بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

الفعل الحضاري للعرب

أفق
الفعل الحضاري للعرب
آخر تحديث:الثلاثاء ,04/10/2011
محمد ولد محمد سالم
من أين يبدأ الفعل الحضاري لأمة ما، بحيث يتجاوزها ذلك الفعل فتؤثر به في غيرها وتتخذ لأجله قدوة، يستلهمون منها أفعالهم، هل تحتاج أن تصل إلى آفاق بعيدة في التطور؟
عندما نشاهد الشعب الأمريكي ينزل إلى الشارع ويحتل شارع وول ستريت، ويرفع شعارات من قبيل “الشعب يطالب بإسقاط النظام المالي”، وعندما نشاهد قبل ذلك ساحات اليونان مملوءة بالمحتجين الذين يرفعون شعارات “الشعب يريد إسقاط الحكومة”، وفي السنغال يرفع شباب من المحتجين “الشباب يريد التغيير” . . عندما ترفع تلك الشعارات في جنوبي الكرة الأرضية وشماليها، وفي بلدان غير عربية وبعدما شاعت شعارات الثورات العربية، وأساليب احتجاجها، فإننا لا بد أن نتوقف عند مثل ذلك الحدث، فهو ليس حدثاً عابراً ولا مجرد تشابه في الشعارات، بل إن له دلالة قوية على مدى التأثير الذي لعبته تلك الثورات في الساحة الدولية والسمعة التي وصلت إليها، وقديماً أثرت الانتفاضة الفلسطينية بأطفالها وحجارتهم في شعوب العالم، فشاهدنا في بعض زوايا العالم أطفالاً بحجارتهم يحتجون على ظلم حكوماتهم .
لو دققنا النظر في مثل تلك الأفعال التي أصبحت تستلهم من قبل الآخرين فإننا يمكن أن نسميها أفعالاً حضارية لأنها انتقلت من صبغتها المحلية إلى صبغة عالمية، وبالتالي نقول إن الأمة العربية قادرة على التأثير الحضاري، وقادرة على المشاركة في بناء وتطوير الحضارة البشرية، وصياغة مفاهيمها، وشرط هذا الفعل الحضاري ليس شيئاً خارجاً عن المجتمع، ولا هو خارق للعادة والعقل، بل هو شرط بسيط قريب وهو الانطلاق من الذات، من القدرات الكامنة في الشعب أو الأمة وإنجاز فعل يتسم بالوحدة والإصرار على العمل والشجاعة قابل للتعميم .
ليست قضية التطور أو التأثير الحضاري لأمة من الأمم شيئاً آخر خارجاً عن قدراتها الذاتية، وليست مسألة انتظار لمستوى من التطور المادي والرفاه الاقتصادي حتى يسمعنا الآخرون، ولا استجلاباً لمظاهر حياة الأمم الأخرى واستزراعاً لها بتعسف في أرض لا تلائمها، ولكنها قضية فعل واع ينشد مستقبلاً أفضل وينطلق من عمق الأمة ويحمل مقوماتها وسماتها الخاصة . . فعل صريح وصادق يستجيب أيضاً لطبيعة النفس البشرية ويقبل التعميم عليها .
ما حدث من جاذبية لساحات الاحتجاج العربية يمكن أن يبنى عليه لإحداث تغييرات في واقع الاقتصاد والمجتمع والثقافة، ولصناعة “جاذبيات” أخرى في تلك المجالات، ويمكن أن يكون فاتحة لتغيير مزدوج، فمن ناحية سيعيد للعرب ثقتهم بأنفسهم وأنهم في مستوى جميع الشعوب، وقادرون على التأثير وما عليهم إلا البدء في هذه اللحظة ومن هنا، ومن ناحية أخرى سيسهم في تغيير الصورة النمطية التي تنظر بها بعض الشعوب للأمة العربية خاصة الشعوب الغربية التي تعتبر العرب متخلفين وغير قابلين للتطور، فكلما استطاع العرب ابتداع طرق لتطوير أدائهم الحضاري، كلما فرضوا أنفسهم واحترامهم على الآخرين .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج http://www.alkhaleej.ae/portal/e8527743-5dea-4e6e-8b87-b01914a61eac.aspx

في العمق من اهتمامات الإنسان

أفق
في العمق من اهتمامات الإنسان
آخر تحديث:الأربعاء ,12/10/2011
محمد ولد محمد سالم
تقدم بعض الكتابات التي تعنى بقضايا المثقفين العرب إدانة للمثقفين أنفسهم على مواقفهم المتعالية من شعوبهم حيث ينظرون إليها على أنها عامة ودهماء وجهّال، وتعتبر تلك الكتابات أن تلك النظرة علاوة على ما فيها من احتقار للإنسان وإنسانيته، قد أدت إلى جعل الخطاب الثقافي العربي خطاباً تجهيلياً لا يهدف إلى إحداث وعي ولا إلى تغيير وضع اجتماعي وفكري ما، بل إن غايته هي أن يبقى المثقف مثقفاً في عليائه، والدهماء دهماء في قاعها .
للتدليل على وجهة النظر هذه يقدم أصحاب هذا الرأي مقارنة ببعض المثقفين الغربيين الذين حملوا همّ مجتمعاتهم وعاشوا بعمق ذلك الهم في دمائهم، فأصبحوا لا يرون في اختراعات القرن العشرين وكل ما أحدثه من تكنولوجيا من أهمية سوى ما ما يعود منها على الإنسان بنتيجة مباشرة، وهي أمثلة جديرة بالتوقف عندها، لا مراء في ذلك، لأن همّ أي مثقف ينبغي أن يكون بالدرجة الأولى هو الإنسان، وهو ما يحقق فائدة للإنسان .
هناك ملاحظتان يمكن إبداؤهما على هذا الرأي، إحداهما أنه ينبغي أن نقيم فصلاً بين ممارسة المثقف في حياته الخاصة وبين ما يكتبه، صحيح أن قمة الأخلاق والصدق مع الذات ومع الآخرين هي أن تطابق الأفعال الأقوال، لكنه ما لم يحدث ذلك فإن ما يهم الناس هو خطاب المثقف الذي يبثه إليهم عبر كتاباته أو عبر أية وسيلة إيصال أخرى، فهذا هو الذي يؤثر فيهم وهو الذي ينتظر منه أن يعزز وعيهم ويعمق إحساسهم بإنسانيتهم، وثانيتهما أن هذا الرأي عمّم على كافة المثقفين العرب فسلبهم كل قيمة إنسانية وجعل خطابهم نوعا آخر من قمع الشعوب التي لا تحتاج إلى مزيد قمع، ويكفيها ما هي فيه، والواقع أن قطاعات كثيرة من المثقفين لا تعيش هذا الاستعلاء وقد نذرت نفسها لشعوبها وانغرست في تربة تلك الشعوب، وربما يكون الشعراء والكتاب أكثر من يمثل تلك القطاعات، وأقرب مثال على هؤلاء هو الكاتب الروائي خيري شلبي الذي رحل عنا في الأمس القريب، فهو أصدق من يمثل هذا النوع فقد عاش بقصصه الكثيرة مثل “السنيورة”، و”الأوباش”، و”الشطار”، و”الوتد”، و”فرعان من الصبار”، و”موال البيات والنوم”، و”ثلاثية الأمالى”، و”وكالة عطية”، في العمق من اهتمامات الإنسان، وذهب بعيداً في أغوار المجتمع ليستجلي نماذجه بتنوعها وتنوع حيواتها ومعاناتها، وليؤكد على الجوانب الإنسانية فيها، فرداً وجماعات، وفي رواية “الجوع” يرتفع الكاتب محمد البساطي بشكل باهر بنموذج تلك الأسرة الجائعة التي يتضور أفرادها جوعاً، ولا يجدون خبزة يأكلونها ومع ذلك يحس القارئ بسمو إنساني فريد لدى أولئك الأفراد فهم لا يتسخطون ولا يحقدون على الآخرين أو يحسدونهم، بل تسير بهم الحياة هادئة بسيطة، وقد طووا بطونهم على ألم مكبوت .
مثل تلك النماذج من المثقفين لا يمكن اعتبارها متعالية على المجتمع مجهّلة له، فهي تعمل في الصميم على تأصيل إدراكه بوجوده وقيمته الإنسانية ।
الخليج http://www.alkhaleej.ae/portal/72635231-9ce6-45ec-9154-2fcbf2057a0b.aspx

من أجل الشعر العربي

أفق
من أجل الشعر العربي
آخر تحديث:الأربعاء ,19/10/2011
محمد ولد محمد سالم
يأتي ملتقى “الشعر من أجل التعايش السلمي” الذي اختتم مساء أمس في دبي ونظمته مؤسسة جائزة عبد العزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري ليوفر مساحة حرة من الحوار بين ثقافات مختلفة ومتنوعة، وإمكانية للتواصل أو التفاهم بين تلك الثقافات، باعتبار أن الشعر هو أقدر الأنواع التعبيرية على إبراز جوهر الإنسان وقيمه المطلقة، تلك القيم التي يشترك فيها كل البشر، والتي بها يحققون معنى أخوتهم على وجه الأرض، كما يؤكد أيضا - من خلال وجود عدد كبير من الشعراء والمثقفين العرب- أن الثقافة العربية جسم واحد وكيان متكامل رغم كل الخلافات، ورغم أوجه الإحباط الكثيرة في حياتنا، وكما قالت الدكتورة رفيعة غباش في إحدى جلسات الملتقى “إذا كانت السياسة وأشياء أخرى كثيرة تفرقنا فإن الثقافة تجمعنا وتوحدنا، وإن علينا أن نركز عليها لبناء مستقبلنا المشترك” .
علاوة على تلك الميزات فإن الملتقى يؤكد التزام هذه المؤسسة الفريدة “مؤسسة جائزة عبد العزيز بن سعود البابطين للإبداع الشعري” بما قطعته على نفسها منذ أكثر من عقدين من الزمن من العمل من أجل الشعر العربي، باعتباره رمز الهوية وأسمى تعبير للجمال لدى الأمة، وقد كانت البداية من حب طافح لهذا الشعر ولعذوبته وجماله وإنسانيته ما حدا بصاحبه إلى التفكير في إقامة صرح له، وأهداه تفكيره إلى إنشاء هذه المؤسسة التي أصبحت من خلال كم كبير من الأنشطة راعية حقيقية للشعر في الوطن العربي، ويتذكر الكثيرون كمْ كان لمعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين عند ظهوره في تسعينات القرن الماضي من صدى حسن وواسع في الأوساط الثقافية العربية، فقد شكل ثبتا ببليوغرافيا لأهم الشعراء المعاصرين في كل الوطن العرب، وأصبح الباحثون والمثقفون يومها، وقبل انتشار الإنترنت، يمتلكون مادة شعرية شاملة توفر عليهم الكثير من جهد البحث .
ولم تكن الجائزة التي تأسست في القاهرة عام 1989 بأقل شأنا من المعجم، فعلى مدى اثنتي عشرة دورة شكّلت جائزة عبد العزيز بن سعود البابطين سندا قويا للمبدعين من الشعراء والنقاد العرب من خلال جوائزها الأربع التي تقدمها كل سنتين وهي: الجائزة التكريمية للإبداع في مجال الشعر، وجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر، وجائزة أفضل ديوان، وجائزة أفضل قصيدة، وكانت تصاحب كل دورة بحوث عن شاعر عربي أو جيل من أجيال الشعر العربي، ما زاد من قيمة الجائزة ووسع الفائدة منها، ولم يتوقف الأمر عند هذا فقط، فقد درجت الجائزة على تنظيم ملتقيات حول الشعر العربي في الوطن العربي وخارجه، تفعيلا لساحته وتعريفا به .
ما أجمل أن يحب المرء ثقافته ولغتها وأدبها وأن ينفق حر ماله في سبيلها، لا يسعى لمقصد ربحي، ومتى كانت الثقافة مربحة؟، وما أحوج الثقافة العربية إلى مثل أولئك المخلصين الذين يعطونها بلا حساب اعتزازا بها وإكراما لنبلها وسموها .
Dah_tah@yahoo.fr
الخليج http://www.alkhaleej.ae/portal/0d84b5a2-a879-497a-be67-63f2c961df4c.aspx

محترف كتابة

أفق
محترف كتابة
آخر تحديث:الأربعاء ,02/11/2011
محمد ولد محمد سالم
“محترف كتابة” هو الاسم الذي يطلقه مجلس الجائزة العربية للرواية العالمية على الورشة التي تنظمها سنوياً لمصلحة مجموعة من الكتّاب العرب الشباب بإشراف كاتبين عربيين متميزين .
تقوم الفكرة على جمع مجموعة من الكتّاب في ظروف مواتية للكتابة، بحيث يكونون متفرغين تماماً لأن يكتبوا مدة عشرة أيام ينجزون خلالها قصة قصيرة أو فصلاً من رواية حسب اختيار كل منهم، ويلتقي الكتّاب والمشرفون يومياً في جلستين صباحية ومسائية، يقرأ فيها كل واحد منهم ما أنجزه بين كل جلستين ويناقشه الآخرون ويبينون له مناطق القوة والضعف في ما كتبه، ويصوب المشرفان الآراء، ويطلب إلى الكاتب أن يراجع ما كتبه على ضوء ما قدم له من آراء .
تجربة هذا العام هي امتداد لتجربة العامين السابقين، وقد تميزت بجمعها مجموعة من الكتّاب الشباب من سبع دول عربية كلهم لهم تجربة في الكتابة الروائية أو القصصية وأغلبهم لهم كتب مشهورة ومعروفون في بلدانهم وربما خارجها، كما هو حال جوخة الحارثي، ومحمود الرحبي من عمان، ورشا الأطرش من لبنان، ومحسن سليمان من الإمارات، ما قد يعطي فكرة عن اتجاهات الكتابة الروائية في المستقبل، باعتبار أن أولئك الكتّاب يتوقع أن يكون لهم تأثير على الأقل في بلدانهم .
من ناحية أخرى فإن هذا التجمع أظهر أن لغة الكتابة الروائية هي لغة واحدة، والخيارات الأسلوبية خيارات متقاربة، وأن الكتابة الروائية العربية قطعت أشواطاً بعيدة من التقدم، كما أظهر أيضاً أن تنوع البيئات وتعدد الخلفيات مصدر غنى للعوالم الروائية والقصصية العربية، فتكتب فيه رشا الأطرش عن عالم المرأة العربية المعاصرة وإحباطاتها، وهي تنحدر نحو خريف العمر، ولا يبتعد محمود الرحبي عن تلك الأجواء من خلال أسطرة واقع الطفولة، في تلك القرى، ولا يبعد محسن سليمان عن أجواء الطفولة لكنه يربطها فيبحث في رؤية الأطفال النقدية إلى الغرباء الذين يدخلون الأرض ويسعون لأن يرسخوا فيها أقدامهم، ويبسطون عليها سلطتهم، أما علي غدير فيلتقط أجواء قرى كركوك وأحلام شبابها في العيش الرغيد في بغداد أواخر القرن الماضي، وبشيء من الفانتازيا تقرأ سارة الدريس من خلال الفنجان، التمايزات الطبقية في المجتمع الكويتي المعاصر، وفي عوالم متخيلة لمجتمع معاصر يجرّب البحريني وليد هاشم كتابة الرواية البوليسية، ومن موقف فتاة من الزواج تطل تقاليد المجتمع الموريتاني وموقع الفتاة فيها .
كل تلك العوالم تجمعت بشكل جميل لترسم خريطة مصغرة لعوالم المجتمعات العربية، وإمكاناتها الهائلة كمنبع لا ينضب للكتّاب العرب، تحمل من الجدة والإدهاش ما يجعل الاحتكاك بين أصحابه يشكل غنى لكل منهم .
كما أن الاحتكاك بكاتبين عربيين مبدعين لهما رسوخهما في عالم الكتابة الروائية هو أيضاً تجربة أخرى لها غناها الفريد، فقد كان ما قدمه أمير تاج السر ومنصورة عزالدين للمشاركين في الورشة من توجيهات وتصويبات مفيدا للمشاركين للوصول إلى حداثة روائية عربية هي في صلب الحداثة العالمية .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج
http://www.alkhaleej.ae/portal/7810e75c-9496-412f-a78f-d3778ffdf125.aspx

المثقف العربي في الصميم من حركة التغيير

المثقف العربي في الصميم من حركة التغيير
آخر تحديث:الأربعاء ,09/11/2011
الشارقة - محمد ولد محمد سالم:

أصبح الحراك الاجتماعي والحديث عنه مناسبة جيدة للوم المثقف العربي والشكوى من دوره السلبي وغيابه عن الإسهام في التحولات التي اجتاحت مناطق عدة من الأقطار العربية، بل عدائه لها في بعض الأحيان، وعقدت حول ذلك ندوات كثيرة شخصت أسباب تلك السلبية وأرجعتها تارة إلى نظرة الاستعلاء التي ينظر بها المثقف إلى الجماهير، فهم في نظره “رعاع” و”دهماء” و”جهّال” لا يصدر عنهم رأي سديد ولا موقف سليم، وتارة إلى تعلق هذا المثقف بالسلطة وارتمائه في أحضانها وتزلفه لها، ما جعله مدافعاً مستميتاً عنها، ومنظراً حاذقاً لاستمرار سيطرتها، وبوقاً مرتفعاً بالدعاء لها، وطوراً لا تسعف هذا المثقف القدرة الصحيحة على التحليل المنطقي والعلمي للواقع فيخطئ في تقديره لما يحدث ويدفعه ذلك لاتخاذ موقف سلبي، وفي أحيان أخرى يكون الخوف هو دافع المثقف إلى تلك السلبية واللامبالاة ।
وسط تلك التحليلات والتفسيرات لم نعثر على رأي يقر بأن للمثقفين دوراً في التغييرات الجارية، ويعترف لهم بحسنة ولو طفيفة في هذه التحولات والتحركات، فهل صحيح أن المثقف العربي متعال وسلبي وخائف إلى هذه الدرجة البائسة التي حرمته من أن يسهم ولو بنقير في ما حدث؟
يذكر محمد حسنين هيكل في أحد كتبه التي تؤرخ للثورة المصرية أن بعض قادة تلك الثورة كانوا قراء جيدين لكتب العقاد وطه حسين وروايات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغيرهم من الأدباء والمفكرين مما أسهم في صنع أفكارهم التغييرية وتحفيز هممهم للثورة، ويحفل تاريخ الثورة الفرنسية بأسماء كثيرة لمثقفين كانت كتاباتهم عاملاً حاسماً في تهيئة المناخ لتلك الثورة بما بثته من أفكار تغييرية حركت ووسعت مدارك الناس وحركت الجماهير للإطاحة بالحكم المستبد، وعلى رأس أولئك المثقفين يأتي فولتير (1694-1778) الذي كان داعية صريحا إلى التغيير ونبذ الاستبداد، ومونتسكيو (،1689 1755) الذي كتب “روح القوانين”، وجان جاك روسو (ت 1778) صاحب كتاب “العقد الاجتماعي” وفرانسوا كيناي (ت 1778) الذي كتب “المخطط الاقتصادي”، وغيرهم ممن هيأوا الأوضاع للتغيير السريع والعميق في فرنسا .
أين ذهبت قصائد شاعر مثل أمل دنقل ودعوته الشهيرة “لا تصالح” التي يقرأها طلاب المدارس في أغلب البلدان العربية وقصائد نزار قباني الجماهيرية التي تحولت إلى أغان لأشهر الفنانين العرب وانتشرت لدى الجماهير، وقصائد أجيال عديدة من الشعراء العرب الذين جاؤوا بعدهم والذين ما زال الكثير منهم يحمل راية تغيير الواقع، أين ذهبت كتب مفكرين حللوا الخطاب العربي المعاصر ونظروا لحركة الواقع وطرحوا أفكارهم في التغيير من أمثال محمد عابد الجابري، وهشام جعيط، وحسن حنفي، وحسين مروة واللائحة تطول، وأين ما تمور به الصحف والمجلات في كل يوم من أطروحات وآراء حول التغيير والاستبداد، والعدل والمساواة وحرية الرأي، أليس كل ذلك هو نتاج أقلام مثقفين أصحاب رأي حر شجاع .
ليست الثورة أو التغيير طفرة ولا ظاهرة منبتة عن الواقع تحدث فجأة ومن بدون مقدمات، وإنما هي الذروة في حركة طويلة المدى تسهم في صياغتها عوامل كثيرة وأعمال دؤوبة لأناس نذروا أنفسهم لذلك التغيير، وليست التغييرات في الوطن العربي حالة شاذة عن هذه الحقيقة التاريخية، فهي نتاج لكل تلك الأطروحات وللعمل السياسي الدؤوب لأجيال من السياسيين العرب الأحرار، مع ما استجد من تأثيرات العولمة والثورة الإلكترونية، ما فتّح وعي الجماهير على آراء النخبة المثقفة وحفزهم لاتخاذ زمام المبادرة .
لن يكون دور المثقف في أي تحول سياسي أو اجتماعي دور القائد الميداني الذي يحمل الراية وينزل للشارع، وإن كان ذلك مباحا له ومحمودا منه إن هو فعله، لكن دوره الأكبر هو بما يبثه من أفكار إصلاحية، ورأي حر ينشد العدل والمساواة وحقوق الإنسان وينبذ الظلم والجور، وما يسند به حركة الجماهير من مواقف توجيهية وآراء تحريضية، فهو ليس واجهة إعلامية ولا صورة توضع على الشاشة لاستقطاب الأتباع، لكنه صاحب الرأي المتأني الذي يستقر في الفكر وينغرس في الأنفس مجرداً عن صاحبه وعن اللحظة التاريخية إلى حالة إنسانية وقناعة فكرية لا تتزحزح، وربما لهذا الدور الخفي البعيد عن الأضواء اختلط على البعض الأمر فحسب أن المثقف العربي لم يقدم شيئاً ولم يسهم فيها، في الوقت الذي هو في الصميم منها ومنكوٍ بنارها ।
الخليج

مقالب أمير تاج السر

سيرة روائية” الصفة التي اختارها الكاتب السوداني أمير تاج السر لكتابه الجديد “قلم زينب” الصادر عن وزارة الثقافة في قطر، الذي يتعرض فيه بطريقة روائية لفترة من فترات عمله طبيباً في بلده السودان، ويوحي ذلك الوصف بأن الأحداث التي يرويها كلها واقعية، لكن طريقة رواية الأحداث ورسم الشخصيات تعطي انطباعاً بأن للخيال أيضاً دوراً في تلك السيرة، فهناك اشتغال على نمذجة الشخصيات، كما أن الكاتب لم يهتم بحياته الشخصية إلا في تماسها مع أحداث القصة التي يرويها لنا .
تتلخص حكاية “قلم زينب”، في أن الكاتب كان في بداية مشواره العملي قد افتتح عيادة صغيرة في حي شعبي فقير، وذلك لتساعده على مصروفاته التي لا يفي بها الراتب الحكومي، وهو يومئذ خريج يتدرب في مستشفى حكومي في أم درمان، وفي أيامه الأولى لافتتاح العيادة زاره شخص اسمه علي إدريس، ومن تلك الزيارة تبدأ ورطة الكاتب الطبيب، حيث يختفي علي إدريس لكنه يبدأ في حياكة سلسلة من الخدع يحتال بها على الطبيب وعلى أناس قريبين منه بدعوى أنه صديق حميم له، ويبدأ الطبيب في دوامة البحث عن ذلك الشخص مستعيناً بالشرطة، وبأحد أصدقائه العسكريين، وتمر أشهر لا تتوقف فيها المقالب، ثم يعثر الكاتب على علي إدريس ذاته في المستشفى الذي أدخل إليه للعلاج، هو ومجموعة من السجناء، وحين يبلغ عنه يكتشف أنه يقضي عقوبة سجن منذ خمس سنوات، أي قبل سلسلة الحوادث التي تعرض لها الكاتب بسنوات، ولا يجد دليلاً على أنه كان يخرج من السجن لتدبير خدعه .
متعة السرد في “قلم زينب” تأتي من التقنية التي اتبعها الكاتب في حكايته للأحداث، فهو يجمع تقنية الرواية البوليسية حيث البحث المستمر الذي يقوم رجل الشرطة أو يجريه الكاتب بمساعدة العسكري، والمفاجآت الكثيرة التي تحصل له أثناء ذلك، كاحتيال علي إدريس على قريبه ليأخذ منه مالاً بدعوى أن الطبيب يريده، واحتياله على الأسرة التي تقصد الحج، وسرقته لمولد الكهرباء للعيادة وغيرها كثير، ما يحفز ذهن القارئ ويشوقه للمتابعة، وأما التقنية الأخرى فهي استدعاء الكاتب عن قصد أو عن غير قصد لتقاليد الطرائف والنوادر العربية، ونموذج الشخصية المخادعة والشخصية المغفلة في تلك النوادر التي نصادفها كثيراً، فكأننا أمام شخصية عيسى بن هشام في مقامات بديع الزمان الهمذاني وهو يتجول في سوق بغداد يقتنص المغفلين ليحتال عليهم فيسلبهم ما عندهم، ويختفي .
يمكن أن نطلق على أسلوب أمير تاج السر في هذا الكتاب “أسلوب المقالب”، لكنه ليس المقالب التي تقدم لمجرد الضحك والهزء، فالكتاب يكشف الأحداث من خلال التي تجري في ذلك الحي الشعبي الفقير في أعماق المجتمع السوداني في أواخر القرن الماضي، وما يسود فيه من تناقضات وفساد، وفيه اشتغال محترف على نماذج إنسانية يرغم القارئ على التعاطف معها والإحساس بإنسانيتها رغم مظهرها المنفر ।
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/7cf07ca5-d351-4987-bec3-135759a694fd.aspx