بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 مارس 2012

العنصر الثقافي في الثورة التونسية

محمد ولد محمد سالم
من حسنات نظام الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة أنه ركز على تكوين العنصر البشري تركيزاً قل نظيره في الوطن العربي، حتى بعد أن أكدت نظريات التنمية في أواخر القرن العشرين مركزية العنصر البشري المثقف في التنمية، واشتراط نجاحها بوجود الكفاءة البشرية المؤهلة، كان بورقيبة يعي هذه الحقيقة ويعي أن تونس بمواردها الشحيحة ينبغي أن يكون العنصر البشري أكبر مورد لها، وهكذا وضع أسس نظام تعليمي قادر على تخريج الكفاءات البشرية المطلوبة، ولم ينصرم القرن الماضي حتى انتشر الخبراء التونسيون في البلدان العربية وأوروبا، وأصبحوا من أكثر الخبراء العرب والأفارقة حضورا في المنظمات الدولية .

ومع إقبال عصر تقنية المعلومات كانت تونس جاهزة لتلقي موجة الإنترنت ودخول العصر بخطى ثابتة، وقد أظهرت مؤتمرات المعلوماتية التي أقيمت فيها في السنوات الماضية هذا التوسع السريع في استخدام المعلوماتية، حتى وصلت نسبة استخدام الإنترنت إلى 25% من السكان، وهي نسبة كبيرة بالنظر إلى الوضع في البلدان العربية الأخرى، ومع قاعدة بشرية شابة متعلمة انخرط المجتمع التونسي في الشبكات الاجتماعية وأصبح التواصل عبرها وبث المعلومة وسيلة فعالة في ظل القبضة الأمنية والانسداد الإعلامي والسياسي الذي شهدته البلاد منذ عقود، وشهدنا خلال السنوات الماضية عبر الشبكات الاجتماعية وعبر شاشات الهواتف المحمولة هذا الصراع القوي بين قوانين صارمة ضيقة الأفق تريد تكميم الحرية وقتل الوعي، وبين وسائل تواصل عابرة للفضاء لا يمكن أن تحد بحدود، ولا تستطيع أية قوانين مهما كانت قوتها أن تفرض سيطرتها عليها .

انفتح الفضاء أمام الشعب وتسربت ثقافة الحرية، ونقل إليهم هذا الفضاء المفتوح مآثرها في الجانب الآخر من العالم، وأصبحت قوانين الكبت والقبضة الأمنية شيئا لا معنى له، وإطارا متجاوزا لا يحتاج إلا إلى شرارة بسيطة لتحرقه، وكانت الشرارة .

وبعد أن فاض النهر جارفا يقتلع سدود الكبت والظلم كان وجود تلك الفئات الشابة المثقفة الواعية بأهدافها وحدود تصرفاتها عنصرا حاسما في هذه الثورة، كانوا يعون الفرق بين النظام المتهالك ورموزه وبين الدولة وأسسها ومكتسباتها التي ينبغي الحفاظ عليها، فهناك دولة ومؤسسات وطنية لا يجوز المساس بها لأنها ملك للشعب وليست للنظام، وهكذا لم نشهد عنفاً وتدميراً وتفجيراً وقتلاً، كذلك الذي يصاحب عادة الثورات الشعبية التي تفتقر إلى ثقافة وطنية واعية، وتتحرك كردة فعل عنيفة على الظلم، كانت ثورة التونسيين واعية مثقفة، تواصل بالإنترنت والرسائل النصية وتحديد لمكان التجمع، ومسيرات سلمية ورفع للافتات المُدِينة للنظام، عصيان مدني جميل وهادئ رغم الدماء التي أسالها أمن ابن علي، وحتى حين انتهز بعض المنحرفين فرصة سقوط النظام فنهبوا بعض المحالَ التجارية أو المؤسسات الخاصة، كان الرد سريعا حيث نظم الشعب دوريات حراسة في الأحياء قضت على تلك العمليات تماماً .

ذلك درس في الثورة حين ترتبط بثقافة واعية تزيح الظلم وتحفظ مكتسبات الوطن، يعلمه الشعب التونسي للعالم، وسيسطره التاريخ كبداية لنوع جديد من الثورات، فشكرا لهذا الشعب العربي الأبي .
جريدة الخليج

لغة تتطور رغم أنوفهم

أفق
لغة تتطور رغم أنوفهم
آخر تحديث:السبت ,10/03/2012
محمد ولد محمد سالم
لا تنفصل أزمة اللغة العربية عن الأزمات الهيكلية في بنية المجتمع والسياسة والثقافة العربية، فالطبيعة الاستعجالية والارتجالية لنشأة الدولة العربية الحديثة وما حف بتلك النشأة من تربص أعداء وأطماع خارجية بالكيانات العربية الحديثة، لم تدع لكثير من الدول العربية الفرصة لإنضاج دولة مستقلة قائمة على مفهوم مؤسسي الفاعلية فيه لآلية العمل المؤسسي، ومبني على خطط طويلة الآماد، وليس على ردود فعل آنية ترقع الخروق بمراهم تسكن الجروح ولا تستأصل الداء، فعاشت تلك الكيانات ما عاشته منذ الاستقلال من اضطرابات وتجاذبات سياسية وأزمات اقتصادية وثقافية لا نزال إلى اليوم نشهد نتائجها وآثارها على مستويات عدة .
ففي حال اللغة العربية أعطى الإرث الاستعماري مكانة متقدمة للغة المستعمر في الكيانات الناشئة، وترك من أتباعه من ظلوا يقفون في وجه كل دعوة لتعريب الإدارة، ولم توضع خطة مؤسسية شاملة طويلة النفس لإحلال العربية محل اللغة الأجنبية، وازداد الأمر سوءاً بنشوء اقتصاديات السوق وانخراط العرب فيها طوعا أو كرها، ومن دون خطة لحماية المجتمع من التأثيرات الثقافية لتلك الخطوة، فأدى ذلك إلى أن لغات الغرب الذي هو صاحب الهيمنة الاقتصادية والسياسية انتشرت، واكتسحت المجال العربي، وتراجعت كل المحاولات التي كانت الأقطار العربية تحاولها لاستعادة اللغة العربية مكانتها في مجتمعاتها، وراجت دعوى أننا إذا أردنا التقدم فعلينا أن ندرس العلوم البحتة والتكنولوجيا بلغتها التي أنتجت بها، ونترك اللغة العربية للتاريخ والتراث والشعر الجاهلي لمن أراد أن يتعلم تلك العلوم، وبعد عقدين من العولمة لم يزدد الأمر إلا سوءاً ولم تستطع اللغة الأجنبية أن تخرج لنا ذلك الجيل المتعلم المثقف الذي يمتلك زمام العلوم، وتدل الإحصاءات المقارنة التي تصدرها مراكز البحث العربية أن التعليم تراجع كثيرا في العشرين سنة الأخيرة، وأن خريجيه أقل معرفة وخبرة من العقود السابقة .
من المفارقات العجيبة في قضية اللغة العربية أنه رغم أنف أهلها الذين خذلوها وضعفوا عن نصرتها، وأعدائها الذين عملوا على موتها، فإن اليونسكو صنفتها كواحدة من اللغات الحية والمتطورة مع الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والروسية، وأعطتها تبعاً لذلك مكانة وصدارة بين لغات العالم، وقناعتنا أن لها من المرونة والقدرة على الاستيعاب والتوليد ما يجعلها مؤهلة للذهاب أبعد من ذلك في انتصاراتها .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/b316fda2-9681-4f2d-994d-ba8c85cc6a6d.aspx

نظرة أخرى على واقع اللغة العربية

الوسائل التكنولوجية الحديثة تعمل على إنعاشها
نظرة أخرى على واقع اللغة العربية
آخر تحديث:الاثنين ,05/03/2012
الشارقة - محمد ولد محمد سالم:


1/1

من ينظر في ما يكتب حول اللغة العربية في مناسبات الأعياد المتعلقة بها والملتقيات المقامة لها، لا بد أن يصاب بالحزن من قتامة الصورة التي يقدمها الباحثون والكتاب حول واقع هذه اللغة، سواء أ كان ذلك في المدارس والجامعات التي استبدلتها بلغات أخرى، وبلغت حدا من تركها وتجاهلها حدت ببعض تلك المؤسسات التربوية في الوطن العربي إلى تدريس ترجمات للأدب العربي باللغة الأجنبية، إمعاناً في امتهانها وسلب أبنائها من روحهم الثقافية، أو في الإدارات والمؤسسات الخاصة التي تستخدم لغة الغير ولا تطمئن لوصول رسالتها إلا حين تكتب بها، أو في وسائل الإعلام التي غلبت على كثير منها اللهجة العامية، والتي صارت الخطاب السريع والوجبة المباشرة للوصول إلى المتلقي .
هذا الواقع على عمومه وسوداويته يخفي في طياته مشهدا آخر قد يدعو للتفاؤل والنظر إلى المستقبل بشيء من الأمل، فللكأس نصف مملوء، ذلك أن اللغة العربية اكتسبت في السنوات الأخيرة مواطئ قدم لا بأس بها، خاصة على المستوى الإعلامي والاقتصادي، فعلى مستوى الإعلام كان انتشار الفضائيات في الوطن العربي خلال العقدين الأخيرين عاملا مهما في رفع مستوى التداول باللغة العربية وحضورها ومستوى فهم المتلقي العادي لها، وذلك لأن طابع الفضائيات جعلها تتخطى المحلي والمكاني والإقليم الجغرافي الضيق للدولة الواحدة وتستهدف المشاهد العربي أينما كان، ما فرض عليها أن تخاطبه بلغته المشتركة، وهي الفصحى، التي يفهمها الجميع ويتواصلون بها، فخلقت تلك الضرورة مستوى من الفصحى قابلا للتداول والانتشار، عود حتى الأميين على سماعه وفهمه وربما تسرب إلى لغة الحوار لديهم .
تظهر أهمية هذا المستوى أيضاً جلية في البرامج الموجهة إلى الأطفال وخصوصا “أفلام الكرتون” فبغض النظر عن المحتوى المعرفي والأخلاقي لتلك الأفلام فإن لبثها بالفصحى أثرا كبيرا في تعويد الطفل على لغته الأم وتهيئته لتعلمها والتحدث بها، واللغة عادة وتلقٍّ وسليقة قبل أن تكون نصوصا وقواعد تدرس .
وإذا تحولنا إلى الجانب الاقتصادي والتجاري فإننا سنجد أن بروز الوطن العربي كقوة شرائية جعل المؤسسات الصناعية والتجارية تضع اللغة العربية في الأدلة التجارية لمنتجاتها، ويبرز الأمر في الأجهزة الإلكترونية كأجهزة الكمبيوتر والتليفونات، وفي البرمجيات الإلكترونية، ورغم ما يمكن أن يقال عن تلك اللغة وغياب الرقابة عليها والأخطاء التي ترد فيها أحيانا، إلا أن الملاحظ أنها تتطور باستمرار وأن الشركات التجارية تتلافى أخطاءها بدأب، في سياق النصف المملوء من المسألة، لا يمكن إغفال ما قدمه انتشار الإنترنت للغة العربية من انتشار وحضور خاصة عند الفئات الشبابية التي أصبحت تستخدمها بشكل مكثف في مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، وتتواصل بها مع جهات الوطن العربي الأربع .
ليس كل الواقع إذاً سيئاً، وهناك بصيص أمل، وإذا طورت المؤسسات الرسمية والتعليمية في الوطن العربي - التي تبدو متخلفة في خدمة اللغة العربية- من أدائها نحو الفصحى، وخطت خطوات تجاه فرض وجودها في الإدارة والتعليم والقطاعات الأخرى فإننا سنشهد نهضة كبيرة وتطورا هائلا على مستوى لسان العرب، وهو أمر لا يحتاج سوى إلى قرار جريء، وقليل من الجهد الجاد والقناعة بأن حماية اللغة هي حماية للهوية والقيم الحضارية للفرد والمجتمع
http://www.alkhaleej.ae/portal/a850aadb-1813-4464-b6b9-a551975299ef.aspx

طبائع الاستبداد

أفق
طبائع الاستبداد
آخر تحديث:الأحد ,12/02/2012
محمد ولد محمد سالم
عندما وضع عبدالرحمن الكواكبي كتابه “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” كان يقدم جواباً على واقع عربي إسلامي متخلف، كما شرح ذلك في مقدمته، وقد اتسم ذلك الواقع بتراجع في شتى ميادين الحياة، ونشط المفكرون والكتّاب في البحث عن جواب على أسباب ذلك التقهقر والفساد، الذي تعيشه بلادهم، وكان للقضية زخم كبير في مصر التي اتخذها الكواكبي مقاماً، فكانت الصحف تمتلئ بالكتابات التي تعالج تلك المسألة، ما حرّض الكواكبي على الإسهام بكتاباته هو الآخر في البحث عن سبب وتقديم علاج لهذه المسألة الشائكة .
خلال بحثه على مدى ثلاثين عاماً صدر بحكم قاطع وهو أن “قد تمحّض عندي أنّ أصل الدّاء هو الاستبداد السّياسي، ودواؤه دفعه بالشّورى الدّستورية”، وعرف الاستبداد بأنه غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة” .
تبعاً لحكمه ذلك تناول الكواكبي مسألة الاستبداد في مظاهرها وانعكاساتها في جميع المجالات، في الناحية السياسية وما يجره على المجتمع من ويلات حين يسلب الناس حقوقهم في العمل والممارسة السياسية، والتعبير عن الرأي ويرتّدون إلى ذواتهم مما يدمر فكرهم وطموحهم، وفي الاقتصاد حيث يدمر البنية الاقتصادية، ويحيل المجتمع إلى الفقر مهما كانت ثرواته، وقدراته الاقتصادية، وفي التعليم حيث يعمل الاستبداد على تجهيل الإنسان، ويغرس فيه ثقافة واحدة هي ثقافة الخضوع والولاء وعبادة الرمز، وفي الفن والأدب حيث تموت الأفكار الإبداعية ويصمت صوت الفن الخلاق اتقاء لشر الطاغية، وتنحسر آفاق التجديد فيه، وينعكس كل ذلك على المجتمع الذي يسير إلى الوراء ويتجه نحو هاوية التفكك وذهاب القيم ويستشري فيه الفساد .
هذه الصورة التي رسمها الكواكبي لأثر فعل كهذا، سوف تقابل بصور للمستبد في نهاية القرن الماضي، وبداية القرن العشرين تعيد البشاعة نفسها وتشكل بالكاريكاتير البائس للاستبداد الذي رسمه قلم الكواكبي، وذلك عن طريق فنان كاتب آخر هو عدنان فرزات الذي قدم أشكالاً كاريكاتيرية متعددة لصورة المستبد، يظهر فيها وجهه وشكله بوضعيات مختلفة، فيها الكثير من القبح والكراهية، تجسيداً لذلك الطابع التدميري الشامل في شخصه، الذي ينعكس أول ما ينعكس على شخص الطاغية نفسه، فينزع عنه كل أسباب الجمال ويحيل صورته إلى غاية البشاعة .
من المصادفات أن كلاً من الكواكبي وفرزات عايش الاستبداد وانكوى بناره ودفع حياته ثمناً لنضاله ضده، فمات الكواكبي مسموماً في مصر سنة ،1902 بسبب معارضته لظلم وطغيان الولاة العثمانيين في الشام وكتابته ضدهم، وضربت يد فرزات بسبب معارضته للاستبداد ومناصرته للثورة على الظلم، وتلك هي على كل حال ضريبة الفكر، والفن العظيم حين يتصدى صاحبه للتغيير وينشط في البحث لمجتمعه عن أفق حياة أجمل وأفق من الحرية أرحب .
dah_tah@yahoo।fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/96d1717d-5734-480c-a021-98442e31be6e.aspx

ليس للحرب حقيقة

أفق
ليس للحرب حقيقة
آخر تحديث:الثلاثاء ,17/01/2012
محمد ولد محمد سالم
الشك أو عدم اليقينية هو الخيط الناظم لرواية “مطر حزيران” للكاتب اللبناني جبور الدويهي، حيث تروي بشكل استرجاعي حكاية مجزرة حدثت في سنة 1957 في إحدى قرى لبنان، كان سببها مواجهة بين عائلتين كبيرتين تسعى كل منهما لبسط نفوذها على المنطقة .
تأتي الأحداث في معظمها من خلال شخصية “إليا” الذي عاد للبحث عن حقيقته بعد أن أذهبت الحرب كل حقيقة، فقد قضى أبوه في المجزرة بعد سنوات من زواج لم ينجب فيها، وجاء هو متأخراً بأسبوع عن تسعة أشهر من وفاة والده ما فتح الباب أمام شكوك الناس في نسبه، يهاجر هذا الشاب بتدبير من أمه إلى أمريكا، لكن حياته الأولى في القرية وما كان يرميه به الأطفال في نسبه أثر في شخصيته، فنمى فيه حب اختراع القصص حول نسبه وعائلته، ولم يكن يستقر على حالة واحدة، كذلك هي حالة حبه وصداقاته، فما كان يأنس في علاقة حتى يقطعها بسرعة .
يقرر إليا فجأة أن يعود إلى قريته لرؤية أمه التي قضى خمساً وعشرين سنة بعيداً عنها، ونيته الحقيقية هي البحث عن حقيقة أبيه وحقيقة تلك الحرب التي طحنت قريته والقرى المجاورة له، وأثناء بحثه ينقسم الناس حول والده بين من يعتبره بطلاً شهيداً وبين من يعتبره مجرد رجل عادي مات في مواجهة لم يشارك فيها، كذلك الحال في الحرب التي فشل في تحديد بداية شرارتها الأولى، وفي النهاية لا يقف إليا على كل ذلك من شيء، ويكتشف فظاعة ما أحدثته تلك الحرب من قتل وتشريد لعشرات الأبرياء، فيقرر العودة إلى أمريكا، كأنه يريد أن يتخلص من كل شيء يمت بصلة إلى ذلك الماضي .
لم يقف إليا على حقيقته ولا حقيقة والده، ولا حقيقة الحرب، فليس للحرب حقيقة، ولا بداية مقنعة، ليس لها سوى أنها تدمر العباد والبلاد، وتترك جروحاً غائرة في الأنفس، هذا هو ما توصلنا إليه رواية “مطر حزيران” بعد مسيرة طويلة من البحث استعان فيها الكاتب بتقنيات فنية كثيرة، منها تعدد الأصوات فهو لم يقتصر على مبدأ الراوي العليم ولا على الشخصية الرئيسة وحدها، بل ظل يراوح بين شخصيات متعددة منها من شهد الحادثة ومنها من جاء بعدها، وقد أعطته تلك التقنية حرية في التحرك، كما استعان بتقارير القضاء والمؤرخين والصحافة، ما يدل على الجهد الكبير الذي بذله في عمله، لكن يؤخذ على الدويهي أنه في بعض الأحيان يستعين ببعض الأصوات التي لا يتبين القارئ علاقتها بالأحداث والتي لا تقدم أي جديد في تحريك العقدة والأحداث نحو النهاية، كما أن الرواية ستكون أكثر إحكاماً لو اقتصرت على بحث إليا عن حقيقة تلك الحرب وتوسعت فيه، دون اللجوء إلى أصوات شخصيات أخرى لأن الرواية بالفعل هي رواية عن تلك الشخصية .
Dah_tah@yahoo.fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/f5ecc24b-6bdd-457a-8ecf-5679c8b953e6.aspx

مجتمع القراءة

أفق
مجتمع القراءة
آخر تحديث:السبت ,28/01/2012
محمد ولد محمد سالم
يتوقع أن يكون مجموع الإصدارات الروائية في فرنسا خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط من هذا العام 480 رواية، حسب ما أعلنته مؤسسات النشر الفرنسية، وهو موسم الدخول الأدبي كما تسميه الأوساط الثقافية الفرنسية، حيث يتسابق القراء إلى اقتناء أهم الكتب التي سيقرأونها خلال السنة، وتكشف هذه الكمية في جنس الرواية وحدها، وخلال تلك الفترة القصيرة أهمية ورسوخ ثقافة القراءة في المجتمع الفرنسي، فبعد عقود طويلة من ظهور التلفزيون وأخرى من ظهور الإنترنت، ما زال الفرنسيون يحرصون على اقتناء الكتاب وقراءته، وما زالت عادة القراءة أثيرة لديهم، وهي ظاهرة لا تقتصر على فرنسا وحدها، بل تعم أوروبا وأمريكا واليابان والصين وأجزاء كثيرة من العالم، لكنها تغيب في الوطن العربي، ويتساءل المرء ما الذي يجعل وطننا العربي هو الوحيد الذي لا تروج فيه عادة القراءة؟
هنالك عوامل كثيرة يمكن أن يعزى إليها فشل المجتمعات العربية في ترسيخ عادة القراءة لدى أبنائها، منها أن الحكومات التي تسلمت القيادة بعد الاستقلال ركزت على التعليم وبرامجه من دون أن تركز على العمل الثقافي العام المتعلق بالمجتمع، وهو إقامة مؤسسات ثقافية تدعم القراءة وتسعى لترسيخها لدى كل الفئات، كما أن الكتاب لم يحظ بدعم ولم يبذل أي جهد يذكر في سبيل تعميمه، وجعل سعره متاحاً في متناول القارئ البسيط، فظل الكتاب عزيز المنال، لا يصل إليه إلا من لديه الطاقة المادية لذلك، ولم تتجاوز ثقافة الفرد في الأغلب الأعم ما كان مرسوماً في المقررات المدرسية، ومع تراجع وتيرة التنمية في الوطن العربي وانكسار حلم النهضة في أكثر من بلد عربي تراجع التعليم وتراجع معه مستوى المتعلمين، ووجد التلفزيون الذي دخل الوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين الساحة مفتوحة أمامه ليملأ الفراغ لدى الفرد العادي، ولدى الأطفال خصوصاً ويصرفهم عن القراءة، ثم لحقت بالتلفزيون الألعاب الرقمية والإنترنت وألعاب الهاتف المحمول، وصار السباق على اقتناء تلك الأجهزة والحذق ببرامجها الترفيهية، فعمّت بسبب ذلك ثقافة الصورة، وهي ثقافة مسطّحة تتبع البصر، ومشاهدات العين، عديمة التفكير، ميكانيكية الرؤية، ليس لصاحبها مستقبل ولا ماضٍ، فأصبح التعلق بصورة مغن أو مغنية أو ممثل أو ممثلة أو لاعب وتتبع حياته الخفية ومعرفة كل شيء عنه هو قمة المعرفة، ومناط الثقافة .
في ظل هذا الانشغال بثقافة الصورة في الوطن العربي، هل يمكن أن نتحدث عن مستقبل لمجتمع القراءة، وبأي نوع من المؤسسات الثقافية والوسائل التقنية يمكن صناعة ذلك المجتمع؟
إن أي برنامج مستقبلي لتعميم ثقافة القراءة لا بد أن يعمل في اتجاهين، أولهما مواجهة التلفزيون وأجهزة التقنية أو استخدامها لمصلحته، وثانيهما إقامة مؤسسات ثقافية لا يكون همهما مجرد توفير الكتاب (الورقي أو الإلكتروني) للقارئ، بل تضع البرامج الكفيلة بجذب الناس إلى إليه أيضاً .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/57c0654c-0a7a-43d5-be73-2682bc9dbfb3.aspx