بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 أبريل 2010

من أجل سياحة ثقافية


أفق
من أجل سياحة ثقافية
آخر تحديث:السبت ,15/08/2009
في أحد لقاءاته التلفزيونية تحدث المستشار التربوي الكويتي د .إبراهيم لخليفي بحسرة عن بعض الممارسات الغريبة التي يقوم بها بعض السياح العرب في البلدان التي يزورونها، وذكر أن صديقاً له روى له كيف أن بعض وكالات السياحة في تركيا تقدم للسياح العرب فرصة زيارة الأماكن التي تم فيها تصوير مسلسل “نور”، وأن هذه الخدمة تلقى إقبالاً كبيراً، وقد رفعت الوكالة سعر الرحلة عندما لاحظت ذلك الإقبال .
وهنا يتساءل المرء عن جدوى هذا النوع من السياحة وفي أي باب من أبواب السياحة يمكن إدخاله؟ فهو قطعاً لا يخدم أي هدف سياحي ذي قيمة، ولا يمكن إدخاله في باب السياحة الثقافية التي تهدف إلى معرفة البلدان وشعوبها وتراثها الحضاري والمعماري وعاداتها عن طريق زيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف، والتعرف إلى الصناعات التقليدية وأشكال التعبير الفني وحضور الأنشطة الثقافية المرتبطة بذلك مثل المعارض أو المهرجانات .
وهذا النوع من السياحة يتوجه إلى تثقيف الإنسان وترفيهه في الآن نفسه، إذا أخذ به على الوجه الصحيح، وقد أصبحت العديد من البلدان تضعه على رأس سياساتها السياحية وتنشر وسائل التعريف به بين مواطنيها حتى تكون سياحتهم ذات مردود معرفي وترفيهي معاً، وحسب تقديرات منظمة السياحة العالمية، فإن السياحة الثقافية تمثل حوالي 37% من إجمالي سوق السياحة الدولية، أي ما يوازي ثلث إجمالي النشاط السياحي في العالم . كما تشير هذه التقديرات إلى أن السياحة الثقافية تنمو بمعدل 15% في العالم تقريباً، وقد دفع تطور مفهومي التراث والسياحة والعلاقة بينهما، وتعاظم دور التراث الثقافي العمراني في السياحة الأمم المتحدة إلى تبني الاتفاقية العالمية للسياحة الثقافية عام 1999 التي تحمي التراث الثقافي وتنظمه وتسهل الاستفادة منه في هذا النوع من السياحة .
وفي الوطن العربي لا يزال الوعي بأهمية هذا النوع من السياحة، غائباً، وسياسات الحكومات للاستفادة من تراثها الحضاري في هذا الصدد متعثرة، كما أن المواطن العربي لم يدرك بعد قيمة هذه السياحة في توسيع ثقافته وتنمية مداركه في فهم ثقافات الشعوب الأخرى وأساليب تفكيرها وتعبيرها وطرقها التقليدية في الإنتاج والمعمار، وليس أدل على ذلك من الحادثة المذكورة أعلاه، فليس من باب الثقافة في شيء أن تعرف المكان الذي صور فيه مشهد البطلة وهي جالسة على كرسي أو نائمة في سرير .
من شأن السياحة الثقافية أن تغني من يمارسها عن الكثير من الدراسات والكتب التي تؤلف للتعريف بحضارة ما وآثارها، لأنها اتصال حسي مباشر مع هذه الحضارة، واكتشاف شائق لخصائصها وعمرانها وشواهدها الحية، فيكون بذلك قد أصاب عصفورين بحجر واحد، متعة السفر وتغيير الجو والترفيه عن النفس، وقيمة العلم واكتساب ثقافة وخبرة جديدة .
فحري بالجهات العربية المسؤولة أن تعي أهمية هذا النوع من السياحة فتستثمره للاستفادة من تراثها الحضاري والمعماري الغني، وتنشر التوعية به لدى المواطن العربي حتى تكون سياحته عقلانية منطقية وذات جدوى .
محمد ولد محمد سالم
Dah_tah@yahoo .fr

لغط لا ينتهي



أفق
لغط لا ينتهي
آخر تحديث:الثلاثاء ,12/01/2010
محمد ولد محمد سالم

زاد إعلان اللائحة القصيرة لجائزة البوكر للرواية العربية 2010 وأسماء لجنة تحكيمها، الذي تم خلال معرض بيروت نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، الضجة حول هذه الجائزة تصاعداً هنا وهناك، فقد قلب هذا الإعلان توقعات كثير من الذين حملوا على طريقة إدارة الجائزة واتهموا أعضاء في مجلس أمنائها بالاستحواذ على الرأي، حيث ضمت اللائحة الطويلة “لائحة 16” ثلاث روايات سعودية هي “الوارفة” لأميمة الخميس و”شارع العطايف” لعبدالله بن بخيت و”ترمي بشرر” لعبده خال، في حين لم تحظ بلدان أخرى ذات وزن بشري وروائي بالتمثيل الذي تستحقه، واتهم أعضاء آخرون بأنهم يسعون لأن تكون الجائزة من نصيب رواية “اسمه الغرام” للبنانية علوية صبح، وكانت المفاجأة أن السعودية لم تخرج لها من اللائحة الأخيرة سوى رواية واحدة هي “ترمي بشرر” وأن رواية علوية صبح لم تكن ضمن اللائحة القصيرة .
وعلى الرغم من هذه النتيجة فقد جدت اتهامات أخرى نسج أصحابها حول اختيار لجنة التحكيم، وقرار شيرين أبو النجا الانسحاب من عضويتها، الأقاويل الكثيرة . وكانت شيرين واضحة في المقال التوضيحي الذي كتبته بعد انسحابها ولم تدع مجالاً لتأويل من أي نوع، فذكرت أنها لم تقتنع بطريقة التصويت التي لجأت اليها لجنة التحكيم، ولم تذكر أبداً أنها تعرضت لضغط من أي نوعٍ، وذكرت أن المداولات كانت تجري بصراحة تامة، ولكنها فضلت أن تظل وفية لآرائها وقناعاتها فانسحبت، وقد اعتبر مجلس الأمناء ذلك موقفاً شخصياً يحق للناقدة أن تقفه، وأيد من جانبه ديمقراطية التصويت الذي جرى .
وتشير هذه الأحداث والسجالات التي جرت، ولاتزال والتي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في تأريخ هذه الجائزة، الى المكانة الكبيرة التي تبوأتها حتى أصبحت محط أنظار الروائيين والنقاد العرب في كل أنحاء الوطن العربي، وذلك في فترة وجيزة لا تتجاوز الثلاثة أعوام، وتشير كذلك الى واقع الإحباط وعدم الثقة الذي وصلت اليه الثقافة العربية، بحيث لم يعد أحد مقتنعاً بأنه يمكن أن تسلم جائزة أو مسابقة أو أي نشاط ثقافي في هذا الوطن من انحياز . وتشير ثالثاً الى أن بعض النقاد والروائيين تضخمت لديهم الذات فحسبوا أن أسماءهم ينبغي أن تكون معيار المصداقية في لجان التحكيم والجوائز .
لقد أثبتت جائزة البوكر للرواية العربية خلال الدورتين السابقتين أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وكانت اختياراتها بالنسبة للوائح القصيرة والروايتين الفائزتين مقنعة الى حد كبير . وقد أشاد الكثيرون باستقلالية الجائزة عن المؤسسة الممولة، وهي “مؤسسة الإمارات” التي تركت للجان الجائزة حرية التصرف والاختيار وأرادتها جائزة عربية على غرار سميّتها البريطانية .
إن على مجلس الأمناء، وبعد أن تنتهي هذه الدورة التي نرجو أن تكلل بالنجاح كسابقيتها، أن ينظر في بعض الاعتراضات الموضوعية التي قدمتها شخصيات أدبية ذات صدقية، خصوصاً الاعتراض المتعلق بالكيفية التي يتم بها اختيار روايات اللائحة القصيرة . وبمراجعة وتطوير المعايير ستصل الجائزة إلى ما يطمح إليه منظموها، ويطمح إليه كل مثقف .
dah_tah@yahoo .fr

أمريكا بين روايتين.. الصورة ومقلوبها


الصورة ومقلوبها
أمريكا بين روايتين
آخر تحديث:السبت ,17/04/2010
محمد ولد محمد سالم


1/1

بين رواية “شيكاغو” لعلاء الأسواني ورواية “أمريكا” لربيع جابر أوجه شبه متعددة، فكلتاهما تروي أحداثا في أمريكا الشمالية وكلتاهما ترصد حياة مهاجرين عرب إلى تلك البلاد، وقد اتخذ خط الأحداث فيهما غالبا منطق التسلسل الزمني، وركزت كلتاهما على حكاية حيوات أشخاص متعددين جمعتهم الظروف الزمنية في مكان واحد، ولم تربط بينهم أحداث حكاية واحدة، ما جعل المكان والزمان رابطين رئيسيين في الروايتين، ويؤكد ذلك عنوانا الروايتين “أمريكا” و”شيكاجو”، فهما يحيلان على المكان، ويشيران إلى الدور البارز الذي يلعبه .
تدور أحداث رواية “أمريكا” في أوائل القرن العشرين، وتروي في المقام الأول حياة “مرتا حداد” تلك المرأة الشابة التي خرجت وحدها من قريتها في جبل لبنان في رحلة طويلة إلى أمريكا بحثا عن زوجها الذي انقطعت عنها أخباره منذ عام، وكانت قبل ذلك تصلها رسائله بشكل متواصل، وفي أمريكا يخيب أملها في استعادة زوجها الذي تكتشف أنه تزوج من أمريكية ثرية، فتبدأ الشابة كفاحا طويلا من أجل بناء حياتها، وكما في الروايات الرومانسية التقليدية يحالف الحظ ميرتا في كل محطات حياتها، فتتاجر وتثرى وتتزوج وترزق أطفالا، لكن الرواية لا ترصد فقط حياة مرتا، فهناك حكايات عن شخصيات كثيرة عاشت حياتها بموازاة حيوات شخصيات المهاجرين من سوريا الكبرى (لبنان وسوريا) الذين تدفقوا على أمريكا بأعداد كبيرة في تلك الفترة، وبدأوا التجارة باعة متجولين، يقطعون الأراضي الشاسعة ويتعرضون لألوان المصاعب والمصائب من جوع ومرض وتيه ونهب، ثم شيئا فشيئا بدأوا يستقرون في المدن والبلدات ويفتحون الدكاكين مؤسسين للجيل الأول من العرب المهاجرين إلى أمريكا .
أما رواية “شيكاغو” فتدور أحداثها بعد احداث 11 من سبتمبر وترصد حياة مجموعة من الطلاب المصريين الذين هاجروا للدراسات العليا في هذه المدينة، والبطولة الفردية فيها غير واضحة، فالشخصية التي تبدأ بها الأحداث وتنتهي هي الطالبة شيماء، ولكن حضورها في الرواية ليس أظهر من حضور شخصية مثل ناجي عبدالصمد أو أحمد دنانه أو غيرهما، ولا ترتبط أحداث حياة أي من هذه الشخصيات بالأخرى إلا في أحداث نادرة وبشكل ثنائي، فحياة شيماء الطالبة القادمة من جامعة طنطا التي كانت تعمل فيها أستاذة مساعدة في الطب إلى جامعة ألينوي لإكمال دراستها هناك، لا تخرج عن ارتباطها بطارق حسيب الطالب الذكي الطموح الذي سبقها إلى هذه الجامعة لإكمال دراسته في الطب، وكذلك الشأن بالنسبة لناجي عبدالصمد الطالب اليساري المعارض، فظهوره في الرواية مرتبط غالبا بكرم دوس الذي كان يخطط معه لتنظيم مظاهرة أثناء زيارة الرئيس المصري لشيكاغو، كذلك الأستاذان في جامعة إلينوي رأفت ثابت ومحمد صلاح، وجراح القلب د أكرم دوس الذين جاءوا إلى أمريكا منذ عقود طويلة، ورئيس البعثة الطلابية عضو الحزب الوطني أحمد دنانه وزوجته ورجل الأمن صفوت شاكر، كلها شخصيات تسير حياتها في خطوط متناظرة روابطها واهية، ويلعب الزمان والمكان أكبر الأثر في تحريكها .
مغامرة
ويجدر بنا قبل استبيان ملامح صورة أمريكا في رواية ربيع جابر أن نقف عند طبيعة المهاجرين من بلاد الشام والأسباب التي دفعتهم في تلك الفترة، وفي ظروف سفر قاسية تستدعي قطع آلاف الكيلومترات إلى تلك البلاد .
كان المهاجرون الأوائل مجموعة من الشباب الأقوياء المنحدرين من مناطق الحقول الزراعية، وهم في أغلبهم أميون أو شبه أميين، تدفع بهم ظروف الحياة القاسية من جفاف وفقر وجوع ومرض إلى السفر إلى تلك البلاد البعيدة، وكانت أمريكا يومئذ بلد الكسب والتمول السريع، وحلم الثراء لكل شاب في بلاد الشام .
ولا نجد في الرواية حديثا عن القهر والتوق للحرية إلا في إشارة واحدة عابرة من “علي جابر”، وعلى ذلك فلم تكن الحرية في هذه الفترة أحد مكونات صورة أمريكا في مخيلة المهاجرين، ولم يكن الكبت أوالظلم أحد دوافع السفر بقدر ما كان الفقر هو الدافع .
وترصد الرواية حكايات ناس كثر من هؤلاء المهاجرين ممن نجحوا في أعمالهم واندمجوا بسهولة في المجتمع الأمريكي، وليس أدل على هذا الاندماج من انخراطهم المبكر في الجيش الأمريكي وذهابهم الطوعي لجبهة الحرب في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، على أن هناك آخرين عادوا بسرعة إلى أرض الوطن بعد ما جمعوا أموالا يستطيعون استثمارها في بلادهم .
هي بلد العمل الجاد الواعد بالمال الوفير، بلد الإمكانات الهائلة للعيش والاندماج مع أجناس وأعراق بشرية كثيرة، هكذا تبدو صورة أمريكا في أذهان المهاجرين العرب الأوائل، ولا نجد في الرواية أي حديث عن اضطهاد ولا تمييز عنصري، وتكاد تخلو من حوادث العنف ومشاهد الإقبال على الملذات، ولعل ذلك يمكن أن يفسر بكون تلك الفترة كانت فترة بناء لأمريكا، وكان الناس ينصرفون أكثر إلى العمل وليس لديهم وقت يضيعونه، كما أن الحياة كانت لا تزال متقشفة ولم تعرف بعد ذلك الترف الفاحش الذي انحرف بالإنسان الأمريكي إلى الانغماس في الملذات والمخدرات والعنف .
تراجع
مع رواية شيكاغو يختلف نوع الشخصيات، فنحن أمام طبقة من المتعلمين تعليما عاليا، فكل الشخصيات الأساسية في الرواية هم مجموعة من طلاب الدراسات العليا وخصوصا طلاب قسم “الاستطباب” في جامعة إلينوي الذين أنفقوا فترة كبيرة من أعمارهم المهنية في التدريس في جامعات الطب في مصر ثم حصلوا على منحة لإكمال دراساتهم العليا في هذه الجامعة العريقة، ويبدو هؤلاء للوهلة الأولى مقطوعين عن المجتمع الأمريكي وحياته، بل إن ارتباطهم بمصر والحياة السياسية فيها أكثر وضوحا، ويظهر في دور الذي يلعبه رئيس البعثة الطلابية وضابط الأمن في القنصلية، وأحداث زيارة الرئيس لأمريكا، حتى الشخصيات التي استقرت في أمريكا منذ عقود “صلاح ورأفت وكرم” لا تظهر في الرواية إلا في ارتباطها بذلك الوسط الجامعي المعزول .
شرخ
إذا كان ربيع جابر قد استطاع أن يمحور صلب روايته حول حياة بطلتها، ويعززها بقصص جانبية تؤكد وجهة النظر التي يريدها، فإن علاء الأسواني جعل روايته متابعات سيرية لكل واحد من شخصياته منفرداً عن باقي الشخصيات، وتركها تعيش على هامش المجتمع، ففوت ذلك على القارئ إمكانية بناء منظور عام للرواية، يمكن أن يسعف في تقديم صورة محددة لأمريكا، ومع ذلك فقد انفرد عن ربيع جابر بميزة الدخول للأعماق النفسية للشخصيات عن طريق أسلوب التداعي الحر والحوارات الكاشفة، فسبر أغوار تلك الأنفس وأظهر ما يعتمل فيها من صراعات وتناقضات، وهو شيء غائب في رواية ربيع التي لم تستخدم التداعي النفسي والبوح الذاتي للشخصية، ولم تكثر من الحوارات الكاشفة، ويتيح لنا هذا العمق في تناول الشخصيات إمكانية أن نجمع صورة أمريكا كما تجلت من خلال سلوك تلك الشخصيات، فرأفت ثابت الذي يحمل الجنسية الأمريكية منذ عشرين سنة ويتنكر لهويته المصرية ويربطها بالتخلف الراسخ والعقلية المنغلقة، عانى بشكل مرير من استعلاء زوجته الأمريكية عليه، وازدادت معاناته بتمرد ابنته وتركها للبيت لتعيش مشردة مع مشرد، وأما كرم دوس الطبيب الجراح والقبطي، فقد جاء بحثا عن الحرية والعدل بعد أن عانى الظلم الذي لقيه من أحد رؤساء الجامعة في مصر، لكن ضاعت في العمل، وما زال وهو في قمة مجده يعاني من تلك النظرة العنصرية والاستعلائية التي ينظر بها إليه بعض الأطباء الأمريكيين، رغم أنهم يعملون تحت إمرته، والعنصرية نفسها يعاني منها الأمريكيون السود في شخص “كارول” كانت توصد أمامها أبواب العمل كلما تأكد أصحابه من أنها زنجية سوداء .
أما ناجي فإن وعيه السياسي كمناضل كان منصبا على الحديث عن مشاكل الحكم في مصر والأزمات التي يعانيها الشعب، ولم يلتفت لأمريكا، ولا يبدو أنه منبهر بها رغم أنه كان أكثر طلاب البعثة المصرية اندماجا في الحياة الأمريكية، لكن ذلك لا يعدو كونه تصيد فتيات البارات طلبا للمتعة، لكن المآل الذي آل إليه ناجي قد يلقي الضوء على بعض وجه أمريكا، فقد جاءه رجال من “الإف بي آي” وأخبروه أنه متهم بالعمل لحساب القاعدة، ولم يشك ناجي في أن ذلك كان من تدبير المخابرات المصرية التي توثق التعاون بينها وبين المخابرات الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر .
وفي مناسبة زيارة الرئيس يقدم الراوي مثالا لحساسية الحكومة حول كل ما من شأنه أن يغضب أمريكا “تعلم بخبرته أنه ما من شيء في الدنيا يقلق سيادة الرئيس مثل مشكلة مع مواطن أمريكي مهما كان منصبه، ثمة جملة مأثورة تعود سيادته أن يرددها: الذي يتحدى أمريكا كالأحمق الذي يضع رأسه في فم الأسد” .
يمكن إذاً من خلال تلك الإشارات استجماع الصورة التي تقدمها الرواية لأمريكا وهي صورة تتسم بالمفارقة أو التناقض فأمريكا بلد العلم الذي يهاجر إليه الآخرون طلبا للشهادات العليا والرواتب العالية، وهي بلد الحرية حين يضطهد المرء في وطنه فيلجأ إليها ليمارس حريته السياسية أو حرياته جميعا، لكنها في المقابل بلد العنصرية وكراهية العناصر الأجنبية الراسخة في نفس الأمريكي الأبيض، وبلد التفكك الأسري وتمرد الأولاد لأتفه الأسباب، والقلق النفسي والفردانية القاتلة، وهي أيضا بلد القوة الجبارة المتغطرسة التي تقهر حكومات الشعوب الضعيفة وتوجهها لمصلحتها .
هاتان صورتا أمريكا كما بدت في الروايتين، ويلاحظ التغير العميق الذي حدث في الصورة في نفوس المهاجرين العرب بعد مائة سنة أو أكثر من التواصل مع تلك البلاد، فقد كان انخراطهم في المجتمع وخوضهم غمار العمل سهلا وبسيطا، حين كانت في بدايات نهضتها وبناء نفسها محتاجة إلى أولئك المهاجرين، فكانت مصدر الجمال والحسن وقيم العمل المنتج، والمكان الذي يحلم كل شاب أن تطأه قدمه ويسير فيه بزهو خالعا جبة الفقر والجوع، أما حين بنت نفسها، وبذخ أهلها، وصارت يدها طويلة في العالم وأحست بعنفوان القوة، وداست الآخرين بأخفافها الغليظة، فقد انقلبت رؤية المهاجر لها إلى هذا المزيج المتناقض من الخير والشر، من العلم والعمل والحرية مقابل العنصرية والغطرسة والقلق الدائم الذي يولد في نفس الأجنبي الذي تطأ قدمه أرضها شرخا عميقا، وصراعا ذاتيا لا ينطفئ .
لقد وفق الكاتبان إلى حد بعيد في تقديم منظوريهما عن واقع المهاجرين العرب إلى أمريكا في فترتين متباعدتي الزمن، لكن أخذ رواية “أمريكا” في حيوات كثيرة جانبية وعدم تركيزها حول شخصيات محددة مشاركة ومتورطة في الأحداث نفسها بشكل جدلي متنام أغرقها بأحداث جانبية كثيرة هي في غنى عنها، وجعل تدفق أحداثها في بعض الأحيان فاترا، وكان يمكن أن تكون أعمق وأكثر حرارة لو نفضت عنها تلك الشوائب، على أن ذلك لا يسلبها سلاسة السرد وجمال الأسلوب وعمق التجربة الإنسانية، أما رواية “شيكاغو” فقد افتقرت إلى متن حكائي جامع، فيمكن إعادة ترتيبها وفصلها إلى مجموعة من الحكايات أو السير الشخصية التي تشكل كل منها قصة منفردة، ورغم ذلك فلا تخفى قدرات الكاتب الأسلوبية وبراعته في رسم شخصيات عميقة الإحساس ومقنعة فنيا .

الفصحى في يوم اللغة الأم


أفق
الفصحى في يوم اللّغة الأم
آخر تحديث:الاثنين ,22/02/2010
محمد ولد محمد سالم
يحتفل العالم سنوياً منذ شهر شباط/ فبراير 2000 باليوم العالمي للغة الأم، الذي أعلنته اليونسكو في مؤتمرها العام في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام ،1999 وجعلته موافقاً ل21 فبراير/ شباط من كل سنة، وفي كل مناسبة لهذا اليوم يتذكر العرب لغتهم وما يواجهها في راهن الأيام من تحديات، فيقيمون الأنشطة المخلدة لهذه الذكرى ويرفعون شعارات كثيرة لحماية وتطوير اللغة العربية، وما أن تغيب شمس ذلك اليوم حتى تنتهي الضجة وينسى الجميع الشعارات التي رفعوها بالأمس، وتبقى لغتهم المسكينة غارقة في وحل التحديات التي تواجهها باستهداف واضح وطريقة منظمة .
وأول تلك التحديات الحصار الذي تعانيه في داخل الوطن العربي نفسه، والانتشار المتزايد للتعليم الأجنبي، خصوصاً باللغتين الإنجليزية والفرنسية، حيث أصبح التعليم الحر في البلدان العربية يتبنى التدريس بهاتين اللغتين استجابة لرغبات وضغوط كثيرة، تأتي عوامل الانفتاح الاقتصادي والتجارة والسياحة والهجرة في أولها، في ظرف تردّى فيه أداء التعليم النظامي الذي كان يعوّل عليه في بناء مجد الفصحى، وعزز هذا الانتشار كون البلدان الغربية التي كانت استعمارية في يوم ما، لا تزال تتبنى سياسات دعم لغاتها وربط علاقاتها السياسية والاقتصادية مع مستعمراتها القديمة ومن ضمنها الأقطار العربية، بإعطاء لغاتها مساحة بارزة في التعليم، وهو أمر جلي في سياسات فرنسا في شمال إفريقيا، حيث يشترط الدعم، خصوصاً التربوي والثقافي إفراد تلك المساحة للفرنسية، ومن أوجه الاستهداف أن البلدان الغربية لا تزال تعمل على إحياء فكرة التقسيم القديمة للوطن العربي إلى مناطق جغرافية لكل منها لغتها الخاصة، كلغة منطقة الشام أو “الهلال الخصيب”، ولهجة شمال إفريقيا واللهجة المصرية واللهجة الخليجية، وقد وجدت هذه الفكرة أحدث تطبيق لها في النظام التربوي الفرنسي الذي حذف الفصحى واستبدلها بقانون يخوّل للطالب في المرحلة النهائية من التعليم الثانوي اختيار إحدى هذه اللهجات لتكون ضمن مواد الدراسة .
لقد أصبح الوضع ينذر بتحول لغوي خطير نشاهد بوادره حتى في اللهجات العامية، التي تسربت إليها هذه اللغات على الأقل لدى المراهقين والشباب، وأشهر أشكال هذا التسرب ظاهرة “الأرابيزي” التي هي مزيج من الإنجليزية واللهجات العربية .
ومن التحديات التي تواجهها اللغة الفصحى غياب نظام واضح للترجمة يساير التطور السريع للتقنية والعلوم، ويعمل على إدخال ما يستجد من مصطلحات هذه العلوم إلى الفصحى، بشكل فعّال وسريع يسعف أبناء العربية المشتغلين في هذه الميادين . وكذلك جمود مناهج تدريس مادة اللغة العربية وعجزها وضمور مستوى البحث في مجال تطوير هذه المناهج .
وبالنظر إلى واقع اللغات الحية في العالم والتي تتبنى سياسة تعليمها ونشرها جهة واحدة، فإنه يمكن استنتاج أن أزمة اللغة العربية لا تتعلق فقط بمشكلات فشل الأنظمة التربوية في البلدان العربية، وإخفاقها في تبني سياسة بناءة للرفع من مستوى اللغة العربية وضعف البحث في مجال تطويرها، بل ربما في شيء أكبر من ذلك وهو غياب جهة واحدة مسؤولة عن سياسة تعليم الفصحى في الوطن العربي، فمشكلة اللغة العربية لا يمكن أن تحلّها دولة عربية واحدة مهما تبنت من سياسات وأنفقت من جهود، ولا يمكن حلّها إلا في إطار شامل ومن طرف جهاز علمي وتربوي موحد، وهذا الجهاز، للأسف الشديد، لا يزال غائباً حتى الآن .
Dah_tah@yahoo .fr

جعجعة بلا طحين

أفق
جعجعة . . ولا طحين
آخر تحديث:الاثنين ,22/03/2010
محمد ولد محمد سالم
ماذا يمكن أن نقول للشعر في يومه العالمي؟ هل نبكيه بعدما تخطّف الموت آخر عمالقته الكبار، وبعدما فسد ذوق المتلقين له، أم نهنئه بما تضخه المطابع صباحاً ومساء من كتب تتزين أغلفتها الخارجية بكلمة “شعر”؟
عندما اختلط العرب بالأمم الأخرى ونشأت طبقة من الشعراء المولودين في المدن وكانت الفترة حقبة جمع لمفردات اللغة، أحجم اللغويون عن الاستشهاد بأشعار أبناء تلك المدن خوفا من أن تكون العجمة قد تسربت إلى شعرهم، ولكنهم كانوا من الحضور وجودة الشعر بحيث أطلق أبو عمرو بن العلاء قولته الشهيرة “لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياننا بروايته”، ولم يكن شعراء “هذا المحدث” سوى جرير والفرزدق والأخطل الذين “اتفق علماء الأدب، وأئمة نقد الشعر قديماً على أنه لم يوجد في الشعراء الذين نشأوا في ملك الإسلام أبلغ منهم”، وقد أصبحوا بعد ذلك أعلاماً في سماء الشعر العربي، وما زالت دواوينهم منبع إلهام لكثير من شعراء العربية، وفي ضوء هذه الحقيقة التاريخية ألا يمكن أن نقول إن ما نراه اليوم من ظواهر شعرية عربية في عصر العولمة والاختلاط اللامحدود بين البشر، وما يلقى إلينا من دواوين، هو “محدث” هذا العصر؟
هناك وجوه فرق بين محدثي أيامنا وجرير وأصحابه، فقد كان أولئك رواة للشعر قبل أن يكونوا شعراء، وقد أخذ جرير الشعر عن أبيه عطية، وأخذ الفرزدق الشعر عن أبيه غالب بن صعصعة، وأما الأخطل فقد أخذ الشعر عن شاعر تغلب كعب بن جعيل، فكل هؤلاء كانوا رواة شعر وقد تدربوا في أكناف شعراء كبار من عصرهم، وتثقفوا بثقافة شعرية راسخة، وغَشَوْا مجالس الشعر، فسمعوا من النقاد آراءهم، ويكفي أن النقائض كانت تعرض على كبار أهل اللغة والأدب في ذلك العصر فيحكمون لشاعر على الآخر من خلال ما يسمعونه، وفي هذا الجو نما ذلك الشعر الذي سماه علامة اللغة أبوعمرو ابي العلاء “المحدث” وكان إبداعاً بلا شك .
إن أهم ميزة من ميزات أغلب من يكتبون الشعر في أيامنا هذه تتمثل في أنه مقطوع الصلة بالتراث الشعري العربي، ولا يقيم وزناً من أوزانه، وكثيراً ما تكون لغته العربية سقيمة، مهلهلة التركيب، فكيف نسمي هذا ابداعاً؟
سيجادل كثيرون بأن الإبداع ينبغي أن يكون نقيضاً لما سبقه وثورة عليه، واستحداثاً لطرق جديدة في القول وأشكال بديعة من الإيقاع، هذا صحيح، لكننا إذا قسنا الأمر بالإبداع في رياضة معينة، فإن شرطه الأول هو إتقان تلك الرياضة حتى يستطيع الرياضي تجاوز ما أنجزه فيها من سبقوه، فلا يمكن لشخص جاهل بالسباحة أن يحطم فيها رقماً قياسياً، وعلى هذا فإن الاطلاع على تراث الشعر العربي، وتمثل أساليب القول فيه قديماً وحديثاً والخبرة بإيقاعاته، هي أول طريق نحو الإبداع فيه، ومن دون سلوك هذا السبيل لن يكون ما يلقى إلينا مما يسميه أصحابه دواوين سوى جعجعة رحى لا تجد ما تطحنه .

Dah_tah@yahoo .fr
الخليج: http://www.alkhaleej.ae/portal/70199f36-cdd8-4d32-8b5e-24f00c31d7dd.aspx

عليكم الننصف الباقي


أفق
عليكم النصف الباقي
آخر تحديث:الاثنين ,29/03/2010
محمد ولد محمد سالم
أظهرت الندوات التطبيقية التي صاحبت عروض الدورة العشرين من مهرجان “أيام الشارقة المسرحية” والتوصيات التي قدمتها لجنة التحكيم أن وقائع الدورة في عمومها كانت جيدة وسارت في الاتجاه الصحيح، فمن ناحية التنظيم جرى كل شيء كما خطط له، واستغل الوقت استغلالا جيدا، ومن ناحية الموضوعات التي طرحت فقد ركزت كلها على الهم الوطني والمشكلات المطروحة في المجتمع الإماراتي المتعلقة بالانفتاح على العولمة والاختلاط بالأجناس البشرية الأخرى . ولم يغب الهم العربي والقضية الفلسطينية، فقد كان له نصيب مما طرح من موضوعات . ومن ناحية الاستفادة من التقنيات الحديثة، كانت العروض ناجحة في استخدام السينوغرافيا والاستفادة إلى حد كبير من الإضاءة، بما يخدم أهداف العرض ويضفي على المشهد الدلالة المطلوبة، كما أن الديكورات كانت جيدة وخدمت العروض بشكل واضح، ومن الملاحظ أنها استقت أدواتها من البيئة الإماراتية كالأرجوحة وتوزيعات المعمار في المنازل وأدوات البحارة من سفن وشباك وألبسة وألقاب بحرية، وقد أضفت تلك البيئة واقعية كبيرة على المسرحيات وبعثت لدى المتفرج نوعا من الارتياح والألفة لما يشاهده ما عزز لديه حوافز الاندماج في العرض . ومن ناحية الممثلين أظهرت العروض أن هناك طاقات شابة تمتلك الحافز والاستعداد التام للعمل ولا تنقصها الموهبة . وفي الإخراج قدمت هذه الدورة تجارب إخراجية فيها جدة واعية بالأدوات الإخراجية، وفيها أيضا اشتغال معقول على عنصر التجريب .لكن التقييم أيضا أظهر أن هناك نواقص يجب تلافيها، حتى نستطيع الوصول إلى عروض مسرحية متكاملة، وأول هذه النواقص يتعلق بندرة النصوص المسرحية الإماراتية الجيدة، فهناك نقص كبير في هذه النصوص، وقد أظهرت العروض افتقار كثير من المسرحيات للعمق في تناول القضايا المطروحة، وهو شيء يعزى عادة إلى النص وليس إلى الإخراج، ما يستدعي إقامة دورات متخصصة في كتابة النصوص المسرحية لتمكين الكتاب الشباب من امتلاك أدوات الكتابة المسرحية على الوجه الصحيح . ومنها أيضا نقص الخبرات الإخراجية وجمع المخرج بين عملين أو ثلاثة في المسرحية، كأن يكون مخرجا وكاتبا أو أن يكون مخرجاً وممثلاً ما يجعله مشتتا بين عملين ومقسما بين رؤيتين، فيفقد في حالات كثيرة إمكانية السيطرة على مسرحيته بطريقة تخرج العرض متماسكا تتناسب فيه العناصر وتتكامل لتقديم الرؤية التي يريدها المخرج .
ورغم امتلاك الممثلين لقدرات تمثيلية فطرية، واستعداد للعمل وحضور جميل على المسرح إلا أن كثيرا منهم يحتاج إلى تدريب، ليتعرّف إلى شروط وخصائص الوقوف على الخشبة ومواجهة الجمهور، والقدرة على التحكم في المشاعر وإظهارها بالمقدار الذي يخدم العرض .
ويشير كثير من المتخصصين إلى ضرورة الاستفادة من التجارب المسرحية العربية في النصوص، ومن ناحية فتح باب العروض أمام بعض الفرق لعرض تجربتها في المهرجان .
وتلقي تلك الملاحظات بالكرة في مرمى الفرق المسرحية التي عليها وقد عرفت نواقصها - إن معرفة الداء نصف الدواء - أن تبادر بتلافيها في سبيل الإعداد لدورات قادمة أجود وأحسن، وفي سبيل أن يتجذر المسرح الإماراتي كأداة وعي مهمة في عملية التطوير والتنمية .
dah_tah@yahoo .fr

في الكتابة الروائية


أفق
في الكتابة الروائية
آخر تحديث:الأربعاء ,14/04/2010
محمد ولد محمد سالم
لا بد للمتابع للحركة الروائية في الوطن العربي أن يلاحظ أن العقد الماضي شهد طغيان أسلوب روائي يمزج بين الرواية والسيرة الذاتية، ولئن كانت الفوارق بين الجنسين يعتريها التداخل والتبادل في بعض الأحيان فيجد الدارسون صعوبة في تمييزها، وتبقى رهينة بقدرة هذا المؤلف أو ذاك على الإبداع، فإنه يمكن بالاعتماد على شواهد الواقع الأدبي رصد ميزات أساسية للسيرة الذاتية تميزها عن الرواية، فالسيرة الذاتية تتمحور حول شخصية واحدة و”صوت واحد” هو صوت المؤلف، لترصد حياته منذ ميلاده إلى وقت كتابته لسيرته، ولا يتقيد كاتب السيرة الذاتية بأية قواعد للكتابة اللهم إلا إذا كانت قواعد اللغة، ولا بأي منظور لترتيب الزمن والأحداث، ويحق له فوق ذلك نقاش كل الأفكار وإبداء رأيه المباشر فيها، وإصدار الأحكام سواء تعلق الأمر بمواقف واتجاهات سياسية أو عادات اجتماعية أو عقائد دينية أو اقتصاد أو فلسفة أو غير ذلك، حسب المحور الذي انشغل به المؤلف في حياته . أما الرواية فتمتاز بتعدد الأصوات والبعد عن المباشرة وإصدار الأحكام الجاهزة، ومن العيوب المخلة كثيراً بالرواية التي تفقدها صدقيتها تدخل الكاتب المباشر وإبداء رأيه في الأحداث الجارية، أو في قيمة معينة من قيم المجتمع، تثميناً أو تبخيساً لها، فهذه أمور ينبغي أن تصدر الأحداث حكمها عليها وليس الكاتب، ولهذا يبحث نقاد الرواية عادة عن “المنظور الروائي” أو “وجهة النظر الروائية” التي ترد بشكل إيحاء، وتستخلص من التوجه العام للأحداث وسمات الشخصيات المآل الذي تؤول إليه .
نحن نعرف من تاريخ الأدب العربي الحديث أن الخلط بين الجنسين كان عنواناً للضعف في امتلاك ناصية الفن الروائي، فالرواية التي تعد اليوم باكورة الأدب الروائي العربي التي حاز صاحبها قصب السبق وهي رواية “زينب” لمحمد حسين هيكل لا تعدو أن تكون مزجاً بين هذين الأسلوبين، وكذلك رواية “سارة” لعباس محمود العقاد، واليوم رغم أننا نعيش عصر الرواية بصورة جعلت الكثيرين يتكهنون بموت الأجناس الأدبية الأخرى، إلا أن هذا الخلط بين السيرة الذاتية والرواية ينم عن ضعف في امتلاك ناصية الفن الروائي لدى الكثير من الكتاب الذين يسمون أنفسهم روائيين وخاصة لدى فئات الشباب الذين ربما دفعتهم إكراهات الواقع، وضغط الحياة التي يحيونها، وانكسار الآمال إلى الكتابة، فظنوا أنهم يكتبون رواية وهم لم يخرجوا عن أن يكتبوا سير حياة قد لا تكون من الأهمية بمكان .
على الشباب الذين يتصدون لكتابة الرواية أن يدركوا هذا الفرق، وأن يبتعدوا عن التدخل المباشر في الأحداث ويتركوا للشخصيات الروائية مساحة للحرية لتنمو وتتطور في سياقها، ويتركوا الأحكام للمسار العام للرواية، ولن يتأتى ذلك إلا بالنظر إلى الأحداث بموضوعية بعيداً عن الذاتية، وقد يكون من السهل أن يكتب المرء سيرته الذاتية لكن ليس من السهل كتابة رواية .
Dah_tah@yahoo.fr

إنها "ترمي بشرر.."


أفق
“ترمي بشرر”
آخر تحديث:السبت ,10/04/2010
محمد ولد محمد سالم
حين يقرأ الإنسان رواية “ترمي بشرر” للروائي السعودي عبده خال لا بد أن يتسرب إليه شيء من ذلك الانخذال النفسي الذي تعيشه شخصيات الرواية، ويحس بنفسه كأنما ينزلق إلى الحضيض، فلا يجد شيئاً يتشبث به علّه يقيه السقوط، فهذه الرواية تقدم طبقتين من المجتمع، هما الطبقة الفقيرة التي تعيش في حي قذر متراص البناء ضيق الأزقة تمتلئ طرقاته بالقمامات والروائح الكريهة، والطبقة الباذخة التي يمثلها رجل الأعمال وضيوفه ويرمز لها قصره المنيف المشيّد على الشاطئ قريباً من الحي .
يعشش في الحي الفقر والجهل وسوء الخلق والنميمة وكل الدناءات، ويسود بين أفراده الكره والحقد حتى في الأسرة الواحدة، فعمة البطل تكره أباه وأمه، والأم تكره العمة، والبطل يكره الجميع، والأطفال أبناء شوارع يأتون كل أنواع المنكرات، ولكل شخص خسيسة يتكتم عليها، وأما على الجانب الآخر من الرواية فالدناءات مسورة بأسوار عالية من البذخ والرفاهية والمال الذي يدير العقول، ويسخر الأنفس الضعيفة لتأتي أبشع الآثام في صمت تام كأنها خرساء، وتغدو أسيرة لآثامها التي لا تستطيع منها فكاكاً، يسخرها أحد أبطال الرواية لرغباته المجنونة وانتقاماته البشعة، فغدت تلك الشخصيات حبيسة جرائمها وما يغدق عليها من مال .
بهذا الإيقاع البشع تسير حياة الشخصيات وتنتهي بأبطال الرواية إما بالموت أو الجنون أو الهروب أو الاستلاب النفسي، وهي مصائر سوداوية لا تترك بصيص أمل لنقطة ضوء في المستقبل، وكأن الإنسان مساق إلى هذا المصير المأساوي ولا مناص له منه، وكأن كل ما في المجتمع مسخر لسحق الإنسان وسلبه حريته واحترامه لنفسه، ولا صوت للأمل والخير في هذا الجو القاتم، وحتى تلك الشخصيات التي مثلت صوت الخير بتقديمها نصائح للبطل قدمتها الرواية وكأنها شخصيات غبية لا تعي ما تقول، ولا تملك أي إحساس إنساني، هكذا يحكم الكاتب إغلاق السواد على أبطاله، فهل هذا هو المجتمع المعاصر؟ وهل كلما يريده الروائي هو أن يسحق نفس قارئه، ويصيبه بوباء الكره والسوداوية والقنوط التي تلبست بها شخصياته؟
من مهمات الروائي الأصيلة أن يعطي للقارئ بصيصاً من أمل يتشبث به، وأن يمد له من خلال ركام الشر حبل خير يتعلق فيه، لعلّه ينجيه في مستقبل الأيام، ويساعده على تجاوز مآسي الحاضر والبحث عن مستقبل أفضل، وذلك الضوء في آخر النفق هو ما غاب عن رواية “ترمي بشرر” حتى أصبحت هي نفسها ترمي بشرر .
dah_tah@yahoo.fr

العربية في الإدارة الموريتانية


أفق
العربية في موريتانيا
آخر تحديث:الجمعة ,23/04/2010
محمد ولد سالم
تناول مقال منشور أمس في “الأسبوع السياسي”، بقلم مراسل “الخليج” في نواكشوط، الأزمة التي نشأت بسبب تصريح سابق من رئيس الوزراء الموريتاني قال فيه “إن السيادة الوطنية ستبقى ناقصة ما لم تصبح العربية لغة الإدارة”، الأمر الذي أثار ردود فعل توزعت بين غاضب ومؤيد، وتطورت إلى حملات سياسية ثم عنف متبادل في جامعة نواكشوط .
أزمة اللغة العربية في الإدارة في موريتانيا أزمة حقيقية لم تجد حلاً منذ استقلال البلاد عن المستعمر الفرنسي في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1960 إلى اليوم، على الرغم من بعض المحاولات التي سعت إلى ذلك، لكنها كانت دائماً تصطدم بمشكلتين رئيستين: أولاهما حقيقة أن الذين يسيرون هذه الإدارة هم مجموعة من الموظفين الفرانكفونيين الذين يرون في تمكين اللغة العربية إدارياً ذهاباً لسلطتهم بل وظائفهم، وثانيتهما حقيقة أن حوالي 20% من سكان موريتانيا لا يتكلمون اللغة العربية، وإن كانت هي لغة الكتابة والدين والثقافة الوحيدة التي كانوا يعرفونها قبل الاستعمار وما زالت لها مدارس في كثير من أحيائهم، إلا أن عوامل الانتماء إلى أفق إفريقي فرانكفوني يمتد جنوباً إلى السنغال ومالي وما وراءهما، تجعل التشبث بالفرنسية خياراً قومياً لدى طبقة واسعة من المثقفين والسياسيين الأفارقة في موريتانيا . كذلك هناك الدعم القوي الذي تلقاه هاتان الفئتان من فرنسا حارسة الفرانكوفونية ومسيّرة سياستها حول العالم والدولة الاستعمارية الكبرى التي بقيت أهم داعم لاقتصاد موريتانيا الفقيرة بعد الاستقلال .
رغم ذلك فإن حضور اللغة العربية وفاعليتها في المجتمع والثقافة ظل يتقدم تؤازره حقيقة أنها اللغة الأم ل80% من السكان، وأن هناك معاقل تقليدية للثقافة العربية لم ينل الاستعمار من قوتها ولا عطائها، وأن نظام خيار التعليم بإحدى اللغتين الذي طبق نهاية السبعينات إلى نهاية التسعينات أعطى لهذه اللغة سيادة تلقائية، في مؤسسات التربية والتعليم، وكوّن أجيالاً من المثقفين وحملة الشهادات العربية، وأن نسبة 80 إلى 90% من حصص الإعلام الرسمي باللغة العربية، وحتى في القضاء لها حضور معتبر .
وحدها “الإدارة” بقيت حصناً عصياً على التعريب، وشكلت أزمة ثقافية ذات تشعبات سياسية وعرقية خطيرة، ويعزى تقهقر المسؤولين السياسيين عن اقتحام هذا الحصن إلى الخوف من معاداة فرنسا، وضعف الإرادة لإصلاح مكلف وطويل الأمد ونقص الرؤية المستقبلية وغياب سياسة تعليمية واضحة المعالم .
إن أزمة اللغة العربية في الإدارة هي أزمة هوية ثقافية، تتمثل في وجود مجتمع مغيب وإدارة لا تملك الوسيلة الصحيحة للتواصل مع محيطها، ولا بد لحل تلك الأزمة من امتلاك تصور ثقافي واضح لمستقبل المجتمع، وتطبيق سياسة تعليمية قادرة على إحلال اللغة العربية محلها الصحيح في الإدارة، وإعطاء الأطراف التي تخاف من سيادتها وتمكنها ضمانات تكفل لها حقوقها المهنية والثقافية، لكن حلا كهذا هو مشروع كبير يحتاج إلى دعم ثقافي ومادي عربي، يقدم المناهج والخبرات والمال، ويشكل عنصر موازنة في وجه الضغط الفرنسي، وذلك العنصر ظل غائباً في كل تاريخ هذه الأزمة، فإلى متى يا ترى يظل غائباً؟
Dah_tah@yahoo.fr

جتى لا يهدر الحبر والورق


أفق
حتى لا يهدر الحبر والورق
آخر تحديث:الثلاثاء ,27/04/2010
محمد ولد محمد سالم
لا بد للذين عرفوا المجلات العربية الشهيرة التي أسهمت بجد وعمق في تأصيل وتحريك الساحة الثقافية العربية في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وكانت معلماً بارزاً من المعالم الثقافية التي طبعت الثقافة في ذلك الوقت بطوابع كثيرة من الأصالة والعمق والجدة، وكانت لها مساهمة جميلة في تشكيل عقليات أجيال متتابعة من القراء والمثقفين تشبعوا بالكثير من العطاء الجيد الذي أعطته، لابد لهم أن يأسفوا وهم يرون واقع الكثير من هذه المجلات، فلا يمكن أن نعقد مقارنة بين ما آلت إليه اليوم وما كانت عليه بالأمس “فلا هو هو ولا الأيام أيامه” كما يقال، لن يجد القارئ في هذه الأعداد الجديدة من هذه المجلات سوى بعض الكتابات الإنشائية البسيطة كأنها لتلاميذ من المرحلة الثانوية، تخلو تماماً من أي خلفيات معرفية، وتفتقر إلى أبسط أدوات العقل من تحليل وتركيب واستنتاج، فما الذي حدث، كيف يمكن لكاتب أن يدعي أنه يقدم موضوعاً فكرياً أو يناقش قضية فلسفية أن ينزل إلى مستوى من الكتابة وكأنه معلم يعد ملخصاً لطلاب صغار يعوزهم التفكير والفهم .
لشد ما يحزن المرء حين يرى مثل تلك الصروح الثقافية وقد تداعت من عليائها، فما الذي حدث هل تغيرت الاستراتيجية الثقافية للمجلات والمؤسسات الثقافية العربية أم أن الكتاب المتخصصين والمثقفين الضليعين قد اختفوا من ساحتنا الثقافية، أم تراه القارئ هو الذي لما تضاءل علمه، لم يعد يستحق غير هذا النوع من الإنشاء المدرسي المهلهل .
ولو كان الأمر يقف عند هذا الحد من الهزال لكان أرحم، ولكن المشكلة الكبرى هي المواضيع التي تتطرق لها باتت مواضيع ثانوية بالنسبة لأسئلة الثقافة الحقيقية وبالنسبة للقارئ، كما أن النصوص التي ترد فيها تعج بالأخطاء اللغوية الفادحة التي لا تليق بطالب صغير، كذلك فإن تأثير الترجمة الحرفية واضح في بعض مواد هذه المجلات، حيث ترد بعض الجمل والعبارات التي لا يمكن أن يخرج منها القارئ بمعنى صحيح أو التي توهم معنى معاكساً تماماً للمعنى الذي يريده كاتبها وكأنه اعتمد على خدمة الترجمة من موقع غوغول .
إن وضع تلك المجلات اليوم يمثل نموذجاً كاشفاً للتراجع الذي وصل إليه الخطاب الثقافي العربي شكلاً ومضموناً، ولانحسار الأقلام الكبيرة التي كانت تغذي الفكر العربي، وانشغال هذه المجلات بالهامشي على حساب الجوهري، وهو وضع لا يطمئن على مستقبل هذه الثقافة العربية، ولا على دور المجلات التي باعتبارها منظماً للفكر يجمع بين رصانة الكتاب وعلميته ووثوق معلوماته، وبين تنوع سرعة الصحافة وتنوعها وانتشارها، وإذا لم تنتبه هذه المجلات إلى المأزق الخطير الذي وصلت إليه وتراجع مسطرة عملها، فحري بها أن تكف عن إهدار الحبر والورق .
dah-tah@yahoo .fr