بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 26 مارس 2014

ذكريات وأحلام "باص القيامة"

ذكريات وأحلام روضة البلوشي في "باص القيامة"
المصدر : (محمد ولد محمد سالم)
أول ما يلفت انتباه قارئ قصص روضة البلوشي التي ضمنتها في كتابها باص القيامة، هو قدرة هذه الكاتبة على صناعة بُنى قصصية مدهشة، يحس معها القارئ أنه أمام كاتبة متمرسة وليس أمام كاتبة شابة تجمع بداياتها القصصية في كتاب وتنشره، لمجرد الإعلان عن ذاتها، وإيجاد ملصق إعلاني لصفتها ككاتبة .
منذ القصة الأولى تعذبني أشياؤه تعلن لنا الكاتبة حضورها، وهي تلتقط الحكاية الخام وتدخلها إلى مصنع الخيال لتفككها وتعيد بناءها من جديد، بما يلبي وجهة نظرها، وتعتمد في ذلك على تقنية سردية تمزج الحاضر بالماضي مكسرة خطية الأحداث، تُظاهِرُها تقنية أسلوبية قوامها التخفف من أدوات الربط والاعتماد على تتالي الأفعال ضمن الحدث، والحكاية هنا لأرملة شابة رحل زوجها فجأة تاركاً لها ثلاثة أطفال في عمر الزهور، ليملأ حياتها بحزن لا يزول، ولكي تصور البلوشي حكاية هذه المرأة، وحجم ما حل بها من ألم، فقد اختارت أن تحكيها عبر خطين متوازيين هما الماضي والحاضر، لكنها جعلتهما متداخلين بفعل الوهم الذي يسيطر على ذهن بطلتها، حيث لا يزال زوجها يمارس حضوره الطاغي وكأنه لم يخرج من الغرفة: يمسك بيدي ويسحبني برفق نحو غرفة نومنا . . يطلب مني أن أنظر إليه وهو يتحول إلى خزانة ملابسنا المشتركة، يقول لي: - ادخلي ولكن برفق يكررها مرتين، وحين أدخل في العتمة، يسألني: - والآن، بم تشعرين؟
فأجيبه: - أشعر بالدفء، بالدفء فقط، وببعض البرد، لا أكثر
هل تصور الكاتبة هنا حدثاً وقع في الماضي؟ أم تصور حالة توهم طافت بذهن بطلتها، وهي تقف أمام خزانة الملابس، وتعاين ملابس زوجها مصفوفة إلى جانب ملابسها، فتتلاشى الخزانة أمام عينيها ولا يبقى سوى صورته كبيرة بالمقدار الذي يملأ عينيها، ويحجب عنها ما سواها، قد تسعفنا عبارة يتحول إلى خزانة في تقرير أن الأمر توهم، لكن ذلك ليس أكيداً لأن التحول قد يكون بمعنى الانتقال إلى الشيء .
يأتي الحدث الثاني في القصة ليؤكد الوهم حيث: يعود إلى وضعه السابق كرجل هادئ وزوج شديد الحضور وأب لأبنائنا الثلاثة الذين يشبهونني أكثر مما يشبهونه وربما يحبونه أكثر مما يحبونني، عودة الزوج بصفاته تلك ستتكرر مرات
في القصة محدثة تكراراً له إيقاعه الأسلوبي الدال على إيقاع نفسي أعمق، فتلك الصفات عميقة مستقرة في نفس هذه الزوجة بكل تفاصيلها، وكل منها مفتاح لأشياء كثيرة لا تقولها الزوجة، وهي في إجمالها تلخص كل ما تحلم به المرأة في زوجها رجل هادئ، زوج شديد الحضور، أب لأبنائنا الثلاثة وتلح عليها عند كل حركة تأتي بها، ويتضخم الوهم عندما تذهب لتجلب له كوب العصير، وبالطبع ستعود فلا تجده، لكنها تحس به في كل شيء من حولها، وتكرار الجمل يحمل معه في كل مرة تغيراً في صفة الأطفال: الذين يتابعون مسلسلاً كرتونياً في صالة الجلوس الآن أو الذين يتعاركون حول شيء ما وأحدهم يبكي ويستنجد بي، وهذا التغير يختزل بصورة غير مباشرة واقع حياة أولئك الأطفال من وجهة نظر الأم، ففيها العذوبة والبراءة والمتاعب، وهي تقابل حياة الزوج التي اكتملت واستقرت على وصف واحد .
نلاحظ أن الكاتبة كسرت نمطية السرد المباشر، فقدمت صورة الأطفال كتعليق ثانوي على اللحظة الحاضرة، لحظة الوهم التي تعيشها البطلة حضور الزوج، وسمح لها ذلك بالاستغناء عن الاسترسال والتفصيل في حياة الأطفال، وكذلك فعلت في مواطن من القصة حيث تقود صورة الزوج البطلة إلى الحديقة لتتذكر شجرة النارنج التي جلبها وغرسها في الحديقة بيديه القويتين، لكنها ذبلت وماتت، وتتذكره أيضاً وهو شاب قوي يغازلها في الشارع ثم تتطور حكايتهما إلى الزواج، هكذا تنسج الكاتبة من تلك اللفتات السريعة الجانبية تفاصيل حياة الزوجين السابقة، برشاقة أسلوبية تظهر مهارتها الكبيرة في فتل الأحداث وتوجيهها بالطريقة التي تريدها .
رشاقة الانتقال بين أحداث الحاضر والماضي تماثلها على المستوى الأسلوبي رشاقة في استخدام لغة تغوص إلى أعماق النفس وتتخفف من أدوات الربط التي تصاحب السرد عادة، جانحة بذلك إلى الشاعرية ومركزة على تدافع الأفعال المتتالية في الزمن يمسك بيدي، يسحبني، يطلب مني ، يتحول كأداة لربط حركي يسمح بالانتقال السريع بين مختلف الوضعيات والأحداث .
مزج الحاضر بالماضي سردياً، والأفعال المتتابعة أسلوبياً، هما خاصيتان ثابتتان في كل قصص مجموعة باص القيامة وإن بدرجات متفاوتة، فالكاتبة تفتح ذهن الشخصية القصصية وتتركها تصب ما لديها من ذكريات ماضية تحفزها مشاهد الحاضر، ويعمل الخيال أو الوهم أو المشاعر النفسية على تلوين لحظتي الزمن كيف يشاء، وعلى اختيار ما يشاء منهما لروايته، ففي قصة حفيف المرآة لا شيء أجمل من هذا الانتقال بين الحاضر المملوء بصخب بنات المدرسة، وهن يتدافعن داخل الحافلة، ويرشقن سائقها الآسيوي الشاب بكلمات بريئة تارة واستفزازية أخرى، فيثير ذلك ألمه وحنقه، ويفتح ذكريات حياته بين أهله، وصور وداعه لهم، وبكاء أمه، وأحزان ابنة عمه، وكل جراحات حياته، ويقود الحافلة شارداً في صور جذوع البنات الغضة التي تعكسها له المرآة الأمامية، فلا يرى المطب أمامه، وتنتفض الحافلة وتهتز فتنتفض معها الأجساد الغضة والسّباب الوقح الذي يدمي قلبه، وهو يلوذ بصمت العاجز عن القيام بأية ردة فعل، لأنه يعرف ما يمكن أن يجلبه عليه ذلك من مآسٍ، ويعود إلى مرآته فيجدها قد تهشمت .
لقد سمحت تلك القدرة السردية للكاتبة بأن تتحرر من سطوة تسلسل أحداث الحكاية، وأن تختار البداية التي تنطلق منها كما تريد هي، لا كما حدثت في الواقع، ففي قصة مثل شاة مريضة تقفين تبدأ من لحظة وقوع الخبر السيئ مبروك ابنتك حامل، وهي التهمة التي ستلقى بسببها البنت أصناف العذاب والصدود والازدراء، وتتداعى صور الحاضر المؤلمة لتمتزج بالذكريات الجميلة والأحلام العجيبة، قبل انكشاف خطأ الطبيبة في التحليل، وتداعي أفراد الأسرة والأقارب للاعتذار لابنتهم عن الجرح الذي تركوه في نفسها .
في باص القيامة يجد القارئ نفسه أمام كاتبة تمتلك الكثير من مقومات النضج الفني، ولن تعوزها الآلة إذا استمرت في الكتابة، وأرادت أن تقدم إبداعاً أدبياً أصيلاً .

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/61fa4060-b2d8-4952-9643-b3750b1ef5ff#sthash.fXF4E0vJ.dpuf

الثلاثاء، 18 مارس 2014

طشّاري

أفق
ما يميز رواية "طشّاري" لإنعام كجه جي هو السلاسة السردية التي تروى بها الأحداث، وقدرة الكاتبة على التنقل بسهولة بين عوالم زمنية وجغرافية عدة، والانتقال من أسلوب الرواية إلى المذكرات إلى الحوار إلى السرد بضمير الثالث الغائب، مستفيدة من تجربتها الطويلة في الكتابة، التي أهلتها لدخول اللائحة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2014 بهذه الرواية، وهي المرة الثانية التي تدخل إنعام هذه اللائحة وكانت المرة الأولى برواية "الحفيدة الأمريكية"، ويعزز هذه المميزات امتلاك كجه جي أسلوباً لغوياً سهلاً ممتنعاً، يجد القارئ في لغته قرباً من الواقع، لكنه قرب لا يفقدها أصالتها، وقوة نسجها، فهي بعيدة عن الابتذال، وتلك ميزة أدبية نادرة في كتّاب الرواية في هذه الأيام .
كما تتميز الرواية بالانشغال بالحكي وتقديم البعد الدرامي من دون الانصراف إلى المشاهد المقحَمة التي تعمل على دغدغة مشاعر القارئ، لمجرد جذب اهتمامه، ومن دون أن يكون في ذلك ما يخدم سياق الحكاية التي تروى، مما تطفح بها الروايات الراهنة التي تحولت في أغلبها إلى مشاهد من أفلام مبتذلة، وتروي "طشّاري" - وهي كلمة عامية تعني الشتات - حكاية عجوز مسيحية عراقية اضطرتها ظروف الصراع في العراق إلى ترك الوطن الذي أعطته سنوات شبابها وكهولتها كطبيبة قابلة متفانية في خدمة أبناء وطنها، ونسجت فيه علاقات إنسانية عميقة مع نساء من شتى الفئات الاجتماعية والدينية، واحترمها ناسه معترفين لها بما قدمته من خدمات جليلة، تهاجر تلك العجوز مرغمة أسيفة بعد أن هاجر أفراد أسرتها وأقاربها، وتشتتوا بين القارات، وبعد أن بقيت وحيدة خائفة، لتجد نفسها في فرنسا، في مجتمع لا يفهمها ولا تفهمه .
لعل ما يمكن أن يلاحظ على رواية "طشّاري" أن الكاتبة لم تضع يدها على حدث رئيسي يقدم صراعاً درامياً، ويكون ناظماً للأحداث الأخرى من حوله، فقد اكتفت بسياق السيرة الذاتية للطبيبة وإن كانت لعبت في المتن الحكائي بشكل جيد، لكن غياب الصراع، وتقديم بطلة مستسلمة لسياق حياتها أفقد الأحداث الحرارة اللازمة وجعلها مجرد سيرة ذاتية لامرأة عادية، وكان يمكن أن تكون رواية جيدة لامرأة عظيمة لو أن الكاتبة وضعت يدها على مثل ذلك الحدث/ العقدة وكثفته، وهو موجود في لحظة التغير الكبير في حياتها، اللحظة التي اتخذت فيها قرار السفر، فلو أن الكاتبة كشفت الصراع الداخلي والخارجي الذي أدى بالبطلة إلى هذا القرار، والنضال الذي خاضته من أجل ألا تترك وطنها، لكانت انطلقت الانطلاقة الصحيحة، وعرفت بسهولة كيف تقسم الأحداث السابقة واللاحقة حول هذا الحدث، وكيف تستخلص منها الرؤية التي تريدها، لكنها أخطأته، فكلفها ذلك كثيراً، ومن اللافت أنها عبر كل صفحات روايتها، لم تقدم مونولوجاً لبطلتها المأزومة، وهي شخصية مونولوج قلباً وقالباً، وكان يمكن لتداعي مشاعرها أن يحدث التوتر المطلوب في الرواية، ومع ذلك فقد قدمت إنعام رواية في مستوى الجائزة التي رشحت لها .
محمد ولد محمد سالم

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/00e19125-01db-4729-add8-798deb6ecbad#sthash.kEnhE2Q7.dpuf

الجمعة، 7 مارس 2014

فرانكشتاين في بغداد

أفق
“فرانكشتاين في بغداد”
تاريخ النشر: 26/02/2014
يجمع الكاتب العراقي أحمد السعداوي في رواية "فرانكشتاين في بغداد" المرشحة للبوكر بين السرد الواقعي المؤسس على بطولة الحارة، والسرد المستوحي للخيال العلمي، فهو يستدعي شكل رواية "فرانكنشتاين" للإنجليزية ماري شيلي، وتروي أن عالماً صنع كائناً بشرياً عملاقاً، وعند اكتماله خرج عن إرادة صانعه ودمر حياته، ويغير أحمد السعداوي هذه الحكاية بجعل رجل عادي يجمع أشلاء الضحايا الأبرياء في الاقتتالات اليومية في بغداد، ويخيط منها شكلاً بشرياً، وتتلبس هذا الكائن روح وتصير له قوة خارقة، ويخرج ليبدأ رحلة الانتقام لأولئك القتلى الذين يتكون جسده من أشلائهم، لكن جسده يصاب بالتفكك فيحتاج إلى ترميمه بأشلاء جديدة، ويلجأ أتباعه إلى ترميمه بما اتفق لهم من أشلاء من دون التمييز بين أبرياء ومجرمين، وهنا يدخل الإجرام في تكوينه فيبدأ عمليات قتل من غير مبرر أخلاقي .
في موازاة هذه القصة هناك قصص كثيرة إطارها حي "البيتاوين" في بغداد، ولئن كان بعض هذه الحكايات يرتبط بقصة الشبح وأم دانيال والدة الشاب دانيال الذي تقمصه الشبح، وحكاية الصحفي محمود السوادي، إلا أن حكاية فرج الدلال وأبو أنمار وعزيز وعلي السعيدي، وقصص أخرى كثيرة ترد داخل الرواية وهي لا ترتبط بسبب واضح بقصة الشبح التي هي عمدة الرواية، مما يشتت ذهن القارئ، فلا يعرف أي سياق قصصي ينبغي أن يركز عليه، ويكفي أن نشير إلى قصة محمود السوادي الذي بحث في حقيقة هذا الكائن وأجرى حوارات معه، واستطاع أن يحصل على تسجيل بصوت الشبح يروي فيه حكايته، والسوادي له هو الآخر حكايته التي تستحق أن تروى في رواية مستقلة، لكن الكاتب يبتسرها، فلا يبلغ بها العمق التحليلي الذي ينبغي أن تبلغه، وفي الوقت ذاته يوظفها على هامش أحداث حكاية الشبح، فالقصتان وإن تداخلتا شكلياً فهما منفصلتان تماماً، وكذلك حال قصص جانبية أخرى كثيرة .
ينجح السعداوي في إعطائنا صورة بانورامية للقتل اليومي ولتردي الحياة التي أصبح معها العيش في بغداد غير ممكن، فأصبح الكثيرون يخرجون منها نجاة بأبدانهم، لكنه يفتح نوافذ سردية كثيرة ولا يغلقها، فيشتت ذهن القارئ ولا يوصله إلى مرحلة التشبع التي ينبغي أن يصل إليها، فالقارئ مرتبط بعقد ضمني مع الكاتب يوجب على هذا الأخير أن يجيبه عن أسئلة الحكاية يتركه معلقاً، فحتى في النهايات المفتوحة، فإن الكاتب يترك لدى القارئ انطباعاً بأن مرحلة ما من مراحل حياة الشخصيات اكتملت، بكل تفاصيلها وانغلقت كل نوافذها .
في نماذج روايات "الحارة" عند نجيب محفوظ ترتبط مصائر الشخصيات جميعاً بتلك الحالة، وتتلاقى قصصهم حولها، أما في "فرانكشتاين في بغداد" فإن الشبح هو البطل أو الحكاية، فكان ينبغي أن يحذف ما لا يرتبط به .
محمد ولد محمد سالم
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/07542473-0976-44c0-9a07-140ae186f3a8#sthash.IOyqJkW2.dpuf

"طائز أزرق نادر يحلق معي"

أفق
“طائر أزرق يحلق معي”
تاريخ النشر: 22/02/2014
محمد ولد محمد سالم
لا بد لمن يقرأ رواية "طائر أزرق يحلق معي" للكاتب المغربي يوسف فاضل التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العربية للرواية "البوكر العربية" للعام الجاري، أن يتوقف عند الطريقة البديعة التي رسم بها أسلوب السجين عزيز في تزجية الوقت في حفرته التي يقبع فيها في سجن القصبة، وكيف تمر عليه الأشهر والسنوات وهو يحاول أن يتحاشى لدغة تلك العقرب التي تتجول قرب جسده المتهالك، أو كيف يصرف الساعات الطويلة والأيام والليالي في عدّ قطرات المطر التي تتساقط من سقف زنزانته في الشتاء، أو في عد نبضات أصبع قدمه المنتفخة قيحاً وألماً بسبب عضة فأر، تفاصيل دقيقة وبارعة نجحت في التعبير عن وضع سجين هيئت له أسباب الموت، وترك ليتآكل جسده، في ذلك العالم ينسى أنه كان بشراً أو أنه يمكن أن يرجع إنساناً طبيعياً في يوم ما، ويتضاءل تفكيره حتى يصبح في حدود تفكير عقرب لا تريد سوى الانتقال درجة أعلى في ثقوب جدار متهرئ .
نكتشف بعد ذلك أن عزيز كان في حياته الأولى طياراً شاباً دفعه الانبهار بشخصية قائده الكولونيل إلى المشاركة في الانقلاب الفاشل الذي قاده ذلك الكولونيل، وكانت النتيجة أن أودع الانقلابيون السجن، لكي يموتوا بتلك الطريقة التي كان ينبغي أن يموت بها عزيز، لكن الرواية بدل التركيز على الانقلاب ومعاناة أصحابه تنصرف إلى متابعة رحلة البحث التي تقوم بها زينة زوجة عزيز بعد عشرين عاماً من اختفائه، وعن طريق تقنية تعدد الأصوات يقدم لنا الكاتب تفاصيل حياة عزيز وزينة، وجانباً من واقع السجن والسجانين الذين لا همّ لهم سوى انتظار أن تنفق روح السجين كما تنفق الشاة العجفاء في صيف مجدب، بعد أن منعوا عنه الأكل والشرب، لكي يحفروا له حفرة ويرموه بين أكداس العظام الأخرى .
يبدو يوسف فاضل كاتباً متمرساً بأدوات الرواية خاصة من ناحية مستويات اللغة والقدرة على صناعة مشهدية ذات دلالة عميقة من خلال الوصف، لكنّ الرواية وقعت في مشكلة بنيوية، فهي في قالبها الزمني تبدأ برحلة زينة وتنتهي مع نهاية الرحلة، وتتخللها عمليات استرجاع لتاريخ الشخصيات والأحداث، وهذا الإطار يفرض أن تروى الأحداث من طرف زينة وبالتوازي مع مراحل بحثها، لكن الكاتب لجأ إلى تقنية تعدد الأصوات، مما يفقد القارئ الإحساس بالتقدم ويصيب النص بالسكون، كما أن أنسنة الكاتب لشخصية "الكلبة"، حيث جعلها تفكر وتقوم بعملية تنفس اصطناعي للسجين لإنقاذه، وتروي بعض الأحداث، وتحفر عن السجين بعد دفنه وتخرجه وتعيده إلى زنزانته، وكأنها إنسان عادي، من دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك، أو يوحي بأنه خيال أو حلم أو تصور وهمي لدى إحدى الشخصيات، هذه الأنسنة أفقدت الرواية في بعض فقراتها الصدق الفني المطلوب، وأوقعتها في تداخل عوالم متناقضة من دون تبرير .
dah_tah@yahoo.fr
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/cdc9c1e0-0b72-4c3e-b5a2-33cd260b72c0#sthash.syV8d34o.dpuf