بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

سارة الجروان تدون حكايات التراث من أجل المستقبل


في كتابها "بنت نارنج الترنج"
سارة الجروان تدوّن حكايات التراث من أجل المستقبل
آخر تحديث:السبت ,25/12/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تقدم سارة الجروان في كتابها “بنت نارنج الترنج” الصادر عن دار الآداب2010 اثنتي عشرة حكاية شعبية إماراتية أو “حزاية” كما تسمى شعبيا استقتها شفاها من الرواة، وصاغتها بطريقتين الأولى بالعامية على طريقة الرواة مع تصرف كما صرحت بذلك، والثانية بالفصحى فكأن الثانية ترجمة للأولى .
تدور كل هذه الحكايات في بيئة تشابه البيئة الإماراتية التقليدية من حيث بنية المجتمع وطبيعة المكان، ففي ما يتعلق ببنية المجتمع تتواتر في النص أوصاف “الشيخ، والشيوخ، ولد الشيخ، والجماعة” فهناك من جهة الشيخ وهناك من جهة أخرى الجماعة ويدل هذا على أن البنية الهرمية للمجتمع كانت تتألف من الشيخ والجماعة وهي “القبيلة”، وهي البنية التقليدية للمجتمع الخليجي، وهناك فئة ثالثة تعيش على هامش هذه البنية الثنائية ويتردد ذكرها في الحكايات وهي “الخادمة، البشكارة، الخادم” وهم الخدام الذين كانوا يتولون العمل اليدوي في المجتمع التقليدي .
على مستوى طبيعة المكان نصادف كلمات، مثل: وادي، وشريعة، ونخيل، وبحر، وأرض خلاء، حارة لا إنس ولا أنيس فيها، وكلها تمثل ملامح البيئة الإماراتية المقسمة بين البحر والصحراء، ويسود فيها اقتصاد الصيد والرعي وزراعة النخيل والتجارة .
هذه البنية التقليدية والمعروفة واقعياً لمجتمع الحكاية تخترقها وتتشابك معها بنية أسطورية أخرى تقدم شخوصاً وأماكن مفارقة وخارقة، لا مثيل لها في الواقع، ولا تكاد تخلو أي من تلك الحكايات من ذلك، فكل حكاية تحمل بعدين أحدهما واقعي يحكي عن بشر يعيشون حياتهم العادية ثم لا يلبث أن تقتحم عليهم حياتهم شخصيات وعوالم أسطورية نتيجة لاستماعهم لحكايات كثيرة .
في حكاية جزائر “واق واق” تبدأ الحكاية بشاب ابن لتاجر له مزرعة تحيطها ترعة ويعيش حياة عادية مع أمه التي تحبه وتدلّله، ثم ما يلبث أن يتحول السرد بدخول عنصر خارق تمثل في الجنيات الطائرات اللواتي حططن عند الترعة وخلعن أجنحتهن وريشهن، واغتسلن في ماء الترعة، وهنا يدخل السرد في باب الأسطورة وعوالمها، ففي كل مرة يأتين كان الشاب يكمن لهن عند الترعة يراقبهن وقد شغف بالصغرى حتى استحكم حبها في نفسه، فدبر حيلة للإمساك بها، وبحث عن ثوبها الذي تطير به فاختطفه، ولما خرجت الجنيات لم تجد الصغيرة ثوبها وباغتها الشاب فأمسك بها وفرت أختاها، وعاد بها إلى بيته ليتزوجها، لكنها بعد مدة تحتال على أمه لتعطيها ثوب الريش فتطير به، ويدخل الشاب في رحلة إلى جزر “الواق واق” الأسطورية بعوالمها وشخوصها الغريبين، وبعد كثير من المغامرات يخلص فتاته من الجن الذين كانوا يحبسونها ليخرجوا منها طبائع الإنس التي تركها فيها سكناه معه .
وهناك حكاية العجوز التي ألقاها ابنها في الخلاء بعد أن ادعت زوجته عليها الخرف وأغرته بذلك، حيث يمر عليها ثلاثة من الملائكة ويدعون لها أن ترزق قصراً ومالاً وحشماً، وتعود بنت عشرين وتتزوج، فيحدث ذلك في الحال، وحتى في الحالة الوحيدة التي لم تخرج منها الحكاية عن عالم الإنس “مؤنس العذارى” فإنها عمدت إلى أسطرة الواقع فالفتاة التي تركها أبوها في واد خلاء عند سدرة كبيرة وغدير ماء بعد مكيدة من زوجته، ستعيش سنين طويلة في ذلك المكان تشرب من الغدير وتأكل من نبق السدرة، وتنام على فروع السدرة من دون أن يصيبها مكروه إلى أن يأتيها فارس الأحلام فجأة متمثلاً في الأمير الذي أخذها معه مكرمة وتزوجها، فهذه القصة وإن كانت عناصرها واقعية إلا أن بنيتها الحدثية أسطورية، فليس من المعقول أن تعيش فتاة صغيرة في أرض قفر ليس فيها غير الوحوش الكاسرة كل هذه السنين من دون أن تتأثر بشيء أو تمرض، وتطرح هذه المواشجة بين الواقع والأسطورة في الحكايات الشعبية الواردة في الكتاب سؤالاً عن دلالتها، وما هي الغايات من ورائها؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن ننظر في أهداف الحكاية الشعبية نفسها، فهل تحمل تلك القصص أهدافاً تختلف عن الأهداف العامة للحكاية والتي تتمثل في التسلية عن طريق التشويق والإثارة من خلال الغرائب، الجواب عن ذلك يأتي قطعياً من المؤلفة نفسها في مقدمتها للحكايات بقولها: “حكايات السرد الشفاهي في كل حضارة تشكل ركيزة مهمة إذ تضطلع بإرساء مفاهيم من شأنها أن تشكل البنية التأسيسية للفرد الذي ينخرط في مجتمعه بوتيرة سوية ذات نسق معرفي جماعي”، ونتيجة لذلك نجد الحكايات التي تقدمها الجروان هنا موظفة معرفياً لإرساء أسس أخلاقية للمجتمع الإماراتي أو الخليجي عموماً .
إن البنت يتيمة الأم في الحكاية الأولى “مونس العذارى” التي تكيد لها زوجة أبيها تنتهي حكايتها بانتصارها على من خانوها بدءاً بزوجة أبيها وانتهاء بالوزير الذي قتل أولادها أمام عينيها لترضخ لرغبته فيها، وذلك لتقول إن الشرف لا بد أن ينتصر على المكيدة والخيانة، والمنظور نفسه نجده في حكاية “وادي كيدا” و”محيريق” و”البديحة” و”عصا الوالدة” و”بيض الحمري” وغيرها .
وتأسيساً لمبدأ أخلاقي آخر تأتي حكاية “ولد حميد البادي” الذي تعلقت نفسه ببنت الشيخ وعزم أن يتزوجها واجتهد لذلك حتى كان له ما أراد، حكاية الطموح والإنسان الذي يفعل من دون كلام كثير، في مقابل الرجل الذي يتكلم ويدعي وهو غير قادر على الفعل ويمثله “ابن عم” بنت الشيخ، دعوة إلى الطموح والفعل في الحياة، وفي السياق نفسه تصب قصة “جزر الواق واق” “بنت نارنج الترنج” التي اتخذت المجموعة اسمها، وهناك أمثلة كثيرة لمبادئ أخلاقية يضيق المقام عن تتبعها، والجامع لكل ذلك هو سعي السرد إلى تأصيل فكرة انتصار الخير على الشر .
تقدم الحكايات النماذج الخيرية في صورة أشخاص ضعفاء لا سند لهم، كالنساء اليتيمات والأطفال المدللين الذين لا تجربة لهم في الحياة والأشخاص الوحيدين الذين لا ظهر لهم، ولكي تنتصر هذه الشخصيات العزّل فإنها تحتاج إلى قوة خارقة، أسطورة من خارج الواقع، ومن قوى الطبيعة، كامتلاك الأجنحة أو وجود سند من الملائكة أو الجن أو الغيلان أو غيرها، وهذا هو ما استدعى البعد الأسطوري في النص، ففي مجتمع تقليدي، تلعب القوة الدور الأكبر في حل المشكلات، ولأن الأشرار إذا امتلكوا تلك القوة فسيطغون على الضعفاء فقد كان لا بد على المجتمع أن يبتدع تلك الحكايات القائمة على هذا البعد الخارق لقوة الخير والتي تصوره على أنه سينتصر لا محالة وعلى أن الظالم لا بد أن ينال عقابه يوماً ما، فالشاب الذي رمى أمه العجوز في قفار لتموت وحيدة ولم يكن لها من الأبناء غيره، سيلقى ذلك الشاب بعد أن يشيب ويضعف المصير نفسه على يد ولده، ومن المؤكد أن أي صبي صغير في ذلك المجتمع البدوي يسمع هذه القصة لا بد أن يرتعد قلبه، ويظل يتذكرها لتشكل ميزانا في علاقته مع أبويه ورادعاً له عن الإقدام على سوء في معاملتهما .
من هنا تبرز أهمية تدوين تلك الحكايات وإبرازها للناس في كتاب لكي تتمكن الأجيال اللاحقة من قراءتها، ولعل جدات المستقبل يعدن إلى روايتها، أو لعلها تحول إلى قصص كرتونية نابعة من حاجات وتراث مجتمعها لتحل محل القصص الكرتونية الغربية التي تملأ فضاءنا
الخليج

الجمعة، 17 ديسمبر 2010

رواية الصحراء ومواجهة المجهول


أفق
آخر تحديث:الجمعة ,17/12/2010
محمد ولد محمد سالم
يأتي فوز الكاتب الليبي إبراهيم الكوني بجائزة ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي العربي الخامس ليلفت الانتباه إلى إحدى أهم التجارب العربية في مجال ما عرف ب”رواية الصحراء”، ويميط اللثام عن خصائص هذا اللون من الرواية داخل الأدب العربي، والذي اعتبر إضافة نوعية إلى الرواية العربية وميزة من ميزات الإبداع العربي الحديث التي تخصه دون سائر الآداب العالمية باعتبار أن الصحراء الكبرى تقع في بلاد العرب، وهي بيئة إن تمثلها الكاتب العربي الذي خبرها تستطيع أن تلون أدبه بلون خاص، وتؤكد هذه الحقيقة القيمة الجمالية للمحلي حين يسم العالمي بطوابعه فيغدو الانتاج عالميا مع خصوصية مشهودة، ذلك هو ما صنعته رواية الصحراء التي أخذت الخصائص العالمية للرواية ومزجتها بطوابع الصحراء وناسها، فأنتجت أدبا متميزا، وهذا أيضا ما فعله الكوني الذي سخر قلمه لكتابة السيرة الروائية لإنسان الصحراء خصوصا قبائل الطوارق التي ينحدر منها .
وغاص الكوني بعمق على الموروث الحكائي لقبائل الطوارق، وتراثها الأسطوري الذي يشكل المرجعية الروحية والذهنية لتفكير أفرادها، فلمّ شتات تلك الأساطير في سرد يجمع بين واقعية الإنسان وأسطورية التاريخ، بين محدودية الكائن البشري وانفتاح الفضاء المكاني على آفاق لا نهائية تحمل له المجهول الذي هو مخيف وفي نفس الوقت باعث على البحث عن شروط النجاة في مواجهته، لا يعرف الصحراوي ماذا تخبئه له مجاهل الأرض وفيافيها الممتدة إلى ما لا نهاية، وبذلك غدت حياته أسطورية لأنها مواجهة مع المجهول وفي مواجهة المجهول لا بد من أسطورة للنجاة، لا بد من أسطرة الواقع والبحث عن القوة الخارقة التي تهزم المجهول لأن البقاء هو الهدف الأول للإنسان، وربما يكون هو دافع الإبداع لديه .
من هنا كان التقاط الكوني لأسطورة حياة سكان الصحراء، بحكايتها المشتتة التي تصب في هدف واحد هو صناعة البقاء التقاطا إبداعيا ترك تضاريسه على الرواية العربية كنص مفتوح لا نهائي متعدد الحكايات والاتجاهات السردية، في الوقت الذي هو مجموع بأفق الأسطورة الكلية، فثنائية الانفتاح والانغلاق هي إحدى أهم ميزات رواية الصحراء .
ورغم أن إبراهيم الكوني معروف منذ فترة طويلة لدى الأوساط الأدبية العربية بما حازه من جوائر عربية وغربية، إلا أن رواية الصحراء كممارسة إبداعية، ومفهوم نقدي غير شائعة كثيرا في الأوساط الأدبية العربية، ومع ذلك فهناك ممارسات أدبية عربية تصب في إطار تلك الرواية وتستفيد من الميزات البيئية التي توفرها الصحراء للكتاب، ومنها بعض أعمال عبدالرحمن منيف وميرال طحاوي، وكثير من الأعمال الروائية في المغرب العربي .
وقد بدأت بعض الدراسات النقدية تتنبه إلى تلك الرواية وتحاول استجلاء خصائصها الإبداعية، مما يتوقع أن يكون له أثر كبير في بلورة خصائص الرواية العربية، ولعل هذه اللّفتة من ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي - كما أسلفنا - تسرع وتيرة الاهتمام بهذا اللون الروائي العربي .
dah_tah@yahoo.fr

الخميس، 16 ديسمبر 2010

إنها معركة حضارية

بقلم: محمد ولد محمد سالم
Dah_tah@yahoo.fr
المتتبع للمشهد الإعلامي الموريتاني يدهش لحالة الضعف التي تسود هذا القطاع بمختلف تجلياته وخاصة العربي منه ففي حين يتمتع الإعلام المفرنس بنسبة ولو ضئيلة من المهنية والمصداقية فإن الإعلام العربي الموريتاني ما زال عاجزا عن تكوين تلك المهنية والمصداقية والاستثناءات قليلة جدا, وهذا ما جعل دوره باهتا وغائبا في كل ما يجري على الساحة الوطنية من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية, وقد يجادل البعض بأنه ما من شيء من تلك الأحداث يند عن وسائل الإعلام فهي تتناول كل شيء, وهذا صحيح ولكن هل يخدم هذا التناول الأهداف التي من أجلها وجد الإعلام,إن الإعلام في كل العالم هو وسيلة تنمية حضارية لا غنى عنها, إذ يناط به الدور الأكبر في توعية الشعب وتثقيفه والدفاع عن ثوابته الحضارية وتنمية روح الوطنية فيه وتعزيز عوامل الوحدة لديه وتحفيز همته للبناء, ومحاربة كل نهج لا يخدم التنمية أويقف في وجهها. وإن الإعلام العربي الموريتاني ما زال قاصرا عن بلوغ تلك المهمة لأن تناوله للأحداث والقضايا لا يرقى إلى المستوى المطلوب والمقنع فعلى سبيل المثال من القضايا المهمة التي تشغل بال المواطن الموريتاني اليوم قضية عودة اللاجئين الموريتانيين إلى الوطن فهذه القضية ظلت إلى اليوم غائبة لا يتناولها إلا كخبر عارض ومن حق المواطن الموريتاني أن يعرف تفاصيل هذه العودة بدءا بمعايير فرز المواطنين ممن ليسوا مواطنين مرورا بمسالك العودة ونقاط التثبيت وسياسات دمجهم وتمويلها وانتهاء بدور كل مواطن في تلك العملية ومظاهر التضامن التي ينبغي أن يظهرها لإخوانه العائدين.وكذالك من القضايا المهمة والتي أثارت ضجة في البرلمان عند التصويت عليها قضية قانون المالية لسنة 2008 فما هو الجيد في هذا القانون وما هو الرديء وهل يخدم البرنامج السياسي الذي أعلنه الرئيس في حملته الانتخابية وعينت الحكومة لتنفيذه, وبعيدا عن السياسي في المسألة ماهو رأي الخبراء والمحللين الاقتصاديين, من حق المواطن أن يعرف التفاصيل الدقيقة لتلك الميزانية ومردوديتها على المحاور التنموية الكبرى التي تهمه. وكل ذالك ممكن لو وجد من لديهم الاستعداد للقيام به ولا يمكن هنا التعلل بتكتم الحكومة فالبرامج والقوانين منشورة والبرلمانيون بمختلف مشاربهم موجودون وكذالك المحللون ولا يبقى سوى استعداد الصحافي للتضيحية بشيء من الوقت للاطلاع على الحقيقة.وحتى إذا كانت هذه القضايا الكبرى تحتاج إلى بحث مضن قد لا يكون لدى الصحافي مصروف المواصلات اللازم للقيام به, فهنالك قضايا صغيرة وقريبة ومؤرقة جدا للمواطن يمكن تناولها, ولنأخذ مثلا ظاهرة انعدام المجاري الصحية في مدينة انواكشوط. تاريخ الشبكة والمراحل التي مرت بها وحالتها اليوم, ما هي انعكاسات هذه الظاهرة على حياة المواطن وصحته, رأي الخبراء, من المسؤول عن هذه الظاهرة هل هناك خطوات عملية للقضاء عليها وآفاق تلك الخطوات وتقييمها, أين دور منظمات البيئة وهيئات المجتمع المدني في هذه الظاهرة لماذا لا تتحرك للتوعية بخطورتها وبضرورة القضاء عليها. على الصحافي أن يتناول الظاهرة من كل تلك الجوانب وأن يحفز الرأي العام ويبصره بالخطر. بدل أن يكتفي بكتابة ما يعرفه رجل الشارع عن الظاهرة. وقس على تلك الظاهرة ظواهر أخرى كثيرة مثل تلوث المياه وظاهرة عربات الحمير وظاهرة اطفال الشوارع, وكل قضايا الصحة والدواء إلى غير ذالك مما هو كبير أوصغيرفي حياة المواطن. ومن مظاهر قصور التناول لجوء الصحافيين خاصة في الإذاعة والتلفزيون إلى البرامج الحوارية ظنا منهم أن ذالك يحط عن الصحافي عناء البحث والاستقصاء إذ يكتفي بأخذ المعلومات بالحوار ولكن حتى هذه لم ينجح أصحابها في تقديمها بالشكل الملائم ذالك أن الحوار يتطلب إلماما تاما بموضوع الحوار وبحياة الشخصية المحاورة على غرار ما يفعله سامي حداد أو أحمد منصور في قناة الجزيزة حين يستضيف أحدهما شخصية لحوارها. وقد أشاعت تلك البرامج ظاهرة جديدة هي التداخل بين العربية والفرنسية في الحوار فيتكلم كل متدخل باللغة التي يشاء, وهذا طبيعي لكن ما ليس طبيعيا أن لا يعمد معد البرنامج إلى تقديم ترجمة لكلام المتدخل بلغة الحصة البرمجية فيبقى المستمع أوالمشاهد حائرا يسمع نصف الكلام ويفوته نصفه. وهذا لا شك أنه من أكبر أسباب فشل تلك البرامج. ويمكن أن يضاف إلى طريقة التناول القاصرة لدى صحافتنا العربية اعتبارهم ضمنا أن الخبر الجدير بالإهتمام وحده هو الخبر السياسي وما يتعلق به, في حين أن الإهتمام ينبغي أن ينصب على كل ما يمت بصلة لحياة المواطن, فقرار صغيرفي وزارة الصيد أوالمعادن أو المياه أوغيرها قد يكون خبرا مهما جدا وذا انعكاس كبير على حياة المواطن. إن على الصحافة أن لا تكون غائبة عن كواليس الإدارة وأن ترصد كل ما يجري وتفرز منه المعلومة الصحيحية والتحليل الموضوعي. وقد يكون هذا الحضور متعذرا في ظل حكومات موريتانية ظلت على الدوام تهمش الصحافة وتتكتم على كل المعلومات وتصادر الصحف التي تنشر أخبارا قد تزعجها, وتسجن أصحابها و تنكل بهم, لكن مهما يكن فإن الصحافي الناجح هو الصحافي ذو الشخصية الدينامكية القادرة على نسج علاقات متعددة مع مختلف دوائر المجتمع بما يجعله قادرا على الوصول إلى المعلومات بأسرع وقت ومن مصادرمتعددة وبروايات مختلفة تتيح له معرفة الحقائق بصورة موضوعية, وهو إن يكن كذالك يضمن لنفسه النفاذ إلى المكتومات وتعرية الحقائق, ويساهم في تكوين رأي وطني جماعي في ما يجري.إن التحدي كبير والعوائق جمة ليس أسهلها وجود إدارة مفرنسة لا ترحب بصحافة العربية ولا تتعاون معهم و كذالك وجود نظام تعليمي يطبق سياسة فرنكفونية عمياء لم يستشر عليها الشعب الموريتاني ولم يصادق عليها, ولكن لو اقتنع صحافتنا بأن هذه معركة حضارية كبيرة واستعدوا لخوضها فإن الهمم العالية تحطم الجبال.
وجالة الأخبار المستقلة:

لهم ذلك.. لكن لنا..!

محمد ولد محمد سالم
1لرابطة الأئمة الذين يحملون في لا شعورهم مفهوم المداراة الموروث من عصر السيبة الحق في إعلان مساندتهم لمجلس الدولة ودعوة أمريكا وأوروبا والعالم بعد ذلك إلى الحذو حذوهم حتى يستتب الأمر ونستطيع مواجهة الإرهاب، ولهم الحق أكثر من ذلك انسجاما مع الأحكام السلطانية في الفقه الإسلامي، فإمام الغلبة يحكم له بحكم إمام البيعة حقنا لدماء المسلمين وتجب طاعته، والخروج عليه فسوق وفاعله مفارق لجماعة المسلمين، ولإمام الجامع الكبير الحق في أن ينحاز تبعا لتلك الأسباب إلى المجلس ويدعو له على المنبر ويعتبر المخالفين له مارقين عن الملة السوية يوشك إن لم يتوبوا أن يصيبهم سخط من الله، وما من شك في أن الرابطة ليس لها هدف سوى النصيحة للمسلمين وأخذ الناس في طريق الخير وذلك هو هدف إمام الجامع الكبير أيضا، وليس من شك كذلك في أن أعضاء مكتب الرابطة هم أوجه جديدة ليست من تلك الأوجه القديمة التي كانت شاهدة على أيام الفساد، وأن إمام الجامع الكبير لم يؤثر عنه تقربه من السلطة على الأقل قبل أن ينشب بينه وبين نائبه خلاف على الإمامة والاستئثار بخلافة وحظوة إمام القطر(بداه بن البوصيري شفاه الله) 2لأعضاء البرلمان من الجيل الثاني من عصر ديمقراطية الجيش، أولئك الذين ظلوا يحاولون صعود الدرجات بحثا عن موطئ قدم في عصر الاستبداد والفساد الذي خيم على البلاد ولم يستطيعوا حجز تلك المواقع بشكل تام بسبب استئثار الرؤوس الكبيرة في الفساد بها، وحيلولتها دون صعود أي شخص إلا أن يكون خارجا من عباءتها، لهم ولفلول البعثيين المغضوب عليهم أيام معاوية أن يناصروا حركة التصحيح الجديدة بلا قيد أو شرط ويدافعوا عنها ويقدموا خارطة طريق- وعسى أن لا يلحقها شؤم الاسم- لبرنامج عمل مستقبلي لا يملكون تقريره، وأن يشكلوا في البرلمان محكمة سامية لمحاكمة هيئة ختو الهامشية أو للنظر في تجاوزات أمباري المسكين وكأن ليس في موريتانيا من الفساد سوى هذين للنظر فيهما بصورة عاجلة ولا حديث عن الفساد في قطاعات الدولة الرسمية من مالية مصرفية واقتصادية وصناعية وخدمية، ليس شيئا من ذلك سوى هيئة أهلية تملكها امرأة لها حصانة قانونية وعرفية وربما إنسانية بحكم قاعدة (ارحموا عزيز قوم ذل).3لمجلس الدولة أن يصم أذانه عن الدعوات في الداخل والخارج التي تطالبه بالتنحي عن السلطة و إعادة العمل بالدستور وله أن لا يأبه بالمقاطعات الخارجية وتجميد القروض والمعونات وسحب الاستثمارات وكل تلك الإجراءات الخطيرة على نظام هش ودولة ضعيفة كنظامنا ودولتنا، وله أن يشكل حكومة من الدرجة الثالثة من الموظفين الحكوميين ومن بعض السياسيين الهامشيين، وأن يعزل رئيس هيئة حيوية مقبول ويستبدل به آخر معروف السوابق، وأن يعين على الولاء في مناصب الدولة الحساسة، وأن يعزل مفتش الدولة لأنه فتح ملفات فساد خطيرة تطال رجال أعمال مؤيدين لمجلس الدولة، وله أن يحتكر الإعلام الرسمي ويوصد أبوابه في وجه المعارضين الذين يريدون العودة إلى الشرعية، وكل ذلك في إطار التمهيد لخطته التي أعلن عنها رئيسه في خطابه الأول والتي في أولوياتها محاربة الفساد والرشوة وإقامة العدل والتنمية الدائمة وجعل المواطن يتمتع بحقوقه كاملة.4لهم جميعا ذلك...ولكن للفقه المعاصر المستنير بفهم الواقع ومعطياته أن يقرر أن المعارضة السياسية في النظام الديمقراطي لا تعد خروجا عن الإمام ولا شقا لعصا الطاعة المحرم في الإسلام؛ إذ لا تؤدي إلى حمل السلاح والقتال و لا تمنع اعتراف المعارض بحكم المعارض (بالفتح) ولا تخرج عن أن تكون مناصحة لولي الأمر وقد دعا أبو بكر رضي الله عنه في خطبة توليه الخلافة الناس إلى تقويمه إن رأوه قد اعوج وحاشا أبي بكر من الاعوجاج. ولله على الأئمة الخطباء أن ينصحوا له وينصحوا لعباده هذا إذا تصدوا لمخالطة السلطان والاختلاف إلى بابه أما إذا عزفوا بأنفسهم عن ذلك ولزموا مساجدهم وصلاتهم فقد أعذروا لا لهم ولا عليهم.وللشعب على برلمانييه الذين انتخبهم أن يتحملوا مسؤولياتهم ويخلصوا لشعبهم ويعرفوا أن سبيل النفاق و المحاباة والمداهنة هي التي أوصلت البلاد إلى ما أوصلتها إليه قبيل الثالث من أغسطس، فليحذروا أن يعيدوا الكرة مرة أخرى ولينصحوا للناخبين الذين أسلموا إليهم قيادتهم، وإنما عزة المسؤول وشرفه بمقدار انحيازه لمصلحة شعبه لا بمقتطعات الرئيس وأعطياته. فالسباق في الإنجاز الباقي والذكر الحميد. وللمعارضة الديمقراطية الحرة أن تدافع عن ديمقراطية ناضلت من أجلها طويلا ودفعت في سبيلها الغالي والنفيس وعن دستور أقرته ورضيته لحكمها وشرعية اكتسبتها بعد طول عناء، فمن حقها ذلك وأن لا تقبل بغير رحيل العسكريين، وللمجتمع الدولي أن ينصر الحق ويطمئن على أن من سيسلمهم تمويلاته سيوصلها للشعب الذي هو وجهتها. وللمستثمرين أن يستوثقوا من الاستقرار في البلاد التي سيستثمرون فيها.6ولي أنا أن أهمس في أذن رئيس المجلس الأعلى للدولة أن قد كنت مرافقا لمعاوية وقائدا لأركانه وشاهدت ما شاهدت من تعنته وفساد حكمه وابتعاده عن مصلحة الشعب وإرادته، فلا تعد الكرة وأصغ إلى صيحات المطالبين بالعودة للديمقراطية واخرج منها بسلام وأرحنا وأرح نفسك قبل أن يخرج الأمر من يدك فلا تستطيع له تداركا، وأعلم أنه قد فات الأوان فقد كان يمكن أن نتحملك لو كان ذلك قبل الثالث من أغسطس 2005 أما وقد كان هذا التاريخ وصرنا إلى ما صرنا إليه فلن نستطيع أن نتحملك، يمكن أن تكون مخلصا في نواياك صادقا في دعواك، لكننا سئمنا الأحكام العسكرية الاستبدادية وقررنا أن نقطع الصلة بها تماما، فسلم الراية وفز بشرف التنحي و غادر مشكورا.محمد ولد محمد سالمdah_tah@yahoo.fr
وكالة الأخبار الرابط: http://www.mmandc.com/3269-0-FF---FF---.html

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

نص ينفتح على دلالات متعددة


نص ينفتح على دلالات متعددة
قراءة في "فنجان قهوة" للقاصة سارة النواف
آخر تحديث:السبت ,20/11/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

تقدم سارة النواف في قصتها القصيرة “فنجان قهوة” تجربة فريدة في القص تقوم على بناء تقابل بين لحظة حاضرة ولحظة ماضية تخترقها، عبر عملية “استرجاع” تم فيها تنشيط خيال الشخصية الرئيسة “الزوج” لينتقل من الشاهد إلى الغائب، ومن الواقع إلى الذكريات، وقد يسّرت ذلك الانتقال بالتقاط ذكي للتشابه بين مشهد الحاضر وصورة الماضي الماثلة في الذكرى، ما فتح الذاكرة والتفكير لتداعٍ سردي محكم البناء مكتنز اللغة، فيه الكثير من التكثيف وفيه لعب على التقابلات، يشي باحتراف متمكن، وهي كاتبة لها موقعها المميز بين كتاب
القصة القصيرة في الإمارات، وقد صقلت موهبتها في هذا اللون الأدبي عبر مسيرة بدأت في الثمانينات وأنتجت “نسمات من الخليج” و”بحر لا يغيب أبدا”، ولها تجارب مسرحية منها “ابتدأ الدرس يا خالد” و”الأميرة والنَاي السحري”، وقد حصلت على جائزة الشيخ راشد بن حميد للعلوم والثقافة في عجمان عام 1996 عن قصتها “طاخ . . طاخ . . طاخ”، كما دأبت النواف على تطوير أدواتها الكتابية والبحث عن بنيات جديدة لقصصها ونجحت في تقديم بنى فنية ورؤى لافتة تنم عن حس أدبي راق، وقد عالجت قضايا المرأة والحرية والعدالة والمجتمع .
في “فنجان قهوة” يمثل الحاضرَ مشهد الزوج وهو يتناول قهوة الصباح من زوجته قبل أن يغادر البيت إلى عمله، وتمثل الماضيَ صورةُ أبيه وهو يتلقى من يد زوجته القهوة الصباحية قبل أن يغادر البيت إلى البحر، وصورةُ البحر المائج ترتسم من خلال سطح القهوة حين تتحرك تحت نظرات الزوج، فيخترق المشهدُ بكل أبعاده عالمَه ويخرجه من واقعه ليعيش للحظات في ذلك العالم السحري الجميل .
على مستوى البناء تقوم الأحداث والشخصيات والزمان والمكان واللغة ببناء نوعين من التقابل، تقابل تماثل وتقابل تضاد، ففي ما يخص الشخصيات يقابل الأب الزوج، فتأتي صورة الأب بشكل مقتضب، وفي إشارات خاطفة لكنها كاشفة عن نوعيته من الرجال وطبيعة عمله، فهو بحار وأغلب الظن أنه تاجر لؤلؤ، لأن البحارة في ذلك الزمان الماضي لم يكن يذهب الواحد منهم إلى الهند إلا لتجارة اللؤلؤ، وهو هادئ ساكت متأمل، يجد حلاوة في حياته ويتمتع بما يصيبه منها “يحتسي القهوة بهدوء ولذة تامة”، أما الزوج بطل القصة فلا نجد أي شيء من ملامحه سوى أنه يعيش اللحظة الحاضرة، وهي مقابل الماضي تعني الحياة العصرية، وهو يحب القهوة ويحاول على الدوام التمتع بها كما كان والده يتمتع بها، وهنا يترأى لنا أنه ينظر إلى والده كمثل أعلى يسعى لأن يبلغه، فهذا تقابل تماثل، وثانيها هما الزوجة والأم، فالأم كما رسمها خيال ابنها، مثال للمرأة التقليدية المطيعة المؤدبة في حضرة زوجها المستميتة في خدمته بصمت، فهي تقدم له القهوة وتظل تنتظر في هدوء تام حتى يفرغ فنجانه فتصب له إلى أن يرتوي، وغاية ما تريده هو أن تراه يتلذذ بارتشاف تلك القهوة وأن تسمع منه ثناء على جودتها، أما الزوجة فهي إذ تقدم القهوة لا تعطي لزوجها فرصة التمتع باحتسائها، فتقطع عليه متعته في كل حين بأحاديث لا تهمه، حتى يمل من ثرثرتها ومقاطعتها لأفكاره، فيهُمّ هو بصب القهوة لنفسه حتى يتخلص منها، لكنها تصر على أن تصب هي وتتابع تساؤلاتها وأحاديثها الصباحية المزعجة له، وحين يشتد انزعاجه، يمد لها الفنجان ويغادر البيت، وهذا تقابل تضاد، أما على مستوى الأحداث فيمكن رصد أمثلة عديد للتماثل كتقديم الزوجة للقهوة وعملية شرب الزوج لها ومغادرة البيت، لكن هناك تضادا بين ثرثرة زوجته وحديثها عن جيرانها، والأحداث التي تقع في حيها، وبين سكوت زوجة الأب ومتابعتها بسكون تام لارتشاف زوجها لقهوته، وانتظارها لكلمات الثناء، وعلى مستوى الزمان فالوقت في كلتا الحالتين هو الصباح الباكر حيث ينطلق الناس إلى أعمالهم، لكن هذا الوقت ينفتح على زمن آخر لا محدود ولا نهائي هو زمن البحارة وسفنهم، وقسوة البحر ولياليه الموحشة يخففها غناء “النهام” وأحلامهم وآمالهم بصيد من اللؤلؤ يسطع بريقه تحت أعينهم، في مقابل هذا الزمن الممتد لا ينفتح الصباح الحاضر على المستقبل، ولا نشهد آمالاً كتلك الماثلة في الماضي، وهنا أيضا تضاد من نوع آخر، والصيغة نفسها نجدها في المكان، فجلسة الصباح هي نفسها بين اللحظتين لكن البحر وعالمه لا يقابله مكان واقعي حاضر أو صوري في المستقبل، فهناك تشابه واختلاف من وجه آخر .
وعلى مستوى التفاصيل الدقيقة للمشهدين يشكل فنجان القهوة البؤرة المولدة للأحداث والناظمة لخيوط المشهد، وحوله نسجت كثير من أوجه التشابه جعلت الزوج حين يمعن النظر فيها يقول في نفسه “كأنها بحيرة” حركتها في الفنجان ومرارتها الحلوة كحركة أمواج البحر، وحولها كانت المقابلة بين المشهدين السابقين، وحولها كانت تلك الجلسة الصباحية التي يكشف السرد عن اختلاف فيها، فالزوج يتذكر جلسة والديه ومناولة القهوة وكأنها مناجاة صامتة رامزة لعلاقة حب رومانسي جميل، وهذه الرمزية والسكون هي ما يتوق إليه الزوج ولا يجده، وهنا وجه الاختلاف، قهوة الأب وقهوة ابنه، فقهوة الأب تختار بعناية من أجود أنواع القهوة وتستجلب من بعيد، أما قهوة الابن فلا يبدو أنها تُخصّ بتلك العناية .
أما على مستوى اللغة فلا حصر للمفردات المتماثلة والمتضادة، وهو شيء طبيعي بالنظر إلى التقابل بين المشاهد والعناصر السردية، فاللغة تبع لذلك أو هي صانعته، فتتكرر بين المشهدين كلمات “تقدم القهوة تصب يتناول يشرب، يرتشف، الصباح، يغادر، يتلذذ تنظر، إليه إلخ . .” وتستخدم متضادات تتركه ولا تعطيه، يتلذذ بالشرب، وشرب دفعة واحدة، غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المبثوثة في ثنايا النص .
ما الذي وّلد هذه البنية التقابلية بوجهيها؟
تشير عناصر التماثل في البناء إلى أن اللحظتين بينهما نوع من الانسجام وهو الغالب، على الأقل من زاوية نظر الشخصية الرئيسة “الزوج الذي هو الصوت الطاغي في النص والأكثر حضوراً، وهو الذي يتم سرد الأحداث من وجهة نظره، فيبدو كل شيء متطابقاً حتى استماتة زوجته في خدمته “تقديم القهوة وإصرارها على صبها له، رشه بالمسك” يطابق استماتة أمه في خدمة أبيه، والاختلاف الوحيد هو كلام زوجته ومحاولتها المتكررة لجره للحديث، وصرفه عن التفكير في القهوة، وهو ما يراه هو شيئاً مزعجاً، ومستكرهاً في حضرة القهوة وإيحاءاتها التي تحتاج إلى هدوء وسكون من قبيل ما كان بين أبويه، ومن هنا يأتي التوتر وينبعث العنصر الدرامي في الأحداث، وتتولد السلسلة السردية .
وما الدلالة العميقة لهذا الصراع بين عناصر الانسجام والاختلاف؟
هناك مستويات كثيرة للتأويل يمكن عند كل منها وضع مقاربة لهذه الدلالة، المستوى الأول وهو منطوق كلام الشخصية الرئيسية، وما توحي به وجهة نظره في القصة، وهو انعدام اللمسة الرومانسية في العلاقة بين الرجل والمرأة في الوقت الحاضر، وفقدان الأفعال والأشياء قيمتها الرمزية في تلك العلاقة، وتحولها إلى “شيء” مادي ميت، ففي مقابل انزعاجه من ثرثرة زوجته، وعدم احترامها للحظة احتساء الشاي بوصفها طقساً مقدساً، مقابل ذلك تبدو اللحظة مشبعة بالقداسة والجمال عند الأبوين “لأنها تذكره بتلك الجلسة الحميمة كل صباح . . والده ووالدته . . تواصل فريد بين الحبيبين تحكيه الدلة والقهوة حين يحتويها . . يحمل كل الحب . . يغني عن ألوف الكلمات العاشقة وعن رسائل الحب”، وهذه دلالة تجد لها مؤيدات من شواهد الواقع المعيش، المستوى الثاني إقامة تقابل بين الواقع الراكد الباهت، واقع العرب الذي لا يبعث على الحلم ولا يحفز على المغامرة وبين ذلك الماضي الجميل الذي كان مملوءاً بالأحلام والمغامرات والتحدي والذي يجد الإنسان في قسوته ومرارته حلاوة “لذة القهوة وطرب أغاني النهام”، لا يجدها في واقعه الرتيب المتكرر كما تتكرر ثرثرة الزوجة كل صباح .
المستوى الثالث وهو مغاير للمستويين السابقين، فقد تكون الكاتبة أرادت أن تكشف عن نظرة الرجل للمرأة التي يبدو أنها لم تتغير، فهو ما زال ينظر إليها كما كان أبوه ينظر إلى أمه، مجرد خادمة تقوم بواجباتها في خنوع وسكون، وتنتشي لأدنى إطراء من سيدها، ولا يحق لها أن تتكلم في حضرته، أو أن تهتم بشيء آخر سواه، والحال أن هذه المرأة اليوم قد خرجت إلى الحياة العامة واطلعت على الواقع وامتلكت المعرفة كما يمتلكها الرجل وأصبح من حقها أن تقاسمه آراءه وتناقشه، فالزوجة على اطلاع على ما يدور في حيها “احتراق غرفة نوم آل بوحمد، وأخبار جارتهم صفية”، لكن ما يعيق هذا التفسير كون الزوج يتوق إلى علاقة حب بمستوى رفيع كذلك الذي عرفه بين أبويه، أو توهمه، ولم يجده في حياته، وهو ما يدل على أن نظرته إلى المرأة ليست سلبية على الأقل في هذا المستوى الذي يطالبها بالارتقاء إلى انسجام لا يحتاج معه إلى تكلف في الأفعال والأقوال .
تدل تلك المستويات التأويلية، على فاعلية البنية في خلق المعنى، خصوصاً إذا حملت تلك البنية طابع الجدة، وهو ما تحقق في هذا النص، فالنوّاف استغلت الطابع المرن للقصة القصيرة الذي يعطي للكاتب حرية الحركة ولا يلزمه بأي نسق بنائي، سوى تحقق عنصر الدرامية في الحدث الذي تمر به الشخصية، فلم تلتزم بالبنية التقليدية من مقدمة وعقدة ونهاية، بل عمدت إلى التقاط مشهد أو حدث واحد، وصنعت من خلال اختراقه إلى مشهد من الذكرى سلسلةً من ردود الفعل النفسية والتذكرية . . كان للخيال فيها دور كبير، وكشف التقابل بين المشهدين صراعاً درامياً داخلياً كان له فاعلية حاسمة في خلق الدهشة والتوتر الباعثين على التفكير والتساؤل، ولم تكن اللغة بمنأى عن ذلك التوتر، فقد وفقت الكاتبة في أحيان كثيرة في اختيار المفردة المناسبة، وبلغت مستوى من الشاعرية في بعض مواقع من النص تلك غاية من غايات النص الأدبي، كما تدل على أن الإبداع ليس شيئا آخر سوى القدرة على التقاط الومضة الكاشفة للحظة الدرامية، التي تعمق الإحساس بالتجربة الإنسانية وتستقصي أبعادها، وتأليف بناء بديع حول تلك اللحظة من خلال لغة قادرة على التعبير عن تلك الدرامية .
رغم تلك المظاهر الجمالية فلا بد من الإشارة إلى بعض الأخطاء اللغوية الواردة في هذا النص، وهي وإن كانت قليلة إلا أن جمالية النص لا تقبل نقصاً، وعلى الكاتبة أن تجتهد في تلافي مثل تلك الأخطاء، فقد استخدمت عبارة تحيد بينه وبين، والصواب تحول بينه وبين، وأما حاد فيتعدى بالباء “يحيد به عن الطريق”، كذلك: “هي نعم القهوة” فالأصح “نعم القهوة هي” “تواصل بين المحبين” فالأصوب “تواصل بين الحبيبين”.
الخليج

سيبقى الأدب كلمة


أفق
سيبقى الأدب للكلمة
آخر تحديث:الجمعة ,24/09/2010
محمد ولد محمد سالم
شهدت بعض جلسات “ملتقى الشارقة للسرد العربي” الذي اختتم أعماله يوم الاثنين الماضي معالجات ركزت على القصة التفاعلية والأدب الترابطي بشكل عام، وقدم الروائي محمد سناجلة تصوره للأدب الترابطي، وسناجله كاتب أردني رائد في مجال الأدب التفاعلي، فهو أول من كتب رواية تفاعلية أو ترابطية كما يحب أن يسميها، وكانت بعنوان “شات” ثم أتبعها برواية “صقيع” وكانت تلك هي الانطلاقة لكتابات متعددة تنحو هذا النحو في مجال الرواية والقصة القصيرة والشعر .
وقد عرّف سناجله الأدب الترابطي بأنه الأدب القائم على تقنيات الكمبيوتر والإنترنت في بناء نص أدبي، أي استخدام الوسائط المتعددة من صورة وصوت وفيديو وغرافيك وروابط ألكترونية لصناعة خطاب تشكلّ الكلمة جزءاً منه، وليس كله، وهذا الخطاب أو “النص” إذا جاز التعبير مزيج من جميع الأجناس الأدبية، يستعصي على التصنيف، فلا يمكن إخضاعه لجنس أدبي واحد . وكاتب هذا النص لا بد له أن يكون مطلعاً على طرق استخدام تلك الوسائط المتعددة، فيعرف كيف ينقل الصورة ويتصرف فيها وكيف يسجل الصوت ويؤلف مشهد فيديو، وكيف يقيم ارتباطات تشعبية بين مختلف تلك الوسائط، كما يفترض أيضاً أن يكون له حس في مجال التصوير وكتابة السيناريو وصناعة مشاهد الفيديو ومهارات في فن التصميم، وتأليف المقاطع الموسيقية .
كم هو حجم المعارف التي ينبغي لهذا الكاتب المسكين أن يعرفها، إضافة إلى المعارف الأدبية المتشعبة التي يقضي الأدباء العاديون أعمارهم في تعلمها، وهل يقف عند مجرد محو الأمية التقنية، وتعلم ما يلزم عامة الناس من معرفة الكمبيوتر والإنترنت مما يخولهم الاستفادة منهما في مختلف أعمالهم، أم يتعلم البرمجة والتطبيقات والتقنيات الجديدة التي يحتاج إليها المبرمجون والمحاسبون والمهندسون وغيرهم .
وما هي حدود ذلك التعلم حين تصبح تلك التقنيات جزءاً من الإبداع ومكونا أصيلا من مكوناته، أليس عليه أن يجمع دبلومات كثيرة ويغوص في أعماق هذا العلم كي يستطيع أن يبدع فيه .
إن تحويل الكاتب إلى مبرمج كومبيوتر ومتخصص شبكات إنما هو ضرب من الرَّهَق، وتكليف ما لا لزوم له ولا يخدم الأدب في شيء، كما أن هناك حقيقة راسخة في كل تاريخ البشرية وهي أن الأدب “كلمة” قبل أن يكون أي شيء آخر، فإذا كان لكل علم أو فن “مادة” خامٌ هي التي يتأسس عليها فإن خامة الأدب هي الكلام، وكل محاولة لإدخال مادة أخرى في الأدب هي خروج بالأدب عن طبيعته إلى طبيعة جديدة مغايرة له، كما تخرج المواد الكيميائية عن طبيعتها عند مزجها، وليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها الأدب استقلال فنون بعدما امتزجت الكلمة فيها بمكونات أخرى مثل الغناء والمسرح والسينما، فلن تعدو هذه المحاولة الجديدة - إذا كتب لها النجاح- أن تكون من هذا القبيل وتستقل بنفسها ويبقى الأدب للكلمة .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج

للقراءة وقت واجب


أفق
للقراءة وقت واجب
آخر تحديث:الأربعاء ,29/09/2010
محمد ولد محمد سالم
عندما تزور إحدى المكتبات العامة في الإمارات، سيبهرك ما يبذل من جهود لجعلها مكاناً مثالياً للمطالعة، من ناحية توفر الكتب في جميع مجالات العلوم والإنسانيات، وترتيبها على أحدث معايير البرمجة والتبويب المكتبية، وسهولة الوصول إليها، وتوفر قاعات للقراءة بإضاءة مناسبة، وكذلك من ناحية توفر الكمبيوترات والإنترنت وأقراص مدمجة فيها برامج فيديو ونصوص رقمية، وماكينات تصوير الأوراق، وموظفين بشوشين متهيئين لمساعدتك، وقاعات للأطفال وأخرى للرجال وثالثة للنساء، لكنك تصاب بالإحباط حين تجد أن عدد الزوار لهذه المكتبات يتناقص باستمرار، وفي بعض الأحيان لا يتعدى زائروها الاثنين أو الثلاثة في اليوم الواحد، وهذا واقع يؤكد صدق ما يرتفع من حين لآخر من أصوات تنذر بتضاؤل الزاد المعرفي المؤصل لدى الأجيال الجديدة من الشباب، وعزوفهم عن أخذ العلم من مصادره الصحيحة، وفي أحسن الأحوال إن كان لأحدهم ميل للمعرفة فإنه يكتفي بالسماع وأخذ الشائع والعمومي الذي يتلقاه من الإذاعة أو التلفزيون أو الصحف أو السينما أو المسرح أو حلقات النقاش العامة وغيرها من وسائل التعلم، وما يؤخذ من هذه المصادر على أهميته ضئيل ومبتور، وما ينتج عنها هو ما يدرج اليوم ضمن “الثقافة العامة”، وهذه عادة ثقافة ضئيلة مفككة، فتلك المصادر لا تعد مصادر أصيلة للمعرفة بقدر ما هي مساعدات للمعرفة، ولا يمكن أن تقوم مقام المصدر الأول للمعرفة الذي هو الكتاب (سواء كان ورقياً أم رقمياً) ووسيلتها الأساسية هي المطالعة المستمرة المثابرة .
إن عزوف الفئات الجديدة عن المطالعة وتلقي المعرفة من مصادرها حقيقة ومشكلة مطروحة تحتاج إلى التفكير في طرق مواجهتها، ومن البدهي أن البداية تنطلق من الأهل والمدرسة، فعلى مستوى الأهل ينبغي أن يتعرفوا إلى الميول العلمية والمواهب الخاصة بأبنائهم، ويسعوا لتغذيتها بالكتب، فيكبر الطفل، وقد تعود على القراءة في ذلك الميدان، فيكون كلما تفتقت موهبته ازداد نهماً للقراءة وتعلم الجديد، وعلى مستوى المدرسة ينبغي أن تحتوي برامج التعليم على مزيد من الأنشطة الهادفة إلى معرفة ميول التلميذ، والبحث حتى يتم العمل على تنميتها بالقراءة، والجمع بين مختلف الطلاب ذوي الميول المتماثلة في أنشطة لا صفية، ليقرأوا خلالها عن ميولهم، ويتنافسوا في المعارف المتعلقة بتلك الميول، وحجر الزاوية في كل ذلك هو أن يتعلم الطالب أن للمطالعة وقتاً خاصاً واجباً، يماثل وقت النوم والأكل واللعب ومشاهدة التلفزيون، إن لم يكن يفوق بعضها، وأنه ما ميدان من ميادين الحياة اليوم يستغني عن القراءة والمعرفة .
أما على مستوى الهيئات الثقافية الأهلية والتجمعات، فيمكن اتباع الخطة نفسها بجمع الشباب مجموعات، كل منها ذات اهتمام مشترك، وإقامة أنشطة تثقيفية لها وبرامج تنافسية بين أفراد كل مجموعة، ويمكن استثمار ما توفره المجالس الشعبية من تجمع طوعي للشباب في هذا المجال، كما يمكن الاستفادة من خطط البرامج الناجحة للتثقيف عن طريق القراءة في البلدان الأخرى كخطة “حلقة القراءة” الشائعة في كثير من البلدان والتي تتكون من أشخاص من الحي نفسه، يقرأون كل أسبوع كتاباً، فيأخذ كل واحد منهم نسخة منه ليقرأها، وفي نهاية الأسبوع يجتمعون لمناقشته، وقد سهلت المنتديات الإلكترونية اليوم هذه الصيغة، فأصبح النقاش يتم على صفحات الإنترنت.
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:

بين الكاتب والمجتمع


أفق
آخر تحديث:الجمعة ,15/10/2010
محمد ولد محمد سالم
سبقت الدورة الخامسة والثلاثين من معرض الكويت الدولي للكتاب التي بدأت في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري نداءات كثيرة لرفع الرقابة عن الكتب، وترك الحرية لدور النشر في عرض ما تراه من منشوراتها، وللناس في اقتناء ما يرغبون في اقتنائه، وجاءت الدعوة في شكل مطالبة لمجلس الأمة بالتدخل وسن قانون يمنع الرقابة على الكتب .
تطرح قضية الرقابة إشكالية كبيرة على الفكر العربي وذلك لما تحمله من أوجه متناقضة، فتمشياً مع مبدأ الحرية الشخصية وحرية الرأي والفكر، فليس مقبولاً أن يحجر على الكاتب فيحدد له ما يكتبه، وتمنع كتبه إذا هو خرج عن تلك الحدود، ومن جهة أخرى، فإن لكل مجتمع أسسه وحدوده التي ينبغي أن تبقى محصّنة ويشكل الاعتداء عليها نقضاً لعراه، وتنطلق تلك الأسس من الهوية والأمن والتكوين الاجتماعي والثقافي للمجتمع .
كما أن كل البلدان على حد سواء لن تقبل بأية كتابة تمس أمنها أو تفشي أسراره الخاصة، ما قامت به البنتاغون الأمريكية في الأسابيع الماضية من سحب لكتاب عميلها الذي أفشى بعض أسرارها دليل على هذا التناقض بين مفهوم الحرية الفردية وحدود المجتمع، وفي فرنسا حدث منذ أسابيع أن منع تداول أغنية وسحبت أشرطتها وألبوماتها من المكتبات بفعل دعوات نسائية رأت فيها اعتداء على حقوق المرأة، لأن نص الأغنية كان على لسان رجل يسب ويتهمها في عرضها، ومنع المغني نفسه من مهرجان فني لاحق، والأمثلة على تلك الحالات التي يمنع فيها المبدعون والمفكرون والكتاب من ممارسة حريتهم كثيرة في الغرب، رغم ادعاءاته ضمان الحرية الشخصية للفرد، واعتبارها حقاً مقدساً لا يمكن المساس به .
القاعدة، إذن، هي أنه إذا تعارضت ثوابت المجتمع ومبادئ هويته مع حرية الكاتب فلا بد من منع الكاتب من ممارسة حريته، لكنه لكي يكون له الحق في ذلك المنع ينبغي أن يتحلى بالحكمة في ممارسة حقه في الحفاظ على هويته وألا يخلط أوراق الحق بأوراق الباطل، فيمنع لأسباب لا تمت بهويته ولا لأمنه بصلة، فيضطهد بذلك كتابه وأدباءه ويمنع نور الكتابة من أن ينير الطريق للناس .
من جهة أخرى، فإن على الكتّاب أن يتحلوا بالحنكة ويعرفوا كيف يقولون كل شيء من دون أن يخدشوا حياء المجتمع أو ينالوا من هويته وأمنه، فيستخدموا الرمز والتلميح وغيرها من الأساليب التي تقبل التأويل على أوجه متعددة، كما أن من واجبهم أيضاً أن يكونوا مدافعين حقيقيين عن الأسس الحضارية لمجتمعهم قبل أن يكونوا هادمين لها .
dah_tah@yahoo.fr
الخليج:

مشروع الشارقة الثقافي


آخر تحديث:الأربعاء ,27/10/2010
محمد ولد محمد سالم
الذين تابعوا كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في افتتاح الدورة التاسعة والعشرين من معرض الشارقة الدولي للكتاب، وحديثه عن رؤيته للتنمية الثقافية والخطة التي تتبناها الإمارة في ما وصفه بعبارة “مشروع الشارقة الثقافي” التي كررها سموه مراراً، لا بد أنهم تعرفوا عن قرب إلى جوهر هذا المشروع وسماته العامة فهو “مشروع وطني إماراتي عربي” جوهره تفعيل الحركة الثقافية العربية في الإمارات والوطن العربي وخطاب الآخر من خلال هذه الثقافة وبآلياتها هي ومفاهيمها وليس بآليات ومفاهيم ثقافات الآخرين، وتلك نقطة مهمة تدل على وعي بحدود الأصالة وضروراتها، ومعرفة مخاطر الاستلاب وسبل التحصن منه .
وهو مشروع “للمثقفين والمبدعين” يهتم بتوفير الظروف المناسبة لهم للعطاء والإبداع، وقد ضرب سموه مثالاً دالاً على ذلك، وهو أنه يوم دعي لإلقاء كلمة “رسالة المسرح” في يوم المسرح العالمي الذي تنظمه اليونسكو في باريس اختار أن يكون وفده مكوناً فقط من مسرحيين عرب من المشرق والمغرب اعتزازاً بهم ورفعاً لشأنهم كما قال سموه، ويتمثل هذا الدعم في أوجه كثيرة منها جوائز التكريم في المعرض وفي مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ومهرجان الإمارات لمسرح الطفل ومهرجان الشعر العربي والبيناليات الفنية، وكل صنوف التكريم الأخرى وأهمها دعمه بنشر مؤلفاته في إطار إصدارات دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة .
وهو مشروع متنوع يتكامل فيه الأدب مع الفكر مع المسرح مع الفنون التشكيلية ولا يحتاج المرء لضرب أمثلة لذلك فهي عديدة .
وهو أيضاً مشروع مفتوح على الآخر مهتم به يسعى للتواصل معه، وتوصيل صوت الثقافة العربية إليه، بعد أن ظلت غائبة عن المحافل الدولية نادرة الحضور فيها، وضرب مثلاً على ذلك الغياب بتجربة عاشها سموه شخصياً حين دخل أحد المتاحف الكثيرة في لندن فوجد العالم كله حاضراً إلا العرب فلم يجد لهم أثراً، مع أن الآخر مستعد لتفهم هذا المشروع والتفاعل معه إذا قدم له على أصالته وهو ما ظهر في تفاعل الجمهور الياباني بقوة مع أيام الشارقة الثقافية هناك .
وهو كذلك مشروع يقوم على العمل الدؤوب المتواصل “العمل الثقافي” وليس التنظير مع ما للتنظير من أهمية كما قال سموه، العمل المتمثل في إقامة المؤسسات الثقافية وتنظيم المهرجانات الدائمة التي تتربى الأجيال في كنفها وتخرج مثقفين، وأهمية هذه المؤسسات والمشاريع أنها لا تسعى إلى البهرجة، بل تتأسس على فعل ثقافي حقيقي ومتطور، والمعرض أكبر مثال على ذلك .
يمكن إذن وصف رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة لمشروع الشارقة الثقافي بأنه “عمل ثقافي إماراتي عربي متكامل منفتح على الآخر”، وتلك رؤية أصيلة تجعل كل من له أدنى انتماء لهذه الثقافة العربية يسعد بهذا المشروع ويعتز به أيما اعتزاز .
dah_tah@yahoo.fr
جريدة الخليج

الكتاب والاستهلاك


آخر تحديث:السبت ,06/11/2010
محمد ولد محمد سالم
كيف تفكر المجتمعات العربية اليوم، وهل يمكن اعتبار اقتناء الكتاب دليلاً على نوعية التفكير؟ إن نظرة فاحصة إلى ما يشتريه زوار معرض الشارقة الدولي للكتاب تكشف أن كتب الأطفال والكتب الدينية وكتب الطبخ تستقطب اهتمام المشترين أكثر من غيرها، في حين أن الكتب المتخصصة في العلوم المختلفة وكتب الفكر والإنسانيات والشعر والنقد لا تجد إقبالاً كبيراً . وإذا كان مفهوماً أن يقبل الناس على كتب الأطفال لشراء برامج التعليم المدرسية وتعليم أطفالهم عادة القراءة، ومفهوماً كذلك أن يقبلوا في مجتمع مسلم على الكتب الدينية، فإن الإقبال على كتب الطبخ وحدها من دون سائر أنواع الكتب الأخرى يطرح التساؤل حول طبيعة التفكير والثقافة التي تسود المجتمع، وحول وضع المطالعة فيه، فهل ضاع جهد ما يقارب مئة وخمسين سنة من سعي الكتاب والمؤلفين لإحداث نهضة حضارية عن طريق إقامة تقاليد للقراءة، وذلك منذ أن كتب رفاعة الطهطاوي كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، الذي تحدث فيه عن مظاهر التطور والحضارة التي تعيشها فرنسا إبان زيارته لها في حدود منتصف القرن التاسع عشر، وأعجب بما رآه فيها من مكتبات عمومية ومظاهر للقراءة وعزا نهضتهم إلى ذلك؟
وهل أضعنا في جهد العقاد في “ساعات بين الكتب” التي كان يخصصصها أسبوعياً لمراجعة الكتب والتعليق عليها، ويرشد فيها إلى الكتب الثمينة وإلى قيمة المطالعة، وهل أضعنا من قبل هذين بقرون ما كتبه الجاحظ في تمجيد الكتاب، ليستحث الناس على القراءة: “الكتاب وعاء مملوء علماً، وظرف حشي ظرفاً، وبستان يحمل في ردن، وروضة تقلب في حجر ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحياء، ولا أعلم نتاجاً في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده يجمع من التدابير الحسنة والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة ومحمود الأخبار عن القرون الماضية والأمثال السائرة، والأمم البائدة ما يجمع الكتاب”؟
هناك خلل في التعامل مع الكتاب وفي تقدير قيمته، يدل على أن الأجيال الحاضرة ليست أجيال قراءة، وأن الفكر في سمائنا العربية معطل، وربما يبرر هذا الفشل الذي نشاهده في كثير من مناحي الحياة، لم نستنر بنور الكتاب فاتجه تفكيرنا إلى الهامشي والثانوي حتى أصبح مركزياً وتراجع ما كان مركزياً ليكون هامشياً، ومع أن كل قراءة تعد مفيدة مهما كانت فإن التهافت على كتب الطبخ والموضة ليس مؤشراً لفكر سليم، وإنما يؤكد أن النزعة الاستهلاكية تحكمت في النفوس ولم يعد الاهتمام يتجه إلا إلى ما يؤكدها، وعسى ألا يكون ما نشاهده من إقبال على شراء كتب الأطفال داخلاً في باب النزعة الاستهلاكية وحب المظاهر، فتتكدس الكتب لدى الطفل من دون أن يلقى توجيهاً مدروساً ومنظماً يرسخ في نفسه فضيلة قراءتها، فلا تلبث أن تتلف، بل نرجو أن يكون مقدمة لصناعة أجيال قارئة قادمة .
dah_tah@yahoo.fr
جريدة الخليج:

صدور "دروب عبدالبركة" لمحمد ولد محمد سالم


صدور "دروب عبدالبركة" لمحمد ولد محمد سالم
آخر تحديث:الأحد ,31/10/2010


1/1

صدر مؤخراً عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في المعرض رواية “دروب عبدالبركة” للزميل محمد ولد محمد سالم، وهي الرواية الثالثة له بعد روايتيه “أشياء من عالم قديم” و”ذاكرة الرمل” .
تدور أحداث الرواية حول حياة علي بن عبدالبركة وهو شاب حديث العهد بالتخرج والتوظيف يكرس إجازته السنوية الأولى للبحث عن أبيه الذي لا يعرف عنه إلا اسمه وأوصافاً قليلة استقاها من أمه وخالته، وخلال البحث تتكشف له معالم حياة والده، ابتداء من هروب أمه به خوفاً عليه من إخوته لأبيه أن يقتلوه حتى لا يعترف أبوه به فيكون له نصيب في الميراث، ثم تسكن به أمه في قرية من قرى منطقة “البراكنة” بعد أن آواها أهل القرية وأحسنوا جوارها، وبعد وفاتها، ينطلق عبد البركة في الآفاق، راعي غنم ثم سائق “أجلاب”، وخلال تنقلاته بين المناطق الموريتانية يتزوج زيجات كثيرة ويخلف أولاداً مشتتين لا يعرف أيّ منهم الآخر، وفي إحدى المرات يكتشف أن إحدى زوجاته التي تزوجها حديثاً تخونه فيقتلها ويفر إلى السنغال، وبعد سنوات طويلة هناك يعود متخفياً، لكنه لا يفلح في الوصول إلى أولاده، ويموت في ظروف غامضة في قرية “كرمسين” . وترصد الرواية عبر مقاطع مونولوجية واسترجاعية جوانب من حياة علي بن عبد البركة والصراعات النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه لأبيه الذي لم تره عيناه، وتحديه للألم والفقر وإصراره على النجاح، وعلى الوصول إلى والده الذي حمل عنه صورة هي مزيج من القوة والكرم والإيمان، ورغم أن علياً لم يحقق هدفه في الوصول إلى أبيه حياً، إلا أنه استطاع التعرف إلى جميع إخوته وجمعهم .
تنقسم الرواية إلى ستة فصول هي: درب الطفولة، درب مارية، درب الفلاني، درب حمزة، درب مسعودة، نهاية الدرب .
جريدة الخليج

حلقة نقدية لرواية “دروب عبد البركة” في نواكشوط


آخر تحديث:السبت ,04/12/2010
نواكشوط - “الخليج”:


1/1

نظم نادي القصة الموريتاني الأربعاء الماضي في مقر اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين أمسية سردية حول رواية “دروب عبد البركة” للروائي الموريتاني الزميل محمد ولد محمد سالم، والصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وهي الرواية الثالثة للمؤلف وتأتي بعد صدور روايتيه السابقتين: “أشياء من عالم قديم” و”ذاكرة الرمل”” .
الأمسية شكلت لقاء بين الروائي ولد محمد سالم وعشرات الشعراء والأساتذة الجامعيين والكتاب الروائيين والقصاصين والنقاد والصحفيين الذين جاؤوا للاحتفاء بهذا الروائي المتميز .
الروائي محمد ولد محمد سالم أعرب عن شكره لدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة التي بادرت بطباعة الرواية والتي مافتئت تبادر بتبني كل إبداع ثقافي عربي وتسعى لتنشيط الثقافة العربية .
وتحدث بإيجاز عن فضاء رواياته الثلاث مقدما عرضا عن شخصياتها الرئيسية، واعتبر أن الكتابة بالنسبة له عملية إبداعية ذاتية مفاجئة، تأتي نتيجة للحظة انكشاف أو انقداح لرؤية معينة، وهو ما يصعب معه اتخاذ قرارات مسبقة أو احتساب مواقف معينة أو خلاصات مقصودة .
وتحدث د . محمد الحسن ولد محمد المصطفى، أستاذ النقد في جامعة نواكشوط، في مداخلته عن الأجواء التي ترسمها الرواية من خلال أحداثها وشخوصها، لافتاً إلى أنها تعالج واقع الظلم الاجتماعي الذي عايشته شرائح اجتماعية موريتانية وذلك بأسلوب أدبي روائي عالي التقنية . وأضاف أن الروائي ولد محمد سالم في “دروب عبد البركة” مزج على نحو بالغ الدقة بين المدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحداثية التي تستخدم مختلف تقنيات السرد والتكثيف والرمزية، وغيرها .
وقال أستاذ اللسانيات الدكتور يحيى ولد البراء عن الرواية: “لقد استهوتني دروبك، ولم أكن أظن أن فن السرد عندنا قد وصل إلى هذا المستوى”، فيما قال عنها الناقد والشاعر الدكتور محمد ولد عبدي: “إنها تتسم بالعمق في الطرح” .
وتدور الرواية حول حياة علي بن عبد البركة وهو شاب حديث العهد بالتخرج والتوظيف يكرس إجازته السنوية الأولى للبحث عن أبيه الذي لا يعرف عنه إلا اسمه وأوصافا قليلة استقاها من أمه وخالته، وخلال البحث تتشكف له معالم حياة والده، ابتداء من هروب أمه به خوفا عليه من إخوته لأبيه أن يقتلوه حتى لا يعترف أبوه به فيكون له نصيب في المال والملك، ثم تسكن به أمه في قرية من قرى منطقة “البراكنه” بعد أن آواها أهل القرية وأحسنوا جوارها، وبعد وفاتها، ينطلق عبد البركة في الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، راعي غنم ثم سائق “أجلاب”، وخلال تنقلاته بين المناطق الموريتانية يتزوج زيجات كثيرة ويخلف أولادا مشتتين لا يعرف أي منهم الآخر، وفي إحدى المرات يكتشف أن إحدى زوجاته التي تزوجها حديثاً تخونه فيقتلها ويفر إلى السنغال، وبعد سنوات طويلة هناك يعود متخفياً، لكنه لا يفلح في الوصول إلى أولاده، ويموت في ظروف غامضة في قرية “كرمسين” . وترصد الرواية عبر مقاطع مونولوجية واسترجاعية جوانب من حياة علي بن عبد البركة والصراعات النفسية التي يعيشها بسبب فقدانه لأبيه الذي لم تره عيناه، وتحديه للألم والفقر وإصراره على النجاح، وعلى الوصول إلى والده الذي حمل عنه صورة هي مزيج من القوة والكرم والإيمان، ورغم أن عليا لم يحقق هدفه في الوصول إلى أبيه حيا، إلا أنه استطاع التعرف إلى جميع إخوته وجمعهم .
جريدة الخليج