بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 4 يونيو 2010

استقالة مرفوضة


تخل مرفوض
آخر تحديث:الجمعة ,14/05/2010
محمد ولد محمد سالم
لا شيء يقتل الكاتب مثل تركه للكتابة، ومن المؤسف أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة بشكل كبير في أيامنا هذه، فلا يكاد يظهر قلم مبدع وكاتب جاد حتى يختفي بأسرع من ظهوره، فيحرم نفسه من خدمة ثقافته ويحرم أمته من التمتع بقلمه الجميل وتجربته الأصيلة .
كان عبدالرحمن شكري (1886- 1958) شاعرًا فذاً وناقداً بصيراً، فإلى جانب ثقافته العربية الأصيلة، ومعرفته العميقة بتاريخ الشعر العربي رفدته معرفته بالإنجليزية واطلاعه على الأدب الإنجليزي بعناصر شعرية جديدة ورؤى نقدية ثاقبة، لكن انسحابه السريع من الساحة الأدبية بعد الخصومة التي نشأت بينه وبين إبراهيم عبدالقادر المازني، أمات سمعته وترك الساحة لزميليه في حركة الديوان المازني وعباس محمود العقاد، رغم أنهما باعترافهما كانا تلميذين له في مذهبهما الأدبي .
وقبل شكري بقرون كان أبو ذؤيب الهذلي ت27 هجرية، شاعراً فذاً عاش في الجاهلية والإسلام، لكنه لم يشتهر شهرة غيره من الشعراء المخضرمين مثل لبيد بن ربيعة العامري أو كعب بن زهير المزني أو حسان بن ثابت الأنصاري، رغم أنه كان شاعراً مجيداً تشهد له بذلك عينيته . حيث بلغ فيها من جمال التصوير وقوة السبك وعمق التجربة وصادق الحكمة مبلغاً لم يبلغه أحد من جيله، ومع ذلك لم يشتهر شهرتهم لقلة شعره وانزوائه عن الناس في باديته .
ومن هنا فإن أكبر جناية يجنيها الأديب أو الكاتب على نفسه أو أدبه، أن يتخلّى عن الكتابة، فيحكم على نفسه بالموت وهو حي، وهذا للأسف هو حال كثير من الكتّاب في الوطن العربي، يبدأ الواحد منهم بداية قوية، ثم لا يلبث أن يترك الكتابة وينشغل بأعمال أخرى، قد تكون وظائف إدارية خارج نطاق الكتابة يمنحها كل وقته، وفي بعض الحالات وبمجرد أن يحصل هذا الكاتب على وظيفة مرموقة نجده يهجر الكتابة، وكأنما كان يسعى من ورائها إلى مثل ذلك المنصب، أليس في هذا السلوك نوع من الخيانة لتلك المهنة الجميلة؟
صحيح أن بعض المهام والمسؤوليات قد لا تترك لصاحبها وقتاً كافياً للكتابة، وصحيح أن الكاتب المسرحي الكبير توفيق الحكيم عانى كما يروي في سيرته الذاتية من مشاغل وظيفته حين كان نائباً في المحاكم، فقد كانت تبعده عن الكتابة وتشغل الكثير من وقته، ولم يهنأ له بال حتى استقال من تلك الوظيفة لينذر نفسه للكتابة نهائياً، وقد عانى الروائي الفذ نجيب محفوظ من الوضع نفسه حيث استحوذت ملفات دائرة الأوقاف التي كان يعمل فيها ساعات طويلة من يومه، وأخذت عليه جلّ وقته حتى تقاعد منها .
فواجب على كل أديب أو كاتب يقرأ سير هؤلاء ويحرص على قلمه، أن يكون مصباحاً ينير للسالكين عتمة الطريق وأن يضحي في سبيل بقاء تلك الشعلة متقدة حتى النهاية، وهو واجب يتأكد في ظرفنا الحاضر خدمة للثقافة العربية وأدبها من أن تستبد بهما أقلام صغيرة ومواهب ضعيفة، لهذا نقول لأصحاب الأقلام البديعة الأحياء الذين تخلّوا عن الكتابة أو ينوون التخلي عنها، إن استقالتهم مرفوضة .
dah_tah@yahoo.fr

اهتمامات الرواية العربية المعاصرة


فازت بجائزة البوكر العربية
3 روايات تحمل هموماً كبيرة
آخر تحديث:السبت ,22/05/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

يمكن اتخاذ الروايات الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية في دوراتها الثلاث وهي: “واحة الغروب” لبهاء طاهر 2008 و”عزازيل” ليوسف زيدان ،2009 و”ترمي بشرر” لعبده خال 2010 معياراً لرصد اهتمامات الرواية العربية المعاصرة، وعلاقة تلك الاهتمامات بواقع المجتمع الذي أنتجت فيه وله تلك الروايات، فهي بحكم القيمة التي حظيت بها تصلح لتكون مؤشراً لمشاغل الرواية العربية في حوارها مع الواقع، وأول ملاحظة يخرج بها قارئ تلك الروايات هي أنها جميعاً تدين الظلم والاضطهاد كل واحدة بالتركيز على جانب من جوانبه، وتلقي تلك الجوانب الضوء على أهم القضايا المطروحة في المجتمع العربي أو التي تؤرق الإنسان العربي في الوقت الراهن .
تدور أحداث رواية “واحة الغروب” في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتتناول ظاهرة “الاستعمار” في أهم جوانبها وهو القهر النفسي الذي يحدثه المستعمر في نفوس من يستعمرهم، حين تصطرع الضغائن في أنفسهم وتتوالى عليهم الضغوط المادية والمعنوية، ويحبسهم الخوف من العقاب الأليم من التعبير عن الثورة أو الرفض أو حتى إبداء وجهة نظر ولو بسيطة في واقعهم، فيعيشون مع هواجسهم ومكبوتاتهم ويلجئهم ذلك في النهاية إلى اتخاذ قرار عبثي قد يصل إلى حد الانتحار، تلك هي حال المأمور محمود عبد الغفور الذي كتب عليه أن يغادر القاهرة التي عاش فيها كل سني حياته إلى واحة “سيوه” النائية في الصحراء المصرية، ليكون مأموراً عليها مكلفاً بجباية الضرائب من سكانها الفقراء، ولم يكن محمود متحمساً لهذه المهمة، خصوصاً أن تعيينه كان عقاباً له على مساندته لثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز وإن كان في الواقعٍ هو لم يساند عملياً تلك الانتفاضة، بل كانت تلك تهمة لم تبرئه منها شهادته ضد من قادوا تلك الانتفاضة .
لم تكن حياة محمود لتؤدي به إلى الثورة أو إلى الانتفاضة ضد الإنجليز، فهو تربى لاهياً لا هم له سوى الإقبال على الملذات وإشباع الرغبات، لكن إفلاس تجارة والده المفاجئ دفع به إلى أن ينخرط في سلك الشرطة، وتشاء الصدف أن يكون حاضراً في الميدان الكبير الذي شهد ثورة عرابي وأصحابه ومطالبتهم بعزل الخديوي والتصدي للإنجليز الذين كانوا بدأوا حملتهم لاحتلال مصر، وقد أثرت في نفسه تلك الخطب الوطنية والمواقف الشجاعة لقادة الثورة والوطنيين الذين أسهموا فيها، وستبقى تلك المواقف البطولية ماثلة في نفسه تؤرقه لتكون شاهداً على مذلته حين خان أولئك الرجال وشهد ضدهم، وتكون كذلك عامل كراهة متجذرة للإنجليز، وظلمهم يتجدد ويزداد كلما وقع عليه شيء من ظلمهم، بدءاً باتهامه بالتآمر ضد الإنجليز والتحقيق معه وإرغامه على الشهادة ضد الوطنيين ثم إرساله إلى واحة “الموت” التي إن نجا المسافر إليها من الموت في الصحراء، فقد لا ينجو من القتل على يد أهلها الذين تعودوا قتل المأمورين الذين يسومونهم الظلم، ويبتزونهم رغم ما يعانونه من بؤس مزمن، ثم رسائل الإدارة المتكررة له بأن يعجل بمحصول الضرائب، ثم رجل المخابرات الذي بعث به الإنجليز ليعمل تحت إمرته ويكون في الوقت ذاته رقيباً عليه، وما قام به ذلك الرجل من مكائد ضد المأمور، كتأليب أهل الواحة عليه وإرسال برقيات ضده إلى رؤسائه، كل تلك المسائل إلى جانب العلاقة المتوترة مع أهل الواحة الذين لا يرتاحون للمأمورين .
ومما يزيد الأمور سوءاً الزيارات المتكررة التي تقوم بها زوجته الإيرلندية التي تبحث في الآثار لمعبدهم بحثاً عن قبر الإسكندر الأكبر الذي افترضت أنه مدفون هناك، ورغم أنها تشترك مع محمود في العداء للإنجليز الذين يحتلون بلادها، فإن بحثها المضني عن قبر الإسكندر وإصرارها على وجوده هناك سيؤدي إلى تدهور العلاقة بينهما، ويستشعر فيه محمود نوعاً من البحث عن أمجاد الماضي الأوروبي واعتزاز باحتلال قديم لبلاده، وكان أهل القرية يرتابون في زيارة تلك المرأة لمعبدهم ويعتقدون أنها تعمل سحراً لهم، وأنها تبحث عن كنزهم المدفون هناك والذي سيستخرجونه يوماً ما حين يؤذن لهم بذلك، فأخذوا يتربصون بها وبالمأمور، وزاده أيضاً أن تعليمات الإدارة الاستعمارية تقضي بأن لا يتدخل في شؤون الواحة الداخلية ويكتفي بجني الضرائب فقط، فلم يستطع أن يرد الظلم عن المظلومين أو يقيم العدل بين أهلها، وألجأته كل تلك العوامل إلى أن يفجر ذلك المعبد ويموت بحجارته، انتقاماً من زوجته ومن أهل الواحة ومن رجل المخابرات رمز المستعمر، وتخلصاً لنفسه من ذلك الذل الذي أرقه .
وهذه الاستعادة التاريخية تصلح لقياسها على الواقع الذي يعيشه كثير من بلدان الوطن العربي، فالاستعمار ما زال رابضاً على أرضه، يسوم أبناءه سوء العذاب والهيمنة الغربية ما تزال تذل الكثيرين والضغوط النفسية المتولدة عنها جلية .
ويبقى أن ما قام به محمود في النهاية حتى وإن كان يبدو عملاً عبثياً إلا أنه في بعده الرمزي هو تعبير عن رفض للهيمنة والقهر، وتكفير عن خيانة قديمة قام بها حين أرغم على الشهادة ضد الوطنيين، وبذلك فإن الرواية تؤسس لمبدأ مقاومة الظلم وتجعل ما سواه غلطة سيظل صاحبها يدفع ثمنها .
أما رواية “عزازيل” فتدور أحداثها في منتصف القرن الخامس الميلادي، وتروي مشاهد من حياة راهب مصري عاش في عصر مضطرب، شهد فيه وهو فتى صغير مقتل أبيه الوثني على يد مجموعة من أتباع المسيحية التي كانت يومها آخذة في الانتشار في مصر، ثم شهد أيضاً قتل الفيلسوفة هيبتا التي كانت تحمل أفكاراً تنويرية تأثر بها وهو شاب حين كان يتابع محاضراتها في الاسكندرية، كما تأثر بها الكثير من المسيحيين وكانت تلك الأفكار تشكل رؤية مستنيرة للمسيحية أثارت غضب الكنيسة الأرثوذوكسية فنكلت بأولئك “المهرطقين”، كما عاصر مقتل الراهب نسطور الذي كان من أتباع التنوير، وكان لقي نسطور عند زيارته إلى القدس وهو يومئذ يقيم فيها .
كل تلك الأحداث والتنكيل الذي عاش الراهب مشاهده فترة طويلة من حياته، أورثه قلقاً دائماً وزعزع إيمانه، وجعل أفكاره وقناعاته الدينية مضطربة وأغرت به عزازيل “الشيطان” ليزين له الغواية والانسلاخ من الرهبنة، ليستعيد إنسانيته كبشر يعيش حياته بسيئاتها وحسناتها، ويزين له أن يدون مشاهد حياته لتكون عبرة لمن يأتي بعده، فيفعل .
إدانة
وتشكل هذه الرواية في أحد أبعادها إدانة للتشدد الديني والتضييق على المخالفين في المعتقد وتكفيرهم والتنكيل بهم، وهي دعوة صريحة إلى احترام الأديان والمعتقدات .
والتشدد هو أحد مدارات الصراعات في الوطن العربي اليوم، فهو موجود على مستوى الأديان والمذاهب والعقائد، وهو صراع عصف بالوطن العربي والعالم في العقود الأخيرة وزعزع أركانه في أماكن كثيرة، وأدى إلى مآس غائرة .
وأما رواية “ترمي بشرر . .” فتعالج الفساد الاجتماعي والسياسي في المجتمع العربي واستغلال الأغنياء للفقراء إلى حد الاستعباد، وسلب المستغَل كل قيمة إنسانية، ورميه في بحر الدناءات، تروي القصة على لسان بطلها “طارق” حكاية حي فقير قذر يسكنه الصيادون يفاجأ أهله بتشييد قصر كبير بجانبه، ويشاهد أبناء الحي كل ليلة الأنوار الباهرة المنبعثة منه والسيارات الفخمة الكثيرة التي تدخله، فتشرئب نفوسهم له ويصبح دخوله حلم كل واحد منهم، ثم يتحقق ذلك الحلم فيدخلون إليه واحداً واحداً، ليرغموا على ممارسة المهن القذرة والرذائل الخبيثة، التي لم يكونوا يتصورون أنهم سيمارسونها، ويعيشون في سجن كبير لا يستطيعون الخلاص منه لأن يد صاحبه ستصلهم أينما ذهبوا، فسلطته تتجاوز كل الأعراف والقوانين، وقد أصبح بقوة المال أحد صناع السياسة يسخرها لمصلحته الخاصة، وقد شاهد أولئك المساكين أساليب سيدهم المنكرة في التنكيل بمن يخالفه، وعاشوا جحيم ذلك السجن ودناءة تلك المهن عبيداً كأسوأ ما تكون العبودية، محطمة نفوسهم، مسلوبة إرادتهم، مستسلمين إلى مصائرهم كالبهائم، وأصبح حلم النعيم الذي حلموا به خطأ حياتهم الذي لا يغفرونه لأنفسهم، وقد أسلمهم هذا الحال إلى الجنون أو الهروب والاختفاء إلى الأبد أو الاستسلام والانخذال التام .
وبذلك تكشف رواية “ترمي بشرر” عن فساد القيم وانحلال المجتمع وتحكم المادة في نفوس الناس بشكل يفوق التصور، ويصاب القارئ بالدوار وهو يتابع صفحات الرواية لشدة غرابة ما يمكن أن تصل إليه النفس البشرية من الشر حين تمتلك القوة وتتحرر من كل قيمة، ولا يبقى لديها سوى قيمة واحدة هي حب الذات وحب إشباع الرغبات .
تلك هي صورة المجتمع التي ترسمها لنا هذه الرواية، ورغم المبالغة الكبيرة التي اتسمت بها والسوداوية التي غلفتها، فإنها عالجت مظاهر حقيقية في الواقع الذي نعيشه اليوم من تحكم المادة وهجوم الرأسمالية .
من خلال هذا الاستعراض الموجز لأجواء الروايات والمنظور العام لكل منها، يمكن القول إنها كانت مهمومة بالقضايا الكبرى التي تؤرق المجتمع العربي، وهي الاستعمار والصراع الديني والقهر الاجتماعي، فقد فككت المجتمع وأعادت تركيبه من منظورات تكشف الخلل وتنذر بالمصائر الفاجعة التي يمكن أن تكون إذا لم تتحرك أيدي الإصلاح إلى رأب ذلك الخلل وتوجيه دفة المجتمع توجيهاً مبرمجاً على مبادئ وقيم واضحة وصحيحة، وتلك هي الغاية القصوى للرواية، أن تنذر وتحرك الراكد في النفوس وتبعث الأمل، والتزام تلك الروايات الرائدة بهذه المهمة يعني أن الرواية العربية بخير، وأنها على الطريق الصحيح .
الخليج الثقافي

أفق
جزر الثقافة العربية
آخر تحديث:الاثنين ,24/05/2010
محمد ولد محمد سالم
يستغرب المطلع على تاريخ الثقافة العربية في مطلع القرن العشرين كيف كان مثقفو وأدباء تلك الحقبة على اتصال وثيق، وكيف كانت الأفكار سيّارة بينهم، يبنون نفس النهج الفكري والمذهب الأدبي على بعد الشقة بينهم، رغم انعدام المواصلات والاتصالات إلا من رسائل البريد التي تأخذ وقتاً، ومع ذلك كانت بينهم حوارات ونقاشات مثمرة، ظهرت في تلك الفترة في مجلاتهم وكتبهم، فهذا هو ميخائيل نعيمة يصدر من نيويورك سنة 1927 كتابه النقدي “الغربال”، يتناول فيه بالتزكية كتاب الديوان الذي ألفّه في مصر سنة 1921 العقاد والمازني، وفي المقابل كان العقاد هو من كتب مقدمة “الغربال” الذي صيغت “عباراته في نيويورك تحت سماء القارة الأمريكية ثم تكتب مقدمته في أسوان تحت سماء القارة الإفريقية” كما جاء في المقدمة .
ومن نماذج هذا التواصل أن جبران كان ينشر من أمريكا مقالاته الأدبية وأقاصيصه في مجلات مصرية منها “الهلال” و”الزهور”، وكان له سجال نقدي مع بعض كتاب مصر، فقد انتقد لطفي المنفلوطي قصة جبران “وردة الهاني” في جريدة المؤيد ،1921 فرد عليه جبران في جريدة “المهاجر”، ومن نماذج هذا الاتصال أن الشابي كان يقرأ من تونس المجلات والكتب المصرية ويراسل زكي أبي شادي رئيس تحرير مجلة أبولو الذي كان معجباً بأشعار وآراء الشابي ونشر بعضا من إنتاجه في مجلته .
وفي منتصف القرن العشرين كان هذا التواصل ما يزال حيا، فنرى روّاد حركة الشعر الحر في العراق يكتبون أشعارهم وآراءهم النقدية في مجلات بيروتية كانت تشهد آنذاك حواراً نقدياً وفكرياً بين كتاب من مختلف بلدان الوطن العربي .
ومع ثورة الاتصال وانتشار وسائل سريعة لنقل المعلومة وانفتاح كل زاوية من زوايا الوطن العربي على العالم، نجد أن التواصل الثقافي والحوار الفكري والأدبي بين المثقفين في مختلف هذه الأقطار ظل يتقلص حتى وصل إلى حال يمكن الحكم عليه فيها أنه معدوم، وهي حالة محيرة لأنها تخالف منطق الواقع المفتوح، كما كان التواصل قديما محيرا لأنه يخالف منطق واقع مغلق .
ربما لا نجد عناء في الإجابة عن الإشكالية بأن تشعب الثقافة وانتشار الصحف والمجلات ودور النشر في كل قطر، يجعل المثقف مشغولا بالحركة المحلية منهمكا في متابعتها والتفاعل معها، مما لا يدع له فرصة للاطلاع على ما هو خارج عنها .
لكن ألم يكن من اللازم وجود مؤسسة ثقافية جامعة تلم شتات هذه “الجزر” الثقافية وتمد قنوات كل منها لتصب جميعاً في نهر واحد . . ألا ينبغي أن توجد أكاديمية للثقافة العربية أو الأدب العربي، تطلع على أهم ما يجري في كل ساحة وتصفي ما هو مميز منه وتبرزه ليطلع عليه الآخرون؟
إن مثل هذه المؤسسة ضرورة من ضرورات الحياة العربية اليوم، إن أردنا أن نتحدث عن “ثقافة عربية واحدة”، وإلا فإن مثل هذا الحديث لن يعود له معنى في المستقبل .
dah_tah@yahoo.fr

أفق
هذا ما يحتاج إليه المشاهد
آخر تحديث:الأحد ,30/05/2010
محمد ولد محمد سالم
ثقافة الحوار الحر العميق تكاد تكون غائبة في الإعلام العربي، وإن وجدت فكثيراً ما تكون بطرق مشوهة وحول موضوعات افتعالية وهامشية لا ترضي ذوق المتلقي ولا تشبع نهمه للمعرفة الحرة ولا تنمي لديه مهارات الحوار والنقاش وملكات تمييز الرأي، ولا تعزز معرفته بهويته وانحيازه الدائم لهذه الهوية، هذا ما يتبادر إلى ذهن كل منا عندما تدفعه المصادفة أو البحث عن جديد مغاير لمشاهدة أحد البرامج الحوارية على إحدى القنوات التلفزيونية العربية، ومع هذه القتامة فقد يصادف المرء في بعض المرات طرحاً حقيقياً، يرضي جانبًا من هذا العطش الدفين في نفسه .
وقد بثت إحدى القنوات الفضائية الإماراتية مؤخراً ندوة حول التعليم والهوية في البلاد العربية، يمكن القول إن فيها طرحاً حقيقياً لقضايا أساسية للأمة . فقد بين المشاركون في الندوة مظاهر أزمة الهوية في الوطن العربي وعدم فاعلية التعليم في تأكيد الهوية وأسباب ذلك، ومن أهم المظاهر التي أجمعوا عليها، ضعف اللغة العربية وتراجعها في التعليم بجميع مستوياته لتفسح المجال للغات الأجنبية، وضعف مهارات التفكير لدى الطلاب الجامعيين وانعدام معارفهم حول هويتهم وتاريخهم، والاعتداد باللغة الأجنبية والنظر إليها على أنها هي القادرة على التعبير عن علوم العصر وتقنياته .
وحول أسباب الظاهرة جرى تحديد جملة من الأسباب، يمكن تلخيصها في ثلاثة عناوين رئيسية، غياب رؤية استراتيجية تستخدم التنمية لمصلحة تعزيز الهوية واعتداد الفرد بنفسه ووطنه وأمته، وغياب الحريات الأساسية للفرد في أغلب البلدان العربية، والسعي الأجنبي الدؤوب لإحكام سيطرته على الوطن العربي خدمة لمصالحه الاقتصادية ومخططاته للمنطقة .
وعن طرق الخروج من هذه الأزمة انصبت الآراء على ضرورة تعزيز حضور اللغة العربية في التعليم وإعطائها الأولوية خصوصاً في المراحل التأسيسية وضرب مثل بعدد كبير من البلدان التي استطاعت أن تجعل لغتها هي لغة الدراسة الأساسية في التعليم ولم يؤثر ذلك في تنميتها بل زاد قوتها الاقتصادية كاليابان والصين وألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول، وأقرب مثال وأوضحه هو “إسرائيل” التي استخرجت لغتها العبرية من صفحات الكتب الميتة وجعلتها لغة الدولة الرسمية والتدريس والإعلام وفرضتها على شتات المهاجرين اليهود إليها .
ومن مظاهر الاعتزاز باللغة الوطنية أن فرنسا تحرم في عناوين المحلات التجارية أن تكتب بلغة غير الفرنسية إلا إذا لم يكن للكلمة الأجنبية مرادف بالفرنسية .
الملاحظات الأولية التي يمكن أن يخرج بها مشاهد تلك الحلقة أنها استهدفت طرح قضية هي في الصميم من قضايا الأمة بل هي قضية القضايا بالنسبة لها، ولم يكن ما يطرحه فقاعة أو قضية افتعالية مما تعج به القنوات العربية، وكذلك فإن المعالجة كانت في مستوى القضية، وبقدر كبير من الجرأة والحرية في الطرح، وبعيدة عن المواربة .
إن المجتمع العربي بحاجة إلى مثل هذه البرامج التي تغوص في العمق وتلمس الوجع وأسبابه، وتعزز الوعي لدى المشاهد بثقافة الطرح الصريح السليم الهادف إلى إنشاء وعي وطني وقومي عام.
أفق
في أهمية مؤتمر المدونين العرب آخر تحديث:الجمعة ,04/06/2010


محمد ولد محمد سالم

لم تزل دولة الإمارات العربية المتحدة تؤكد دورها الريادي في العمل الثقافي العربي، وسعيها الدائم لخلق فضاء مشترك للعطاء الثقافي العربي يجمع شتات المهتمين في كل مجال من مجالات الثقافة في مؤتمر أو ندوة، وآخر المبادرات الثقافية الإماراتية كان إعلان دائرة الثقافة والإعلام في عجمان عن تنظيم “المؤتمر الأول للمدونين العرب” بالتعاون مع هيئة اتحادية هي الهيئة العامة للمعلومات، وبدعم من مؤسسة ذات نفع عام هي هيئة أبوظبي للثقافة والفنون، وتحت مظلة الجامعة العربية، والذي سيعقد يومي 8 و9 من الشهر الجاري . المؤتمر يلبي حاجة ماسة لدى قطاعات عريضة من المدونين والمهتمين بالتدوين العربي لإيجاد أرضية مشتركة للعمل، ولوضع “ميثاق شرف” لهذه المهنة التي انتقلت من مرحلة الهواية إلى مرحلة الاحتراف لدى الكثير من ممارسيها، والتي يتسع نطاقها بسرعة كبيرة بين أوساط أبناء اللغة العربية، فحسب إحصاءات التقرير الثالث للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان الصادر في 2009 بلغ عدد مستخدمي الإنترنت العرب 60 مليون مستخدم وعدد المدونات العربية نحو 600 ألف، منها 150 ألف مدونة نشطة، وبلغ عدد مستخدمي فيسبوك وحده من العرب نحو 12 مليوناً، ونسبة مستخدمي الإنترنت في الإمارات العربية المتحدة 50 بالمائة من إجمالي السكان، وهي أعلى نسبة استخدام عربية، وتضع هذه النسب اللغة العربية في صدارة لغات النشر والتدوين الإلكتروني، فهي السابعة متقدمة على لغات كثيرة ومهمة في العالم .



تطرح هذه النسب إشكاليات كثيرة على المدونين والقراء، تتعلق بمعايير التدوين المقبول، ودوره في تأكيد القيم الثقافية والحضارية العربية والدفاع عن الهوية وتثقيف المواطن العربي وتعزيز الحريات العامة ومشاركة الفرد في الشأن العام الوطني والعربي، وفي الدفاع عن ثوابت الأمة .



كما تطرح إشكاليات لغوية تتعلق بلغة الكتابة التدوينية بين الفصحى والعامية ومدى وجاهة استخدام تعابير ومصطلحات أجنبية في هذه المدونات، ومدى الحاجة إلى إطار مؤسسي لغوي لدعم الكتابة التدوينية، وإلى أي مدى يمكن جعل المدونات إطاراً لتعزيز حضور اللغة العربية في تفاصيل حياة العرب، ومعقلاً من معاقل مواجهة هجمة اللغات الأجنبية على العربية؟



كل تلك الإشكاليات تظهر الضرورة الملحة لمثل هذا المؤتمر، وأهمية ما سيناقشه من قضايا، والدور الذي ستلعبه نتائجه في جعل تلك المدونات إطاراً ثقافياً عربياً خلاقاً منتجاً للمعرفة والإبداع .



ويؤكد المؤتمر أيضاً الدور السباق للمؤسسات الرسمية والأهلية الإماراتية في تعزيز استفادة الإنسان العربي من ثورة المعلومات وخدمات الإنترنت، ذلك الدور الذي ظهر مؤخراً من خلال مشاركة السعودية ومصر في الجهود الرامية إلى إطلاق نطاق عربي للإنترنت، تلك الجهود التي تكللت بإطلاق أول نطاق للإنترنت باللغة العربية والذي يعتبر أول نطاق بلغة أخرى غير الإنجليزية .



dah_tah@yahoo.fr

الرابط: http://www.alkhaleej.ae/portal/9e801ead-d003-4016-ad1f-762fe2a95ff4.aspx