بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 25 أغسطس 2013

"الأستاذية" الأدبية

"الأستاذية" الأدبية آخر تحديث:الجمعة ,02/08/2013
محمد ولد محمد سالم
يتذكر المطلعون على تاريخ الأدب العربي الحديث صالون مي زيادة، حيث كان يلتف الأدباء والمثقفون من كل الفئات حول أيقونة الأدب في مطلع القرن العشرين، مي زيادة، ليقرأوا جديدهم الإبداعي ويناقشوا آراءهم ومستجدات ما طرأ على الساحة الأدبية من كتب وما نشر من مقالات، وكذلك يتذكرون صالون العقّاد، حيث يلتئم أسبوعياً أصدقاء ومريدو ذلك العبقري الفذ ليشاركوه آراءه ويناقشوه فيها، أو يسمعوا منه ويأخذوا من علمه الغزير، أما مقهى ريش فهو حكاية أخرى لا يزال كثيرون ممن نمت مواهبهم الكتابية، وتفتحت آفاقهم الأدبية من خلال جلساته يتذكرون جلوسهم المهيب فيه مع أستاذ الرواية العربية نجيب محفوظ، وهو يوزع آراءه ونكاته بأريحية جميلة .

مثل هذه اللقاءات كثيرة على مدى القرن الماضي، ودخلت حكايات بعضها تاريخ الثقافة العربية الحديثة، وكان لها فعل المدرسة الأدبية أو المنتدى الثقافي الذي يدخله الشباب ليأخذوا عن الشيوخ علومهم وأفكارهم، ويصوبوا لهم كتاباتهم ويطلعوهم على “سر مهنة الكتابة”، لكن يبدو أنها اليوم تكاد تكون قد تلاشت، ولم يعد لها وجود إلا نادراً وفي ظروف خاصة، فهل زاد انشغال الأدباء الكبار، فلم يعد لديهم الوقت لمثل هذه اللقاءات واستقبال الكتّاب الأدباء الجدد في بيوتهم أو على المقهى؟ أم أن هؤلاء الكبار هم فعلاً “كبار” بحيث لا ينبغي لهم أن يتنازلوا عن مستواهم للجلوس إلى أدباء “صغار”، قد يخدش وجودهم معهم الهالة الشخصية التي يراهم الناس بها، وهل تخلى الأدباء عن مشاعرهم الإنسانية وميولهم لكل ما يخدم البشرية ويدخل الفرحة على الآخرين؟

قد يكون لتعقيدات الحياة وضروراتها، التي تأخذ كل وقت الإنسان، دور في الانقطاع بين الأدباء، وتخلي الكبار عن رعاية الصغار، لكن من المؤكد أن تغير المفاهيم، والصورة التي أصبح يتمتع بها الأدباء الكبار كنجوم إعلاميين مثلهم مثل الساسة والفنانين والرياضيين، وضع حولهم تلك الهالة التي لا يريدون أن يكسروها باختلاطهم بمن هم دونهم، ومن أجل هذه النجومية أيضا فإن الوقت عندهم له ثمن ولا يريدون أن يضيعوه إلا في لقاء مدفوع الأجر مع قناة تلفزيونية أو مجلة أو مؤسسة ثقافية تروّج لأفكارها أو اجتماعاتها الفكرية .

لم يكتسب العقاد وطه حسين ومحمد مندور ونجيب محفوظ ورجاء النقاش وغيرهم صفة “الأستاذية” إلا من هذا الجانب الإنساني، وهذا الاحتضان الأبوي للآخرين الذين يأتون إليهم طالبين الرأي والتوجيه والنقاش . فقد كانوا يرون أنفسهم أصحاب رسالة ثقافية، يسعون إلى بثّها، وإيصالها إلى الآخرين، وأقرب وسيلة لذلك هو أن يعلموها للذين يأتون من بعدهم لكي يظل المشعل متقدًا، ويتسرب الحق والعدل والجمال إلى المجتمع، لذلك كانوا يفرحون بقصيدة بديعة أو رواية جميلة أو دراسة جديدة لتلاميذهم، وهم أول المهنئين بها، وأول الكاتبين عنها، حيث لم يكن العامل المادي هو الذي يحدد علاقاتهم الأدبية .


http://www.alkhaleej.ae/portal/85854ad0-2399-4691-9d00-8e2b36c51867.aspx

من أجل نشر أدب الطفل

أفق
نظرة إلى أدب الطفلآخر تحديث:الجمعة ,23/08/2013
محمد ولد محمد سالم
الاهتمام بأدب الأطفال على المستوى العربي حديث نسبياً، فلم يفسح الأدب العربي القديم لهذا النوع من الإبداع مجالاً واسعاً لكي ينمو ويتطور، وإن كان يمكن التماس بعض النماذج القليلة التي تخاطب الطفل، ولولا العمل الجبار الذي قام به رائد شعر الأطفال ورائد شعراء النهضة أحمد شوقي لظل الأطفال مغيبين عن الأدب، محرومين من الكلمة الجميلة والإيقاع الذي يبعث النشوة والمعنى الذي يغرس القيم، فقد طرح بين يدي المربين كماً كبيراً من الأشعار الجميلة التي تسعى إلى تنمية الحس الإنساني والروحي وتسمو بفكر وذوق الطفل عن طريق قصص الحيوانات والأشعار التوجيهية المختلفة بلغة بسيطة رقيقة وإيقاعات سريعة راقصة، فكان شعره آسراً سهل الحفظ يتغنى به التلاميذ في المدارس والطرقات، أسهم في تكوين ثقافة أجيال متتالية، عرفت عن طريقه قيم العدل والمساواة وحب الوطن والحرية، وقيمة الأسرة والأهل والأصدقاء .

تبع أحمد شوقي شعراء كثر كان لهم باع طويلة في هذا المجال من أهمهم سليمان العيسى الشاعر الذي رحل منذ أيام بعد أن أنفق نصف عمره- ما يربو على أربعين سنة- في الكتابة للطفل، ساعياً إلى أن يسهم في تكوين أجيال قادرة على أن تتحمل المسؤولية بجدارة، وأن تصل بالعرب إلى ما لم يصل بهم إليه جيله، وعلى مدى تلك السنين المتتابعة ألف العيسى عشرات الدواوين الشعرية التي تغنى فيها بكل شيء يمس حياة الطفل، من الأم إلى الأب إلى الإخوة والأصدقاء والإنسان عامة، والطبيعة والحيوان، والأرض وكل تفاصيل الحياة، راسماً نموذجاً للطفل الكريم المحب للحياة وللعطاء من دون توقف .

يطرح وجود مثل هذا التراث الشعري الذي خلفه أحمد شوقي وسليمان العيسى وغيرهم ممن كتبوا للأطفال سؤالاً حول مدى الاستفادة منه في تكوين ثقافة الطفل في الوقت الراهن، وما هي إمكانيات هذه الاستفادة، ومن المؤكد أن تلك الأشعار دخلت المجال التربوي العربي الرسمي في بعض البلدان العربية عن طريق إدراج نماذج منها في مقررات التعليم العام، لكنّ تلك النماذج تظل محدودة، وفي زمن لم يعد فيه التعليم المدرسي هو العاملَ الرئيس في تكوين ثقافة الطفل، ولذلك فإن استغلال هذا التراث ينبغي أن يكون في مجالات أخرى، وبصيغ تستغل مجال التقنية التي أصبحت منتجاتها من الألعاب والقصص والبرامج الترفيهية هي المشكلَ الأول لعقل ووجدان الطفل .

إن أهم هدية أو تقدير يمكن أن يوجه إلى كتاب الشعر الموجه للطفل العربي هو العمل على صناعة برامج تلفزيون وفيديو، وألعاب تقنية، وقصص كرتون تستوحي أشعارهم بما فيها من حكايات ومشاعر وألفاظ رشيقة وإيقاع جميل وقيم نبيلة، لأن ذلك هو الذي سينشر رسالتهم على اتساع الوطن العربي، ويبلغها كاملة إلى كل بيت وينفع بها كل طفل .