بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 19 يوليو 2017

القراءة المرئية..السياحة من منظور ثقافي ومعرفي


تاريخ النشر: 14/07/2016


محمد ولد محمد سالم

تعرض دار فكتور هوغو في (بلاس دي فوسج) في باريس تفاصيل عديدة عن الحياة الشخصية والأدبية لواحد من أكبر كتّاب فرنسا صاحب «رواية البؤساء» التي طبقت شهرتها الآفاق، وتشتمل الدار على نماذج من الأدوات المنزلية التي كانت تستعمل في القرن التاسع عشر عندما كانت أسرة هوغو تسكن في ذلك المنزل، وعلى صور شخصية نادرة لهوغو، ونماذج من أعماله، ومعلومات عن مراحل حياته، وسلوكه، وتعريفات لأعماله، وأسلوبه وعاداته في الكتابة، وأهم أفكاره، ومقولاته المشهورة، وتشتمل على قاعات للعروض كلها موجهة لإعطاء زائر ذلك المتحف الخاص صورة كاملة وسريعة عن هذا الكاتب الفذ، وعن عصره الذي عاش فيه، وتلخص له ربما عشرات الكتب، وكماً هائلاً من المعلومات التي يحتاج إليها ليكوّن وجهة نظر متكاملة عنه، ويعد هذا المتحف نموذجاً ناجحاً في مجال السياحة الثقافية التي أصبحت اليوم تجتذب أعداداً متزايدة من المهتمين بالمجال الثقافي، نظراً لتزايد الوعي الثقافي في المجتمعات، وحاجات الإنسان إلى معرفة المزيد عن الشعوب والمناطق التي يزورها.
أصبح الإقبال على السياحة الثقافية كبيراً في الدول الغربية، وأصبحت المؤسسات السياحية تدرج برامج ثقافية ومهرجانات وأماكن تاريخية ضمن البرنامج السياحي لها، تقدمه للزوار حسب الطلب، وتوظف لذلك مرشدين متخصصين في المجال الثقافي قادرين على إتحاف السائح في فترة وجيزة بكم هائل من المعلومات والمعارف في المعالم الثقافية، وما زال الإقبال على هذا المجال من طرف السائح العربي نادراً، فمفهوم السياحة لا يزال في ذهن الأغلبية قاصراً على الاستجمام والترفيه، في حين أنه يمكن للبرامج الجديدة التي تقدمها بعض المناطق السياحية والمدن في العالم أن تقدم للسائح الاستجمام والترفيه والثقافة معاً، ولن يجد طالب هذه المناطق والبرامج المرتبطة بها صعوبة في الحصول عليها.
تسمح السياحة الثقافية بزيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والتعرف بالمعاينة إلى تاريخ تلك المناطق، وعلى ثقافتها التي كانت سائدة، والحصول على معلومات جديدة عنها، ومعاينة أشكال التعبير الثقافي والفني التي مارسها أهل المنطقة عبر العصور، وذلك من خلال الأنشطة الفنية التي تقدم في تلك المعالم الأثرية، والمهرجانات التي تقام حولها، وتركز بعض المدن التي تدعم هذا النوع من الثقافة على الآثار الحية لماضيها، ومعالمها الثقافية المهمة، كالأماكن المرتبطة بشخصيات تاريخية وثقافية عظيمة، مثل قصور الملوك والأمراء، ومساكن الأدباء والمؤلفين الكبار، ومساقط رؤوسهم، وقد يتم التركيز على الفنون التشكيلية أو المسرح أو فنون الفولكلور كالرقص والغناء، حسب اختصاص كل منطقة، وما ميزها في سالف عصورها من ظواهر ثقافية كان لها أثر بالغ في ثقافة شعبها، ويمكن اعتبار «مهرجان أفنيون المسرحي» في فرنسا أحد تلك الأنشطة الثقافية السياحية التي تستقطب الزوار، وتستقطب مشاركين من كل العالم يقدمون خلاله نماذج متنوعة من فنون المسرح والفولكلور الشعبي المرتبط به، حيث يقدم مئات العروض المسرحية والنشاطات الفنية الأخرى، ويقام في شهر يوليو من كل سنة في مدينة أفنيون السياحية الواقعة في الجنوب الفرنسي، وهي مدينة تتميز بطابعها العمراني القوطي الفريد، بحصونها وسورها القديم، وتتوسطها كاتدرائية «قصر البابوات» التي كانت مركزاً للمسيحية في القرن الرابع عشر، وتلك المعالم وحدها تاريخ حي يستطيع من يشاهده أن يتعرف بشكل مباشر إلى جوانب مهمة من الحياة الثقافية الأوروبية في القرون الوسطى، ويساعد برنامج المهرجان على ذلك حيث تقدم أنشطته وعروضه في مختلف الأماكن، في صالات المسرح والسينما، والقاعات الحكومية، والكنائس والمدارس والشاطئ، وفي السفن البحرية الراسية على نهر الرون، وعلى جسر أفنيون التاريخي، وتعج الشوارع والدروب بنشاطات فنيّة في الهواء الطلق.

وفي سويسرا مثلا عملت مدينة «بازل» على التحول إلى مدينة للثقافة السياحية، مستفيدة من الطبيعة الساحرة لها على نهر الراين، ومستغلة وجود عدد كبير من المتاحف الفنية التي تقدم أنواعاً عديدة من الفنون التشكيلية، حيث تحتوي ثلاثة من أشهر المتاحف العالمية نظراً لتصاميمها المعمارية المتميزة، التي أبدعتها أيدي فنانين معماريين سوسريين متميزين، ويقوم «بينالي فينيسيا» بدور مماثل، حيث يقام في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية، تلك المدينة البحرية التي لعبت أدواراً تاريخية، وتلاقت فيها الحضارتان الرومانية والإسلامية، ولا تزال شواهد الحضارات التي مرت عليها ماثلة، تقدم لمن يتأملها معلومات عن تاريخها، وقد أصبحت مقراً لذلك المهرجان الفني الدولي الذي يقام كل سنتين، ويتضمن التشكيل والموسيقى والسينما والمسرح، وأصبحت المدينة بسببه ورشة فنية دائمة، لا تخلو أيامها العادية من أنشطة فنية متنوعة.

تلك نماذج قليلة من مئات بل آلاف الأماكن في العالم - وحتى في الوطن العربي- تقدم خدمات ثقافية، وغنى معرفياً لزائرها، مع توفير الراحة المطلوبة له، ولا شك أن أي فنان أو أديب أو مثقف حقيقي يسعى إلى تطوير معارفه، وقدراته الفنية والإبداعية يستطيع أن يستفيد من تلك الخدمات، ويعمق معارفه ورؤاه من خلالها في فترة وجيزة، وخلال إجازة قصيرة، فوجودها يشكل فرصة حقيقية لهذه الشريحة من الناس، بل لكل من يمتلك وعياً ثقافياً، وحباً للمعرفة ولاكتشاف الآخر وثقافته، وهي يمكن أن توفر لهم الوقت، فتغنيهم عن الكثير من الكتب والبحوث التي لا يجدون وقتاً للاطلاع عليها.
جريدة الخليج:

- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/62248f01-8483-4137-a497-de64d210c6a1#sthash.7rpfj0U1.dpuf

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق