بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 يونيو 2011

دفاعا عن المثقف


أفق
دفاعاً عن المثقف العربي
آخر تحديث:الثلاثاء ,21/06/2011
محمد ولد محمد سالم
كانت الأنظمة المتسلطة في بعض البلدان العربية حين تغضب من الفكر التنويري للمثقف العربي تتهمه بالخيانة العظمى وخدمة أعداء الوطن، ويؤول الاتهام إلى سجن وتعذيب أو قتل بحكم علني أو في ظروف غامضة، وفي أحسن الأحوال تخويفه ليخرج من وطنه خائفاً، أو منعه من الكلام والكتابة، وكانت الآلة الإعلامية لتلك الأنظمة تشن حرباً لا هوادة فيها على المثقفين وترسخ في أذهان الشعب، أنهم نبتة طفيلية لا فائدة فيها، ولا تجلب سوى أفكار هدامة، وقد أفلحت تلك الأنظمة في مسعاها، حتى وصل الحال إلى أن يكون المثقف العربي فعلاً نبتة غير مرغوب فيها، ولا تنتج شيئاً ذا قيمة للمجتمع .
لقد كانت تلك الأنظمة معذورة كل العذر في أن تقطع الطريق على المثقف، وتوقف إمكانية تأثيره في الناس لأن ما يحمله من فكر، ويروج له من أفكار تناقض تماماً ما تريده الدكتاتوريات، بل فيها بذرة ذهاب تلك الدكتاتوريات، وتدميرها، لأنها أفكار الحرية والديمقراطية، وحق الإنسان في العيش الكريم، لكن الذي لا يجد المرء له عذراً هو ما نقرأه اليوم من تقارير الإدانة والمسبة للمثقف العربي على تخاذله عن نصرة حركات الحرية وثورات الديمقراطية وحقوق الإنسان المستعرة في أجزاء من الوطن العربي، وادعاء عدم نهوضه في طليعتها، بل تذهب بعض الآراء إلى أن المثقفين العرب لم يستطيعوا أن يفهموا حركة المجتمع ويرصدوا تغير الأفكار ففاتهم القطار، واندفع الشباب وعامة الشعب البسطاء، وبقوا هم قابعين في كهف تحجرهم وسقم تفكيرهم، فلمصلحة من يدان المثقف العربي اليوم، بعد أن بدأت تلك الأنظمة التسلطية التي عاداها وعادته وكرهها وكرهته تتداعى، وبدأت ثمار جهاده على مدى قرن أو يزيد تؤتي أكلها، ثورات تحررية لا ترضى بأقل من الديمقراطية والمساواة والحرية، لمصلحة من يقال إن المثقف العربي “فاته القطار”، وهو الذي صنع القطار منذ أن كتب رفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشر كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز” وكتب عبدالرحمن الكواكبي “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد”، وبينهما وبعدهما إلى اليوم ما يملأ الأفق من الكتب والأشعار والروايات والقصص والدراسات والمقالات التي تنظر وتوجه وتطالب وتنادي وتثوِّر المجتمع، وتدربه على أفكار الديموقراطية والحرية ليستوعبها ويطبقها في حياته .
كيف بعد كل هذا التاريخ يقال إن المثقفين لم يستوعبوا اللحظة ولم يفهموها وهم الذين مهدوا لها وصنعوها، رغم العسف وتكميم الأفواه، لكن ما سطروه كان النور الذي ينير الدرب، والمشعل الذي حملته الجماهير حين تحركت، وسواء أكان المثقف واحداً من أولئك الآلاف الذين اندفعوا على الشارع وواجهوا الموت بصدور عارية أو لم يكن منهم، فإن أفكاره ودعواته وتضحياته التاريخية هي التي أوصلت الناس إلى تلك اللحظة التاريخية، وهي التي ستوجه دفة تلك الحركات وترشدها، لأنها آراء الحق والعدل المتجردة من المصلحة الذاتية الضيقة .
dah_tah@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق