بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 25 أبريل 2013

البوكر العربية نافذة الآخر على الأدب العربي


جائزة البوكر نافذة الآخرين على الأدب العربي آخر تحديث:الاثنين ,22/04/2013
 محمد ولد محمد سالم

تترقب الأوساط الأدبية والثقافية العربية هذه الأيام إعلان الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر العربية” خلال معرض أبوظبي للكتاب، الجائزة التي أصبحت على مدى ست سنوات متتالية أهم جائزة روائية عربية، ورغم الضجيج الكثير والنقد المبالغ فيه في بعض الأحيان والاتهامات الجزافية التي توجه إليها، فإنها استطاعت أن تتجاوز جوائز عريقة في هذا المجال، وقدمت للرواية والروائيين العرب سمعة ورواجاً سواء داخل الوطن العربي أو خارجه، فقد أوجدت شبه إجماع عليها رغم بعض النواقص التي قد تشوبها أحياناً، وأصبحت الروايات التي تصل إلى قوائمها الاثنتين الطويلة والقصيرة، تلقى اهتماماً من الناشرين وإقبالاً من القراء، وذاع صيت كتّاب عرب مخضرمين كان لهم تاريخهم الكتابي في بلدانهم، لكنهم لم يكونوا يجدون الفرصة لتجاوز تلك البلدان، كما ظهرت أسماء جديدة لم يكن لها أن تظهر وتتعرف إليها جماهير القراء العرب لولا هذه الجائزة، ومن ميزاتها أنها لا تنظر إلى تاريخ الكاتب ولا إلى سمعته، بل إلى الرواية نفسها، فهي مكافأة لأحسن رواية صادرة خلال العام نفسه الذي تقدم فيه .
تضم القائمة القصيرة لهذا العام ست روايات هي رواية “ساق البامبو” للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، وتحكي عن أزمة حياة شاب ولد من أب كويتي وأم فلبينية، يطرده الفقر والجوع من بلاد أمه ولا يجد الاعتراف في بلاد أبيه، ورواية “القندس” للسعودي محمد حسن علوان التي تحكي عن رجل يشعر باغتراب نحو المجتمع، ويجد صعوبة في التكيف مع عاداته وتقاليده فيعيش قسراً على هامشه، وفي رواية “مولانا” للمصري إبراهيم عيسى تطل علينا شخصية غير مألوفة للواعظ الذي يصبح نجماً للفضائيات بفعل روحه الخفيفة وأسلوبه الساخر، ومراوغته في الإجابة عن الأسئلة الفقهية والدينية لكل أطراف المجتمع، ورواية “سعادته السيد الوزير” للتونسي حسين الواد وتحكي عن مدرس يعين بشكل مفاجئ وزيراً، فيكشف حجم الفساد وتعقد الشبكات التي تتحكم فيه، ومع الوقت يصبح هو نفسه جزءاً من ذلك الفساد، ورواية “يا مريم” للعراقي سنان أنطون التي تدور في يوم واحد، عن شيخ وفتاة مسيحيين يعيشان في منزل واحد وينظران إلى واقع العراق نظرتين مختلفتين، فالرجل المسن عاش جزءاً من حياته في فترات تبرر تعلقه بالأمل رغم ما يحيط به من يأس ودمار، وأما الشابة الفتية فلم تر في حياتها القصيرة سوى الألم والموت والأحزان، ما يجعلها يائسة فاقدة لكل أمل في المستقبل، ورواية “أنا وهي والأخريات” للبنانية جني فواز الحسن تتحدث عن امرأة تبحث منذ طفولتها عن الفرحة والحرية والانطلاق، لكنها تجد نفسها في كل مرحلة من مراحل حياتها مكبلة بقيود المجتمع، وتكتشف أنها تسير على خطى حياة أمها المغلوبة على أمرها، والأنكى من ذلك أنها تتزوج من شاب معقد يضربها ويحاصر حياتها، ما يدفعها إلى الرذيلة ثم إلى محاولة الانتحار .

تأسست الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2007 بتمويل من مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي وفي إطار تعاون بينها وبين ومؤسسة بوكر البريطانية التي ترعى أهم جائزة روائية إنجليزية، وقد تولت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تمويلها منذ عام ،2012 وهي جائزة تهدف إلى مكافأة التميّز في الأدب العربي المعاصر، ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالمياً من خلال ترجمة الروايات الفائزة والروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسة أخرى ونشرها، وتمنح في جنس الرواية فقط، ويتم ترشيح ست روايات في القائمة القصيرة لتتنافس على الجائزة، وتمنح الرواية الفائزة خمسين ألف دولار . إضافة إلى عشرة آلاف دولار للروايات الست جميعاً، وشهد عام ،2008 أولى دورات الجائزة، وفازت بها حينها رواية واحة الغروب للروائي المصري بهاء طاهر التي نافست خمس روايات هي: “مديح الكراهية” لخليفة خليفة، و”مطر حزيران” لجبور دويهي و”تغريدة البجعة” لمكاوي سعيد و”أرض اليمبوس” لإلياس فركوح و”أنتعل الغبار وأمشي” لمي منسي، ثم شهدت الدورة الثانية 2009 منافسة شديدة بين كتّاب آخرين وفازت بها رواية “عزازيل” للمصري يوسف زيدان، وفي 2010 فازت بها رواية “ترمي بشرر” للسعودي عبده خال، وفي 2011 فازت بها روايتان هما “القوس والفراشة” للمغربي محمد الأشعري و”طوق الحمام” للسعودية رجاء عالم، وفي 2012 فازت بها رواية “دروز بلغراد” للّبناني ربيع جابر .

من أهم ما قدمته الجائزة للأدب العربي أنها عرفت به وبكتابه خارج الوطن العربي، فقد ضمن التعاون مع بوكر البريطانية أن ترجمت الروايات الفائزة والروايات التي وصلت إلى المراحل الأخيرة للجائزة إلى عشرين لغة عالمية من الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبوسنية والنرويجية والإندونيسية والصينية، فرواية “واحة الغروب” لبهاء طاهرترجمت إلى الإنجليزية وصدرت عن دار سبتر في خريف العام ،2009 ثم ترجمت إلى ثماني لغات أخرى، و”عزازيل” ليوسف زيدان ترجمت إلى الإنجليزية وصدرت عن دار أتلانتيك في العام ،2102 ثم ترجمت إلى ثلاث عشرة لغة غير الإنجليزية، ويجري العمل على ترجمة الروايات الأربع الأخرى الفائزة بالجائزة إلى لغات أجنيبة عدة وإصدارها عن دور نشر عالمية، وكذلك لقيت بعض الروايات التي وصلت إلى القوائم القصيرة في السنوات الماضية عقوداً للترجمة إلى لغات أجنبية عدة، وأصبح الكتاب المُترجَم لهم يدعون لحضور حفلات توقيع كتبهم ومهرجانات أدبية ومعارض في دول أجنبية عدة، ومن شأن ذلك كله أن يعرف بالأدب العربي، ويفرض وجوده في خريطة الأدب العالمي، ويقرب للآخر الصورة الحقيقية عن الإنسان والمجتمع العربي التي شوهت كثيراً خلال العقود الماضية، كما من شأنه أن يؤهل الأدباء العرب للفوز بالجوائز العالمية التي تقتضي أن يكون أدب الكاتب مترجماً إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية، كجائزة نوبل التي تشترط أن يكون أغلب إنتاج المترشح لها مترجماً إلى الإنجليزية .

لم تكن طريق جائزة البوكر العربية مفروشاً بالورود فقد صاحبتها منذ دورتها الأولى ضجة كبيرة، وسيل من الاتهامات تارة بالمحاباة وتارة بالانحياز الجهوي، وأخرى بالسعي لإقامة توازن مناطقي على حساب الفن، لكنّ كل تلك الاتهامات سقطت مع الوقت، ونجحت الجائزة في تكريس حضورها كجائزة أولى للرواية العربية، وقد ضمن لها ذلك التزام الجهة الممولة لها (وهي مؤسسة الإمارات للنفع الاجتماعي سابقاً، وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حالياً)، بعدم التدخل في مجريات التحكيم ومعاييره، وهو ما كان نادراً في الجوائز العربية السابقة التي تخضع في كثير من الأحيان لاعتبارات ذاتية لدى الجهة الممولة لها سواء من حيث المعايير المطروحة للتحكيم أو اختيار المحكمين أو اختيار الفائزين، فتفقد بذلك استقلاليتها ومصداقيتها، على أنه رغم ما تتمتع به الجائزة العالمية للرواية العربية من استقلالية ومن معايير عالية في اختيار لجان التحكيم، فإنها لم تخل من بعض الانتقادات كأن تصل روايات رديئة إلى القائمة القصيرة في الوقت الذي لا تدخل فيه روايات جيدة القوائم، ما يعني عدم وجود خطوط عريضة متفق عليها كمعيار لجودة الرواية، وهو انتقاد من المرجح أنه سيظل قائماً، لأنه من الصعب الاتفاق على مثل تلك الخطوط العريضة للرواية، في ظل التطور المستمر الذي يشهده هذا الجنس الأدبي والصعوبات النقدية المتعلقة بتحديد مقاييسه، وفي ظل غياب مرجعية نقدية وثقافية عربية تحدد ما الذي نعنيه ب”الرواية العربية”، عندما نطلق هذه التسمية، وسيبقى الأمر خاضعاً للمواقف الشخصية لأعضاء لجنة التحكيم الذين قد لا يكونون محايدين جميعاً، ومهما افترض فيهم من حياد، فإنهم عند الاختيار بين نصوص متقاربة سوف تختلف معاييرهم، ويعود كل منهم إلى نوازعه الذاتية، وهذه الملاحظة لا تختص بها هذه الجائزة وحدها، بل ربما تنسحب على كل الجوائز الأدبية العالمية، لأن أساس التذوق الجمالي في الأدبي ذاتي ثم يصير الناقد إلى تعليل ذوقه بمعايير موضوعية .

الخليج الثقافي:
 http://www.alkhaleej.ae/portal/ad384d20-ca0a-4571-b1e4-283b143996d6.aspx

ساق البامبو

أفق
"ساق البامبو"آخر تحديث:الجمعة ,05/04/2013
محمد ولد محمد سالم
“ساق البامبو” هي إحدى روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر العربية”، وهي من تأليف الكاتب الكويتي الشاب سعود السنعوسي الذي له تجارب روائية سابقة تنم عن معدن كاتب أصيل، وتُروى الأحداث على لسان “هوزيه” الذي يحكي عن مأساة حياته بين الفلبين وطن أمه الذي عاش فيه فترة من طفولته وبداية شبابه، وبين الكويت وطن أبيه الذي غادره وليداً وعاد إليه شاباً باحثاً عن اعتراف من أسرة أبيه التي أنكرته وضيقت عليه .

يولد “هوزيه” كما يدعوه أخواله أو “عيسى” كما سماه أبوه، من زواج بين الخادمة الفلبينية والابن الوحيد للأسرة التي تعمل عندها، والذي وجد في شغف الخادمة بالقصص والحكايات التي ترويها له في الليل وهو جالس على مكتبه يقرأ أو يكتب، حميمية إنسانية قربتها إلى نفسه وجعلته يحبها، ويتزوجها، وسط ذهول والدته وأخواته اللواتي كن يعددنه رجل الأسرة بعد أن توفي أبوه، ولم تستطع أمه تقبل أن يتزوج ابنها ذو الحسب والنسب من خادمة، فطردتهما، ليعيشا في حي آخر، وبعد أن يولد “عيسى”، يضطر الأب إلى ترحيله هو وأمه إلى الفلبين ريثما يصلح ما بينه وبين أمه ويهيئ لهما الظروف لعودتهما معززين، لكّن إقامتهما في الفلبين تطول ثم تنقطع أخبار الوالد عنهما في ظروف الاحتلال العراقي للكويت الذي سيأخذه أسيراً ليموت في العراق .

يتربى “هوزيه” في ظروف من الفقر المدقع وبين أفراد محطمين، وتحت رحمة جد معقد يسومه كل أصناف السخرة والإذلال، وحين يشب يتقلب بين أعمال زهيدة، ولا يفارقه حلم العودة إلى وطن أبيه، والعيش هناك، وهو ما يتحقق له في النهاية عن طريق صديق الوالد، لكنه لا يجد الاعتراف من جدته ولا عماته اللواتي يرين في وجوده خطراً على سمعة الأسرة، ومكانتها الاجتماعية، ويسعين بكل نفوذهن إلى محاصرته وتهديده لكي يخرج من البلاد، وفي النهاية يخرج ليعود خائباً إلى بلاد أمه ويستقر هناك .

لو اكتفى سعود السنعوسي بالقسم الأول من روايته الذي ينتهي بتسلم البطل جوازه الكويتي وتذكرة السفر، لكان قدم رواية رائعة، لكنه في القسم الثاني الذي انتقل فيه البطل إلى الكويت، فقدت أحداث القصة التماسك المنطقي والعمق التحليلي، وبدا أن الكاتب يريد بكل وسيلة أن يقدم مبررات عودة بطله مضطراً إلى الفلبين، رغم أنه في أثناء وجوده كوّن صداقات قوية كان يمكن أن تكون مساعداً له في بناء حياته الجديدة . لقد عطل المؤلف كل تلك الإمكانات في سبيل عودة البطل إلى المستنقع الذي خرج منه والذي يَعُدُّ العيش على هامش المجتمع الجديد أكرم له منه .


الاثنين، 15 أبريل 2013

نقاشات رواية "مولانا"





محمد ولد محمد سالم
تتناول رواية “مولانا” لإبراهيم عيسى التي وصلت إلى القائمة القصيرة في البوكر العربية 2013 حياة داعية ديني تلفزيوني، وكيف تتشابك علاقة ذلك الداعية مع مجتمع المال والدعاية التلفزيونية وترتبط بخيوط سرية بجهاز الأمن وبأعلى قمة الهرم في السلطة .

يعيش مولانا الشيخ حاتم شخصيتين، شخصية ظاهرة هي شخصية الداعية المفتي الذي يقدم للناس الرأي بناء على ما تقرر عند الفقهاء المتقدمين، ويسعى إلى إرضاء جهاز الأمن بحيث لا تثير فتاواه أية خلافات أو تشويش لدى الجمهور من شأنه أن يعكر صفو السلطة الحاكمة، وتؤمن له تلك الشخصية الثراء الذي يسعى وراءه بنهم لا يشبع، وهي شخصية قابلة للتشكل حسب الخطة الدعائية للبرنامج الذي يظهر فيه مولانا، والفئة العمرية التي يتوجه إليها، مما جعله شيخا معاصرا، أما الشخصية الثانية التي يعيشها الشيخ حاتم سرا فهي شخصية “الفقيه الحداثي” الذي يحمل آراء فقهية وعقائدية صادمة لا يستطيع أن يبديها إلا للخاصة لأنه لو باح بها علناً فسوف تثير الجمهور وتحرك جهاز الأمن، وتؤدي به إلى الهلاك .

لا تقدم رواية مولانا “حكاية” متكاملة من بدايتها إلى نهايتها، ولكنها تقدم مواقف ومناسبات مرتبطة بشخص “مولانا”، يختارها إبراهيم عادة للتمهيد للدخول في قضية من القضايا الفقهية والعقائدية قصد نقاشها وإبداء الرأي فيها، وتكون البداية بحلقة دينية نكتشف من خلالها قدرة الشيخ حاتم على التنقل بين الأوضاع المختلفة لشخصيته، فهو على الواجهة شيخ ملتزم وقور، وخلف الكواليس عابث وصانع نكات، وفي قرارته يتوق إلى إبراز آرائه الحقيقية، ثم ينقلنا الكاتب بعد ذلك إلى دعوة مسائية دعيت إليها وجوه من ساسة ورجال أعمال وضباط أمن وشيوخ دين، وحضرها الشيخ حاتم ليقوم نقاش بينه وبين أحد شيوخ العلم حول قضية أهل الذمة ووضع الأقباط في مصر، وبعد ذلك ينقلنا إلى قصر ابن الرئيس، وهناك يكلف الشيخ بمهمة إقناع الفتى حسن شقيق زوجة ابن الرئيس بالرجوع عن آرائه الفكرية، ليبدأ بينهما نقاش مستفيض يأتي على كل القضايا العقائدية والأخلاقية، وهكذا تبدو كل علاقات الشيخ حاتم موجهة لهذا الغرض، فهو يناقش مع القسيس القبطي قضايا الأقباط، ويبدي لنادر الفنان الكوميدي آراءه في الفن، وكذلك يفعل مع رجل الأعمال .

إبراهيم عيسى كاتب صحفي، لا مراء في قدراته اللغوية والأسلوبية، لكن المأزق الذي وقع فيه في رواية “مولانا” هو أنه أراد أن يحسم من خلال الرواية إشكاليات فقهية وعقائدية مطروحة في حاضر المجتمع المصري، ولم يتجه إلى الرواية بغرض كتابة رواية “حكاية” فجاء كتابه مجموعة من النقاشات الطويلة المملة للقارئ الباحث عن الحكاية المشوقة والبعد الإنساني في الرواية .


http://www.alkhaleej.ae/portal/db2ffc4b-bbcc-4b65-adbe-622f4bcccf30.aspx