بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 21 يوليو 2011

شارع الأحلام

أفق
شارع الأحلام
آخر تحديث:الثلاثاء ,05/07/2011
محمد ولد محمد سالم
ميزة أسماء الزرعوني بين الكتّاب الرواد في الإمارات أنها كاتبة مثابرة، ففي الوقت الذي توقف فيه الكثيرون عن الكتابة بقيت أسماء وقلة من زملائها يواصلون المسيرة، وها هي تؤكد من جديد حضورها بروايتها الجديدة “شارع المحاكم” الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وفي هذه الرواية تواصل نهجها في الاشتغال على المشكلات الاجتماعية ووضعية المرأة في المجتمع .
الميزة الأساسية في رواية “شارع المحاكم” أنها تشكل وثيقة اجتماعية ونفسية لواقع الحياة في شارع المحاكم في الشارقة في ستينات القرن العشرين، وخاصة حياة البنات طالبات المدارس، ورؤاهن وأحلامهن الصغيرة، وكفاحهن لتحقيق ما يحلمن به، فهي سيرة الكفاح وبداية تشكل الوعي عند المرأة الإماراتية، من خلال استرجاع البطلة “سلوى” لمسيرة حياتها هي وصديقاتها في ذلك الحي مركزة على أحلام أولئك البنات، وسعيهن للفوز بحياة سعيدة، كما تتضمن الرواية تداعيات اجتماعية متشابكة تتعلق بالزواج على وجه الخصوص، فلا تجد الفتاة من خيار سوى أن تذعن للواقع فتقبل بالزواج من قريبها كما قبلت “موزة” وكما تخلت “زهرة” عن خطيبها للاختلاف المذهبي، أو أن تتحدى المجتمع وتتزوج وتتحمل ما ينتج عن قرارها، كما فعلت “شيخة” التي أصرت أن تتزوج ذلك الشاب المصري الذي أحبته مضحية بعلاقتها بأهلها الذين قطعوا كل صلة بها، وحرموا عليها أن تدخل بيتهم بعد ذلك، فاضطرت إلى الانتقال إلى رأس الخيمة مقطوعة من كل صلات القربى والحنان والألفة التي تربت عليها، وكما هو حال البطلة نفسها التي هربت مع “سيف” إلى عمان ليتزوجا، ولتواجه بعد ذلك العنف والحبس من أهلها الذين أرغموها على الانفصال عن زوجها ليزوجوها بأحد أقاربها وتعيش حبيسة حياة لم تعرف لها طعما، وكثيرة هي القصص الأخرى التي تتضمنها الرواية لأولئك الفتيات اللواتي تتكسر أحلامهن على صخرة الواقع الاجتماعي بأطره المحددة سلفا، وبما يضعه من حواجز أمام أولئك الفتيات فلا يترك لهن كثيرا من الخيارات، ويوحي انكسار أحلام الفتيات بأن الكاتبة لا تناصر التمرد المطلق على المجتمع، لكنها أيضا ليست ضد الكفاح للوصول إلى تلك الأحلام بأقل الخسائر الممكنة .
يبقى أن هناك ملاحظتين أساسيتين على هذه الرواية أولاهما أن فيها مبالغة رومانسية تخرجها في بعض الأحيان عن حد المعقول وما يسمح به الواقع، فلا يوجد في تلك الظروف ما يجعل فتاة مرفهة وتعيش وسط أهلها وأبناء عمومتها مثل “شيخة” تهيم بحب “خادم” أبيها “سيف” وتضحي من أجله كل هذه التضحية، فهذا لا يحدث إلا في الخيال، كما أن لغة الحوار اشتطت في استخدام العامية إلى الحد الذي دخلتها معه “رطانة” الوافدين من غير العرب، وهو أمر غير مستساغ، خصوصاً أن أغلب النقاد مجمعون على أن استخدام العامية في الحوار ينبغي أن يكون في حدود ما يقارب الفصحى .
Dah_tah@yahoo.fr
الرابط: http://www.alkhaleej.ae/portal/5843104a-ad36-41ae-9fc8-31389453004a.aspx

ثقافة الترابط والمحبة

أفق
ثقافة الترابط والمحبة
آخر تحديث:الأربعاء ,13/07/2011
محمد ولد محمد سالم
في رواية، شيكاغو، للكاتب علاء الأسواني، يعاني الدكتور رأفت ثابت عالم الأنسجة الذي يعيش في أمريكا أزمة مستعصية، فقد انحدرت ابنته الوحيدة في عالم الفساد وتركت البيت لتعيش في أحياء بائسة وسط عالم من الإدمان والجريمة، ولا يمتلك، وهو أبوها، أي حق في صدها عما تفعله، وحين يطلب منها العودة تهدده بالشرطة، فيعود يمضغ حسرته وآلامه، غير قادر على أن يستوعب كيف أن قانوناً يحرمه من حقه في تربية ابنته وتوجيهها التوجيه الصحيح، ويمنعه من إعادتها لتعيش في كنفه آمنة .
لقد نشأ في ثقافة تعطي أهمية كبرى لقيم الترابط والتواصل الاجتماعي، وأولوية الآباء في تربية أبنائهم وإيوائهم وحقهم في الدفاع عنهم ضد كل ما يمكن أن يفسدهم، نشأ في ثقافة أن يرحم الكبير الصغير ويرأف به ويعلمه الصحيح من الخطأ، وأن يوقر الصغير الكبير ويحترمه، ثقافة تؤسس للمحبة المبنية على العطاء السمح الذي لا يرجو مقابلاً ولا ينتظر مكافأة، والذي يرثه الأبناء عن آبائهم ويأتونه طواعية وبسعادة تجعلهم يحسون بأنهم هنا من أجل الآخرين وأن الآخرين أيضاً وجدوا من أجلهم .
يفاجأ رأفت بعد عقود من العيش في أمريكا، والعمل فيها أنه أمام ثقافة تدخل في أخص خصائص حياته، لتحول بينه وبين أعز شيء لديه في الدنيا وهو ابنته الوحيدة، ثقافة تقول للأب والأم أنجِبا وربيا وكبّرا، ثم اجلسا بعيدا لا حق لكما في الحب والسعادة والاحترام من أبنائكما، مفهوم للحياة محوره الفرد قيمةً مطلقةً، مقطوعاً عن كل ما حوله، مكوراً في دهاليز ذاته، ومعزولاً عن الآخر، عن نسيجه الاجتماعي، ذلك النسيج الذي لم يعد له وجود في واقع الحياة هناك، فماذا سيفعل رأفت المسكين غير أن يموت كمدا ويلعن اليوم الذي رمى به إلى ذلك المجتمع، ويصاب بالمرض كجميع الأمريكيين والغربيين الذين يعانون من أمراض القلق والخوف والوحدة والاكتئاب والجنون، والتي كثيرا ما توصلهم إلى الانتحار، وهي كلها أمراض ناشئة عن تلك الفردانية القاسية التي بنى عليها الغرب رؤيته للحياة .
من البدهي أن الفرد ينبغي أن يحترم كهوية إنسانية وتحترم اختياراته، وحريته في التصرف، وأن لا تطغى قيم الأسرة أو الجماعة وأولوياتها على أولوياته هو، لكن تلك الحرية تبقى مرهونة باحترامه هو لذاته الإنسانية، فلا يتصرف بما يضيعها أو يقضي عليها، فليس أحد حرا في أن ينتحر مثلا، كما هو رهين باحترامه للقيم الاجتماعية والثقافية للجماعة وتفاعله الإيجابي معها، لأنه بذلك الاحترام ينشأ الترابط والتعاضد والمحبة، ويعيش الإنسان بإحساس بالانتماء والأمان وبأن هناك من يهتم به، ومن هو مستعد لخدمته من دون مقابل، وتلك الأحاسيس هي التي تعصمه من الأمراض السالفة الذكر ।
محمد ولد محمد سالم
dअह_तह@याहू.fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/960e5737-c358-457b-96dc-ce25e8ad0c92.aspx

الرواية والتاريخ

أفق
الرواية والتاريخ
آخر تحديث:السبت ,16/07/2011
محمد ولد محمد سالم
لا تنفصل الرواية عن التاريخ، لأنها بناء لنموذج من الحياة الاجتماعية لا ينشأ من فراغ وإنما يستخلصه صاحبه من الماضي، سواء أكان ذلك الماضي هو التاريخ أم المجتمع الذي يعيش فيه هذا الكاتب أم حتى ماضيه هو نفسه، فالتاريخ هنا حاضر بصيغ متعددة، عام أو اجتماعي أو شخصي، لكن التاريخ بمفهومه الاصطلاحي بوصفه أحداثاً تاريخية ماضية معروفة ومسطرة في كتب التاريخ بتفاصيلها، يضع الكاتب أمام إشكالية حين يعود ليصنع منه مادته الروائية، فهل يتبع أحداث التاريخ الحقيقية ويصوغ روايته بأمانة لتلك الأحداث، أم أنه يتصرف فيها ويغيّر ليصوغ رؤيته هو وروايته، مقتبساً من تلك الأحداث، غير منجرف وراء تفاصيلها الكثيرة التي قد لا تخدم رؤيته؟
توفر الأحداث التاريخية الكبيرة للروائي بنية روائية متماسكة يستريح إليها، وتوفر عليه تعب التخيل وصناعة حكاية من نسج ذهنه، فلا يحتاج معها إلا إلى تصرف بسيط في المادة، وربما في جانب بناء الشخصية ونسج الروابط بين مختلف الأبطال فقط، ولهذا يفضل الكثير من الروائيين العودة إلى تلك الأحداث والبناء عليها، وقد أصبحت هذه ظاهرة متواترة في الروايات العربية الحديثة .
في رواية “عزازيل” ليوسف زيدان الفائزة بالبوكر العربية عام ،2009 يجد القارئ نفسه أمام أحداث تاريخية كثيرة تُروى على لسان الراهب “هيبا”، يوثق فيها أحداث الصراع الكنسي الذي وقع في مصر في القرن الخامس الميلادي، وتقدم الرواية تفاصيل كثيرة لذلك الصراع، ونقاشات مطولة حول الخلافات بين المذاهب ورؤى كل فريق، ما يبتعد أحياناً عن محور حياة الشخصية الرئيسة “هيبا”، ويصيب الرواية في أجزاء منها بالرتابة، رغم أنها رواية جيدة وتحمل في النهاية رؤية روائية متماسكة - مهما يكن موقفنا منها- لكن قارئها سوف يتجاوز الكثير من الأحداث الجانبية، والصفحات التي لا يرى فيها كبير فائدة لكي يصل إلى نهايتها .
أما في رواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر التي فازت بالجائزة نفسها في دورتها الأولى ،2008 فنجد اتكاء على حادثة تاريخية هي تفجير ضابط حامية مصرية لمعبد أثري في واحة “سيوه” في الغرب المصري، لكن بهاء طاهر إذ ينطلق من تلك الحكاية التاريخية يهتم ببناء الأحداث حول شخصية الضابط، ويصبح عمله الأساسي هو التخيل، فيتخيل شخصية ذلك الضابط ونفسيته ومحيطه الاجتماعي وعلاقاته، ليقدم في النهاية بنية روائية هي تجربة اجتماعية ونفسية لشخصية البطل والشخصيات الأخرى المساهمة معه في الأحداث، ويعمل تعميق تلك التجربة بعيداً عن الانجراف وراء أحداث تاريخية أو مفاهيم عقائدية، أو فلسفية قد لا تغني كبير غناء في مهمة الروائي التي هي التجربة الاجتماعية والنفسية للإنسان، وهو يخوض الصراع اليومي مع معوقات الحياة ومنغصاتها، الإنسان وهو يحلم ويأمل ويكدح، فينجح ويخفق ويتعذب، فيقدم الروائي خلاصة لتلك التجارب تعمق فهمنا لحياتنا وذواتنا وتعطينا أدوات جديدة وآمالاً في أن نعيش غداً أفضل، وتلك هي مهمة الروائي الأساسية، وهي الفرق الجوهري بينه وبين عمل المؤرخ الذي يهتم بحقيقة ما حدث وتسجيله بأمانة اعتماداً على شواهد التاريخ ووثائقه، دون تدخل من خياله ।
محمد ولد محمد سالم
الخليج:http://www.alkhaleej.ae/portal/960e5737-c358-457b-96dc-ce25e8ad0c92.aspx

التأديب باللغة والشعر

أفق
التأديب باللغة والشعر
آخر تحديث:الخميس ,21/07/2011
كانت كلمة “أدب” في الأصل ذات مدلول أخلاقي صرف، تعني “حُسن الخلق”، لكنه في عصر الدولة الإسلامية وبعد أن اختلط العرب بغيرهم من الأمم، ودخلت العُجْمة إلى لسان العرب، احتاج الناس في تأديب أبنائهم إلى تعليمهم أيضاً اللغة والشعر حتى يشبوا فصحاء، وحتى لا تغلب العجمة على ألسنتهم، ومن هنا انتقلت الكلمة إلى المعنى الذي صارت عليه لاحقاً، وصار ذلك ركناً ركيناً من أركان تربية الأطفال، يستوي فيه أبناء الجميع، وقد اتخذ الخلفاء مؤدبين يؤدبون أبناءهم على اللغة والفصاحة وإتقان علوم اللغة والنحو، وحكايات فصاحة عبد الملك بن مروان وأولاده في عهد بني أمية، وفصاحة المنصور والمهدي والرشيد وأبنائهم في عصر بني العباس، وأخذهم بالتشدد في ذلك كثيرة، ومليئة بها كتب الأدب والأخبار .
وبلغ من ذلك أن صار من شروط كل من يستعمله الخليفة في عمل أو يصطفيه لصحبة أن يكون فصيحاً أديباً، ولم تستثن من ذلك الجواري والمغنيات، فقد روي أن الخليفة الواثق بن المعتصم بن هارون الرشيد كان شاعراً حسن الشعر له رواية ودراية في الشعر والنحو، وكانت له جارية حسنة الصوت حسنة الأدب اتفق أن غنت في مجلسه يوماً من شعر العرجي قوله:
أظلوم إن مصابكم رجلاً أهدى السلام تحيةً ظلمُ
فلحنها أحد جلسائه في نصب “رجلاً”، وقال هي “رجلٌ” بالرفع على أنه خبر ل”إن”، فقالت لقد أخذتها عن شيخي أبي عثمان المازني هكذا بالنصب - وأبو عثمان هو شيخ النحاة في البصرة في زمانه - فأمر الواثق أن يؤتى إليه بأبي عثمان، فلما حضر بين يديه سأله في ذلك، فقال هي بالنصب لأنها مفعول المصدر “مصابكم” بمعنى إصابتكم، وأما خبر إن فهو “ظلم”، فأعجب الواثق بجوابه وإتقانه وحسن تأديبه للجارية، وأجازه ألف دينار .
مثل هذه القصص كثيرة، وجديرة بالوقوف عندها لتأمل ما كان عليه أولئك القوم من حرص على أن تظل لغتهم نقية صافية جميلة، وألا تغلب عليها لغات الأمم الأخرى فتمحوها، وحين يقارن المرء اليوم ذلك الاهتمام منهم مع قلة وسائلهم التربوية والمادية، وبعد الشقة بين كثير من أقطارهم وبين حواضر العلم، حين يقارنه مع واقع الحياة اليوم في الوطن العربي وما توفره من وسائل ضافية ومناهج كثيرة لتعليم الأبناء يحار في ما وصل إليه الحال من تردي أحوال اللغة العربية اليوم في المدارس وتأخر مناهجها عن المناهج العالمية في تعليم اللغات، وقلة اهتمام الساسة والعامة بذلك، وسرعتهم في التسابق إلى المدارس التي تدرس اللغات الأجنبية وفتح الباب لها لتأخذ مساحة أكبر بكثير من مكانة اللغة العربية، وكأن الجميع قد نفضوا أيديهم منها ولم تعد تلزمهم في شيء، رغماً من ضجيج في أرجاء الوطن العربي حول الهوية وضرورة الحفاظ عليها وتعزيز مقوماتها، وأي هوية يمكن أن تقوم قائمتها من دون لغة أهلها، وأي أمة يمكن أن تحفظ خصوصيتها من دون حفظ لغتها؟
محمد ولد محمد سالم
dah_tah@yahoo.fr
الرابط: http://www.alkhaleej.ae/portal/960e5737-c358-457b-96dc-ce25e8ad0c92.aspx

السبت، 2 يوليو 2011

بين الحلم والوهم والواقع


أفق
بين الحلم والوهم والواقع
آخر تحديث:السبت ,02/07/2011
محمد ولد محمد سالم
في قصتها القصيرة “زوجة رجل ليس ميتاً” تلعب الكاتبة الإماراتية روضة البلوشي على بنية سردية يتداخل فيها الحلم والوهم والواقع تداخلاً ذكياً، لتقدم له حكاية غير عادية، حتى إذا لم يصدقها في الواقع فإنه قد يصدقها في الحلم أو الوهم .
في البداية تحلم البطلة بأن حبيبها قد مات، وتروي له الحكاية فيضحك من أحلامها، لكن وهم موته يسيطر عليها، فتبدأ في جمع أشيائه الصغيرة (شعيرات رأسه قُلامة أظافره أعقاب سيجارته، وعلبة شعره وقمصانه وأكثر الأشياء التصاقاً به) وتدسها في صندوق سري، كأنما تريد أن تخبئه عن الموت، ويصل الوهم إلى قمته عندما تسمع بحادث سيارته فيغمى عليها، لكنه يعود سليماً، ثم تنقلنا الكاتبة من الوهم إلى الواقع عندما نكتشف في نهاية القصة أن الزوج مات فعلاً منذ أشهر عدة، وأن البطلة أصيبت بالجنون بعد موته، وصارت تبعث له رسائل الحب، وعندما لم يصلها منه رد بعثت له طلباً بالفراق، وحاولت الانتحار .
عبر هذه العوالم الثلاثة تسرد روضة البلوشي قصة غير عادية، ولكونها غير عادية فإنها حشدت لها تلك التقنيات لكي نحلم أو نتوهم أو نتحقق من صحتها، وتكمن الغرابة في القصة في كونها تروي حكاية امرأة جاهدت لتتزوج رجلاً أحبته، وعملت ضد رغبة أهلها ورأيهم وتزوجته، لكن حكايتها لم تنته انتهاء الحكاية التقليدية، حيث يخدع الحبيب حبيته ويتخلى عنها بعد أن يحصل منها على مبتغاه، وبعد إحداث الشقاق بينها وبين أهلها، فلا تجد بعده أي ملجأ، بل كانت حكاية (زوجة رجل ليس ميتاً) حباً عظيماً، وكان حبيبها الذي تزوجته ملاكاً غير عادي في حبه، كما جاء في بداية القصة “لو تسنى لنساء العالم أن يحببن أزواجهن بالطريقة التي أحببتك بها، الطريقة التي تجعلني الآن أدور حول نفسي كما لو أنني أمارس طقساً صوفياً ( . . .) لو تسنى لهن ذلك لفقدن على الأرجح عقولهن المتألمة، وهن في الطريق إلى أرواحهن، لكن الله كان رحيماً بهن حين لم يخلق على الأرض ملاكاً سماوياً سواك” .
لا تنتهي لعبة التمويه بين العوالم عند هذا الحد، فالنهاية التي توهمنا فيها الكاتبة بأن الزوج مات فعلاً وأن زوجته أصيبت بالجنون بسبب ذلك، ليست نهاية قاطعة لأن الخبر يأت على لسان بنت صبية قد تكون الحقيقة غائبة عنها، فقد لا يكون الزوج مات فعلاً، ويكون ما وصلت إليه البطلة هو حالة من جنون الحب، وأياً كنا أمام حقيقة أو واقع فإن ما سيبقى هو أن تلك البطلة بحياتها تلك هي فعلاً “أرملة رجل ليس ميتاً” لأنه هو رجل الحلم والوهم والحقيقة، هو رجل الحب العظيم الذي استطاعت البلوشي أن ترسمه بإتقانها لأدوات الصياغة الفنية، وهو ما يؤكد أن الإبداع هو صياغة فنية متقنة ولعبة إيهام جميلة .
dah_tah@yahoo.fr