بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 يناير 2017

النَّكهة الرّوائيّة الموريتانيّة




د. سمر روحي الفيصل

لم تبق موريتانيا بلد الشِّعْر والشُّعراء على الرّغم من أنّ الشّعر مازال سيّد الأجناس الأدبيّة فيها. ذلك أنّ رياح الأجناس الأدبيّة الحديثة، وخصوصاً الرّواية، بدأت تهبّ، فتضرب الجدران الصَّلدة للشّعر التّقليديّ، وتكاد تقف إلى جانبه في أثناء التّعبير عن المجتمع الموريتانيّ الآخذ بحُجَز الحداثة. هذا ما فعله الرّوائيّون المورشيتانيّون: محمّد ولد تتّا في (أولاد أمّ هانئ)، ومحمّد ولد أحظانا في (هجرة الظّلال)، وماء العينين بن الشّيبة في (أحمد الوادي)، ومباركة بنت البراء في (العبور إلى الجسر الآخر)، وأخيراً، وليس آخراً، محمّد ولد محمّد سالم في (دحّان). ولعلّ هذا الأمر يسمح لي بالقول إنّ مَنْ يرغب في تذوُّق النّكهة الرّوائيّة الموريتانيّة فلْيقرأ ما كتبه هؤلاء الرّوائيّون والرّوائيّات، فهم وحدَهم القادرون على أن يُقدِّموا له المجتمع الموريتانيّ من وجهة نظر فنّيّة. وسأكتفي هنا بالحديث عن رواية موريتانيّة جديدة، هي رواية (دحّان) لمحمّد ولد محمّد سالم، وهي رابع رواياته بعد: أشياء من عالم قديم، ذاكرة الرمل، دروب عبد البركة.
مزجتْ رواية (دحّان) مزجاً فنّيّاً ماتعاً بين شخصيّة عبد الرّحمن الملقَّب بدحّان، والشَّريحة الدُّنيا في مجتمع نواكشوط. فدحَّان ابن هذه الشّريحة الفقيرة التي تسكن أطراف نواكشوط في بيوت قصديريّة وخشبيّة، لكنّه ابن ذكي طموح راغب في تغيير واقع الفقر الذي يعيش فيه بوساطة العلم والدّراسة العليا خارج بلاده. بيد أنّه كان يصطدم كلَّ مرّةٍ بعائق يحول دون تحقيق هذا الحلم. فأستاذ النّظم الزّلزاليّة حجب عنه المرتبة الأولى في سنته الجامعيّة الأخيرة، ومنحها لغيره، فصُدِم وكاد يفقد صوابه لخسارته منحة الدّراسة العليا التي ينالها صاحب هذه المرتبة. وعُيِّن في مصلحة التّنقيب، لكنّه فُصِل منها لعدم موافقته على تزوير المستندات. والتحق بدورة لتعلُّم اللّغة الانكليزيّة، ووصل إلى المرحلة الثّالثة والأخيرة فيها بتفوُّق، ووعده المدير بتوصية من الأستاذة الأمريكيّة هيلين بمنحة دراسيّة، لكنّ أحداث الحادي عشر من سبتمبر قضت على الحلم الذي وعدته هيلين به، فصُدِم أيضاً وفقد صوابه. كما عمل مع أخيه عليّ في بيع الخضار والفواكه في السوق، وكاد يستمرّ في هذا العمل لولا اكتشافه الرّشوة التي ينالها (مسؤول مشتريات جسور الخير لكفالة الأيتام)، ورَفْضه دَفْعَ هذه الرّشوة، وتخلّيه عن العمل مع أخيه، على الرّغم من بوادر النّجاح التي تراءت له. أخيراً توحي الرّواية بانتهاء أزمات دحّان. فقد التقى (مريم)، فتقاربا وتصارحا ومالا إلى بعضهما بعضاً، وفي الوقت نفسه اتّصل به صديقه الصّدوق سليمان، وطلب منه أن يأتي بأوراقه إلى الشّركة الوطنيّة للصّناعة والمناجم التي ترغب في إنسان يحمل صفاته؛ لإيفاده إلى ألمانيا ستّة أشهر للتّدرُّب والعودة إليها خبيراً.
تلك رحلة الفقير الشّقيّ الذّكيّ دحّان من الجامعة إلى عثرات الحياة وعقباتها وإخفاقاتها. ومن خلال هذه العوائق يطالع القارئ عادات الموريتانيّين الفقراء في الطّعام والشّراب والعلاقات الاجتماعيّة والإنسانيّة، وتقاليدهم في اللّباس والعمل والزّواج، وآمالهم وطموحاتهم في الحياة، بحيث يبدو المزج بين شخصيّة دحّان ومجتمع نواكشوط نوعاً من التّفاعل الرّوائيّ بينهما. ومن المفيد أن يلاحظ قارئ هذه الرّواية الضّوء الرّوائيّ المسلَّط على أطراف نواكشوط، الكاشف عن أحيائها الفقيرة، القصديريّة والخشبيّة، وما تضمّه من معاناة، وما تملكه من كبرياء، وما يطيف بها من قرى وصحراء، وما تتلقّاه من ثقافة تقليديّة، وما يهبّ عليها من نسمات حديثة، وما يعتمل فيها من فساد ورشوة وانكسار أحلام... وباختصار فقد نجح محمّد ولد محمّد سالم في إحياء المهمَّشين من خلال إبداعه شخصيّة عبد الرّحمن (دحّان)، وإحيائه طبيعة المكان الذي يعيش فيه المهمَّشون، ثمّ مزجه بين الشّخصيّة والمكان في مدوَّنة سرديّة ماتعة.
رواية (دحّان) رواية جميلة، لكنّ قدراً غير قليل من جمالها عائد إلى قدرة محمّد ولد محمّد سالم على إدارة السّرد بضمير الغائب، وعلى تطعيمه ببعض السّرد الذّاتيّ بضمير المتكلِّم (كاسترو، مثلاً)، وببعض ضمير المخاطب (الهجرة، مثلاً)، دون أن يتنازل عن اللّعب الفنّيّ بالحكاية الرّوائيّة. ذلك أنّ رواية (دحّان) سردت حكاية دحّان وحدَه، لكنّ محمّد ولد محمّد سالم لم يُقدِّم حوادث هذه الحكاية تقديماً متسلسلاً، بحسب الحبكة التّاريخيّة، إنّما راح يتلاعب بالحوادث تقديماً وتأخيراً، بغية توفير التّشويق القادر على الإمساك بتلابيب القارئ حتّى نهاية الرّواية. ومن خلال هذا التّقديم والتّأخير قدَّم لنا صوراً لطفولة دحّان في أثناء شبابه، وصوراً له في أثناء مراهقته، وتعليقات على الحوادث بعد وقوعها، فضلاً عن أحوال أمّه وأبيه وأخواته وإخوته في أماكن مختلفة من الرّواية.
صحيح أنّ هناك حاجة إلى تكثيف بعض الحوادث، وتمين صلة بعضها الآخر بالحكاية الرّوائيّة. وصحيح، أيضاً، أنّ هناك حاجة إلى التّدقيق في تعليل جوانب من شخصيّة دحّان، وخصوصاً الحاجة إلى تعليل ترجُّحه بين الغضب المصاحب لردود أفعاله (موقفه من هيلين حين سمّته: كاسترو، وموقفه من كريستوفر بعد إعلامه بنبأ توقُّف دورة اللّغة، مثلاً)، وبين هدوئه وعصاميّته واستقامته ونزاهته، إذ ليس هناك تعليل روائيّ مقنع كاف لجمعه بين الغضب والعصاميّة والنّزاهة. أقول: صحيح أنّ هناك حاجة فنّيّة إلى تأمُّل جوانب من الحوادث والشّخصيّة الرّوائيّة، بغية تمتين الصّلة بين الشّخصيّة وحوادث الرّواية، إلا أنّ الصّحيح أيضاً هو أنّ الفعل الرّوائيّ بقي مقبولاً في حدود سيرة دحّان الفقير في مكان روائيّ فقير.
ثمّ إنّ اللافت للنّظر في رواية (دحّان) هو اللّغة الرّوائيّة الواضحة القادرة على تصوير المواقف الخارجيّة وانعكاساتها النّفسيّة. فشخصيّة دحّان تنتقل من مكان إلى آخر طوال الرّواية. وقد رافقت اللّغةُ هذا الانتقالَ، فصوَّرت الأمكنة الفرعيّة، وهي أمكنة مفتوحة (ساحات، شوارع)، ومغلقة (أكواخ)، دون أن تتخلّى عن رصد دخيلة دحّان وعلاقاته بصديقه سليمان، وبأسرته: أمّه النّاه، وأبيه وأختيه سكينة وزينب وأخيه علي. بيد أنّ سلاسة اللّغة الرّوائيّة لم تحجب عن المتلقّي تركيز محمّد ولد محمّد سالم على دحّان وحدَه، وضَعْف تركيزه على أصدقائه وأسرته. وهذا ما جعل الرّواية كلّها رواية شخصيّة، نهضت بصراعاتها الدّاخليّة وخيبات واقعها وانكسار أحلامها، وبدت جميلة في أثناء ذلك. ثمّ إنّ الضّوء الرّوائيّ قادر على الاتّساع ليشمل الشّخصيّات الأخرى كلّها، وقادر في الوقت نفسه على تخصيص جانب من هذا الضّوء الرّوائيّ للشّخصيّات السّلبيّة (أستاذ النّظم الزّلزاليّة، مثلاً)، حتّى يبرز في الحكاية الرّوائيّة اختلافٌ وصراعٌ وقَدْرٌ آخر من التّشويق، وبعضٌ من طبيعة العلاقة بين الشّخصيّات المختلفة المتباينة، بدلاً من الاكتفاء بتصوير الشّخصيّات الإيجابيّة وحدَها.
أعتقد، في خواتيم الإشارة إلى اللّغة الرّوائيّة، أنّ هناك حاجة لغويّة فرعيّة لتوضيح بعض الألفاظ ذات الدّلالات المحلّيّة الموريتانيّة، كالبزان وبصام والأطاجين والزّريق والحرطاني، وغيرها من الألفاظ المحلّيّة التي يستطيع السّياق الرّوائيّ بوساطة الحيل اللّغويّة تقديم توضيح لها يجعل القارئ غير الموريتانيّ يفهمها، فيتّصل بدلالاتها على نحوٍ أكثر دقّة. وهي، في الحالات كلّها، ألفاظ قليلة، لا يعجز محمّد ولد محمّد سالم عن تقريبها من أفهام القرّاء؛ ليتذوَّقوا النّكهة الرّوائيّة الموريتانيّة.
__
• مجلة الإمارات الثقافية - العدد 50 - نوفمبر 2016

دحّان.. توترات الموريتاني وصدمات الواقع




هيثم حسين

يعالج الموريتاني محمد ولد محمد سالم في روايته "دحّان" مفارقات من العلاقة الشائكة بين الشرق والغرب، من مقاربة محطات من الزمن الراهن فيموريتانيا، وبالعودة إلى التاريخ الحديث للنبش فيه والوقوف على بعض النقاط التي ساهمت في بلورة صورة ضبابية قوامها سوء الفهم، وغلبة النظرة الأحادية وسيادة الأحكام المسبقة

يرمز محمد سالم في روايته (دار روايات، الشارقة 2016)، من خلال شخصية بطله عبد الرحمن ولد الغوث الملقب بدحّان، إلى الاغتراب الذي يعانيه عدد من الشباب الموريتاني في بلدهم، وتأثير الفوضى والفساد على مختلف مناحي الحياة، وبشكل خاص في مجالات التعليم والعمل، ونتيجة لذلك يفقد عبد الرحمن حقه في منحة دراسية جراء هذه الظاهرة التي تغرق الجامعة ومجال التعليم، ثم يفقد حقه في العمل لأنه لا يواكب موجة الفساد ولا ينساق وراء الفاسدين.

دائرة ضياع

يمر بطل الرواية بتوترات تلقي بظلالها على حياته ودراسته وعمله، فتراه ينتقل من جانب الصدمة ومعاداة الآخر إلى التعلق به، يحضر دورة لتعلم اللغة الإنجليزية، يصطدم مع معلمة اللغة هيلين، ثم يقع تاليًا في حبها، أثناء المرحلتين يصرح بأفكار عن صراع متجدد مستعر بين الشرق والغرب، وخيبة الأفكار والأحلام في الوقت نفسه، يتأثر حين تشبهه بكاسترو، ويبدأ سرد سلسلة من الأفكار والأقوال المناهضة للإمبريالية والرأسمالية، محييًا الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، ومناهضته المفترضة لأميركا.

وهناك أخته سكينة التي تعكس قوة المرأة الموريتانية وصلابتها في مواجهة الأحداث التي تلم بأسرتها وأهلها، وتحاول أن تكون السند لهم في الملمات والمحن، وتكابر على جراحها، وتأكيدها لأخيها ألا يفقد الأمل في غد أفضل، وألا يرتكن لسطوة اليأس ويبتعد عن مساره الحياتي المأمول.

يدور نقاش سجالي بين عبد الرحمن والأميركي اغزافييه العامل في شركة أميركية تهيمن على اقتصاد البلاد، وذلك تحت قناع اتفاقيات مع الحكومة. يرفض اغزافييه طلب عبد الرحمن للعمل، ويخبره بأنهم لا يزالون بحاجة إلى مساعدتهم وأموالهم وخبرتهم، وأنهم ما زالوا في قبضتهم وتحت تصرفهم. يطرده من موقع العمل، ويتوعده بأنه لن يجد شركة واحدة للتنقيب تقبله بعد ذلك اليوم، فيتوعده عبد الرحمن بدوره بأنه سيأتي اليوم الذي يطرده فيه ذليلاً، ويؤمم شركته التي تستنزف خيرات بلاده.

تحت النار

تكون أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 المحطة التاريخية الحديثة التي تلقي بظلالها على البلد، بحيث يخرج معظم الأميركيين بطريقة مختلفة، وينعكس ذلك بشكل ما على الناس هناك، من ذلك مثلاً الانكسار الذي تركته المعلمة هيلين بذهابها الذي كان أشبه بهروب طارئ، وتركها عبد الرحمن هناك يعاني مراراته وحيدا، ويقاسي عذابات تحطم أحلامه ببناء أسرة والانتقال إلى أميركا لتحقيق أحلامه بالدراسة والتفوق.

في فصل "أميركا تحت النار" ينشد الراوي أصداء الأخبار بحثا عن خبر لا تنقله الوكالات، مخمنا أن الأمور لن تصل إلى درجة من السوء تحجب معها أية محاولة للمحاورة والتقارب، ويكون طلبه المرسل من قبل المنظمة إلى الجامعات طي الإهمال، ومتأثرا بالمستجدات التي دفع الإعلام المناهض للشرق والعرب والمسلمين بتأجيجها، وإلصاق صفة الإرهاب بكثير من الناس في الشرق والغرب بشكل مسيء.


من الجانب الفني، يعتمد محمد سالم على صوت الراوي العليم الغائب بالموازاة مع صوت بطل الرواية الحاضر، مع التنويع في استخدام التراث الشفاهي والذاكرة الحكائية الموريتانية، بالإضافة إلى التقاط رؤوس خيوط اللعبة الحياتية والسياسية والاقتصادية التي تحكم موازين العلاقات بين الناس من جهة، وبين الأنظمة والحكومات من جهة أخرى، وكيف يتم تقنيع تلك العلاقات بأقنعة معينة تربكها وتبقيها عالقة في بؤرة سوء الفهم المتسعة.

يرمز محمد سالم إلى أن الخلاص لا يأتي من الآخر، ولا من الخارج، بل ينبع من الداخل، ويكون بالتمسّك بالجذور والعودة إلى الأصول بعيدا عن أية ثرثرة غير مجدية. ويكون بطله دحّان الذي يصاب بلوثة الجنون، ويهيم على وجهه، معاندا مصيره، مختارا درب الصحراء ليعبر عن سخطه وغضبه من واقعه.

يفرض الراوي على نفسه ضرورة إعادة محاولته ترويض الصحراء، تراه ينتقل بين نواكشوط ومدن قريبة منها، ساعيًا إلى صحرائه، مخاطبًا نفسه بأن الصحراء التي لا يرد جماحها سوى لحون كلمات تسري في عروقها فتهدئ من شرودها، روضها آباؤه منذ أزمنة غابرة، وعليه أن يروضها ليعيش على بساطها ملكا منفردا.

الرواية أدب وجودي في عالم متقلب


*هيثم حسين

حفل الحقل الروائيّ سنة 2016 بعدد من الأحداث والمفارقات والظواهر التي باتت تحتلّ حيّزاً من الاهتمام والمتابعة، وترسم خيوط خريطة روائية للسنوات القادمة، ذلك أنّ أيّ حدث متعلّق بهذا الفنّ لا يجري بمعزل عن امتداداته الزمنية السابقة واللاحقة، ويساهم في توسيع رقعة انتشار هذا الفنّ الذي يتبدّى في مرحلة مميّزة من الانتعاش والانتشار والجماهيريّة.

جوائز روائية

تظلّ جائزتا “البوكر العربية” و”كتارا” حاضرتين في رسم المشهد الروائيّ العربيّ طيلة العام، ولا تقف الأصداء عند نقطة بعينها، بل تظلّ تتردّد من دورة إلى أخرى، وككلّ دورة لم تخل دورات هذه السنة من سجالات وتجاذبات وأخذ وردّ. وقد توّج بالبوكر العربية “مصائر.. كونشرتو الهولوكوست والنكبة” للفلسطيني ربعي المدهون، كما اختيرت خمس روايات للتتويج بـ”كتارا” عن فئة الروايات المنشورة وهي: “أولاد الغيتو.. اسمي آدم” لإلياس خوري، و”أرواح كليمنجارو” لإبراهيم نصرالله، و”خمسون غراماً من الجنّة” لإيمان حميدان، و”راكب الريح” ليحيى يخلف، “والأزبكية” لناصر عراق التي اختيرت أيضاً كأفضل رواية منشورة يجري تحويلها إلى عمل درامي.

أما الروايات التي اختيرت للفوز في فئة الروايات غير المنشورة، فهي: “الألسنة الزرقاء” لسالمي الناصر، و”ظلال جسد” لسعد محمد رحيل، و”ظلّ الأميرة” لمصطفى الحمداوي، و”جينات عائلة ميرو” لعلي أحمد الرفاعي التي اختيرت كأفضل رواية غير منشورة ليجري تحويلها إلى عمل درامي. وذهبت الجائزة عن فئة الدراسات “البحث والتقييم والنقد الروائي”، إلى كلّ من إبراهيم الحجري، وحسن المودن، وحسام سفان، وزهور ضرغام، ومحمد بوعزة.

شهدت القائمة الطويلة للبوكر العربية إبعاداً لرواية “في الهنا” للكويتي طالب الرفاعي من القائمة الطويلة نظراً لأنها كانت منشورة في العام السابق، ولم يكن يحق لها الترشح للدورة الحالية، برغم الإشارة إلى أن الطبعة المقدمة كانت مناسبة من حيث تاريخ النشر، لكن الأمر لم يقف عند تاريخ النشر، بل كان في غفلة المحكّمين أو تغافلهم وتناسيهم أمر النشر، برغم أنّه يفترض بهم كمتابعين للمشهد الروائيّ ومنغمسين فيه التحقّق منه، والتركيز عليه، وعدم انتظار تمريره أو السهو عنه. وبعد البيان الذي صدر عن إدارة الجائزة وقرار استبعاد رواية الرفاعي لم يتمّ إكمال القائمة الطويلة برواية أخرى، بل ظلّت مقتصرة على خمس عشرة رواية، لا ست عشرة بحسب ما ينص عليه قانون الجائزة للائحة الطويلة، وربما لم يكن هناك أي قرار مسنون بهذا الخصوص، أو ربّما يتمّ سنّ قرار لحالات مثل هذه مستقبلاً.

وقد تكرّر أمر الإبعاد بصيغة أخرى في جائزة “كتارا” وذلك حين اكتشاف نشر اليمني محمد الغربي عمران روايته “ملكة الجبال العالية” التي اختيرت لتفوز ضمن فئة الروايات غير المنشورة بعنوان مختلف في القاهرة، وعدم تصريحه بالأمر الذي يخالف قوانين الجائزة، وانطلاء ما يمكن توصيفه بالتضليل على اللجان التي يفترض بها أيضاً أن تكون متابعة للمشهد الروائيّ ومنغمسة فيه لا مكتفية بقراءة أو تصدير أو تزكية ما يعرض عليها. وقد حجبت لجنة “جائزة كتارا” الجائزة عن عمران بعد أن اتضح لها أنه قد نشر محتوى روايته تحت عنوان مختلف “مسامرة الموتى” عن دار الهلال في القاهرة. بالنسبة إلى جائزة الطيب صالح العالمية فاز في مجال الرواية كل من السوري سومر شحادة عن روايته “حقول الذرة” والمصري عمار علي حسن عن روايته “بيت السناري”، والسوداني محمد المصطفي الطيب بشار عن روايته “تجليات يعقوب الفينيق”. أما بخصوص جائزة نجيب محفوظ في الرواية فقد فاز المصري عادل عصمت عن روايته “حكايات يوسف تادرس”.

تضييق وخسائر

هناك استمرار وتصعيد في التضييق على الروائيّين في أكثر من بلد عربيّ، وبغضّ النظر عن الاتّفاق أو الاختلاف مع مواقف الروائيّين أو القيمة الفنّيّة لأعمالهم، فإنّ محاولات كبح الحرّيّة والكتابة والتعبير تسعى لسحق روح الإبداع لدى الإنسان، من بعض مظاهر التضييق استمرار اعتقال الروائيّ المصريّ الشابّ أحمد ناجي على خلفية اتّهامه بخدش الحياء العام إثر نشره روايته “استخدام الحياة”، والتضييق على الروائي الأردني أيمن العتوم بعد كسب دائرة المطبوعات والنشر قضيةً رفعتها عليه بصفته كاتب رواية “حديث الجنود”، والتضييق على الناشر ماهر الكيالي (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، بعد قرابة عامين على نشر الرواية، وتخييره بين دفع غرامة مالية أو الحبس.

نكبت الساحة الروائيّة العالمية بخسارات كبرى برحيل عدد من أبرز الروائيّين العالميّين، منهم: الروائي الإيطالي داريو فو (1926 – 2016) الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1997، والإيطالي أمبرتو إيكو (1932 – 2016)، والفرنسي ميشال بوتور (1926 – 2016)، والفرنسية فرانسواز ماليه جوريس (1930 – 2016)، والبيروفي ميكل كوتييريث (1940 – 2016)، والنيجيري إيلشي أمادي (1934 – 2016)، والسوري ياسين رفاعية (1934 – 2016)، والروائيّ والمترجم العراقيّ حسين الموزاني (1954 – 2016).

انتعاش أدبي

وقد لوحظ انتعاش ترجمة روايات من آداب عالمية، والانكباب على نشر روايات مختارة، وحرص العديد من دور النشر العربية على متابعة الجديد في الأدب العالمي ونقله للقارئ العربي، من ذلك مثلاً منشورات كلمة، التنوير، مسكيلياني، الربيع العربي، العربي، الجمل، الساقي، الآداب، الشروق، ضفاف والاختلاف وغيرها.

كما لوحظ انتشار أكثر لظاهرة الورشات الروائية في أكثر من بلد عربي، منها ما يقتصر على أبناء البلد نفسه، ومنها ما يفتح المجال أمام مشاركات عربية، ولا يخفى أنّ لهذه الورشات تأثيرات معينة، منها ما قد يصنّف في خانة الإيجابيّ الذي يؤمل منه أن يكون مثمراً ومزهراً خلال سنوات قادمة من خلال الأخذ بيد تجارب معيّنة وتصديرها، كما قد يكون له تأثير معاكس سلبيّ من حيث مضاعفة الشلليّة والتكتّلات الثقافيّة التي تروّج لبعضها البعض، والتي قد توحي بأنّ المشرف على الورشة يمتلك مفاتيح الإبداع الروائيّ، مع العلم أنّ أعماله الروائيّة قد تكون خالية من أيّ لمسة إبداعيّة أو بصمة مميّزة.

استمرّت كذلك حركة النشر الروائيّة في تصاعد وانتعاش، وقد ظهرت أعمال هامّة في الرواية العربية في مختلف الدول، منها: رواية “ابنة بونابرت المصرية” للبناني شربل داغر، “جيش الماء” للتونسي جمال العريضي، “عربة الأموات” للسوداني منصور الصويم، “مولى الحيرة” للجزائري إسماعيل يبرير، “عشاق وفونوغراف وأزمنة” للعراقية لطفية الدليمي، “دحان” للموريتاني محمد ولد محمد سالم، “أربعون عاماً في انتظار إيزابيل” للجزائري سعيد خطيبي، و”حذاء فيلليني” للمصري وحيد الطويلة.

وكانت الرواية السوريّة، التي لا نصيب لها حتّى الآن في حصد الجوائز الكبرى سوى حضور لبعض الأسماء في قوائم طويلة، حاضرة بقوّة في عالم النشر، وقد صدرت روايات هامة منها: “رقصة القبور” لمصطفى خليفة، “عين الشرق” لإبراهيم الجبين، “الشاعر وجامع الهوامش” لفواز حداد، “سبايا سنجار” لسليم بركات، “الذين مسّهم السحر” لروزا ياسين حسن، “مترو حلب” لمها حسن.. وكان الملف الذي نشرته مجلة “بانيبال” اللندنيّة عن الأدب السوري لافتاً للنظر ومقدّماً لعدد من الروائيّين عبر فصول مترجمة من رواياتهم وتعريف مختصر بهم وببعض أعمالهم.
___
*العرب

http://thaqafat.com/2016/12/70770/