تاريخ النشر: 14/07/2016
محمد ولد محمد سالم
أصبح الإقبال على السياحة الثقافية كبيراً في الدول الغربية، وأصبحت المؤسسات السياحية تدرج برامج ثقافية ومهرجانات وأماكن تاريخية ضمن البرنامج السياحي لها، تقدمه للزوار حسب الطلب، وتوظف لذلك مرشدين متخصصين في المجال الثقافي قادرين على إتحاف السائح في فترة وجيزة بكم هائل من المعلومات والمعارف في المعالم الثقافية، وما زال الإقبال على هذا المجال من طرف السائح العربي نادراً، فمفهوم السياحة لا يزال في ذهن الأغلبية قاصراً على الاستجمام والترفيه، في حين أنه يمكن للبرامج الجديدة التي تقدمها بعض المناطق السياحية والمدن في العالم أن تقدم للسائح الاستجمام والترفيه والثقافة معاً، ولن يجد طالب هذه المناطق والبرامج المرتبطة بها صعوبة في الحصول عليها.
تسمح السياحة الثقافية بزيارة المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف والتعرف بالمعاينة إلى تاريخ تلك المناطق، وعلى ثقافتها التي كانت سائدة، والحصول على معلومات جديدة عنها، ومعاينة أشكال التعبير الثقافي والفني التي مارسها أهل المنطقة عبر العصور، وذلك من خلال الأنشطة الفنية التي تقدم في تلك المعالم الأثرية، والمهرجانات التي تقام حولها، وتركز بعض المدن التي تدعم هذا النوع من الثقافة على الآثار الحية لماضيها، ومعالمها الثقافية المهمة، كالأماكن المرتبطة بشخصيات تاريخية وثقافية عظيمة، مثل قصور الملوك والأمراء، ومساكن الأدباء والمؤلفين الكبار، ومساقط رؤوسهم، وقد يتم التركيز على الفنون التشكيلية أو المسرح أو فنون الفولكلور كالرقص والغناء، حسب اختصاص كل منطقة، وما ميزها في سالف عصورها من ظواهر ثقافية كان لها أثر بالغ في ثقافة شعبها، ويمكن اعتبار «مهرجان أفنيون المسرحي» في فرنسا أحد تلك الأنشطة الثقافية السياحية التي تستقطب الزوار، وتستقطب مشاركين من كل العالم يقدمون خلاله نماذج متنوعة من فنون المسرح والفولكلور الشعبي المرتبط به، حيث يقدم مئات العروض المسرحية والنشاطات الفنية الأخرى، ويقام في شهر يوليو من كل سنة في مدينة أفنيون السياحية الواقعة في الجنوب الفرنسي، وهي مدينة تتميز بطابعها العمراني القوطي الفريد، بحصونها وسورها القديم، وتتوسطها كاتدرائية «قصر البابوات» التي كانت مركزاً للمسيحية في القرن الرابع عشر، وتلك المعالم وحدها تاريخ حي يستطيع من يشاهده أن يتعرف بشكل مباشر إلى جوانب مهمة من الحياة الثقافية الأوروبية في القرون الوسطى، ويساعد برنامج المهرجان على ذلك حيث تقدم أنشطته وعروضه في مختلف الأماكن، في صالات المسرح والسينما، والقاعات الحكومية، والكنائس والمدارس والشاطئ، وفي السفن البحرية الراسية على نهر الرون، وعلى جسر أفنيون التاريخي، وتعج الشوارع والدروب بنشاطات فنيّة في الهواء الطلق.
تلك نماذج قليلة من مئات بل آلاف الأماكن في العالم - وحتى في الوطن العربي- تقدم خدمات ثقافية، وغنى معرفياً لزائرها، مع توفير الراحة المطلوبة له، ولا شك أن أي فنان أو أديب أو مثقف حقيقي يسعى إلى تطوير معارفه، وقدراته الفنية والإبداعية يستطيع أن يستفيد من تلك الخدمات، ويعمق معارفه ورؤاه من خلالها في فترة وجيزة، وخلال إجازة قصيرة، فوجودها يشكل فرصة حقيقية لهذه الشريحة من الناس، بل لكل من يمتلك وعياً ثقافياً، وحباً للمعرفة ولاكتشاف الآخر وثقافته، وهي يمكن أن توفر لهم الوقت، فتغنيهم عن الكثير من الكتب والبحوث التي لا يجدون وقتاً للاطلاع عليها.
جريدة الخليج:
- See more at: http://www.alkhaleej.ae/alkhaleej/page/62248f01-8483-4137-a497-de64d210c6a1#sthash.7rpfj0U1.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق