار بكون الكاتبة أرادت أن تهجّر رؤيتها لواقع مجتمعها إلى مجتمع آخر وتطبقها عليه، وهو قناع إيحائي استخدمته آل سعيد في هذه الرواية، وفي “أيام في الجنة” لتطرح من خلاله قضايا المجتمع والمرأة في مجتمعها، ولإدانة ما هو سلبي، وذلك اتقاء لأسهم كثيرة قد تصوب نحوها، ورغم أن القناع قد يؤدي دوره الذي أرادته له الكاتبة، إلا أنه أضعف البنية الروائية لديها في كلا الروايتين، وأفقدها الإقناع في كثير من الأحيان .
تعود بنا رواية “حفلة الموت” للكاتبة فاطمة الشيدي الصادرة 2008 إلى الراديكالية التحررية التي بدأتها بدرية الشحي، لكن الفرق هو أن رواية الشيدي حادة في تمردها وموجعة في هجائها، فالبطلة الشابة “أمل” تلاحقها لعنة الأساطير الاجتماعية التي تعتبرها “مغيّبة” متلبسة بشيطان يسكنها ويسيطر عليها، فلا يحق لها أن تحب أو تتزوج رجلا، لذلك، حين تلتقي الشاب البحريني النبيل الذي تعرفت إليه أثناء دراستها للفنون الجميلة في جامعة البحرين وأحبته، تخفي عنه سرها وتسافر إلى لندن بحجة إكمال دراستها فيلحق بها وحين تبوح له بسرها تمرض وتدخل في غيبوبة مدة ستة أشهر ثم تنجو بأعجوبة لا يقوى الأطباء على تفسيرها، وتعود إلى الحياة وقد زال ثقل الشيطان الذي يتلبسها وتحررت من سيطرته .
طوال الرواية وعن طريق مونولوجي متدفق لا تتوقف البطلة عن كيل اللعنات والسباب لمجتمعها ورجاله ونسائه الخاضعات للمذلة، ولأبيها الذي تكرهه كرهاً شديداً، فقد كان سببا في كل شقائها حين اغتصب أمها الأمَة التي اشتراها من زنجبار، ثم اضطر أن يلحقها هي بأبنائه، فعاشت هي وأمها الدونية والقهر، صفات بذيئة من السب والسخط على ذلك المجتمع لا تتوقف إلا بتوقف الرواية، ونبرة تدميرية طافحة لو ملكت صاحبتها القدرة لسحقت المجتمع بكامله .
منظور الرواية تحرري تدميري لا يرى في المجتمع التقليدي أية قيمة إيجابية ويعتبر تدميره وإلغاءه هما السبيل إلى التحرر والثورة، وهما طريق المرأة إلى تحقيق ذاتها، وقد نجحت الكاتبة إلى حد كبير في إقامة توليفة بين الأسطوري والواقعي، والاستفادة من أسلوب التداعي في التنقل بين الأحداث والمشاهد .
يمكن بناء على ما تقدم القول إن الرواية النسائية العمانية، على حداثة نشأتها ومحدودية عددها، قد ولدت وهي مشغولة بقضية المرأة، بل يمكن اعتبار تلك القضية كانت أحد أسباب ظهور هذه الرواية، وقد ترددت في الرواية في هذه القضية بين خيار التحرر التام وإلغاء المجتمع والوصول بالثورة إلى أقصى مدى لها كما عند بدرية الشحي، وفاطمة الشيدي، وبين القبول الاضطراري بمنطق المجتمع عن طريق تقديم نهاية مأساوية لكل محاولات التمرد “خوجة الحارثي وفاطمة آل سعيد”، وهو تردد يعكس بعمق حيرة المرأة العمانية المعاصرة، بل المرأة العربية عموما في التحرر التام الذي يلغي المجتمع ويثور على كل قيمه، أو الإذعان لقوانينه وأعرافه، وهي حيرة مزمنة باعتبار أن المجتمع العربي ورغم مرور عقود وعقود على انخراطه في دورة النهضة والتحديث لم يستطع أن يحسم الكثير من قضاياه الأساسية المتعلقة بالهوية والمرأة والوطنية والأمة والحداثة .
الخليج

صناعة الصورة الثقافية


أفق
صناعة الصورة الثقافية
آخر تحديث:الثلاثاء ,08/06/2010
محمد ولد محمد سالم
أوردت “الخليج” في عددها ليوم أمس تقريراً عن اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب في القاهرة لمناقشة عريضة المقترحات والمشاريع الثقافية التي ستعرض على القمة الثقافية العربية المقبلة، وكان من المقترحات التي طرحت في هذا الاجتماع “ضرورة العمل على تصحيح الصورة المشوهة للعرب في الغرب بعد أحداث 11 من سبتمبر، والعمل على تفعيل حوار الثقافات والحوار مع الآخر مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية العربية”، وهذا مطلب يتردد على كل المنابر الثقافية والإعلامية العربية وهو مطلب على كل حال مشروع ومرغوب لأن الصورة المشوهة لا تخدم التواصل ولا تترك للأمم مساحة مشتركة للحوار، وتنذر دائما بالخلاف والنزاع، لكن المشكلة هي في إيجاد بداية الخيط في هذه العملية، فمن أين يبدأ العرب حين يريدون أن يغيروا يصححوا صورتهم الثقافية؟
ظلت الثقافة الاستعمارية الفرنسية تصور الجزائري على أنه ذلك “الرجل القذر ذو الجلباب الوسخ الذي يدس تحته خنجراً يتربص به أبناء فرنسا المتمدنين”، لكن ذلك لم يمنع الجزائر من أن تناضل وتقاوم حتى تنتزع استقلالها من فرنسا، وتنتزع منها الاعتراف بثقافتها، فتكرم الكثير من الأدباء الجزائريين الذين دافعوا بكتاباتهم الفرانكفونية عن الجزائر وثورة الجزائر من أمثال محمد ديب ومولود فرعون وكاتب ياسين وغيرهم .
واليوم ليست الصين ولا اليابان بحاجة إلى أن تصححا صورتيها لدى الغرب، رغم الحروب التي كانت بين أمريكا واليابان ورغم الخلاف العقائدي والسياسي بين الصين المحافظة على ثقافاتها وتقاليدها البعيدة الغور في التاريخ والمتمسكة إلى حد الإيمان بالشيوعية عدو الرأسمالية الأوروبية اللدود، لا تحتاج الصين إلى هذا ولا تحس أن صورتها مشوهة لدى الغرب أو هي لا تقيم اعتبارا لجمال أو قبح صورتها الثقافية لدى الآخر، ما دامت مصالحها مصانة وهيبتها لا يمكن لأحد أن يخدشها .
إن الصورة الحضارية لأية أمة أو شعب أيا كانت قبيحة أو جميلة رهينة بعوامل القوة الحضارية والقدرة على الفعل والتأثير، وقد كان اليهود في أوروبا رمزاً للذل والحقد والخديعة، ولكن حين انتصر الحلفاء بزعامة أمريكا على هتلر، وبتدبير من اللوبي الصهيوني المسيطر في أمريكا، سادت ثقافة الإيمان بالهولوكوست كرمز لهذا النصر، وكل محاولة لتشويهه أو تعديل تلك الصورة هي نوع من الردة التي يدان صاحبها بجريمة معاداة السامية، وتظل تلك اللعنة تطارده إلى قبره، ولم تستطع ستون سنة من ممارسة العنصرية والقتل والتهجير والإذلال للعرب الفلسطينيين أن تغير تلك الصورة . . صورة اليهودي المسالم في أذهان الغرب .
ليست الصورة الثقافية لأية أمة شيئاً يمكن أن يغير بقصيدة أو رواية أو كتاب أو فن مهما كان انتشار تلك الفنون ووصولها إلى الآخر، لكنها شيء يفرضه واقع الاحترام لتلك الأمة، ذلك الاحترام الذي يأتي من القوة الذاتية لها، وحضورها في ساحة الفعل الدولي .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:
الرابط